الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني (الجلسة العشرين)
إليك ملخّص الجلسة العشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
التصديق بخلود بعض الناس في عذاب جهنّم أمر عصيب/ فلنؤمن برذالة الأعداء
من العقائد المهمّة جدّا، هي التصديق والإيمان بنار جهنّم. فإن بعض الناس لا يكاد أن يستطيع التصديق بالعذاب العسير الإلهي. إن التصديق بالخلود في نار جهنم وما فيها من عذاب عسير أبديّ أمر غير هيّن. إذ يتساءل الناس يا ترى كم قد تمادى هذا الإنسان في الرذالة والشقاء حتى استحق الخلود في نار جهنّم؟ يجب علينا أن نصدّق بأن بعض الناس قد بلغوا الذروة في الرذالة والشقاء ومن شأنهم أن يمكثوا في العذاب إلى أبد الآبدين. لقد قال الله سبحانه وتعالى في حقّ بعض الأشقياء: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى یُؤْفَکُونَ» [المنافقون/4].
لابدّ للمتديّنين والصالحین أن يصدّقوا بإمكان وصول بعض الناس إلى هذا المستوى من الرذالة والشقاء. إن بعض المتديّنين الذين لم يتبرأوا من أعداء أهل البيت(ع)، قد يكون بسبب أنهم لم يصدّقوا شدّة رجس هؤلاء وما أعد لهم الله من عذاب شديد. ومن منطلق هذه السذاجة نفسها تجد أن بعض الناس لم يعوا حقيقة هذه الظاهرة المشؤومة المتمثلة بإسرائيل. ولكن يجب أن نؤمن بحقيقة العدو ونصدّق برجسه ورذالته.
إن التصديق بوجود العدو وكذلك الاعتقاد بشقاء بعض الناس وشدّة رذالتهم أمر عسير، في حين أن في سبيل تحقيق مجتمع سليم بعد ظهور الإمام الحجة(عج)، لابدّ لنا أن نتحلّى بهذا التصديق واليقين. فإنك أن لم تصدّق برجس بعض الناس، ينفسح المجال لهؤلاء أن يرتكبوا أبشع الجرائم أمامك حتى تصدّق. إن الجرائم التي بدأت تشيع في بلدان هذه المنطقة، لهي نماذج تدلّ على وجود أناس أرجاس أشقياء. أمّا الطريق الأفضل هو أن تستعين على الإيمان بشقاء بعض الناس ورجسهم واستحقاقهم الخلود في العذاب، بمعرفتك ونور قلبك.
إن كلمات الإمام الخميني(ره) رائعة لفهم دناءة العدو. لقد كان الإمام الخميني(ره) يستخدم أشدّ التعابير وأغلظها للتنديد ببعض المتديّنين الذين كانوا يعبّدون الطريق للأعداء ولم يؤمنوا برجسهم ودناءتهم.
كيف نقنع بخلود بعض الناس في جهنّم؟
إن الطريق للاقتناع بخلود العذاب في جهنّم، هو الإيمان بمدى انحطاط بعض الناس. وطريق الإيمان برجس هؤلاء وانحطاطهم هو أن تدرك مدى سهولة الخضوع لولاية أولياء الله، بيد أن هؤلاء الأرجاس قد أبوا الخضوع لهذه الولاية. لا سبيل إلى تنفيذ أوامر الله بصدق، إلّا عن طريق امتثال أوامر الولي. والجدير بالذكر أن استلام الأوامر عن طريق الولاية قد سهّل الأمر ويسّر الطريق. فإنك إذا عرفت سهولة الخضوع للولاية وامتثال أوامرها، سوف تؤمن برجس المخالفين الذين وقفوا منها وقفة المخالف اللدود.
إنّ من يستنكف عن طيّ طريق الولاية مع سهولته وجماله، فهو إنسان منحطّ جدّا. إذ أن تقبّل حديث أولياء الله هو مخالفة لأهواء النفس بحدّ ذاته ولكنّها مخالفة سهلة. فباعتبار يسر هذا الطريق وسهولته، لابدّ أن نقول: تعسا لأولئك الذين رفضوا الولاية ولهم الويل وعذاب الخلد بما كانوا يتمرّدون. إن الخضوع للولاية لأمر يسير إلاّ على مرضى القلوب والمتكبّرين.
فلننظر إلى حديث الإمام الصادق(ع) لكي نؤمن باستحقاق منكري الولاية الخلودَ في نار جهنّم، وأن لا نصيب لهم من الإيمان. فقد قال(ع): «ثَلَاثَةٌ لا یُکَلِّمُهُمُ اللَّهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَکِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ مَنِ ادَّعَى إِمَامَةً مِنَ اللَّهِ لَیْسَتْ لَهُ وَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللَّهِ وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِیباً» [الكافي/ج1/ص373]
بعد ما تنتهي حركة جهاد النفس إلى الولاية، تخفّ المعاناة
کلّ المعاناة التي أشير إليها في الجلسات الماضية، هي معاناة في مسار جهاد النفس، ولكن بعد ما تنتهي حركة جهاد النفس إلى موضوع الولاية، تخفّ المعاناة وتسهل. فهنا يهون الأمر ويزول عناء الجهاد. إن عناء طاعة الله وأداء تكاليفه والرضا بقَدَره يزول بتقبّل الولاية. لقد أعدّ الله الوليّ لأولي النفوس السليمة لكي يسهّل عليهم هذا الطريق الصعب والطويل، فيلعن الله من أعرض عن هذا الطريق بعد ما سهل وهانت معاناته. لقد جعل الله أمير المؤمنين(ع) وليّا لتسهيل هذا الدين. إذ أن الإنسان الضعيف الذي لم يتلوّت بأمراض القلب، إذا رأى وليّ الله، ينبهر بحسنه ويشعر بسهولة الأمر بعد لقائه! فهو يقول: لقد ابتعدت عن ديني لكوني لم أرك يا مولاي، أمّا الآن وبعد ما رأيتك فقد عشقتك وعشقت الدين الذي تدعو إليه، فها أنا ألتزم بديني بعد.
إن الولاية تيسّر عملية جهاد النفس. لا نريد أن نحكم على جميع الناس عبر هذه القاعدة، إذ أن الجاهلين والمستضعفين خارجون عنها، ولكن من رأى نور أمير المؤمنين(ع) ثم أنكر ولايته، فهو في غاية الرجس والشقاء.
من لم يصدّق رذالة منكري ولاية أمير المؤمنين(ع) فلينظر إلى كربلاء
من لم يصدّق رذالة منكري ولاية أمير المؤمنين(ع) فلينظر إلى كربلاء. فكلّ أولئك الذين ملأوا قلب أمير المؤمنين(ع) قيحا وشحنوا صدره غيظا، قد جسّدوا رذالتهم وشقاءهم في كربلاء. فيا ترى في أي حرب قد ارتكبوا الجرائم التي ارتكبوها في كربلاء؟! من هنا نعرف أن كربلاء ليست بمعركة بسيطة، إنّها محلّ أخذ أعلى المعارف وأسماها.
نحن إن لم ندرك حقيقة ابن ملجم، فلنبحث عن حقيقته في كربلاء. فيا ترى أين كانوا قد أخفوا أضغانهم؟ وليت شعري ما الفائدة التي كان يحصل عليها العدو برضّ الأجساد بحوافر الخيل؟! وما كان الهدف من قرع رؤوس أطفال الإمام الحسين(ع) بالرماح؟ كل ما جرى في كربلاء يدلّ على أن كره أمير المؤمنين(ع) ليس بأمر بسيط. وكذلك ليس بأمر بسيط أن يقوم قوم بقتل الحسين(ع) بغضا لأمير المؤمنين(ع).
الإمام، يسهّل العبوديّة وعملية جهاد النفس
إن كانت مراحل جهاد النفس السابقة صعبة، فإنها تسهل وتهون عند ولاية أمير المؤمنين(ع). الإمام يسهّل العبودية وعملية جهاد النفس. ومن هنا تستفحل ظاهرة العداء لأولياء الله بين مرضى القلوب. كل الحديث الذي جرى حول الكبد والعناء في مسار جهاد النفس، متعلق بالمراحل الابتدائية، أمّا بمجرّد أن نصل إلى موضوع الولاية، تخفّ المعاناة.
لقد روي عن الإمام الحسن العسكري(ع) حديث مشهور؛ «فَأَمَّا مَنْ کَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ، حَافِظاً لِدِینِهِ، مُخَالِفاً لِهَوَاهُ، مُطِیعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ یُقَلِّدُوه» [وسائل الشيعة/ج27/ص131] فلابدّ أن ننظر «إلى إطاعة أمر المولى» كأمر في امتداد «مخالفة الهوى». فإن هذين العنصرين هما في امتداد واحد.
إن لاقى أحد صعوبة في مخالفة هوى نفسه، فليكثر في الذهاب إلى مجالس عزاء الإمام الحسين(ع)
إن لاقى أحد صعوبة في مخالفة هوى نفسه، فليكثر في الذهاب إلى مجالس عزاء الإمام الحسين(ع). إنّ لم نغتنم نعمة الولاية هذه التي منحوها لنا مجّانا والتي تعبّد طريق العبودية ومخالفة النفس، ولم نسهّل لأنفسنا عملية جهاد النفس، فعند ذلك سوف نستحق عذاب جهنّم.
لقد قال الإمام الصادق(ع) في تفسير قوله تعالى: (الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ) [المائدة/3]، «الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ بِإِقَامَةِ حَافِظِهِ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِي بِوَلَایَتِنَا وَ رَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دِیناً أَيْ تَسْلِیمَ النَّفْسِ لِأَمْرِنَا»[مناقب آل أبي طالب/ ج3/ ص23].
لماذا الإمام يعبّد طريق جهاد النفس لسالكيه؟ لأنه يحظى بجذابيّة وحلاوة متميّزة. ولذلك يقف زائر أهل البيت(ع) عند قبورهم فيقول: «فَمَا أَحْلَى أَسْمَاءَکُمْ» [زيارة الجامعة، عيون أخبار الرضا(ع)/ ج2/ ص276]. من خصال الإمام أنه جميل وجّذاب ويدخل حبّه في الفؤاد. وإنكم تستطيعون أن تشاهدوا دور الإمام في تسهيل العبادة، عبر مشاهدة حياة الصالحين من الناس.
من كان لا يرغب في الالتزام بمواقيت الصلاة، فإنّه إذا أحبّ إمام زمانه(عج) وعرف أن الإمام المنتظر(عج) يحب الصلاة في أول وقتها، سوف يلتزم بمواقيت الصلاة بطبيعة الحال. وكم من الشباب الذين رأيتهم بأم عيني في جبهات الجهاد، من الذين هانت عليهم صعوبة الالتزام بوقت الصلاة، بعد أن أوثقوا عرى حبهم للإمام صاحب الزمان(ع).
إن دور الإمام هو أن يبدّل عملية جهاد النفس إلى علاقة حبّ وغرام ونزهة. هذا هو شأن الإمام في العالم. نعم، إن جهاد النفس صعب عسير، ولكن ما لم يأت الإمام في البين. لماذا أرسل الله الأنبياء إلى الناس، لأنه أراد أن يسهّل عليهم صعوبة الدين، فإرسل إليهم رجالا مشرقي الوجوه و محبوبين خلوقين، فقال لهم اذهبوا إلى قومكم واكسبوا قلوبهم.
الإمام يكسب القلوب، وبحبّه نستطيع أن نلتزم بديننا وندرك حقيقته. كما جاء في زيارة الجامعة: «بِمُوَالاتِکُمْ عَلَّمَنَا اللَّهُ مَعَالِمَ دِینِنَا»[عیون أخبار الرضا ع/ج2/ص277]. كذلك التوحيد بين أبناء المجتمع فإنه ليس بأمر هيّن، ولا يقوى على هذا المهم إلا الولي والإمام. ولذلك نقول في تكملة المقطع السابق من زيارة الجامعة: «وَ بِمُوَالاتِکُمْ تَمَّتِ الْکَلِمَةُ وَ عَظُمَتِ النِّعْمَةُ وَ ائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ»[المصدر نفسه].
انظروا ماذا فعل الإمام الحسين(ع) ليلة العاشر؟ إنه قد سهّل صعوبة الجهاد على أصحابه. إنه عرض على أهله ومن معه من أصحابه أن يتفرّقوا ويجعلوا الليل جملا وقال: إنما يطلبوني وقد وجدوني. فقالوا: قبّح الله العيش بعدك. يعني أصبح البقاء معك سهلا والذهاب علينا صعبا. فبعد ما وجد الإمام الحسين(ع) أن كم قد سهّل الجهاد عليهم بنور الولاية سهّل عليهم الطريق أكثر. إذ بعد ذلك كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم في الجنة. فقد روي عن الإمام السجاد(ع) أن قال الإمام الحسين(ع) لهم في تلك الليلة: «ارفَعوا رُؤوسَكُم وَانظُروا. فَجَعَلوا يَنظُرونَ إلى مَواضِعِهِم ومَنازِلِهِم مِنَ الجَنَّةِ، وهُوَ يَقولُ لَهُم: هذا مَنزِلُكَ يا فُلانُ، وهذا قَصرُكَ يا فُلانُ، وهذِهِ دَرَجَتُكَ يا فُلانُ. فَكانَ الرَّجُلُ يَستَقبِلُ الرِّماحَ وَالسُّيوفَ بِصَدرِهِ، ووَجهِهِ لِيَصِلَ إلى مَنزِلِهِ مِنَ الجَنَّةِ». [الخرائج والجرائح/ج2/ص847]. هذا هو دور الإمام في تسهيل الطريق لأصحابه والخاضعين لولايته. فإنه قد سهّل عليهم جهاد النفس، وبذل الأنفس في سبيل الله والرضا بقضائه.
هنا حري بنا أن يناجي كلّ منا إمام زمانه(عج) ويقول له: سيدي، أرى طريق إصلاح نفسي وعرا، فها أنا أعيش الصعاب والمعاناة في هذا الطريق، مما يدل على أنّي لم أعرفك بعد. سيدي ومولاي! أرجوك أن تعرفني نفسك وتقتحم قلبي وتزيل الغطاء عن وجهي كما فعل الإمام الحسين(ع) لأصحابه. فسهّل بعيني الموت من أجلكم.
لابدّ أن نعرف احتياجنا للإمام ودوره في عملية إصلاح النفس، فإذا أدركنا احتياجنا إليهم واستعنّا بهم، سوف لا يبخلون علينا بمعونتهم. فإنهم قد خلقوا لأداء هذا الدور. وهذه هي المعرفة الرئيسية التي نستطيع أن نعتبر باقي الأبحاث مقدّمة أو هامشية بالنسبة إليها.
لابدّ أن قد سمعتم قصة ذاك الشيعي الذي أمره الإمام الصادق بإلقاء نفسه في التنّور. «قال مأمون الرقّي كُنْتُ عِنْدَ سَيِّدِي الصَّادِقِ ع إِذْ دَخَلَ سَهْلُ بْنُ الْحَسَنِ الْخُرَاسَانِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَكُمُ الرَّأْفَةُ وَ الرَّحْمَةُ وَ أَنْتُمْ أَهْلُ بَيْتِ الْإِمَامَةِ مَا الَّذِي يَمْنَعُكَ أَنْ يَكُونَ لَكَ حَقٌّ تَقْعُدُ عَنْهُ وَ أَنْتَ تَجِدُ مِنْ شِيعَتِكَ مِائَةَ أَلْفٍ يَضْرِبُونَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالسَّيْفِ فَقَالَ لَهُ ع اجْلِسْ يَا خُرَاسَانِيُّ رَعَي اللَّهُ حَقَّكَ ثُمَّ قَالَ يَا حَنِيفَةُ اسْجُرِي التَّنُّورَ فَسَجَرَتْهُ حَتَّي صَارَ كَالْجَمْرَةِ وَ ابْيَضَّ عُلُوُّهُ ثُمَّ قَالَ يَا خُرَاسَانِيُّ قُمْ فَاجْلِسْ فِي التَّنُّورِ فَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّ يَا سَيِّدِي يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُعَذِّبْنِي بِالنَّارِ أَقِلْنِي أَقَالَكَ اللَّهُ قَالَ قَدْ أَقَلْتُكَ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ هَارُونُ الْمَكِّيُّ وَ نَعْلُهُ فِي سَبَّابَتِهِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ ع أَلْقِ النَّعْلَ مِنْ يَدِكَ وَ اجْلِسْ فِي التَّنُّورِ قَالَ فَأَلْقَي النَّعْلَ مِنْ سَبَّابَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ فِي التَّنُّورِ وَ أَقْبَلَ الْإِمَامُ ع يُحَدِّثُ الْخُرَاسَانِيَّ حَدِيثَ خُرَاسَانَ حَتَّي كَأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهَا ثُمَّ قَالَ قُمْ يَا خُرَاسَانِيُّ وَ انْظُرْ مَا فِي التَّنُّورِ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَرَأَيْتُهُ مُتَرَبِّعاً فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَ سَلَّمَ عَلَيْنَا فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ ع كَمْ تَجِدُ بِخُرَاسَانَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ وَ اللَّهِ وَ لَا وَاحِداً فَقَالَ ع لَا وَ اللَّهِ وَ لَا وَاحِداً فَقَالَ أَمَا إِنَّا لَا نَخْرُجُ فِي زَمَانٍ لَا نَجِدُ فِيهِ خَمْسَةً مُعَاضِدِينَ لَنَا نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْوَقْتِ.» [ بحارالأنوار/ج47 /ص124] فانظر كيف قد هوّنت الولاية ما لا يطيقه سائر الناس. فلا تزعم أن هارون المكّي قد جاهد نفسه كثيرا حين ما ألقى نفسه في التنّور، أو أنّه قد خيّر نفسه بين نار التنّور ونار جهنّم فاختار نار التنّور كرها، كلّا.
لا ينال ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع
لا ينال ولاية أهل البيت(ع) إلا بالورع، والورع هو أقصى مراحل التقوى. الورع هو ترك هوى النفس بلا مشقّة؛ يعني أن تبلغ المرحلة التي تسهل فيها عملية جهاد النفس. قال أمير المؤمنين(ع) لسليم: «یَا سُلَیْمُ إِنَّ مِلَاكَ هَذَا الْأَمْرِ الْوَرَعُ لِأَنَّهُ لَا یُنَالُ وَلَایَتُنَا إِلَّا بِالْوَرَع»[کتاب سلیم بن القیس/ج2/ص827]
لابدّ أن نتّجه نحو الولاية عن طريق الورع، ثم نعزّز الورع بالولاية. وبهذا الأسلوب يسهل الورع. إن حبّ أمير المؤمنين(ع) يزيد الإنسان ورعا، والورع يزيد الإنسان حبّا لأمير المؤمنين(ع). إن حبّ أمير المؤمنين(ع) هو حبّ جميع المحامد والفضائل في الواقع. فقد جاء في زيارة الجامعة: «إِنْ ذُکِرَ الْخَیْرُ کُنْتُمْ أَوَّلَهُ وَ أَصْلَهُ وَ فَرْعَهُ وَ مَعْدِنَهُ وَ مَأْوَاهُ وَ مُنْتَهَاهُ». ويجرّنا هذا الحب إلى جميع الفضائل والمحامد، فإن وجدنا بعض الفضائل ثقيلة على أنفسنا، فذلك بسبب أننا لم نعرف إمامنا جيدا. إذ أن الإمام يسهّل الصعاب كلّها.
الولاء للولي يسهّل عليك عملية جهاد النفس، وكذلك يسهّل عليك إطاعة المولى في جهاد النفس، وفي نفس الوقت يضعّف هوى نفسك بشكل كامل. إذ بولائك قد تقبّلت أن يتفضّل عليك بشر مثلك لأن الله قد فضّله عليك. فإنك عندما تقرّ لأمير المؤمنين(ع) بالولاية والسيادة والإمرة عليك فقد قضيت على نفسك، ويسهل عليك الورع حينئذ.
لماذا الولي يسهّل عمليّة جهاد النفس؟
والسبب الآخر الذي جعل وليّ الله سببا لتسهيل جهاد النفس، هو أن وليّ الله مظلوم. فإنك عندما ترى مظلوميّة أمير المؤمنين(ع) حين استشهاد السيدة الزهراء(س) تهون عملية جهاد النفس بعينك. إن هذا الرجل العظيم الذي استشهد في هذه الأيام، قد شدّ بالحبال وجرّ إلى المسجد. وقد ضربت زوجة هذا الرجل المظلوم أمام عينه.
ما أكثر الشهداء الذين زالت مظلوميتهم بعد استشهادهم، إلا أمير المؤمنين(ع) فقد بدأ الخطباء بعد استشهاد أمير المؤمنين(ع) بلعنه على المنابر. فهل تستطيعون أن تجدوا مظلوما مثل علي بن أبيطالب(ع).
من ظلامات أمير المؤمنين(ع) بعد استشهاده هي أن لم يشيّعه أحد من الناس فقد دفن في ليلة ظلماء بعيدا عن أنظار الناس. فعادت ذكريات مصائب الزهراء(س) على بنته زينب وهي ترى تكرار مشهد التشييع في جوف الليل خفية، فما أعزّ على البنت المصابة بفقد أبيها أن لا تجهش بالبكاء، ولا ترفع صوت النحيب والعويل علي أبيها المقتول ظلما.
ألا لعنة الله على القوم الظالمين