التقوى مشروع لإدارة المجتمع (المحاضرة 2)
أهم آثار النهج التربوي للتقوى هو استقلال الإنسان روحيًّا/ كيف يدمِّر نظامُ "العلامات" إبداعَ الأطفال؟
المكان: موكب النور
الزمان: 01/محرّم/1439 - 22/أيلول/2017
التقوى نهج أهم آثاره استقلال الإنسان روحيًّا، وإن الإبداع ينبع من الاستقلال الروحي.
تهتم التقوى بـ"العملية" أكثر من اهتمامها بـ"النتائج"؛ فالمهم في نهج التقوى هو: بأي طريقة زرعتَ الدافع في نفسك؟
لا تكترث بعض المدارس لعملية التربية ومسيرتها، وجُلّ تركيزها هو على النتائج، وليس هذا بالنهج الصائب.
الطالب الذي لم يمر بعملية دراسية صحيحة وحصل على علامات جيدة وحسب سيتحول إلى إنسان متعلّم غير مُنتِج، بل مُقلِّد وتَبَع!
ليس ثمة في نهج التقوى من مساحة كبيرة لـ"الثواب والعقاب الآنيَّين" لتحفيز الأشخاص، فالحيوانات أيضًا تُربَّى بهذا الأسلوب!
سماحة الشيخ بناهيان
- تهتم التقوى بـ"العملية" أكثر من اهتمامها بـ"النتائج"؛ أي: ليس إنجاز العمل الجيد هو وحدَه المِلاك في نهج التقوى، بل من المهم جدًّا في هذا النهج أن تعرف: "بأي باعث أنجزتَ هذا العمل الجيد؟ وبأي طريقة زرعتَ في نفسك الدافع لإنجازه؟"
- ليس باستطاعتك أن تقول لربك: "ما شأنك بأنه: كيف أنجزتُ هذا العمل؟ فلقد طالبتَني بالخير وقد فعلتُه، فتفضّل نتائجه، إنها لك!" إذ سيقول الله لك: "لا شأن لي بحصيلة أعمالك، المهم عندي هو عملية انبعاث الدافع فيك!"
- لا يهتم معظم الآباء والأمهات بـ"التقوى" لدى تربية أولادهم، ويَنصَبّ جُلّ اهتمامهم على "النتائج". يقولون على سبيل المثال: "لا بد لولدنا أن يواصل دراسته ويجني العلامات.. يجب أن ينجح في امتحان الثانوية العام، فسُمعتُنا بين الأقارب طيبة..." من دون أن ينتبهوا إلى العملية والطريقة التي يدرس بها ولدُهم. لا يلتفتون إلى أن عملية دراسته خاطئة من بدايتها، فقد حصل على العلامات وحسب، وليست لديه القدرة على التحليل أبدًا. فالإنسان المتعّلم غير المنتج هو إنسان مقلِّد، إنه عنصر تَبَع، ولن يكون في المستقبل شيئًا على الإطلاق!
- لا تكترث بعضُ المدارس لعملية التربية، بل تهتم بالنتائج. تقول مثلًا: "لاحظوا كم يواظب طلاب مدرستنا على الصلاة بانتظام!" وليس هذا بالدليل الوجيه! نقول لهم: "كيف جعلتم هذا الطفل ينضَمّ إلى صفوف الصلاة؟" يقولون: "لقد عاملناه بمنتهى اللطف والمحبة حتى بات من المُصلّين بمجرد إشارةٍ منا!.. إن كان درسُ الشيخِ لَحنَ محبّةٍ/ جَرَّ إلى الكُتّابِ الطفلَ الآبِقَ يومَ الجمعة"! إنهم يضعون خطط المدرسة عبر الأمثال!
- نقول في هذا النهج التربوي: "حبُّ المعلم في هذا السن جعل الطفل يصغي إلى كلامه (والأطفال عادةً ما يحبون التشبّه بالمعلم والكبار)، لكنه بعد بضع سنين (أي في سن البلوغ)، وحين يخبو حب المعلّم في نفسه، سيهوى التشبّه بأصدقائه. فكيف ستعمل – حينذاك - على إبقائه مواظبًا على الصلاة؟!
- التقوى نهج لبَعث الدافع في الإنسان، فهي تعمل – عبر ضربٍ من الضبط الذاتي (وليس بالتحكم من الخارج) – على غرس الدافع في الإنسان للإتيان بالأفعال الحميدة. وليس ثمة في نهج التقوى من مساحة كبيرة لـ"الثواب والعقاب الآنيَّين" لخلق الدافع في الأشخاص، فالحيوانات أيضًا تُربَّى بهذا الأسلوب! أوَتريد تربية طفلك بالطريقة ذاتها أيضًا؛ كأن تسارع إلى إعطائه قطعة شكلات إذا صلّى؟! تشجيع الوالدين مؤثّر إلى سِنّ معيّنة، ثم لا يعود لتشجيعاتهم ولا لتهديداتهم من أثر بعد ذلك.
- عليك أن تربّي طفلك بحيث لا يأتي بأفعالِه كثيرًا بدافع الثواب والعقاب. فإن لم تترك إثابةُ الآخرين وعقابُهم من أثر على طفلك فهذا يعني أنه نشأ مستقلًّا، وعندها سيبلغ مرحلة الإبداع والازدهار، فالازدهار يأتي من "الاستقلالية". فالذي يبقى تبعًا لتشجيع الآخرين يكون – في الحقيقة – قد جفّفَ جذور إبداعه.
- قد تسأل: "فماذا تقول بالتلاميذ المبدعين الذين تربّوا بأسلوب الثواب والعقاب الآنيَّين هذا؟" أقول ردًّا على هذا التساؤل: "لم يُظهِر هؤلاء التلاميذ إلا جزءًا من إبداعهم، ولم يستطيعوا إلى الآن إظهار كل ما لديهم من إبداع".
- التقوى نهج أهم آثاره "استقلال الإنسان روحيًّا". من أجل أن يكون الناس "هُم أنفسهم" فلا ينبغي أن نتعاطى معهم بطريقة الثواب والعقاب الآنيَّين! يجب أن يقول المعلم لتلاميذه: "يا أولاد، أريد أن أنشئكم مستقلين". ولو نشأ هؤلاء الأطفال مستقلين في المرحلة الابتدائية فلن يتأثّروا سلبًا في المرحلة المتوسطة إذا استُهزئ بهم، ولن يتمكن صديق من إفسادهم بمجرد بعض الابتسامات، بل سيقول الواحد منهم لصديقه هذا: "لك رأيُك، ولي رأيي".
- من أجل أن يَنعم الطلاب بالاستقلال الروحي، ويصونوا إنسانيتهم، ويحفظوا كيانهم من طغيان الخُبْث فليخططوا لكي يعيشوا جزءًا من حياتهم بعيدًا عن التأثّر بالآخرين؛ كأن يقول أحدهم: "أريد أن أواصل دراستي، لكن ليس من أجل العلامات!".