الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۵/۰۶/۰۳ چاپ
 

الطريق الوحيد للحصول على الحياة الأفضل ـ 4

إن فنّ التديّن هو أن نعبد الله في ضمن مباشرة الحياة الدنيا/ إن ترك الدنيا بشكل كامل يمثّل نوعا من طلب الراحة/ إن ابتعاد بعض المتديّنين عن الحياة ناجم من طلب الراحة لا حبّ العبادة/ إن النفعية ليست سيئة بل هي في غاية الروعة والمعنوية/ إن كان الدين لصالحنا فلماذا يثيبنا الله على الالتزام به؟

  • الزمان: 21/06/2016
  • المكان: طهران ـ مسجد الإمام الصادق(ع)
  • A4|A5 :pdf

بعد ما ألقى سماحة الشيخ بناهيان سلسلة محاضراته في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» ونالت إعجابا من قبل الشباب، بدأ بطرح موضوع «الطريق الوحيد للحصول على الحياة الأفضل» ليجيب عن سؤال «كيف نحظى بحياة أفضل؟» فإليك أيها القارئ الكريم نصّ أهم المقاطع من محاضرته في الجلسة الثالثة:

إن عبادة الله من دون الدخول في معمعة الحياة الدنيا أسهل/ إن فنّ التديّن هو أن نعبد الله في ضمن مباشرة الحياة الدنيا/ إن ترك الدنيا بشكل مطلق ضرب من طلب الراحة

لو كان الله قد أمرنا بالعبادة وحسب ولم يوصينا بأيّ أمر من أجل تحسين الحياة، لكان أمرنا أسهل. لو كان الله قد أمرنا بالزهد واجتناب الدنيا وحسب ولم يأمرنا بمباشرة الأعمال التي تجعلنا نصطكّ بالدنيا لكان تكليفنا أسهل جدّا. 

إن عبادة الله من دون الخوض في معمعة الدنيا أسهل، ولكنك إن أُمِرت بتكوين «حياة طيّبة» وأُمِرت بالعبادة في ضمنها، هنا يتجلّى فنّ التديّن. إن روعة التديّن، في أننا ملزمون بمباشرة الحياة الدنيا ويجب أن ندير حياتنا بأفضل وجه ونتعبّد في نفس الوقت.

يجب أن نكون من طلّاب الحياة والعبادة في وقت واحد، وإلا فإن ترك الدنيا برمّتها ليس بفضل، بل هو نوع من طلب الراحة. يريد البعض أن يسهّل الأمر على نفسه بحيث يباشر القضايا المعنوية من جانب واحد بحيث يضع الدنيا على جانب ويشتغل بالله وبالآخرة فقط! هذا نوع من طلب الراحة. وهناك أمثلة مختلفة لهذا النوع من طلب الراحة.

فعلى سبيل المثال قد تكون وظيفة الإنسان هي أن يخفي حقيقة ما ليحفظ على سمعة أخيه المؤمن. ولكن عندما يُسأل عن حقيقة الأمر يصرّح ويجيب وذلك بسبب أن قد صعب عليه الحفاظ على هذه الكلمة، فيتفوّه بها ويذهب بماء وجه أخيه بذريعة «الصدق»، لأن صدق الحديث والتصريح بالحقيقة أيسر عليه! في حين أن هذا السلوك لا يعبّر عن فضيلة الصدق بل هو نوع من طلب الراحة. وهذا الأمر جار في كل حديث لا ينبغي الإعلان به. أما الإنسان الطالب للراحة لا يطيق حفظ السّر، فيذيع به ويريح نفسه.

إن استطعت أن تخوض في التجارة وفقا للتكليف ولا تتورّط بحبّ الدنيا فهذا هو الصحيح/ إن ابتعاد بعض المتديّنين عن الحياة ناجم من طلب الراحة لا حبّ العبادة!

إن رأيتم في المجتمع الديني أو في الأوساط الدينية، قد يندر الكلام عن الدنيا، فلم يكن ذلك ناجما من الحبّ الشديد للآخرة بل بسبب أنهم قد يشعرون بأن لو تركوا الحديث عن الدنيا والحياة بشكل كامل وصبّوا كلّ اهتمامهم بالله أروح لهم. بينما إن خضت في التجارة واعتبرتها تكليفك وصبرت عليها ولم تتورّط بحبّ الدنيا ثمّ لم تترك التجارة إلى آخر عمرك مخافة أن يقلّ عقلك فهذا هو الصحيح. كما قال الإمام الصادق(ع): «یَا مُعَاذُ أَضَعُفْتَ عَنِ التِّجَارَةِ أَوْ زَهِدْتَ فِیهَا؟... فَإِنَّ تَرْکَهَا مَذْهَبَةٌ لِلْعَقْلِ» [الکافي/5/149]

قد يكون عدم حديث المتديّنين عن الحياة ناجما من حبّ الراحة لا حبّ الدنيا! يعني يشعر المؤمنون أحيانا بأنهم وعبر سلوكهم هذا قد خفضوا من عسر العبادة.

وهناك نماذج أخرى من هذا النوع من حبّ الراحة. فعلى سبيل المثال ترى البعض يحب الرأفة، ولكنّه يرأف ثم يرأف حتى يصل الأمر به أن يرأف بإبليس! أو يقول: «لا تشتموا الدواعش! إذ ينبغي للإنسان أن يكون رؤوفا في جميع الأحوال.» في حين أن هذا النوع من الرأفة ليس بفضل، بل أشبه بالخصال الحسنة لدى النعاج! كما إن كان الإنسان مناديا إلى الصلح مع الجميع ومع كلّ ظالم وطاغوت، فهذا ليس بفضل. قد تبدو العبادة بدون الحياة وتحسين الحياة أيسر وقد اختارها الكثير حبّا للراحة.

العاقل يكترث بمصالحه/ أحد تعاريف الحياة الطيّبة هي تلك الحياة التي تكون لصالحنا

ذكرنا في الجلسة السابقة أنه بوسع الإنسان أن يشخّص ماهيّة الحياة الطيبة بعقله، بشرط أن لا يكون عقله عاطلا. فإن كان عقل الإنسان يعمل بالشكل الصحيح يأخذ ممّا يأخذه بعين الاعتبار «مصالحَ نفسه». العاقل يكترث بمصالحه ومن لم يكن كذلك فليس بعاقل. فليس بقبيح أن نهتمّ لمصالحنا. فلا ينبغي أن يسبقنا أهل الدنيا في هذا الميدان كما لا ينبغي أن يكون خطابنا وأسلوب حديثنا بحيث تخلو الساحة للملحدين ليجذبوا النفعيّين إلى أنفسهم.

كثير من الناس نفعيّون وأساسا ليست النفعية بشيء سيّئ. والدين لا يطرد النفعيّين. وكذلك علينا أن نأخذ مصالحنا بعين الاعتبار. وأساسا أحد تعاريف الحياة الطيّبة هي تلك الحياة التي تكون لصالحنا. نعم قد تستعمل النفعية في معان سلبية، مثل ما إن رأى الإنسان مصالحه وغضّ عن مصالح غيره. أو أنه يرى مصالحه القريبة المدى ويعمى عن مصالحه البعيدة المدى. إن هذه الأنواع من النفعيّة سيّئة. أمّا بغض النظر عن الحالات السيئة من النفعيّة، اهتمام الإنسان بمصالحه، يعبّر عن مصلحة عقلانية وسلوك معنويّ جميل.

ليست عبادة الله بمعنى نسيان مصالح الذات/ لم تكن النفعية غير سيئة وحسب، بل إنها صفة جميلة ومعنوية

نحن في الأجواء المعنوية لا نريد أن نزيل صفة النفعيّة عن أنفسنا. إن النفعيّة بمعناها الصحيح لم تكن غير سيئة وحسب، بل في غاية الروحانيّة. لا تعني عبادة الله نسيان مصالح الذات بل بالعكس فقد قال القرآن: (وَ لا تَکُونُوا کَالَّذینَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [الحشر/19] المسكين هو ذلك الإنسان الذي نسي الله فأنساه الله نفسه، أي أنساه مصالحه. فمن لا يستطيع أن يشخّص مصالحه في الحياة فلعلّه إنسان مسكين مطرود من قبل الله.

وفي سبيل اتّضاح أن لا بأس في النفعيّة، نستغرض بعض آيات القرآن. فعلى سبيل المثال قال الله تعالى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء/7] وقال تعالى: (وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما یُجاهِدُ لِنَفْسِه) [العنكبوت/6] وقال تعالى: (وَ مَنْ یَشْکُرْ فَإِنَّما یَشْکُرُ لِنَفْسِهِ) [اللقمان/12] وقال تعالى: (وَ مَنْ تَزَکَّى فَإِنَّما یَتَزَکَّى لِنَفْسِهِ) [فاطر/18] وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَیْها) [الجاثية/15]

إن نعتبر الدين لصالحنا لن نمنّ على الله/ عندما يذنب الإنسان فهو في الواقع يضرّ نفسه

إن هذه الرؤية إلى مصالحنا مهمّة لنا من جوانب عديدة. أحدها هي أن لا نمنّ على الله ولا نزعم أننا أنجزنا شيئا! مع الأسف إن بعضنا نحمل نظرة غير جيّدة عن الدين فنزعم أننا نتفضّل على الله بتديّننا. بينما يقول الله تعالى: (وَ مَنْ یَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهیمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة/130]. الآن وفي المجتمع لا يقال لمن رغب عن الدين: «سفيه» بل يقال: ذوقه هكذا. وهذا بسبب ثقافتنا نحن المتديّنين الخاطئة ولكثرة ما عرّفنا الدين بغير صواب.

عندما يذنب الإنسان فهو في الواقع يضرّ نفسه. فقد روي عن الإمام الصادق(ع): «إِنَّ الْعَمَلَ السَّیِّئَ أَسْرَعُ فِي صَاحِبِهِ مِنَ السِّکِّینِ فِي اللَّحْم‏» [الكافي/تج2/ص272] ولذلك حينما يتوب فهو في الواقع يسأل الله أن يداوي هذا الجرح وهو أشبه بالمعجزة. ارتكاب الذنب مثل ما لو جعل الإنسان يده على حجر القصّاب ثم يقطع يده بالساطور، ثم يسأل الله أن «يا إلهي! لقد ارتكبت حماقة وقطعت أصابعي، فتفضّل عليّ والحمها!» فلا يزعم البعض أنّ ضرر الذنب الوحيد هو أنه يسخط الله، والتوبة هي مسألة الله في أن لا ينزعج كثيرا ولا يغضب.

من يرتكب النظر الحرام فهو في الواقع قد سلب نفسه استعداد الالتذاذ في حياته الزوجيّة! وقد ألحق الضرر بنفسه، وضعّف عنصر الحبّ في حياته! وجرّ ألف ويل إلى نفسه. لا شك في أننا عندما نعصي الله فقد دمّرنا حياتنا! لابدّ لنا أن نشيع هذه الرؤية في المجتمع بحيث عندما نرى أحدا يخالف الدين ننظر إليه باستغراب ونقول: «لماذا يضرب هذا نفسه؟»

يقول البعض: فلان لا دين له ولكنه إنسان جيّد وخلوق وعاقل!

هناك نقص فضيع قد استشرى في رؤية مجتمعنا وثقافتنا وهو أن يعتبر الإنسان غير المتديّن صاحب ذوق مختلف! أو يقال في حقه أنه إنسان جيّد وعاقل إلا أنه لا دين له! في حين أنه لا يمكن أن يكون شخص جيّدا وخلوقا وعاقلا وفاهما وصاحب حياة جيّدة، وتكون مشكلته الوحيدة هي أنه لا دين له! وهل الدين شيء غير هذه الخصائص؟! لعلّ السبب في شيوع هذه الرؤية الخاطئة هي أننا لم نعرّف الدين بشكل صحيح. لعلنا لم نوضّح بعض أبعاد الدين أو لعلّنا لم نوضّحها بحيث يتم إدراكها بشكل صحيح.

إذا ذهبتم صبيحة يوم إلى بستان ورأيتم بعض الناس يتريّضون ماذا سيكون انطباعكم عنهم؟ من المؤكد أنكم ستقولون: «یا لهم من أناس عقلاء وفاهمين! فقد قاوموا حبّهم للراحة شيئا قليلا في سبيل مصلحتهم وصحّتهم. فكم هم أذكياء!» طيّب فإذا ذهبتم إلى المسجد وواجهتم أناسا مصطفّين للصلاة جماعة يجب أن يكون انطباعكم نفس الانطباع السابق ويا ترى ما الفرق بين هؤلاء وهؤلاء؟ أما للأسف نحن عندما ننظر إلى صفوف صلاة الجماعة لا نقول أن «هؤلاء يسعون لتأمين مصالحهم ويا لهم من أناس أذكياء...»

التديّن يعني الذكاء في سبيل تحسين الحياة/ فإذا كان التديّن لصالحنا فما سبب الأجر والثواب المترتّب عليه؟

يجب أن تكون نظرتنا إلى الدين نظرة واقعيّة عقلانية ومبتنية على أساس مصالح الإنسان. هنا يأتي سؤال: إن كان التديّن يعني العمل لصالح النفس والفطنة والذكاء في سبيل تحسين الحياة، وإن كان يعود فائدة العمل الصالح وضرر المعصية إليّ، إذن فما سبب الأجر الإلهي المترتّب على العمل؟ فلماذا يثيب الله عباده؟ أفلم أقوم بهذه الأعمال من أجلي ولمصلحتي؟! فإن كان كذلك كما هو كذلك فعلا فأين يكون جمال الدين وحماس العشق فيه؟

اسمحوا لي أن أقرأ عليكم رواية، فإنها تبيّن لماذا يشكرنا الله ويثيبنا بعد ما نقوم بعمل صالح؟ إن هذا الحديث الشريف قصة في الواقع ولكنها تغير رؤية الإنسان عن الدين والحياة:

لماذا كان الله يحب جعفر بن عليّ بن أبيطالب حتى قبل إسلامه؟

أنتم تعرفون أن جعفر الطيّار(ره) شهيد أعطاه الله جناحين في الجنّة فهو متميّز عن باقي الشهداء. وقد كان هذا الشهيد العظيم محبوبا لدى النبي الأكرم(ص) قبل استشهاده وبعده.

ذات مرّة دعا النبيّ جعفر بن أبيطالب(ع) وقال له: لقد أوحى إليّ الله أنه شكر لك بعض الخصال ونمط حياتك حتى قبل إسلامك؛ «عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ ع قَالَ‏ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى رَسُولِهِ ص أَنِّي شَكَرْتُ‏ لِجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَرْبَعَ خِصَالٍ فَدَعَاهُ النَّبِيُّ ص فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَوْ لَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَخْبَرَكَ مَا أَخْبَرْتُكَ مَا شَرِبْتُ خَمْراً قَطُّ لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنِّي إِنْ شَرِبْتُهَا زَالَ عَقْلِي وَ مَا كَذَبْتُ قَطُّ لِأَنَّ الْكَذِبَ يَنْقُصُ الْمُرُوءَةَ وَ مَا زَنَيْتُ قَطُّ لِأَنِّي خِفْتُ أَنِّي إِذَا عَمِلْتُ عُمِلَ بِي وَ مَا عَبَدْتُ صَنَماً قَطُّ لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَ لَا يَنْفَعُ قَالَ فَضَرَبَ النَّبِيُّ ص يَدَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَ قَالَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَجْعَلَ لَكَ جَنَاحَيْنِ تَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي الْجَنَّةِ.» [من­لا­يحضره­الفقيه/ج4/ص397]

إن الله يحبّ من يعمل وفق عقله عملا لصالحه ويؤجره على ذلك/ إن قبح أكثر الذنوب هي بسبب كونها تعبّر عن حماقة

إن الله يحبّ من يعمل وفق عقله عملا لصالحه ويؤجره على ذلك. والسؤال الذي أثرناه هو أنه: «إن كنت أطبّق الدين لمصلحتي فلماذا يؤجرني الله؟» الجواب هو أن اللّه يحبّ ويقدّر العبد العاقل، ويكره الحماقة. وأساسا قبح أكثر الذنوب هي بسبب كونها تعبّر عن حماقة. فيقول الله لعبده: أنا لا أتوقع منك أن تقوم بمثل هذه الحماقة! ولذلك يجب على مجتمعنا أن يحترم الدين بمقدار ما يحترم العقل.

روي عن أمير المؤمنين(ع) أن قد أوصاه النبي(ص) ببعض الوصايا وقال له: يَا عَلِيُّ أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظْهَا فَلَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا حَفِظْتَ وَصِيَّتِي‏. ثم قال في إحدى وصاياه: «يَا عَلِيُّ مَنْ‏ تَرَكَ‏ الْخَمْرَ لِغَيْرِ اللَّهِ‏ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ فَقَالَ عَلِيٌّ ع لِغَيْرِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَ اللَّهِ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ يَشْكُرُهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِك‏» [من­لا­يحضره­الفقيه/ ج4/ص353]

يزعم بعض العوام أن التديّن هو يعني إطاعة أوامر الله التي لا تضرّ ولا تنفع!

يزعم بعض الناس أن الدين هو أن نطبّق أوامر اللّه(ع)، ولكن لا يدرى لماذا قد أمر الله بهذا الحكم أو ذاك؛ فلعلّه أحبّ أن يأمر بأمر ما ففعل، فإذا أطعناه وامتثلنا أمره يرضى الله عنّا لكوننا قد امتثلنا أمره الذي لا يضرّ ولا ينفع! هكذا يزعم بعض عوام الناس، ولعلّ بعض العوام هم من طلاب الجامعة أو خريجون وأصحاب شهادات وحتى لعلهم من طلبة الحوزة!

كتب محمد بن سنان كتابا للإمام الرضا(ع) يسأله عن عقيدة بعض أهل القبلة الذين يزعمون أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يُحِلَّ شَيْئاً وَ لَمْ يُحَرِّمْهُ لِعِلَّةٍ أَكْثَرَ مِنَ التَّعَبُّدِ لِعِبَادِهِ بِذَلِك‏، فأجابه الإمام الرضا(ع) في كتاب وقال: «إِنَّا وَجَدْنَا کُلَّ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَفِیهِ صَلَاحُ الْعِبَادِ وَ بَقَاؤُهُمْ وَ لَهُمْ إِلَیْهِ الْحَاجَةُ الَّتِي لَا یَسْتَغْنُونَ عَنْهَا وَ وَجَدْنَا الْمُحَرَّمَ مِنَ الْأَشْیَاءِ لَا حَاجَةَ بِالْعِبَادِ إِلَیْهِ وَ وَجَدْنَاهُ مُفْسِداً دَاعِیاً الْفَنَاءَ وَ الْهَلَاك ثُمَّ رَأَيْنَاهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ أَحَلَّ بَعْضَ مَا حَرَّمَ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الصَّلَاحِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَظِيرَ مَا أَحَلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ وَ الدَّمِ وَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهَا الْمُضْطَرُّ لِمَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنَ الصَّلَاحِ وَ الْعِصْمَةِ وَ دَفْعِ الْمَوْتِ فَكَيْفَ إِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُحِلَّ إِلَّا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لِلْأَبْدَانِ وَ حَرَّمَ مَا حَرَّمَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَسَاد» [علل­الشرائع/ج2/ص592]

یجب أن يكون انطباعنا عن الدين بحيث نعتبر كل من يخالف الدين أن قد عمل بضرر نفسه

لقد تمّ تصميم الدين لتكوين الحياة الأفضل. فلا ينبغي أن نعتبر الدين كسلوك عقلاني فقط، بل يجب أن نقول أن الدين هو قمّة السلوك العقلاني ويجسد السلوك الأنيق والمرموق. وإلا فمن أراد أن يكوّن حياة تعبانة فليس بحاجة إلى الدين. بل حسبه أن يتعلّم بعض أساليب الحياة من أفواه الناس!

مع الأسف أننا لا نعتبر الدين لمصلحة حياتنا الدنيوية. ولذلك كل من يخالف الدين في المجتمع فلا نقول عنه: «أنه يعمل بضرر نفسه» بل نقول: «إنه يخالف الدين ويتجاسر على الله، إنه عديم الإيمان ولا يعتقد بالآخرة». هذا هو انطباعنا عنه ليس إلا، وفي الواقع هذه الرؤية عن الدين تعبّر عن نقص في رؤانا.

إن كان التديّن سلوكا عقلانيّا ولصالحنا فلماذا يثيبنا الله؟/1ـ إن الله يحب العقلاء/ 2ـ لا تخلو الحياة الطيبة من المعاناة وتحمل الصعاب

لنرجع إلى سؤالنا: إن كان الدين لصالحنا إلى هذا الحد ويعبّر عن سلوك عقلاني، فلماذا يثيبنا الله؟ السبب الأول هو أن الله أساسا يحب من يتحرّك وفق عقله، حتى وإن لم يكن فعله في سبيل الله. إن الله يؤجره لأنه يحبّ الإنسان العاقل.

والسبب الثاني هو أن الله عندما يرى عبده يعيش حياة حسنة يعلم أن هذه الحياة لا تخلو من المعاناة وتحمّل الصعاب، فعندما يتحمّل العبد الصعاب والمعاناة في سبيل تكوين الحياة الطيبة يقدّره الله ويحبّه وكأنه يقول: أنا الذي خلقت عبدي وجعلته في هذه الدنيا فتحمّلَ الصعاب والمعاناة فلا أنسى مشقّته وأثيبه عليها.

نحن الذين يغفر الله لنا إن ابتلينا بالحمّى أو الزكام أو مرض آخر؛ كما روي عن الإمام الصادق(ع): «حُمَّى لَیْلَةٍ کَفَّارَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَ لِمَا بَعْدَهَا» [ثواب‌الأعمال/193] وعن النبي(ص): «السُّقْمُ یَمْحُو الذُّنُوبَ» [مستدرك‌الوسائل/2/65] أفلا يثيبنا إن تعبنا وعرقنا وتحملنا المشقّة من أجل الحياة الطيبة؟! كان الإمام الباقر(ع) يعمل في المزرعة أو يحرث في ساعة حارّة ويصبّ العرق فأراد أن يعظه رجل فقال له: «أَصْلَحَكَ اللَّهُ شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ قُرَيْشٍ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا لَوْ جَاءَكَ الْمَوْتُ وَ أَنْتَ عَلَى هَذِهِ الْحَال؟ فقال: لَوْ جَاءَنِي وَ اللَّهِ الْمَوْتُ وَ أَنَا فِي هَذِهِ‏ الْحَالِ جَاءَنِي وَ أَنَا فِي طَاعَةٍ مِنْ طَاعَاتِ اللَّهِ أَكُفُّ بِهَا نَفْسِي عَنْكَ وَ عَنِ النَّاسِ وَ إِنَّمَا كُنْتُ أَخَافُ الْمَوْتَ لَوْ جَاءَنِي وَ أَنَا عَلَى مَعْصِيَةٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّه» [الإرشاد للمفيد/ج2/ص162]‏

·         فمن كوّن حياة طيّبة لا تخلو هذه الحياة من معاناة وصعاب فيلطف الله به بسبب مقاساته الصعاب المعقولة. هذا هو السبب الثاني لأجر الله عز وجل.

من الصعب أن تفعل ما هو لصالحك من أجل الله/ عندما ترى فضل الله عليك تتواضع

الدليل الثالث هو أن الإنسان المتصف بالفكر الراقي يسعى لأن يجعل أعماله في سبيل الله، وإذا استطاع أن يجعل العمل الذي هو لصالحه وبنفعه في سبيل الله فهو إنجاز كبير. إذ من الصعب أن تفعل ما هو لصالحك من أجل الله. فإن استطعت أن تقوم بالفعل الذي تعلم أنه لصالحك من أجل الله، عند ذلك يقدرك الله كثيرا ويعطيك أجرا عظيما.

الدليل الرابع هو أنك عندما تفعل ما هو لصالحك ثم تلتفت أن الله هو الذي أرشدك للقيام بهذه الأفعال وتأمين مصالح نفسك ثم يثيبك عليها ويعطيك أجرا، عند ذلك تشعر بالانكسار بين يدي الله وتتواضع له. فتقول له: «رب إني خجل منك! أنا أقوم بهذه الأفعال من أجلي ولمصلحتي ولكنك لا تزال تثيبني، لماذا كلّ هذا اللطف يا ربّ!»

من يقوم بعمل من أجل الله فهو في الواقع يفعله من أجله. ومن يعمل يسلك سلوكا عقلانيا ففي الواقع يسلكه من أجله ولمصلحته. فعندما يرى أن الله يؤجره على ذلك ينكسر ويتواضع ويزول منه العجب ثم يشعر بالخجل من الله ويشكر الله وهذه لروحية جميلة جدّا. فعندما اتصفت بهذه الروحية يزيدك الله أجرا. كأنه يقول: إن عبدي هذا ليس فيه شيء من الكبر، فكلما أتفضل عليه يشعر بذلك ويعرف أن قد تفضلت عليه فيزداد امتنانا وأنا أزداد عليه تفضلا. أنا قد خلقت عبدي لأتفضل عليه. أبحث عن ذريعة ووسيلة لأتفضل عليه.

كلما تزداد رفعة ومقاما تزداد حبّا لله/ إن تعش حياة طيّبة تعشق الله فيثيبك الله تبعا لذلك

الدليل الخامس هو أنك عندما تعيش حياة طيّبة، يتحقق أمر مهم، وهو أنه ستصلح أنت وتتصف بالاعتدال الروحي ثم تزداد رفعة ومقاما وتحلّق. بعد ذلك ستكون أشدّ حبّا لله.

إن تعش حياة صحيحة وطيّبة ستزداد حبّا للّه وتصبح حائرا أن كيف قد اتقد عشق الله في قلبك. ستشعر أنك تحبّه وتودّ محادثته ومناجاته. ثم هل تتصوّرون أن من يحبّ الله لا يعتني الله به؟! من المؤكد أن الله سيحبه ويثيبه ويلطف به. فإنك إن عشت حياة طيّبة ستعشق الله وفي المقابل يزداد الله لطفا بك وإحسانا إليك. 

تعليق