التقوى مشروع لإدارة المجتمع (المحاضرة 10)
يحيط القائد علمًا بمشاكل البلد جميعًا فلماذا لا يعمل على حلها بنفسه؟
المكان: موكب النور
الزمان: 10/محرّم/1439 - 01/تشرين الأول/2017
"الإدارة وفق أنموذج التقوى" تمنح الشعب "السلطة" ليعالج مشاكله بنفسه.
"الانتخابات" هي أضعف أشكال المشاركة الجماهيرية في إدارة المجتمع. إن على الناس أن يديروا حياتهم بأنفسهم!
"سيادة الشعب الدينية" في قطاع الاقتصاد هي أن يُدير الناس اقتصادهم بأنفسهم.
مَركزية السلطة والثروة مَجلَبَةٌ للفساد، فلا بد من تقليص حجم الحكومة وتوسيع سلطة الشعب، وإلا فلن يُصار إلى اجتثاث جذور الفساد.
الخطوة الأولى في طريق تقليص حجم الحكومة هي عدم سعي الناس إلى "التوظُّف في الجهاز الحكومي".
سماحة الشيخ بناهيان
- ليست رسالة الأنبياء(ع) أن يبسطوا هم "العدل" بين الناس، بل إنهم بُعثوا ليوصلوا الناس إلى مستوى يستطيعون فيه هم إقامة القسط والعدل. الذي يتعيّن عليه إقامة القسط والعدل ليس الأنبياء، بل الأمة؛ كل ما هنالك أن الأنبياء(ع) يعملون على التمهيد والتوطئة لذلك. يقول تعالى في كتابه العزيز: «لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْط» (الحديد/ الآية25). فالأنبياء(ع) يُوصِلون الناس إلى مستوى من التكامل يجعلهم قادرين على أن يعيشوا حياة عادلة؛ وهذا ضربٌ من "الإدارة الولائية" بالنسبة إلى الجماعة.
- لماذا لم يعمل رسول الله(ص) وأمير المؤمنين(ع) على حل مشاكل الرعية بأنفسهما؟ والآن الإمام القائد الخامنئي، وهو الذي يحيط علماً بمشاكل البلد جميعاً، لماذا لا يعمل على علاجها بنفسه؟ لأن النظام الولائي أساسًا يقوم على محاولة منح الشعب "السلطة" ليستطيع أفراده بأنفسهم، من خلال "الحراك الجماعي"، الوقوف على أرجلهم؛ أي إنه يتيح المجال ويهيئ الأسباب لتَبلُغ الجماهير نفسُها مستوًى من النضج والسلطة لتصبح هي قادرة على علاج مشاكلها. وهذه الطريقة هي الطريقة الوحيدة لبسط العدل في الأمة بشكل راسخ.
- لو يديرُ الناسُ حياتَهم بأنفسهم ويقفون على أرجهلم لربّما تنخفض معدلات القوانين المشرَّعة من مجلس الشورى إلى النصف، لأن أكثر القوانين إنما تُشرَّع للحد من الفساد، وحين تكون الأعمال بيد الناس أنفسهم تنخفض معدلات الفساد جدًا ولا تعود حاجة إلى هذا الكَمّ الهائل من القوانين. بل وتتقلص رقابة السلطة القضائية من ناحية أخرى إلى حد كبير؛ إذ لا تبقى في مسؤولية المديرين أعمال كثيرة كي تمارس السلطة القضائية الرقابة عليهم.
- إنّ مركزية السلطة والثروة مَجلَبَة للفساد الذي لا يمكن السيطرة عليه لا بالقانون ولا بقوة القضاء، خلافًا لتوزيع السلطة بين أفراد الشعب، إذ سيتطلب الأمر حينها أدنى كَمّ من القوانين والرقابة. فلا بد من تقليص سلطة الحكومة وتوسيع سلطة الشعب، وإلا فلن يُصار إلى اجتثاث جذور الفساد.
- "إدارة المجتمع وفق أنموذج التقوى" تعني أن لا تسمح لأن تؤدّي مركزية الثروة والسلطة إلى خلق الفساد في مجتمعك. ومن أجل إلغاء مركزية الثروة والسلطة يتعيّن تقليص حجم "الحكومة". تمنّي تقلُّص حجم الحكومة هذا يبشّر ببركات وافرة للمجتمع، وإن الخطوة الأولى في هذا الطريق هي عدم سعي الناس إلى "التوظُّف في الجهاز الحكومي".
- سُئل الإمام الصادق(ع) عن رجل يريد أن يعمل أجيرًا، أو ما نصطلح عليه اليوم "الموظَّف"، فأجاب الإمام(ع): «لا يُؤاجِر نَفَسَهُ وَلكِنْ يَستَرزِقِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَتَّجِر» (الكافي/ ج5/ ص90). كما ينهانا أمير المؤمنين(ع) عن أن نعمل بأجر إذا قَدِرنا على كسب رزقنا بأنفسنا، إذ يقول(ع) في ما رُوي عنه: «وَإِنِ استَطَعتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَينَ اللهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَل» (نهج البلاغة/ الكتاب31). أما اليوم فعندما يريد الناس تزويج بناتهم يسألون الخاطب: "أين تعمل مُوظَّفًا؟"!
- "الانتخابات" هي أضعف أشكال المشاركة الجماهيرية في إدارة المجتمع، وهي الأكثر إضرارًا من بين باقي أشكال المشاركة التي يتسنّى للناس ممارستها لإدارة حياتهم! فإنك تنتخب رئيس الدولة أو نائب البرلمان أو غيرهما ثم تجلس في قريتك أو مدينتك مخاطبًا إيّاه: "وفِّر لنا الخبز والماء والمدراس وعَبِّدْ لنا الشوارع، ...إلخ"! وهذه أسوأ أشكال إدارة المجتمع وأكثرها مجلبةً للفساد! في حين يُفترض أن الناس هم الذين يجب أن يقفوا على أرجلهم.
- يقول الإمام القائد (حفظه الله): "حين نقول: سيادة الشعب الدينية، يظن البعض أن هذه السيادة تتحقق عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع لا غير، في حين أن هذه الأخيرة ليست إلا مظهرًا واحدًا من مظاهر سيادة الشعب الدينية. فسيادة الشعب الدينية تعني أن السيد على حياة المجتمع، بحسب الدين والإسلام، هو الشعب نفسه" (في كلمة له في 23/11/2016)؛ فحين يُدير أفراد الشعب اقتصادهم بأنفسهم تتحقق "سيادة الشعب الدينية" في قطاع "الاقتصاد". فسيادة الشعب تتحقق حين ينشط الشعب في أي مجال! ولا يقتصر هذا على صناديق الاقتراع.
- إن قوة الشعب جبّارة إلى أبعد الحدود، وإن إحدى قواه هي "قوته الشرائية" على هيأة شبكة اجتماعية. فلو قرر خمسة ملايين شخص من الشعب شراء ألبستهم بشكل مُنسَّق (كأن يشتروا منتوج الألبسة لمصنع محلي إلى آخر العام بثمن عاجل؛ أي أن يدفعوا ثمنها مقدَّمًا) فسينتعش المصنع المذكور وسيكون في مقدور هؤلاء الخمسة ملايين أن يصبحوا شركاء (أصحاب أسهم) في المصنع ويربحوا. لكننا في الغالب لا نرغب في هذه الأمور، وإن مجتمعًا كهذا مجتمع ميت!