متى يبدأ سقوط المجتمع المؤمن في الامتحان الالهي؟
المكان: الكاظمية المقدسة – حوار تلفزيوني
الموضوع: كيف يُمتحن ايمان مجتمع ما؟
التاريخ: 1/ آب اغسطس/ 2019 م – 29/ ذي القعدة/ 1440 ه.ق
من أين يبدأ عادة سقوط المجتمع المؤمن عند تعرضه للامتحان الالهي؟ يبدأ سقوطه عندما يولي ظهرَه لإيمانه ويود اختبار قضية جديدة بنفسه ليتقبلها، رغم مخالفة الدين لذلك.
وإن أدرك المؤمنون الحقيقة بمجرد "إشارة" وتقبلوها، لأثبتوا إيمانهم ولخرجوا من الامتحان الالهي مرفوعي الرأس. لكن إن أرادوا خوضَ تجربةٍ خلافاً لتعاليم الدين، فإما أنهم سيهلكون في خضم تلك التجربة، وإما أنهم سيدفعون ثمناً غالياً.
على سبيل المثال، دعا أمير المؤمنين(ع) الناس إلى الصمود معه لكنهم أرادوا دخول المفاوضة والحوار والصلح أيضاً عن طريق أبي موسى الاشعري، ولهذا تسبّبوا في خسائر فادحة. كما أن المعاصرين للإمام الحسن(ع) أيضاً أرادوا خوض تجربة الصلح والمفاوضة مع معاوية، ولذلك أدت بهم الى التهلكة.
وفي عصرنا الراهن أيضاً اقترح تيار اجتماعي خاص أنْ: "تعالوا لنجرب التفاوض مع العدو"، بينما كان واضحاً منذ البداية بأن هذه التجربة فاشلة، وهذا ما أخبرنا به سماحة الإمام الخميني وسماحة القائد وجميع المفكرين. لكننا خضنا هذه التجربة أخيراً ودفعنا الثمن وتراجعنا. واليوم اتضح لنا أن العدو لم يكن ليتجرأ على إشعال نار الحرب لو لم نتفاوض معه، بل ولكَفَّ عن تهديداته.
المجتمع المؤمن لا يكفر دفعة واحدة في خضم الابتلاء والامتحان ولا يدّعي بأنه عديم الإيمان تماماً! بل إنه يلتمس ذريعة وجيهة؛ فيقول مثلاً: "دعنا نجرب على أية حال!" لكن الخوض في هذه التجربة لا یعني إلا إدارة الظهر للإيمان! وثمرته ليست إلا الهلاك أو دفع الثمن!
بالطبع، إن التجربة بحد ذاتها مفيدة وجيدة، وعدم الاعتناء بها يؤدي الى "الشقاء". فهذا أمير المؤمنين(ع) يخاطب أبا موسى الأشعري - الذي ترأس الوفد المفاوض عن الامام(ع) –بالقول: «فَإِنَّ اَلشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ اَلْعَقْلِ وَاَلتَّجْرِبَةِ» (نهج البلاغة/ الكتاب 78) . فلابد من الاهتمام بالتجربة، أما أن نتمسك بالتجربة كذريعة للابتعاد عن الايمان فلن نجني سوى السقوط في الامتحان الالهي.
وبعد أن ولّى الناس ظهورهم لإيمانهم وتمسكوا بذريعة التجربة، ضرب البعض من أمثال أبي موسى الأشعري بالتجربة أيضاً عرض الحائط، ورغم علمهم بكذب الطرف المقابل في المفاوضة، وَثِقوا بأكاذيبه، ورغم علمهم بخيانته، تجاهلوا خيانته وقبلوا التزاماته.
إن السر الأهم في الامتحانات التي يخوضها أيّ مجتمع هو ضرب الإيمان عرض الحائط بذريعة "التجربة"، ولو أولينا اهتماماً كافياً لهذا السر لخرجنا من جميع الامتحانات الإلهية مرفوعي الرأس. وإن الله سبحانه قد يستاء حين يقف المرء في مواجهة ربه وإيمانه ويقول: "إني أريد أن أجرب"
ونلاحظ شبيه هذه القضية في حياة الشاب والأسرة أيضاً. فقد يكون بوسع الإنسان أن يجتاز الامتحانات الإلهية بنجاح باهر وأن يمضي قدماً بالاتكال على إيمانه وما تلقّاه من تعاليم إيمانية، لكنه يريد أن يجرب! وبعد القيام بهذه التجربة، تتسنى لبعض الاشخاص فرصة التعويض عما فات، لكنها تفوت على غيرهم وتنتهي تلك التجربة بهلاكهم.
متى تحققت مثل هذه القضية في تاريخ الإسلام أول مرة؟ ما هو أول امتحان اجتماعي فشل الناس فيه؟ كان ذلك في غزوة بدر، حين أسر المسلمون سبعين من المشركين. كان رسول الله(ص) يرى أن مصلحة المسلمين تقتضي قتل الأسرى وعدم الاحتفاظ بهم، لكن الناس طالبوا بتحريرهم أو مبادلتهم مقابل الفداء حتى لا تراق الدماء بينهم. فأخبرهم رسول الله(ص) أن لا بأس بخوض هذه التجربة، لكن سوف «يُقْتَلُ مِنْهُمْ فِي عَامٍ قَابِلٍ بِعَدَدِ مَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ» «فَرَضُوا مِنْهُ بِذَلِكَ»: دعونا نجرب! «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ(ص) سَبْعُونَ رَجُلاً» (تفسير القمي/ ج1/ ص270) من ضمنهم حمزة سيد الشهداء(س). بينما لو عمل المسلمون وفقاً لإيمانهم في ذلك الامتحان وآثروا كلام الرسول(ص) على آرائهم، لم يخسروا ولم يدفعوا ثمناً.