التقوى مشروع لإدارة المجتمع (المحاضرة 1)
ما المراد من "التقوى ما قبل دخول الإسلام"؟/ قد لا يكون البعض متدينا لكنه ذو "تقوى عامة"
المكان: موكب النور
الزمان: 29/ذو الحجة/1438 - 21/أيلول/2017
في أحد التصانیف تصنَّف التقوى إلى "تقوى ما قبل الإيمان" و"تقوى ما بعد الإيمان".
لا يكون البعضُ مسلمًا لكنه ذو "تقوى عامة"؛ أي إنه يتقيد بالتزامات ومراقَبات في حياته.
المراد من "التقوى ما قبل دخول الإسلام" هو: "تُرى هل تصطنع ضربًا من المراقَبات والانضباط في حياتك، أم تعيش
حياتك بحالة من اللامبالاة والفوضى؟
علينا أن نُولي في المدارس اهتمامًا بـ"تقوى الأطفال العامة؛ أي التقوى ما قبل الإيمان" أكثر من اهتمامنا بإيمانهم
وعقائدهم.
أكثر المدارس إفسادًا هي تلك التي تُدَرِّس الأولاد الإيمان ولا تعلّمهم "التقوى ما قبل الإيمان"، فهي تُخَرّج أشخاصًا إما
أن يعملوا فيما بعد على تحريف الدين، أو ينقلبوا عليه، ويكون انقلابهم مؤثّرًا!
سماحة الشيخ بناهيان
- لقد أتى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز على ذكر مفهوم "التقوى" حوالي 250 مرة. وأكثر شيء أُمر به في القرآن الكريم هو التقوى. وتُصنَّف التقوى في أحد التصانيف إلى "التقوى ما قبل الإيمان" و"التقوى ما بعد الإيمان".
عندما يعمد الشخص الذي لمّا يُسْلِم ولمّا يؤمن، أي لمّا يدخل حضيرة الدين بعد، إلى فتح الصفحة الثانية من القرآن الكريم يقرأ قوله تعالى: «ذلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فيهِ هُدًى لِلمُتَّقين» (البقرة/ الآية2). فلماذا يطرح القرآن الكريم منذ البداية مسألة التقوى؟ يُفهَم من هذا أن المراد من هذه التقوى هو "التقوى ما قبل التديّن"!
المراد من التقوى ما قبل دخول الإسلام والتدين هو: "أتصطنع المراقبة في حياتك، أم تراك عمومًا تعيش حياتك بحالة من اللامبالاة؟ أتتحرّى الدقة وتَحسِب لكل خطوة، أم تحيا في حالة من اللانظام والفوضى والإهمال؟" فإن كنت منقادًا لهواك عاجزًا تمامًا عن ضبط نفسك فلن يأخذ الدين بيدك حتى إذا تديّنتَ به!
قد لا يكون البعضُ مسلمًا لكنه ذو تقوى؛ أي إنه يتقيد ببعض الالتزامات في حياته. شخص كهذا هو إنسان مُتَّقٍ بالمعنى العام للكلمة. صحيح أنه يجهل الله ولم يسمع بأوامره، لكنه يَقِظُ الضمير، ويعرف ما هي الأخلاق. ففي وسع الإنسان أن يدرك الكثير من الأمور هكذا حتى من دون دين!
یقول قائد الثورة الإمام الخامنئي(دام ظله) في هذا الباب: "يقول تعالى في كتابه العزيز: «هُدًى لِلمُتَّقين»، ولا يقول: "هُدًى للمؤمنين". ومعنى هذا الكلام أنه لو كان ثمة شخص لا دين له، لكنه ذو تقوى – ومن الممكن أن يكون الشخص ذا تقوى، بالمعنى الذي ذكرتُ، من دون أن يكون متديّنًا – فلا شك أن القرآن الكريم سيهديه وسيصبح هذا الشخص مؤمنًا، أما إذا لم يكن المؤمن ذا تقوى، فمن المحتمل أن لا يستقيم على إيمانه وسيكون إيمانه رهنَ الصدفة؛ فإن صادف أن عاش وسط بيئة طيبة استمر على إيمانه، وإن حُرم من هذه البيئة ضاع إيمانُه" (27/4/1998، لدى لقائه جمعًا من الشباب).
فماذا سيكون مصير المرء إن آمنَ ولم تكن له هذه التقوى الابتدائية؟ الشخص العديم التقوى لا ينتهي إلى مصير طيب أبدًا، ولا تَحسُن عاقبتُه! لأن الله سبحانه وتعالى يَعُدّ العاقبة الحسَنة في كتابه من نصيب المتقين: «وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقين» (القصص/ الآية83).
"التقوى العامة" هي التقوى ما قبل دخول الإسلام، وهي من نصيب "ذوي الحياة المنظَّمة، وأهل الدقة، والكدح، والمراقبة". وإنه ليتوجب علينا في مدارسنا أن نولي أهتمامًا "بتقوى أولادنا العامة" أكثر من اهتمامنا بإيمانهم وعقائدهم. أغلب المدارس لا تنشئ أطفالًا متّقين، بل تسعى لإنشائهم على الالتزام بالقانون، وعلى الأخلاق أيضًا، من دون أدنى اهتمام بالتقوى العامة لديهم! ثم ترون كيف يتلاشى هذا الالتزام بالأخلاق والقانون بكل سهولة وبأبسط الذرائع! والسبب هو أن الضامن لهذا الالتزام هو التقوى التي لم يتم التأكيد عليها.
ولو شرعنا بتعليم أبنائنا التقوى العامة، أي التقوى التي تسبق الدين، فلن نكون بحاجة إلى هذا الحجم الهائل من الإعلام الديني! بعبارة أخرى: إنْ نحن عملنا على تعليم التقوى السابقة للتدين فسيسهل علينا الأمر، إذ سنتنفّس الصُعَداء في الجامعة حين نرى أن الطلبة غيرَ المتدينين أيضًا هم أهل تقوى؛ أي إنهم منضبطون.
أكثر المدارس إفسادًا هي تلك التي تُدَرِّس الأولاد الإيمان ولا تعلّمهم التقوى ما قبل الإيمان! فهي تُخَرّج أشخاصًا إما أن يعملوا فيما بعد على تحريف الدين، أو ينقلبوا عليه، ويكون انقلابهم مؤثّرًا؛ لأنهم درسوا في مدارس دينية! فحين يحرف أمثالُ هؤلاء الدينَ يتقبل الناس منهم بسهولة أكبر. لماذا؟ لأن معلوماتهم الدينية راقية، فمشكلتهم الأساسية هي أنهم عديمُو التقوى.