التقوى مشروع لإدارة المجتمع (المحاضرة 8)
في الإدارة القائمة على نهج التقوى ينخفض معدل "الرقابة من الخارج" ويزداد "شعور الفرد بالمسؤولية".
المكان: موكب النور
الزمان: 08/محرّم/1439 - 29/أيلول/2017
تعمل إدارة المجتمع وفق نهج التقوى على تقوية الناس؛ فردًا ومجتمعًا.
إجبار طلاب الثانوية على الدراسة تحت طائلة العلامات، وتسجيل الحضور والغياب، و"الرقابة من الخارج" فقط يدل على فشل النظام التربوي والتعليمي في عملية التربية والتعليم!
النظام التعليمي الذي يسجل الطالبَ "غائبًا" ويعاقبه لمجرد تأخّره لعشر دقائق هو – في الواقع – يحطّم "شعور الفرد بالمسؤولية تجاه نفسه".
عبر الرقابة الخارجية يَضعُف الطالب وتُشَلّ قابلياته، بالضبط كمن لا يُمسح له استعمال عضلاته ليصبح "قوي" البدن.
ليس "للنَظْم" الموجود في حركة المرور في الدول الغربية كبيرُ قيمة لأنه يقوم على "الرقابة الخارجية المشددة" بواسطة "الشرطة" و"الكاميرات" و"العقوبات الآنية القاسية"؛ ذلك أن فردًا كهذا لا يصبح مُنظّمًا انطلاقًا من إنسانيته، بل إنه يعامَل بـ"القانون" و"الرقابة الخارجية المشدَّدة" و"العقوبات الآنية" معاملة الحيوان لكي يلتزم "بالنظام".
سماحة الشيخ بناهيان
- علاوة على الانخفاض الشديد في معدل "الرقابة من الخارج" في الإدارة القائمة على نهج التقوى يزداد مستوى "شعور الأفراد بالمسؤولية" تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين؛ يقول رسول الله(ص) في ما روي عنه: «ألا كُلّكُم راعٍ وكُلّكم مسؤول عن رعيّته» (صحيح مسلم/ ج٦/ ص٨).
- من الممكن أن يتم تسجيل "حضور وغياب" الأولاد في الصف بطريقتين: الأولى عبر "الرقابة من الخارج" بواسطة معاون المدرسة الإداري، والثانية – وهي الأكثر تناغُمًا مع التقوى – هي "شعور الطلاب بالمسؤولية" تجاه حضور أو عدم حضور زملائهم في الصف؛ يعني إذا غاب زميل لهم عن الدرس سارَعوا، بباعث "الشفقة" عليه "والنُصح" له، إلى تنبيهه أن: "لماذا لم تحضر؟!" هل من مشكلة؟
- إذا أُجبر طلاب الثانوية على الدراسة تحت طائلة "العلامات"، و"تسجيل الحضور والغياب"، و"الرقابة من الخارج" فقط فهذا يدل على فشل النظام التربوي والتعليمي في عملية "التربية والتعليم" في الأعوام السبعة الثانية (أي سنوات الابتدائية أو ما بين السابعة والرابعة عشرة من العمر). ولا يعني هذا أن "مؤسسة التربية والتعليم" لم تُرَبّ أولادنا، بل إنها جعلتهم من دون تربية!
- النظام التعليمي الذي يسجل الطالب "غائبًا" ويُنقِص علاماته ويعاقبه لمجرد تأخره لعشر دقائق يكون – في الواقع – قد حطم "شعور الفرد بالمسؤولية" تجاه نفسه. فإنك حين تُجبر الفرد من الخارج على فعل شيء فإن "العامل الداخلي" فيه لن يعمل على دفعه إلى التحرك والنشاط، وسيفقد إنسانيته أيضًا شيئًا فشيئًا!
- عندما يعمل الفرد وينشط من أجل "نتيجة بعيدة المنال"، و"رقيب خفي"، و"ثواب وعقاب غير آنيَّين" فإنه ستُشَمّ منه للتو رائحة "الإنسانية". فإن عنصر "التقوى" يعمل على أن "يفور النبعُ بالماء من ذاته" لا أن نسكب الماء فيه من الخارج.
- حين تناط مسؤولية تسجيل الحضور والغياب بـ"معاون المدرسة"، ومَنح العلامات بـ"المعلم"، وتكون مثوبة الطالب "العلاماتِ المعطاة في نهاية الفصل" وتكون العقوبةُ "الرسوبَ أو الطردَ من المدرسة" فهذا يعني أن "الجميع يقومون بالتحكم بالطالب من الخارج"، وفي الحقيقة لا يعطونه فرصة "لإدارة ذاته" من الداخل! بالضبط كالذي لا يُسمح له باستعمال عضلات جسمه ليصبح "قويًّا"، فإنه سيُشَلّ بالتدريج بسبب توقف عضلاته عن العمل. وكذا الحال مع التلميذ، فإنه سيضعف ويُشَل شيئًا فشيئًا بسبب الرقابة من الخارج.
- "النَظْم" الموجود في حركة المرور في الدول الغربية ليس له كبير قيمة لأنه يعود إلى "الرقابة الخارجية المشدَّدة" بواسطة الشرطة والكاميرات و"العقوبات الآنية القاسية". فالشخص هناك لم يصبح منظّمًا من ذاته، بل لقد عُومِل، عبر "القانون" و"الرقابة الخارجية المشددة" و"العقوبة الآنية"، معاملة الحيوان فكان هذا سببًا في انتظامه، لا أنّه أصبح منَظّمًا بدافع إنسانيته.
- إذ سترون أن هذه المخلوقات نفسها، التي صارت مُنَظّمة بالرقابة المشدَّدة، كيف ستتحول إلى مخلوقات "غير مُنَظّمة" و"خارقة للقانون" إذا ما رُفع عنها "القانون" و"الرقابة" و"العقوبات القاسية"!
- المخالفات والحوادث المرورية في بعض الدول الشرقية أقل قياسًا ببلدنا على الرغم من أن قوانينهم المرورية أقلّ منا! وإنْ حصل حادث مروري فإن الناس أنفسهم يعلمون أن عليهم هم أن يعالجوا مشكلتهم بأنفسهم، فليس ثمة شرطة!
- تعمل إدارة المجتمع القائمة على نهج "التقوى" على أن يعتمد كل فرد من أفراد المجتمع على نفسه و"يشعر بالمسؤولية" تجاه الآخرين، وهكذا "يقوى" الناس ويدبّرون شؤون حياتهم بأنفسهم بشكل "جماعي" دونما احتياج إلى "الحكومة".
- لماذا نتّكل، نحن أفراد الشعب، كل هذا الاتكال على "الحكومة"؟! إن باستطاعتنا العمل على أن تستقل "القُرى" بذاتها، وتعتمد "المدن" على نفسها. فإنّ إدارة المجتمع وفق أنموذج "التقوى" تعمل على أن يصبح "الفرد" و"المجتمع" كلاهما قويًّا.