الطریق الوحید والاستراتیجیة الرئیسة فی النظام التربوی الدینی (الجلسة الأولى) +ترجمة صوتیة
ملخص الجلسة الأولى من سلسلة محاضرات سماحة الشیخ بناهیان فی موضوع «الطریق الوحید والاستراتیجیة الرئیسة فی النظام التربوی الدینی» حیث ألقاها فی لیالی شهر رمضان المبارک عام 1434هـ فی مسجد الإمام الصادق(ع) فی مدینة طهران + ترجمة صوتیة
لابدّ أن نحصل على رؤیة تجاه النظام القائم فی معارف دیننا وإرشاداته
يحتاج الإنسان بین الحین والآخر أن ینظم ویرتّب ذهنه، کما هو الحال فی أجهزة الحاسوب حیث نحتاج تارة إلى تعدیل ملفاته ومسح بعضها وإعادة تنسیقها وتبویبها. فإذا لم نقم بتنظیم وفهرسة معلومات الجهاز بشکل صحیح، لن نقدر على استخدامها بالشکل المطلوب بطبیعة الحال. وهذا ما یحدث فی ذهن الإنسان أیضا؛ حیث إننا نعرف الکثیر من المعارف والإرشادات الدینیة ولکن ینبغی أن ننظمها فی الذهن.
إنّ تبعثر المعلومات فی الذهن یسبّب الضیاع ویمنعنا من الوصول إلى أیّ هدف مطلوب. فأحد أهدافنا فی هذه السلسلة من الجلسات هی أن نبحث عن خیط یلمّ خرز الفضائل والإرشادات والمعارف الدینیة فی سبحة واحدة. فلولا هذا الخیط لانفرطت خرز هذه السبحة. فلابدّ أن نحصل على رؤیة تجاه النظام القائم فی معارف دیننا وإرشاداته.
إن تنظیم المعارف الدینیة حول محور رئیس واحد، یمکننا من صرف طاقتنا بشکل صحیح، وأن لا نفرط بإمکاناتنا
فإذا استطعنا أن ننظّم جمیعَ الإرشادات الدینیّة حول محور رئیسیّ واحد، عند ذلک سوف نعرف فی ماذا نصبّ کل طاقتنا. وحینئذ سوف لا نفرّط بوقتنا وإمکاناتنا وسوف نعرف ما یجب الحفاظ علیه ولا شک فی أن مثل هذه المراقبة تثمر وتصیب الهدف.
إن کثیرا من المعارف الدینیة ولا سیّما المعارف الأخلاقیة مبعثرة وغیر منظّمة لدى هواتها کما أن أکثر الکتب الأخلاقیّة والمعنویّة لا تعالج هذا التبعثر وأحیانا تزید فی تناثرها وبعثرتها. إن کثیرا من الکتب الأخلاقیة تسطّر مجموعة من الفضائل والرذائل الأخلاقیة معا بید أنها لا توضح العلاقة القائمة بینها بشکل دقیق.
بسبب عدم انسجام المعارف الأخلاقیة لدى هواة هذه الأبحاث، لا یدرى من أیة فضیلة لابدّ أن ننطلق إلى تحصیل الفضائل./ تبعثر المعارف الدینیة أحد الدواعی للابتعاد عن الدین
کما أنه بسبب عدم انسجام المعارف الأخلاقیة لدى أذهان هواتها، لا یدرى فی کثیر من الأحیان من أیة فضیلة لابدّ أن ننطلق إلى تحصیل الفضائل. وهذا ما یسبب أزمة لدى الإنسان ویجعله فی حیرة من أمره. بینما نجد فی معارفنا الدینیة نظاما تتناسق فیه جمیع المعارف، بید أن عدم إدراک هذا النظام جعلنا نتعامل مع هذه المعارف بضعف أو نعتبر العمل بهذه الأحکام والمعارف أشبه بالمستحیل.
إن أحد أسباب ابتعاد البعض عن الدین هو هذا التبعثر وعدم التناسق الذی شاهدوه فی المعارف الإسلامیة.
ومن جانب آخر إنّ فهم النظام القائم فی المعارف الدینیة یبدو ضروریا على من هم بصدد النّشاط الثقافی حتى لا یتحیّرون فی أمرهم عند تشخیص الأولویات وتحدید ما یجب تناوله قبل أی موضوع آخر.
إن تنسیق معلوماتنا الدّینیّة فی نظام واحد یزیدنا شوقا واندفاعا فی حرکتنا، ویمکّننا من مراقبة أنفسنا، کما أنه یضمن النتیجة لمراقباتنا
الکلام الأوّل الذی نقف عنده کضرورة هو أننا بصدد تنسیق معارفنا ومعلوماتنا الدینیة. فإن هذا التنسیق یعالج مشکلتنا فی تحدید الأهداف ویزیدنا شوقا واندفاعا فی حرکتنا. کما أن هذا النظام یقوینا على مراقبة النفس ویجعل هذه المراقبات مثمرة صائبة.
لابدّ لنا من هذا النظام فی سبیل تقییم أنفسنا
إن بعض ما یسببه هذا التشتّت والتبعثر فی المعارف هو أن بعض الناس أناس صالحون بید أنهم فی جهل من محاسن وجودهم، وفی المقابل ترى بعض الناس سیئین ولکن یعتبرون أنفسهم صالحین، وهذا ما هو ناتج من عدم انتظام المعارف فی أذهان الناس. فنحن بحاجة إلى هذا النظام حتى فی سبیل تقییم أنفسنا.
إن فهم هذا النظام ضروری حتى أثناء مناجاتنا مع الله/ فیا ترى من أی نقص نتوب إلى الله؟
إن فهم هذا النظام ضروری حتى أثناء مناجاتنا مع الله، إذ أثناء ما یستغفر الإنسان ویناجی ربه، لابدّ أن یعرف النقص والتقصیر الذی ینبغی أن یتوب منه إلى الله. ینبغی للإنسان أن یعرف مرضه کی یبحث عن الدواء ببصیرة ورویة.
إن جهاد النفس هو ذاک الخیط الرابط بین خرز الفضائل کلّها/ إن خط العمل فی دیننا هو جهاد النفس
لقد استخدم نبینا الأعظم(ص) عبارة لجهاد النفس بودّی أن أستخدمها فی مقام التعریف بموضوع بحثنا. إن الجهاد فی سبیل الله من أهمّ الأعمال وأروعها وواحدة من النتائج التی قد یصل إلیها الإنسان أثناء الجهاد هی الشهادة فی سبیل الله وما تشتمل علیه من أجواء الحبّ والعشق. ولکن أثناء ما کان یرجع الرسول الأعظم(ص) من مثل هذا الجهاد، عبّر عن الجهاد وما ینطوی علیه من شهادة وتضحیة وفداء بالجهاد الأصغر ثم حرّض المسلمین بالخوض فی الجهاد الأکبر. إذن موضوع کلامنا فی هذه الأبحاث هو «جهاد النفس» الذی أعتبره الخیط الرابط بین خرز الفضائل برمّتها. هذه هی الاستراتیجیة الرئیسة فی التربیة الدینیة وسوف نتناولها بالبحث والنقاش وندرس ماهیتها وکیفیتها بالتفصیل إن شاء الله.
إن مدى قیمة کل امرء هو بمقدار اهتمامه بجهاد النفس/ مدى تلوّث الإنسان مرتبط بمقدار أخطائه فی عملیة جهاد النفس
إن الموضوع الرئیس فی التربیة الدینیة هو جهاد النفس؛ لا مواضیع أخرى کالحسد والتکبر والخمول والحرص والحسرة والصدق والرأفة وغیرها من فضائل ورذائل. طبعا من المؤکد أن قد تبادرت فی أذهانکم بعض الأسئلة والاستفسارات عن سبب هذا التحدید. فلعلکم تسألون إذن ما هو شأن الولایة مع ما تشتمل علیه من أهیمة بالغة؟ ولماذا لم نستبدل جهاد النفس بالعبادة ولم نقل أن هذا الخیط یتمثل بالعبادة؟
فسوف نبحث ذلک فی جلسات طویلة ونشیر إلى موقع کل من العبادة والولایة وبعض الفضائل المهمة فی المنظومة الدینیة. ولکن إن خط العمل فی التربیة الدینیة هو محاربة الأمیال النفسانیة. إن مدى قیمة کل امرء هو بمقدار اهتمامه بجهاد النفس. وفی المقابل یرتبط مدى تلوّثه بالذنوب والرذائل بمقدار أخطائه فی عملیة جهاد النفس. هذا هو المعیار المهم فی تقییم الناس فلا یمکن تقییمهم من خلال مدى صدقهم وکذبهم ومدى تواضعهم وکبرهم وحسب، بل یتمّ ذلک من خلال میزان جهاده أو تبعیته لنفسه. فإن فشل أحد فی عملیة جهاد النفس، سوف یظهر فشله فی ظهور بعض الرذائل کالحسد والکبر والحرص وغیرها. وإذا نجح الإنسان فی عملیة جهاد النفس، سوف یظهر بعض هذا النجاح فی التزامه بأوقات الصلاة ویظهر بعضه فی أخلاقه الطیبة مع الآخرین، وهکذا یظهر فی باقی الفضائل والمحاسن.
ما هی العلاقة بین شهر رمضان وموضوع جهاد النفس؟
بإمکاننا أن نتحدث عدة جلسات لنبیّن ما هی العلاقة بین شهر رمضان وموضوع جهاد النفس، وهل من المناسب أن نطرح هذا الموضوع فی هذا الشهر أم لا؟ ولکنی أکتفی بنقل کلمة للإمام الخمینی(ره) حیث إنکم تودّونه وتعتقدون به وأعفیکم عن استماع عدة جلسات فی سبیل إثبات شدة الترابط بین موضوع جهاد النفس وشهر رمضان.
لقد قال الإمام الخمینی(ره): «کلکم ضیوف الله، والضیافة بالترک. فإن کانت فی الإنسان ذرة من هوى النفس، فهو لم یدخل فی هذه الضیافة وإن دخلها فلم یستفد من هذه الضیافة.» ثم أضیفوا کلام الإمام هذا إلى حکمة النبی سلیمان بن داوود (ع) حیث قال: «إِنَّ الْغَالِبَ لِهَوَاهُ أَشَدُّ مِنَ الَّذِی یَفْتَحُ الْمَدِینَةَ وَحْدَه».[مجموعة ورام/ ج1/ ص60] فاعرف أنت مدى صعوبة الطریق أمامنا. ولا شک بأننا لا نرید أن نحرم من برکات هذا الشهر.
ثم یضیف الإمام ویقول: «کل هذه الجعجعة التی تشاهدونها فی العالم فهی لعدم انتفاع الناس بهذه الضیافة، وعدم دخولهم فی هذه الضیافة، وعدم تلبیتهم لدعوة الله»
القواسم المشترکة بین الجهاد الأکبر والجهاد الأصغر:
1. النورانیة والأجواء المعنویة/ فی أجواء الجهاد الأکبر نستطیع أن نعیش نفس تلک الأجواء المعنویة والروحانیة التی کان یعیشها المجاهدون فی أیام الدفاع المقدس
نفس الأجواء الممتعة والجمیلة التی یعیشها المجاهدون فی الجهاد الأصغر، یمکن أن نعیشها فی الجهاد الأکبر وفی خضمّ محاربة النفس. حتى أن الصفاء والجمال الذی یشتمل علیه أجواء الجهاد الأکبر هی أکبر وألصق بالفؤاد من أجواء الجهاد الأصغر. نحن نستطیع فی أجواء الجهاد الأکبر أن نعیش نفس تلک الأجواء المعنویة والروحانیة التی کان یعیشها المجاهدون فی أیام الدفاع المقدس. حتى أن فی خضم الجهاد الأکبر نستطیع أن نعیش أجواء أکثر معنویة ونورانیة. وأنتم تعلمون أن الإمام الخمینی(ره) هذا الرجل العظیم الذی قامت هذه الثورة المبارکة والعظیمة على أکتافه وببرکة وجوده، وتربّى آلاف الشهداء تحت ظله، إنما کان بطلا فی ساحة الجهاد الأکبر.
وأنا أتألم عندما أرى بعض الإخوة من المجاهدین یتحدثون بتحسر عن أیام الجبهة ومعنویاتها وروحانیاتها وکأنه ذهبت تلک الأیام ولا فرصة بعد لهذا الجیل حتى یعیش الروحانیة والأجواء المعنویة. فهذا کلام باطل من أسره؛ إذ لم یمنع الله نعمه عن عباده ولا یظلم أحدا بل یضاعف نعمه على عباده. فإن هذه الفرصة التی أعطاها الله للجمیع فی ساحة الجهاد الأکبر أثمن بکثیر من فرصة الجهاد الأصغر.
فی أجواء الجهاد الأصغر کنا نشعر بمحبة الله ولطفه بعد ما کنا نضحی بأنفسنا وأموالنا، أما فی الجهاد الأکبر وبعد ما نضحی بأمیالنا وأهوائنا، نشعر بمزید من رضا الله ولطفه ونکسب نورا أقوى من النور الذی نکسبه فی أجواء الجهاد الأصغر.
2. الشعور بخطر العدو/ لابد من رصد العدو فی الجهاد الأکبر کما هو الحال فی الجهاد الأصغر، لکی تتمکن من مراقبة نفسک وتستعین بربک
القاسم المشترک الآخر بین الجهاد الأکبر والجهاد الأصغر هو تواجد العدو، والخطر الذی یهددنا من جانبه. فعندما تشعر بوجود العدو فی الجهاد الأصغر وتلتفت إلى الخطر الذی یهددک من جانبه، تلتجأ إلى الله وتشعر بالروحانیة والمعنویة حینئذ. وکذلک الحال فی الجهاد الأکبر حیث لابد لک أن ترى العدو فیه کی تتمکن من مراقبة نفسک وتستعین بربک.
فقد قال رسول الله(ص): «أَعْدَى عَدُوِّکَ نَفْسُکَ الَّتِی بَیْنَ جَنْبَیْک»[عدة الداعی/ص314]. وفی المقابل إن العدو الخارجی فی الجهاد الأکبر وهو الشیطان الرجیم یبدو ضعیفا من خلال آیات القرآن؛ (إِنَّ کَیْدَ الشَّیْطانِ کانَ ضَعیفاً)[نساء/76] ولکن لابدّ من أخذه على مأخذ الجدّ.
3. صعوبة العمل والحاجة إلى الشجاعة/ إن الشجاعة التی یحتاجها الإنسان فی الجهاد الأکبر أکثر من الشجاعة التی یحتاجها فی الجهاد الأصغر
کلا الجهادین الأکبر والأصغر هی من الأعمال الشاقة والتی تحتاج إلى شجاعة. وأقسم بالله إن الشجاعة التی یحتاجها الإنسان فی الجهاد الأکبر أکثر من الشجاعة التی یحتاجها فی الجهاد الأصغر. إن خوف فقدان «اللذة» وخوف فقدان «الجاه والسمعة» وخوف فقدان «الفرصة»، یترک أثره السلبیّ على شجاعة الإنسان وهذه هی من مصاعب الجهاد الأکبر. إنه لجهاد أکبر حقا.
وأولئک الذین خاضوا فی ساحة الجهاد الأکبر ونجحوا فی هذا المیدان، ینظرون إلى ساحة الجهاد الأصغر کما ننظر نحن إلى المقبلات فلا نهتمّ بالمقبلات کما نهتمّ بالطعام الرئیسی فی المائدة. وکذلک حال الإنسان المحترف فی ساحة الجهاد الأکبر، فإنه بکل سهولة ینزل إلى میدان الجهاد الأصغر ولا یبالی.
ینقل عن الإمام الخمینی(ره) أنه ارتقى المنبر فی أیّام شبابه وألقى محاضرة جیّدة. فاستحسن الحضور محاضرته ومدحوه. بعد ذلک امتنع الإمام عن إلقاء المحاضرات لمدّة أربع سنین عقابا لنفسه بعد أن وجدها طربت لمدح الآخرین وانتعشت لثنائهم. بینما نحن إن نحصل على مثل هذا المدح نزداد اندفاعا ونعتبره علامة النجاح والتوفیق فی العمل. فانظر مدى الفارق الکبیر بین الإمام وبیننا. طیب لماذا ینبغی أن نخالف نفوسنا بهذه الشدة؟ فهذا ما سوف نتناوله فی الأبحاث القادمة إن شاء الله.
4. عشق الله وحبّ الآخرة/ إن الاهتمام بالله وبالآخرة فی الجهاد الأکبر أکثر من الجهاد الأصغر
لقد قال الإمام الخمینی(ره) أن القوات التعبئة هی مدرسة العشق وکان یؤکد سماحته على عشق الله وحبّه فی موسم الجهاد الأصغر وأیّام الدفاع المقدس. ولکن یزداد هذا الاهتمام بالله وبالآخرة فی الجهاد الأکبر. فالذی کان یعشق ربه فی الجهاد الأصغر ویبکی من فراقه ویناجی الله شوقا إلى لقائه، سیزداد شعورا بهذا الحب والعشق فی خضم الجهاد الأکبر.
لقد روی عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ عِزَّتِی وَ جَلَالِی وَ عَظَمَتِی وَ بَهَائِی وَ عُلُوِّ ارْتِفَاعِی لَایُؤْثِرُ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ هَوَایَ عَلى هَوَاهُ فِی شَیْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا إِلَّا جَعَلْتُ غِنَاهُ فِی نَفْسِهِ، وَ هِمَّتَهُ فِی آخِرَتِهِ و و ضَمَّنتُ السَّماواتِ و الأرضَ رِزقَهُ، و کُنتُ لَهُ مِن وَراءِ تِجارَةِ کُلِّ تاجِرٍ»[الکافی/ج2/ ص137] وقد رویت هذه الروایة بتعابیر مشابهة عن غیره من أئمة أهل البیت(ع).
ولا یخفى علیکم بأنی قضیت ثلاثین سنة من عمری فی دراسة القضایا الأخلاقیة وبودی أن أقدم لکم تقریرا عن نتیجة ما حصلت علیه فی هذه السنین الثلاثین فی ثلاثین لیلة فی شهر رمضان هذا. ولکنی أعترف أمامکم بأنی لم أفهم هذا الحدیث إلى الآن وکلما قرأته طوال هذه السنین الطویلة شعرت بأنی لم أفهم مغزى هذا الحدیث جیدا.
والعجیب هو أن الشرط فی کسب هذه البرکات هو أن یؤثر الإنسان هوى الله على هواه فی أمر واحد وقضیة واحدة لا فی حیاته کلّها؛ «فِی شَیْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا». ومعنى هذا الحدیث هو أنّ کلّ الأعمال الصالحة التی قمنا بها واعتبرناها من مصادیق جهاد النفس وإیثار هوى الله على هوى نفسنا فهی لیست کذلک ولا قیمة لها بحیث تؤول إلى تلک النتیجة المبارکة المذکورة فی الروایة.
فیبدو ـ والله العالم ـ أننا انتقینا الأعمال الصالحة التی تنسجم مع أهوائنا وقمنا بها، فلم نؤثر هوى الله على هوى نفسنا بالشکل الصحیح حتى لمرة واحدة.
سوف نتناول هذا الموضوع فی الجلسات القادمة إن شاء الله وهو أن لماذا نحن بأمس الحاجة إلى محبة أهل البیت. طبعا أنا فی اللیلة الأخیرة وبعد ما وقفنا عند الموضوع ساعات طوال، سوف أقول لکم کلمة بودی أن أقولها فی هذه اللیلة الأولى. وهو أن لیس شیء یعین الإنسان على غلبة هواه بقدر حبّ أهل البیت(ع). فإن هذا العامل أقوى العوامل وأجدرها بنصرک على نفسک. وسوف نلتقى غدا یوم القیامة بالتأکید ونرى صحة ما قلته لکم.
صلى الله علیك یا فاطمة الزهراء
ولکن اسمحوا لی أن أقول لکم أن فی تلک اللحظات التی کان الشباب یقلعون فیها من کل التعلقات والأواصر عشقا بالشهادة ولقاء الله، کانوا ینطلقون بعدما یسمعون مصائب الزهراء(س) فکانوا یذهبون نصرة للزهراء وانتقاما من أعدائها.
فإنک فی تلک اللحظات التی تتدرب فیها على حبّ أهل البیت(ع) وتحاول أن تزداد حبّا لهم، تکسب اللیاقة والکفاءة اللازمة لاستلام نصرتهم ومعونتهم عند الحملة فی الجهاد الأکبر، کما کان المجهادون یستعدون للحملات بذکر أهل البیت(ع(.
وأولئک الذین عاشوا أیام البجهة وأیام الدفاع المقدس یعرفون جیدا أن لیس أحد من المعصومین قد نصر المجاهدین بقدر فاطمة الزهراء(س). فلنستفتح حملتنا ضد أهواء النفس فی أول لیلة من شهر رمضان بذکر الزهراء(س).