الطريق الوحيد للحصول على الحياة الأفضل ـ 2
في سبيل أن نقوى على عشق الله لابدّ لنا من تحسين حياتنا/ لقد كان سامريّو أمة النبي(ص) دعاةً إلى دين وعرفان بلا حياة/ بإمكان الدين أن يحسّن حتى مستوانا في كرة القدم/ كان منطلق العداء للأنبياء عند عزم الأنبياء على إعمار الحياة
بعد ما ألقى سماحة الشيخ بناهيان سلسلة محاضراته في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» ونالت إعجابا من قبل الشباب، بدأ بطرح موضوع «الطريق الوحيد للحصول على الحياة الأفضل» ليجيب عن سؤال «كيف نحظى بحياة أفضل؟» فإليك أيها القارئ الكريم نصّ أهم المقاطع من محاضرته في الجلسة الثانية:
يزعم الكثير من الناس أن الدين يبغض الحياة!
- ليست الحياة تحظى بأهمية عالية لدى الناس وحسب، بل هي أمر جدير بالاهتمام لدى الله عزّ وجل أيضا. وقد بدأ الله في بعض آيات القرآن من منطلق الحياة. في سورة طه بدأ الله يحكي عن خصائص الحياة في الجنّة للنبيّ آدم(ع) وعدّ لها أربع خصائص: (إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فيها وَ لا تَعْرى * وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فيها وَ لا تَضْحى) [طه/118,119] وحذّره من أن يخرجنّه عدوّه الشيطان منها؛ (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) [طه/117]. إن هذه الآيات تبيّن أن الله وفي منطلق حياة الإنسان في الجنّة، قد تحدّث معه عن الحياة. إذن فالحياة موطن اهتمام الله عزّ وجل، حتى ذاك القسم من الحياة الذي يشتمل على احتياجاتنا الأولية ولعلّنا نستطيع أن نعبّر عنه بالاحتياجات الحيوانيّة.
- يزعم الكثير من الناس أن الدين يعتبر الحياة أمرا سيّئا من الأساس! أو أنه يعتبرها أمرا بغيضا لا يليق بنا الحديث عنه! وحتى يزعم البعض أن الدين بصدد القضاء على هذه الحياة بطريقةٍ ما! فلابدّ من تعديل رؤيتنا عن الحياة.
- لقد حذّر الله في الآيات الآنفة الذكر آدم من أن يخرجنّه الشيطان من الجنة، فإن أخرجه تعتري حياته المشقّة والصعاب؛ (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) [طه/117] ثم قال لآدم بعد هبوطه إلى الأرض: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى( [طه/123] ثم قال بعد ذلك: (وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكا) [طه/124]
إن اتباع هدى الله يمتّعنا بحياة مريحة/ قال النبي(ص): الصلاة... راحة في البدن
- يبدو جليّا في هذه الآيات من سورة طه أن الموضوع الأوّل هو موضوع حياة الإنسان، وأنّه لا ينبغي أن تكون حياتنا مليئة بالمشقّة والصعاب. وأن أحد أهداف الهداية الإلهية الرئيسة هو القضاء على الحياة المليئة بالعسر والمشقّة وإن اتباع هدى الله يمنح الإنسان حياة مريحة.
- فعلى سبيل المثال إن الصلاة هي عمود خيمة ديننا وإن أهميتها لمعلومة. ومن جانب آخر الكثير منّا لا يدرك شيئا من أسرار الصلاة. إنها لعمل تكراريّ رتيب وقد يصعب على الإنسان أن يُقلع عن حياته العادية عدّة مرّات في اليوم ويباشر عملا قد لا يعرف حكمته ولا يدرك فائدته. في حين أن الصلاة بالإضافة إلى ما تتركه من آثار معنوية غفيرة، لا تخلو من آثار وفوائد مادّية لنا. أحدها هو ما أشار إليه النبي(ص) حيث قال: «الصَّلَاةُ...رَاحَةٌ فِي الْبَدَن» [جامع الأخبار/72]
قلّ من ينتبه إلى آثار الصلاة على الجسم وفوائدها الدنيويّة/ أمير المؤمنين(ع): «قِیَامُ اللَّیْلِ مَصَحَّةٌ لِلْبَدَن» [الم حاسن/ج1/ص53]
- قلّ ما ننتبه نحن إلى آثار الصلاة على الجسم وقلّ ما ننتبه إلى فوائدها الدنيوية. وإن أراد المبلغون أن يتحدّثوا عن هذه الآثار والفوائد الدنيويّة للصلاة قد يقال لهم: «لقد نزّلتم تلك الحقائق المعنوية الرائعة من أوجها وقد أعطيتمونا إياها على مستوى الاحتياجات المادّية!»
- وكذلك في صلاة الليل التي تمثّل أوج معنويّتنا قد وردت روايات كثيرة حول آثار وفوائدها الدنيويّة. فعلى سبيل المثال قال أمير المؤمنين(ع): «قِیَامُ اللَّیْلِ مَصَحَّةٌ لِلْبَدَن» [الم حاسن/ج1/ص53]. وقد صرّح بعض المحقّقين في الأمراض الجسميّة وعلى أساس دراساتهم ما يؤيّد كلام أمير المؤمنين(ع).
- كثير منّا لا يصدّق أن صلاة الليل مفيدة لسلامة جسمنا! إذ ليست رؤيتنا عن الدين هي أننا ومن أجل العيش في حياة مريحة وسعيدة في هذه الدنيا بحاجة إلى الدين، وإنه قد أعطى خير الارشادات للوصول إلى هذا الهدف، ممّا يعجز إعطاؤها سائر الناس، وإنما الله هو الذي قادر على هدايتنا إلى تحصيل الحياة الأفضل.
رفع سوء الفهم عن الدين هو الهدف الأول من طرح هذه الأبحاث/ لقد أخرج إبليس آدم من الجنة عبر إيجاد سوء الفهم
- في هذه الأبحاث التي نحن بصدد مراجعة الدين من أجل الحصول على الحياة الأفضل، نودّ أن نحقّق ثلاثة أهداف رئيسة. أحد الأهداف هو رفع سوء الفهم للمتديّنين ولغير المتديّنين. فقد حدث سوء فهم كثير على مرّ التاريخ. وقد دقّ إبليس على هذا الوتر منذ البداية، حيث أخرج آدم من الجنة وساقه إلى العصيان وأهبطنا إلى الأرض عبر إيجاد سوء الفهم. وهناك الكثير ممّن يعملون لإيجاد سوء الفهم. وعادة ما يبدأون بالاستهزاء، فلا تظنوا أنهم يبدأون بالاستدلال. بل يمارسون ذلك عبر التضليل وتزيين الدنيا وإغفال الإنسان والاستهزاء بالمتديّنين والدين. فلا تزعموا أنهم يحملون كلاما منطقيّا في هذا المجال!
- هل قد حقّق امرء في أن الصلاة مضرّة على الجسم؟! هل هناك من وصل عبر التحقيق والدراسة إلى أن الصلاة لا فائدة فيها مطلقا؟! ففي أمثال هذه المسائل ترى الساحة خالية حتى من الكلام الخاطئ المسمّى بالكلام العلمي. بل يحاولون أن يوجدوا التباسا وسوء فهم عبر الاستهزاء والكلام الفارغ العامّي واللغط. ولكن في النتيجة تجمّع على مرّ التاريخ ركام من الكلام الخاطئ والأفكار غير الصائبة تجاه الدين.
المتدينون وغير المتديّنين جميعا مبتلون بسوء فهم في تقدير البون بين الدين والحياة
- إن كثيرا من غير المتديّنين منتظمون وناجحون في حياتهم اليوميّة. فعلى سبيل المثال يدرسون جيّدا ويدرّسون جيّدا ويعملون بشكل جيّد ويتمتّعون باطمئنان روحي، ويتّصفون بالدّقة في عملهم وتجارتهم. يعني حياة الكثير من الناس حياة سالمة وجيّدة من حيث الجزئيّات المادّيّة ولكننا نراهم غير ملتزمين بالدّين. فمن المحتمل كثيرا أن قد حصل التباس لديهم وسوء فهم تجاه الدين لأن شخصيّتهم منسجمة كثيرا مع الدين.
- لقد حصل لغير المتديّنين سوء فهم والتباس كثير ومتنوّع في بُعد الدين عن الحياة، بحيث يزعم البعض أن الدين لا يليق بهم ولا هم يليقون به! فلابدّ من معالجة هذا الالتباس وسوء الفهم.
- لابدّ لنا ومن أجل ازدياد ظاهرة الإقبال على الدين أن نزيل حالات سوء الفهم. فإنكم إذا استطعتم أن توضّحوا لجميع الناس أن «الدين برنامج للحياة الأفضل» سيزداد عدد هواة الدين. لقد قال رسول الله(ص) حول صوم شهر رمضان: «صُومُوا تَصِحُّوا»(دعائم الإسلام/1/342). كما ينبغي للأطباء أن يتكلّموا حول هذا الموضوع أيضا. والنموذج الآخر لأثر العبادة على الجسم هو أن السجدة الطويلة مفيدة لسريان الدم في المخّ.
إذا ارتفعت الالتباسات وأنواع سوء الفهم، يصبح الدين من مصاديق «الفكر التنويري» و «التجديد»
- إن ارتفعت أشكال سوء الفهم هذه، سيحظى الدين بموقع جديد بين الناس. أولا سيصبح الدين من مصاديق الفكر التنويري. وثانيا سيصبح من مصاديق التجديد. يعني هواة التجديد والذين يهدفون إلى اكتشاف الطرق الجديدة لصنع الحياة الأفضل هم سيتجهون نحو الدين. فإن كانت نظرتنا إلى الدين هي أنه يزيد من أناقة الناس ويرشدهم إلى الحياة الأفضل، تتغيّر أوضاع سوق الدين والتديّن. وسينتفع المتديّنون بدينهم أكثر.
- عندما نقول لبعض المتديّنين: «إن ديانتك لصالح حياتك فهي تحسّنها وتزيد من نجاحك في الحياة»، يجيب البعض: «إنكم قد أفسدتم معنويّتنا، إذ كانت رؤيتنا تجاه الدين أكثر عرفانيّة وإخلاصا وعشقا!» في حين أن هذه الرؤية التي نزعمها أكثر عرفانية وإخلاصا تجاه الدين هي في الواقع مَنٌّ على الدين وكأننا نقول: «إلهي! لقد تمسكنا بالدين وقد أعرضنا عن دنيانا من أجلك!» وأحيانا تكون هذه المشاعر توهّم التديّن ولا حقيقة التديّن.
في مقابل حضارة الغرب يجب أن نبيّن أن الدين يوصل الإنسان إلى حياة وحضارة أفضل/ الغرب عاجز عن منافسة الإعمار الناتج عن الدين
- لا يخلو رفع سوء الفهم في وجود البون بين الدين والحياة من آثار خارجيّة. أحد آثاره ينعكس على عالم الغرب. إن كلمتنا في مقابل حضارة الغرب لَواحدة؛ وهي أن «الدين يوصل الإنسان إلى حياة وحضارة أفضل»؛ سواء في الجانب الفردي أم الاجتماعي. طبعا إنهم باتوا يدركون هذه الحقيقة، ولهذا يقصفون بلداننا ويدمّرونها. فانظروا إلى المصائب والويلات التي جاءوا بها إلى أفغانستان والعراق وسوريا واليمن. لماذا يهدّمون الأبنية؟ لماذا يدمّرون البنى التحتيّة؟ الحقيقة هي أنهم عرفوا بأنهم قد وصلوا إلى ذروة ما يمكن أن يصلوا إليه من تقدّم وقد حان وقت تساقط نافورة حضارتهم. لقد حان وقت انهيار هذه الحضارة الواهنة. إنهم غير قادرين على منافسة الحضارة التي يشيّدها الدين، ولذلك قد لجأوا إلى أسلوب التدمير وهدم المدن، والحفاظ على أناقة مدنهم لكي يفوزوا في هذه المنافسة!
- لا يهمّهم السبب في الهدم والتدمير. فتارة يقصفون البلد بذريعة مواقف الحكومة السوريّة، ومرّة أخرى يقصفونه بحجّة مواقف داعش! لا فرق لديهم بين الحجج والذرائع، وإنما يريدون أن تهدّم هذه المدن. لأنهم يرون أنفسهم عاجزين عن منافسة الإعمار الذي ينجزه الدين في مقابل النظام الرأسمالي.
إن مسبّبي سوء الفهم هذا، قد قسّموا أبناء البلد إلى قسمين: 1ـ المتديّنين الأباة الحياة 2ـ طلّاب الحياة الأباة المُثُل/ فهؤلان عندما يقولون «القيميّون» يقصدون غير الواقعيّين
- في حين أن نفس أولئك الذين أوجدوا هذا الخلط وسوء الفهم على طول التاريخ، استطاعوا ـ مع الأسف ـ أن يقسّموا أبناء بلدنا إلى قسمين: قسم المتديّنين الأباة الحياة، أو المثاليّين غير الواقعيّين، وقسم طلّاب الحياة الواقعيّين الأباة المثل. وقد صدّق الكثير بوجود هاتين النزعتين وبأن هذا التقسيم صحيح!
- هل المتديّنون والثوريّون هم أباة الحياة حقّا؟! هل أنهم مثاليّون غير واقعيّين؟! والحال أن المثاليّة غير الواقعية غلط أساسا! ولا وجود لها أساسا. إنهم يطلقون أسماء ومصطلحات كاذبة وبكل سهولة فعلى سبيل المثال يقولون: إن هؤلاء قيميّون. ويقصدون أنهم غير واقعيّين ولا يبحثون إلا عن القيم ولا يفكّرون بتحسين الحياة! ثم يعرّفون أنفسهم حماةً للحياة. حتى أن بعض الجهات يجنون مصالحهم السياسيّة عبر هذا التقسيم وإيجاد سوء الفهم هذا.
لقد أوجدوا هذا الخلط وسوء الفهم في مجتمعنا وهو أن البعض طلّاب الحياة والبعض الآخر طلّاب العبادة، وإنهم لفي حرب بينهم!
- ما أسخفه من فعل إذا أراد البعض أن يقسّم الشعب إلى من يلبس نظّارات ومن لا يلبس نظّارات ويكوّن طبقات اجتماعية على هذا الأساس؟! وإن هذا الخلط وسوء الفهم الذي أوجدوه هو بنفس هذه السّخافة. فقد ادّعوا أن من جانب هناك من هم طلّاب الحياة، وفي مقابلهم طلّاب العبادة وهم في حرب في ما بينهم! لقد استطاعوا أن يرسّخوا هذا الخلط وسوء الفهم غير العقلاني لدى شرائح واسعة في المجتمع ومع الأسف قد انغرّ بهم الكثير.
- المسجد الصحيح والجيّد، هو ذاك المسجد الذي إذا أرادت الأسر غير المتديّنة في تلك المنطقة أن ينجح أولادهم في الكونكور، يرسلون أولادهم إلى هذا المسجد وإذا سئلوا عن سبب ذلك يقولون: «نحن لسنا بصدد التزام أولادنا بالدين، ولكن رأينا أن الأولاد والفتيات المتواجدين في هذا المسجد هم أنجح من باقي أقرانهم في الكونكور». إذا كان مقرّ التعبئة (بسيج) ناشطا في هذا المسجد فهو مقرّ ناجح وصحيح. هذا تصور خاطئ وهو: «أننا إذا أردنا أن ندافع عن القيم فلابدّ من الذهاب إلى المساجد، بينما إذا أردنا تأمين حياتنا الدنيويّة فلابدّ من الذهاب إلى مراكز أخرى لا علاقة لها بالمساجد!»
على كل متديّن أن يجب عن هذا السؤال وهو: «ماذا كان تأثير دينه في حياته؟»/ لقد كان منطلق العداء للأنبياء عند عزمهم على التدخّل في الحياة في سبيل إعمارها
- صحيح أن الهدف الأقصى للدين هو التقرّب ولكن لا يمكن التقرّب إلى الله إلا عبر حياة صحيحة. على کل متديّن أن يجب عن هذا السؤال وهو: «ماذا كان تأثير دينك في حياتك؟» الكلام حول إصلاح الحياة وهنا منطلق كلّ النزاعات، وإلا فمن كانت عبادته بلا أي تأثير في حياته، لن يعاديه أحد على مرّ التاريخ. لقد كان منطلق العداء للأنبياء عند عزمهم على التدخّل في الحياة في سبيل إعمارها.
- إذا أزيل سوء الفهم عن دور الدين في تحسين الحياة، عندئذ كلّ من يواجه متديّنا سيشعر بأنه يحظى بحياة أفضل وأكثر جمالا وأناقة. طبعا لا نقصد من الحياة الأنيقة والجميلة والحسنة هي الحياة المليئة بالإسراف والترف، ونحن لسنا بصدد الدعاية لهذا النوع من الحياة وسوف نقوم بتعريف الحياة الأفضل في الجلسات القادمة.
- للدين كلام كثير لتحسين حياتنا ولكن وللأسف نظرتنا إلى الدين سطحية. فعلى سبيل المثال لقد حدث كرارا وتكرارا أن قام أئمة الهدى(ع) بتعليم شيعتهم ومحبّيهم بعض الأصول والطرق والأساليب الظريفة لتحسين الحياة وقد أكدوا عليهم أن لا تطلعوا أعداءنا على ذلك، لأنهم سيستخدمون هذه الطرق ويحسّنون بها حياتهم ثمّ يبادرون إلى القضاء عليكم.
الهدف الثاني من طرح هذه الأبحاث: إصلاح الحياة والوصول إلى الحياة الأفضل/ بإمكان الدين أن يحسّن حتى مستوانا في كرة القدم
- هدفنا الأوّل من هذه الأبحاث هو إزالة سوء الفهم. وهدفنا الثاني هو «إصلاح الحياة والحصول على الحياة الأفضل» أي كيف نتمسّك بالدين بحيث يؤدي ذلك إلى تحسّن حياتنا واقعا. فلابدّ لنا نحن المؤمنين والمتديّنين أن نستخدم ديننا في سبيل الحصول على الحياة الأفضل. هناك مهارات لابدّ منها لتحقيق الحياة الأفضل وإذا اكتسبها الإنسان سيحصل على نتائج أفضل ويزداد نجاحا في عمله. إن جميع المهن والتخصّصات بحاجة إلى هذه المهارات ولا فرق في ذلك بين الرياضي والمحقّق والتاجر والصانع.
- فعلى سبيل المثال لنرَ كرة القدم هذه الرياضة الشعبية، ألا يشتمل ديننا على بعض التعاليم التي تنفع لاعبي كرة القدم؟ صحيح أن كرة القدم لم تكن قبل 1400 سنة، ولكن بعدما بيّن أئمتنا طرق الحياة الأفضل، من المفترض أن يمكننا استنباط ما ينفع هؤلاء الرياضيّين من تعاليمهم. إن لم تكن كرة قدمنا هي الأولى في العالم، فذلك بسبب أننا لم نعلّم ولم نبلّغ الدين جيّدا. إذ بعدما أصلح الدين حياتنا، يترك أثره في مختلف ساحات الحياة ومن ضمنها كرة القدم مثلا.
- إن انطباعنا عن الدين يرفض فكرة قابليّته على تحسين كرة القدم، ولذلك إن ادعينا ذلك يبدو هذا الكلام عجيبا أو مضحكا. كما كان يستغرب الناس من بعض أحاديث أمير المؤمنين(ع). فقد روي أنه «كانَ جالِسا عَلى نَهرِ الفُراتِ وبِيَدِهِ قَضيبٌ، فَضَرَبَ بِهِ عَلى صَفحَةِ الماءِ وقالَ: لَو شِئتُ لَجَعَلتُ لَكُم مِنَ الماءِ نورا ونارا» [تصنيف نهج البلاغة/782]
الهدف الثالث من طرح هذه الأبحاث، هو إصلاح العبودية ونيل الحياة الأفضل/ لا يمكن نيل الحياة الأخروية الأفضل بغير إصلاح الحياة
- هدفنا الثالث من طرح هذه الأبحاث هو إصلاح العبودية ونيل الحياة الأفضل. نحن بصدد التقرّب إلى الله واقعا ونريد أن يزداد مستوانا المعنوي ونعمّر حياتنا الأخرويّة، ولكن في سبيل التقرّب إلى الله ونيل حياة جيّدة في الآخرة، لابدّ لنا من المرور عن طريق الحياة الصحيحة في هذه الدنيا. يعني لا يمكن أن نلتفّ على الحياة الدنيا ثمّ ننال أفضل حياة في عالم الآخرة.
- قد يقول بعض الجاهلين: «يا ليت كان ديننا ونمط عبادتنا لا يفرض علينا إصلاح حياتنا ولم يأمرنا الله بالمرور عن طريق الحياة الصحيحة! لكي نذهب إلى الجنان وننال القرب الإلهي ورضوانه!» ولكن هذا أمر غير ممكن وإلّا لكان الالتزام بالدين أسهل.
- كان أحد أصحاب الإمام الصادق(ع) شيخا تاجرا وكان لديه من الأموال ما يكفيه ويغنيه عن الكسب والتجارة، فأراد أن يتقاعد ويترك العمل، وقال في نفسه: لا حاجة لي بعد إلى الكسب والتجارة وأن أتعب نفسي وأشوّش ذهني. فأخبروا الإمام الصادق(ع) عن حاله وأن فلان بصدد التقاعد وإعفاء نفسه والاعتزال عن التجارة ويريد أن ينشغل بالعبادة ويقضي السنين الأخيرة من عمره براحة بال. فقال الإمام الصادق(ع): «یَا مُعَاذُ أَ ضَعُفْتَ عَنِ التِّجَارَةِ أَوْ زَهِدْتَ فِیهَا... فَإِنَّ تَرْکَهَا مَذْهَبَةٌ لِلْعَقْلِ» (الكافي/5/149) هنا يقول الإمام الصادق(ع) من ترك التجارة ينقص عقله. والآن ابحثوا في الروايات وانظروا كم هي قيمة عبادة ناقصي العقل وكم ينقص أجر عبادة ناقص العقل.
لعلّنا لا نحسن الحياة فأصبحنا لا نحسن العبادة؟/ لا يمكن التقرّب إلى الله بغير طريق إصلاح الحياة
- الهدف الثالث هو إصلاح عبادتنا. فلعلّنا لا نحسن الحياة فأصبحنا لا نحسن العبادة. لعلّنا لا نحسن العمل والتجارة فأصبحنا لا نحسن الصلاة. ولعلّنا لا نقضي يومنا بشكل صحيح فأصبحنا بلا مهجة في الأسحار لمناجاة الله.
- يسأل البعض: ماذا أفعل لأزداد حضورا في الصلاة؟ وماذا أفعل لكي تغزر دموعي وأزداد حرقة ومهجة بين يدي الله؟ ماذا أفعل في سبيل أن أتقرّب من الإمام الحجة(عج) وأوفّق لرؤيته؟ إن هذه الأسئلة تحكي عن أن السائل إنسان معنوي ومحبّ لله ولأهل البيت(ع) وبودّه أن يتقرّب إلى الله. ولكن لا يمكن التقرّب إلى الله بغير طريق إصلاح الحياة.
لقد تمّ ترويج الدين المجرّد من الحياة كثيرا وله طلّاب كثيرون/ لا يرغب بعض المتديّنين في أن يواجه قضايا الحياة في مسار تقرّبه إلى الله
- يقول بعض الجاهلين: یا لیتنا لم نواجه قضایا الحياة وكنّا ممحّضين في الآخرة ونستأنس بالله! لقد تمّ ترويج الدين المجرّد من الحياة كثيرا وله طلّاب كثيرون. لا يرغب بعض المتديّنين في أن يواجه قضايا الحياة في مسار تقرّبه إلى الله.
- تعرفون أن السامريّ هو الذي جعل قوم بني إسرائيل يعبدون العجل. إن قوم بني إسرائيل كانوا ينتظرون الخلاص من فرعون مئات السنين وألحّوا في الدعاء وضجّوا واستغاثوا حتى عجّل الله لهم في ظهور موسى «...فَلَمَّا طَالَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِیلَ الْعَذَابُ ضَجُّوا وَ بَکَوْا إِلَى اللَّهِ أَرْبَعِینَ صَبَاحاً فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى وَ هَارُونَ یُخَلِّصُهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ فَحَطَّ عَنْهُمْ سَبْعِینَ وَ مِائَةَ سَنَةٍ» [تفسیر العياشي/2/154] كان بنو إسرائيل قد مرّوا في ظروف صعبة جدّا بحيث كانوا يذبحون أبناءهم ويقتلون النساء الحوامل منهم. فقد قاسوا المصائب والويلات العديدة حتى جاءهم موسى ورأوا المعاجز العظيمة على يديه، كالمرور من نهر نيل وهبوط الطعام عليهم من السماء (وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى) [البقرة/57] وانفجار إثنتي عشرة عينا (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَیْناً) [البقرة/60] فكأن الدنيا صارت كالجنّة لهم! ولكن بعد ما رأى هذا القوم كلّ هذه الآيات الإلهية وقد قاسى التعذيب الشديد من قبل، استطاع السامريّ أن يجرّهم إلى عبادة العجل.
كان سامريّو أمة النبي(ص) يدعون إلى دين مجرّد من الحياة/ لابدّ لنا من إصلاح العبادة عن طريق إصلاح الحياة
- لقد جاء في روايات النبي(ص) وأئمة الهدى(ع) أن السامريّ موجود في هذه الأمّة أيضا. فقد روي عن النبي(ص): «...و فِرْقَةٌ مُدَهْدَهَةٌ عَلَى مِلَّةِ السَّامِرِیِّ؛ أمالي المفيد/ص30» و من أبرز الأشخاص الذين عُرّفوا كسامريّي هذه الأمّة هم أولئك الذين كانوا قد رفعوا راية العرفان والمعنوية الدينية المجرّدة من الحياة. أحد هؤلاء الأشخاص السامريّي النهج كان قد ترك الدنيا تماما وكان يوصي الناس بترك الدنيا والاشتغال بأمر الله فقط. ولا يدرى كيف كان يريد أن يصل إلى الله؟!
- يجب علينا أن نصلح عبوديّتنا عبر إصلاح الحياة. فإننا إن نجحنا في تنظيم حياتنا سنحظى بعبادة جميلة جدّا. كلّما وجدتم أنفسكم غير ذي مهجة في المناجاة، كونوا على ثقة بأنّكم لم تحسنوا العيش، أي لم تبالوا في بعض جوانب الحياة ولم تهتمّوا بها. أو أنكم لم تتعاملوا مع موضوع المعيشة والحياة باحترام، إذ أن الله لا يسمح للإنسان المؤمن بذلك.
لابدّ لنا أن نصلح حياتنا لكي نقدر على حبّ الله/ أولئك الذين لا يقبلون على إمام زمانهم إلا عند تورّطهم بالمشاكل والصعاب، فليس بمعلوم أن لا يخونوا الإمام بعدئذ
- يزعم الكثير من الناس أن المساكين والبؤساء أكثر تديّنا في حين أن الأمر ليس كذلك. نحن نفتّش عن أناس يعيشون حياة جيّدة وقلوبهم غير مأسورة بالمشاكل لكي نقودها إلى الله. يعني أن لا تکون معیشتهم «معيشة ضنكا» وقلوبهم خالية من مخاوف الحياة غير المطلوبة، وكلّ ذلك بسبب صواب حياتهم لا لأنهم غير مبالين بالحياة. إن هؤلاء هم الذين يستطيعون أن يعشقوا الإمام المهدي(عج) لا غيرهم. حتى كثير من أهل المصائب والمشاكل لا يقدرون على قراءة دعاء الندبة بروحية عالية.
- يجب أن نصلح حياتنا بالدين، ثمّ ننادي إمام زماننا(عج) بقلب مطمئن وبال فارغ وعن وعي ومعرفة. وإلّا فاستغاثة أهل المصائب والنوائب بالإمام الحجة(عج) أمر طبيعي. ولكن أولئك الذين لا يُقبلون على إمام زمانهم إلا عند تورّطهم بالمشاكل والمصائب، فليس بمعلوم أن لا يخونوا الإمام بعدئذ.
- قبل سنين كان يقول بعض المتأثرين بالمدّ الشيوعي: «لم يكن يؤمن أحد بالنبي الأكرم(ص) إلا الفقراء والمحرومين والمضطهدين!» مع أن الأمر لم يكن كذلك. فعلى سبيل المثال أحد الأشخاص الذين آمنوا بالنبي كان شابّا من أسرة ثريّة ومترفة جدّا باسم مصعب. فقد كان أهله قد وفّروا له كلّ ما يشتهيه الشابّ. فهو قد آمن بالنبي بسبب فراغ باله لا بسبب مشاكله. «کان مصعب ابن عمیر فتى مکة شبابا و جمالا و تیها، وکان أبواه یحبّانه، و کانت أمه تکسوه أحسن ما یکون من الثیاب...» [الاستیعاب/4/1473]
- كان مصعب شابّا ثريّا تأثّر بشخصية النبي(ص) فعندما أسلم بعض أهالي المدينة وطالبوا النبي(ص) بإرسال مبلّغ إليهم يعرّفهم على الإسلام، أرسل إليهم مصعب. وهو الذي مهّد لإقبال أهالي المدينة إلى الإسلام. [الكامل في التاريخ لابن أثير/ج2/ص66 و تاريخ اسلام از آغاز تا هجرت، على دواني/290]
- لابدّ لنا أن نصلح حياتنا لكي نقدر على حبّ الله وأوليائه، وإلا فنبقى في اشتباك دائم مع مشاكل الحياة. لأن الحياة الجيّدة لا تربك روح الإنسان بمخاوف ومشاكل لا نهاية لها، بل تسمح للروح أن تعيش في فراغ واطمئنان، ولذلك فتصبح قادرة على عشق الله.