التقوى مشروع لإدارة المجتمع (المحاضرة 11)
ما هو أهم أثر للتقوى في الإنسان؟/ لماذا يتمتع ذوو التقوى بقوة روحية عالية؟
المكان: موكب النور
الزمان: 11/محرّم/1439 - 02/تشرين الأول/2017
نتائج البحث: إن للتقوى ثماني خصائص مهمة:
1. التقوى نهجٌ يعمل على غرس الدافع في الناس، بل نظام يزوّدنا بالقدرة على التخطيط وإدارة حياتنا وبلدنا.
2. التقوى ضرب من "الضبط الذاتي من الداخل" وهي تبعث في الشخص الإحساس بالمسؤولية، ولهذا يكون للرقابة والتحكم من الخارج (عبر القانون والسلطة القضائية) أدنى دور.
3. تتخذ التقوى منحى التكليف لا منحى النتائج، فهي تهتم بالعمليات الموصِلة إلى النتائج، لا بالحاصل والنتائج نفسها.
4. تخفض التقوى معدلَ الحُكم على الآخرين إلى أدنى مستوى وتبعث على السَكينة الروحية وتجعلك ترى الآخرين أفضل منك، ولذا فإنك معها لا تتوقف، ولا تذهب بتوقعاتك بعيدًا، ولا تغتر بنفسك، ولا تيأس.
5. تحفظ التقوى للإنسان "استقلاله الروحي" و"كرامته" وتمنحه القوة، والشجاعة، والحرية، والثبات.
6. تزوّد التقوى صاحبها بالفطنة ورُقِيّ الفَهْم والقدرة على استشراف المستقبل، وتُحَفّز فيه الإبداع والازدهار الذاتي.
7. تُنتج التقوى أرقَى أنواع "الشبكات الاجتماعية"؛ فهي "تُقوّي" الفرد أوّلًا، ومن ثم المجتمع لكي يتمكن الاثنان من الوقوف على أرجلهما. وعوضًا عن ترَكُّز السلطة والثروة في حوزة القليلين فإنها توزّعها بين أفراد الشعب.
8. التقوى تربّي الإنسان على الولائية.
سماحة الشيخ بناهيان
- تعمل التقوى بأسلوب "خلق الدافع عند الشخص"، وهذا – إلى حد ما – الموضوع الذي تتناوله فروع العلوم الإنسانية قاطبة. وإن لهذا الموضوع منزلة مهمة للغاية، ولا سيما في "علم الإدارة"، وكذا في السياسة.
- كيف تكون التقوى نهجًا لغرس الدافع؟
- أولًا: الحافز الذي تقدّمه التقوى لصلاح الإنسان تَقرِنُه بالله تعالى. وإذ أن أثرَ سلوكنا – وهو سخط الله أو رحمته - ينكشف يوم القيامة فإن الذي يعمل في سبيل الله إنما يعمل لدافعٍ يظهر أثرُه في المدى البعيد.
- ثانيًا: إن للتقوى أثرًا في دنيانا وحياتنا المادية أيضًا، غير أن أثرها الدنيوي مُعَقّد وغامض، إنه «مِن حَيثُ لا يَحتَسِب»؛ فليست القضية أنك إن اتقيتَ الله اليوم تُودَع مئة ألف تومان في حسابك غدًا!
- فأثر التقوى الدنيوي غامض ومُعَقّد، وأثرها الأخروي بعيد، إذن فأهم أثر تخلقه التقوى في الإنسان هو "الاستقلال" و"الإحساس بالمسؤولية". التقوى في الأساس تُعَد نهجًا تربويًّا يساعد الشخص المتّقي - شيئًا فشيئًا - على الوقوف على قدميه، فيسقتل، ويبدأ هو "بالإحساس بالمسؤولية"، ولا يكون هذا الإحساس نابعًا من خوفه على مصالحه الآنية الزائلة.
- الإنسان الذي يعمل بدافع التقوى، لا بحافز المنافع المرئية والمحسوسة الآنية والعينية، هو إنسان كريم ووقور للغاية. فالتقوى من ثَمَّ نهج للسمُو بكرامة الإنسان، إذ يقول عز وجل في القرآن الكريم: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُم» (الحجرات/ الآية13)؛ فهو أكرمكم عند الله تعالى، وأكرمكم "في نفسه" أيضًا.
- وبعد "الاستقلال الروحي" تمنح التقوى الإنسان "قوة روحية". فإنك حين تكون مستقلًا لا تكون منصاعًا إلى النفع أو الضرر الآنيين، ولذا ستُوهَب الكرامة، وستكون قويًّا في آن واحد.
- ترتقي القوة الروحية لدى المتقين كل رقي؛ ذلك أن أغلب أشكال ضعفنا ناجمة عن مخاوفنا من "فقدان مصالحنا" (المصالح الزائلة). ولذا فإننا إن لم نتعلق بمصالحنا الآنية فسنصبح أقوياء. لكن الخوف من الله تعالى ليس هكذا، فهو خاص بأولئك العقلاء إلى أبعد الحدود؛ فعن الإمام أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «أَعْقَلُ النَّاسِ أَنْظَرُهُمْ فِي الْعَوَاقِب» (غرر الحكم/ ص217)؛ أي أكثرهم نظرًا في عواقب الأمور وتبعاتها.
- تمضي التقوى بالإنسان قُدُمًا وتعمل على تكامله على ثلاث مراحل:
- ففي المرحلة الأولى تجعل التقوى الإنسان مستقلًا وقويًّا ليقف على قدمَيه، وتغرس فيه الدافع للسلوكيات الحسنة (دونما تحكّم من الخارج، بل من خلال الضبط الذاتي من الداخل).
- ثم تمنحه، في المرحلة الثانية، قوة أعظم وهي "قوة الجماعة"؛ فهي - في الحقيقة - تحوّل "الأنا" إلى "النحن". فبعد أن تقوّي التقوى الفردَ تقول له: "والآن هيا اعملوا سوية". وحين ينخرط الإنسان القوي في جماعة تراه يوزّع عليهم مؤهّلاته وممتلكاته قائلًا لهم: "تعالوا واجنُوا جميعًا أرباحها"، فهو إذن يجمع حوله مجموعة متماسكة، بل - في الحقيقة - يكون هذا الفرد القوي "السبب في تماسك الجماعة"، وبالطبع، ولأنه ذو تقوى، سيمنع تركز السلطة والثروة في موضع واحد، كما هو الحال في النموذج الرأسمالي، بل يوزّعهما بين الناس.
- ثم في المرحلة الثالثة تجعل التقوى الإنسانَ ولائيًّا. ولهذا فإن كلمة "المتقين" في القرآن الكريم ترمز "للشيعة"، فالإمام(ع) يحدث المتقي "بالإشارة". لماذا؟ لأنه(ع) يريد أن يمنحه الفرصة لكي يجد هو الدافع، ويفهم هو، ويمضي هو في طريقه.