ليلة القدرـ مصلى الإمام الخميني(ره)
أكد سماحة الأستاذ بناهيان في ليلة القدر وفي مصلى الإمام الخميني(ره) على ضرورة الاعتبار بمصير ابن ملجم مع ما كان يحمله من تاريخ حسن وأن لابد من الخوف على حسن عاقبتنا قائلا: يجب على المتديّنين أن يخافوا على حسن عاقبتهم أكثر من غيرهم... أنا لا أخاف من أهل الفسق والفجور في الشوارع والملاهي بقدر ما أخاف من المتديّنين الذين لا يضجّون إلى الله. فإليكم أهمّ المقاطع من كلمته:
لماذا تزامنت ليلة أوج العبادة مع ليلة أوج مظلومية أمير المؤمنين(ع)؟/ في أي موضوع نفكّر ليلةَ القدر
- ماذا يجب أن نفعله في محضر الله وفي ليلة القدر هذه التي تمثّل أهمّ ليلة في السنة؟ وأي حدث يجب أن يحدث لنا؟ وماذا يجب أن نفعله في ليلة ضربة أمير المؤمنين(ع) وفي ليلة استشهاده؟ ولماذا تزامنت ليلة أوج العبادة مع ليلة أوج مظلومية أمير المؤمنين(ع)؟ وما هي الحكمة من تزامن هاتين المناسبتين المهمّتين؟ وباعتبار أن التفكّر من أفضل العبادات، ففي أي موضوع نفكّر في هذه الليلة؟ وما هو أفضل موضوع يمكن أن نفكّر فيه ليلةَ القدر وليلةَ استشهاد أمير المؤمنين(ع)؟
- على يد من قتل أمير المؤمنين(ع)، هذا الرجل العظيم الذي لم يولد أحد سواه في الكعبة؟ إن أمير المؤمنين(ع) الذي كان ميلاده بمعجزة وكرامة عظيمة بحيث قد انشقّ له جدار الكعبة، الأمر الذي لم يحدث حتى في ميلاد عيسى بن مريم(ع)، وبعد مضي 1400 سنة ما زال أثر الانشقاق موجودا على جدار الكعبة وقبلة المسلمين، فليت شعري كيف كان مقتل هذا الرجل الذي انشق جدار الكعبة له في مولده؟
«حسن العاقبة» هي أهمّ قضية يجب أن نفكر فيها ليلة القدر
- أحد أذكار هذه الليلة هو لعن قاتل أمير المؤمنين(ع). أفليس الفكر في شخصية قاتل أمير المؤمنين(ع) من أهمّ المواضيع التي يجب أن نفكّر فيها هذه الليلة؟ وهل يمكن أن يكون استشهاد هذا الرجل العظيم حدثا طارئا وصدفة بعد ما كان مولده مصحوبا بتلك المعجزة العظيمة؟ إن هذا الرجل الذي شاء الله أن يعرض معجزة مولده لجميع الناس وللتاريخ، أفلا يريد أن يعطينا رسالة عبر حدث استشهاده؟! أفلا يريد الله سبحانه وتعالى أن يسلّط الضوء على شخصية قاتل علي(ع) وأن يقول لنا: «انظروا من الذي قتل أمير المؤمنين(ع)»؟
- لابدّ لنا أن نفكّر في موضوع حسن العاقبة وهذه لهي القضيّة الرئيسة التي يجب أن تشغل بالنا في هذه الليلة؟ الليلة هي ليلة التفكّر في مسألة «حسن العاقبة» من جانبين: الجانب الأول هو أن ابن ملجم الذي كان بحسب الظاهر أحد أصحاب أمير المؤمنين(ع) الأوفياء ومن المعتمدين لديه، ولكنّه أصبح قاتل أمير المؤمنين(ع). والجانب الثاني هو عندما أخبر رسول الله(ص) عليّا بأن في أحد أشهر شهر رمضان سوف تخضّب لحيتك بدمك، سأله أميرالمؤمنين(ع) مباشرة: «وذلك في سلامة من ديني؟»؛ «فَقُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ مَا یُبْکِیكَ؟ فَقَالَ: یَا عَلِيُّ أَبْکِي لِمَا یُسْتَحَلُّ مِنْكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ کَأَنّي بِكَ وَ أَنْتَ تُصَلِّي لِرَبِّكَ ... فَضَرَبَكَ ضَرْبَةً عَلَى قَرْنِكَ فَخَضَبَ مِنْهَا لِحْیَتَكَ. قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ع: فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ ذَلِكَ فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِینِي؟ فَقَالَ ص: فِي سَلَامَةٍ مِنْ دِینِكَ» [أمالي الصدوق/93]
- انظروا إلى هذا الرجل الذي قال الإمام الصادق(ع) في حقّه: «عَلِیٌّ قَسِیمُ الْجَنَّةِ وَ النَّار» [تفسير القمي/2/324]، كيف كان خائفا على حسن عاقبته، فما بالك بحالنا؟! هذا هو الشعور الذي يجب أن يعيشه المؤمن طيلة حياته فقد قال رسول الله(ص): «لا یَزالُ المُؤمِنُ خائِفاً مِن سُوءِ العاقِبَةِ» [ميزان الحكمة/4772]
عندما ننظر إلى حسن سابقة ابن ملجم، يتحتّم علينا أن نخاف على حسن عاقبتنا
- في هذه الليلة عندما ننظر إلى أمير المؤمنين(ع) وخوفه على حسن عاقبته، يجب أن تعترينا حالة من الذهول، وكذلك يجب أن نمتلئ رعبا وخوفا بمشاهدة عاقبة ابن ملجم. فليت شعري كيف ساءت عاقبة هذا الإنسان الذي كانت له تلك السابقة الحسنة حتى صار أشقى الأشقياء؛ «قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِیَاءِ مِنَ الْأَوَّلِینَ وَ الْآخِرِین» [إقبال الأعمال/1/296] بحيث إن دركته في جهنم أنزل من دركة الشيطان. لم يكن ابن ملجم غافلا أو من عوام الناس. كان من مقرئي القرآن. كان أحد أساتذة القرآن وفقيها بحيث قد أعطي بيتا وسيعا في المدينة ليسع جلسات القرآن وليقدر على تدريس الناس القرآنَ فيه، وليتسنّى للناس أن يجتمعوا في بيته لتعلّم القرآن.
- لقد أراد الله سبحانه وتعالى في هذه الليلة أن يعرّفنا على شخصية ابن ملجم، وذلك لأن لا نرح بالنا ولا نأمن من سوء العاقبة.
- بعد ما بايع الناس أمير المؤمنين(ع) وتسلم علي(ع) زمام الخلافة، أرسل كتابا إلى والي اليمن أن يأخذ له البيعة من الناس وأن يرسل إليه عشرة من خيار أهل اليمن؛ «وَأَنْفِذْ إِلَيَّ مِنْهُمْ عَشَرَةً يَكُونُونَ مِنْ عُقَلَائِهِمْ وَ فُصَحَائِهِمْ وَ ثِقَاتِهِمْ مِمَّنْ يَكُونُ أَشَدَّهُمْ عَوْناً مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَ الشَّجَاعَةِ عَارِفِينَ بِاللَّهِ عَالِمِينَ بِأَدْيَانِهِمْ وَ مَا لَهُمْ وَ مَا عَلَيْهِمْ وَ أَجْوَدَهُمْ رَأْيا» [بحار الأنوار/ج42/260] فنفذ الوالي أمر الإمام وأخذ من الناس البيعة و « قَالَ لَهُمْ أُرِيدُ مِنْكُمْ عَشَرَةً مِنْ رُؤَسَائِكُمْ وَ شُجْعَانِكُمْ أُنْفِذُهُمْ إِلَيْهِ كَمَا أَمَرَنِي بِهِ فَقَالُوا سَمْعاً وَ طَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ مِائَةً ثُمَ مِنَ الْمِائَةِ سَبْعِينَ ثُمَّ مِنَ السَّبْعِينَ ثَلَاثِينَ ثُمَّ مِنَ الثَّلَاثِينَ عَشَرَةً فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ خَرَجُوا مِنْ سَاعَتِهِمْ فَلَمَّا أَتَوْهُ ع سَلَّمُوا عَلَيْهِ وَ هَنَّئُوهُ بِالْخِلَافَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ وَ رَحَّبَ بِهِمْ فَتَقَدَّمَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَ قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَ الْبَدْرُ التَّمَامُ وَ اللَّيْثُ الْهُمَامُ وَ الْبَطَلُ الضِّرْغَامُ وَ الْفَارِسُ الْقَمْقَام...» [المصدر نفسه]
- بعد ما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين(ع) وألقوا القبض عليه قال له أمير المؤمنين(ع): «أَ بِئْسَ الْإِمَامُ کُنْتُ لَكَ حَتَّى جَازَیْتَنِي بِهَذَا الْجَزَاءِ أَ لَمْ أَکُنْ شَفِیقاً عَلَیْكَ وَ آثَرْتُكَ عَلَى غَیْرِكَ وَ أَحْسَنْتُ إِلَیكَ وَ زِدْتُ فِی إِعْطَائِكَ أَ لَمْ یَکُنْ یُقَالُ لِي فِیكَ کَذَا وَ کَذَا فَخَلَّیْتُ لَكَ السَّبِیلَ وَ مَنَحْتُكَ عَطَائِی» [بحارالأنوار/ج42/ص287]
- لقد تحبّب أمير المؤمنين(ع) إلى ابن ملجم فوق حدّ تصورّنا حتى جاء في النصوص أنه: «فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ مَرِضَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَرَضاً شَدِیداً فَذَهَبُوا وَ تَرَکُوهُ فَلَمَّا بَرَأَ أَتَى أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع وَ کَانَ لَا یُفَارِقُهُ لَیْلًا وَ لَا نَهَاراً وَ یُسَارِعُ فِی قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَ کَانَ ع یُکْرِمُهُ وَ یَدْعُوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ یُقَرِّبُهُ» [بحار الأنوار/ج42/ص262]
بعدما عجز المستكبرون والصهاينة من تحطيم خطّ المقامة، استعانوا بأمثال ابن ملجم
- إن قصّة ابن ملجم لقصّة معبّرة جدا. بعد ما عجز الكفار والمستكبرون والصهاينة عن تحطيم خطّ المقاومة في العالم الإسلامي، استعانوا بأمثال ابن ملجم والقتلة من مقرئي القرآن، وهم أولئك الذين لا مانع لديهم من حزّ رؤوس ألفين وخمسمئة طفل. بعد ما فشلت القوّات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية عن إنجاز شيء، استعانوا بهؤلاء الأشخاص في سبيل تحطيم خطّ المقاومة. لقد أدرك الأعداء أنه إذا كان في العالم قوم يقدرون على إبادة محبي أمير المؤمنين(ع) فلابدّ أن يكون هؤلاء خونةً من قرّاء القرآن، كما كان قاتل أمير المؤمنين(ع) من قرّاء القرآن.
- في هذه المجالس المعنويّة في ليالي شهر رمضان، تفرحون بطبيعة الحال إذا رأيتم شابّا غير ظاهر عليه سيماء المتديّنين قد لجأ إلى الله ويتضرّع إليه باكيا، ولكنّي أفرح أكثر عندما أرى شابّا متديّنا يبكي. فلعلّ الله يغفر لذلك الشابّ غير المتديّن ولكن ليكن خوفك من المتدينين إذ لا يدرى كيف يكون مصيرهم؟ فقد قال أمير المؤمنين(ع): «فَکَمْ مِنْ عَاکِفٍ عَلَى ذَنْبِهِ خُتِمَ لَهُ بِخَیْرٍ وَ کَمْ مِنْ مُقْبِلٍ عَلَى عَمَلِهِ مُفْسِدٍ فِی آخِرِ عُمُرِهِ صَائِرٌ إِلَى النَّارِ» [تحف العقول/ص91]
المتدينون الذين لا يضجّون إل الله، فهم في معرض الخطر/ أنا لا أخاف من أهل الفسق في الشوارع بقدر ما أخاف من المتدينين الذين لا يبكون ولا يتضرعون إلى الله
- إن هذه الليلة هي ليلة بكاء المتديّنين وضجيجهم إلى الله وليلة تضرّع أولئك الذين لهم تاريخ حسن ويدّعون أنهم على شيء. لماذا؟ لأنه حتى قاتل الإمام الحسين(ع) إذا تصفحتم ملفّه وتاريخه لعثرتم على سوابق الجهاد والإصابة بالجروح في جبهات الحق. وأمّا قاتل أمير المؤمنين(ع) فهو ابن ملجم مع كل ذاك التاريخ الحسن. إذن لابدّ أن نخاف على أنفسنا من تاريخنا الحسن والزاهر.
- أنا أرتعد خوفا عندما أسمع أن بعض المتديّنين يبات ليالي شهر رمضان في بيته ولم يخرج إلى مسجد أو مجلس دعاء ليبكي ويتوب إلى الله وينادي ربّه «إلهي العفو»، فيصبح ويداوم كباقي الموظّفين في مؤسسة ثوريّة ودينية ثم يرجع إلى بيته ليلا وينام كالعوام ولا يتعبّد. فإنّ هؤلاء المتديّنين الذين لا يضجّون إلى الله هم في معرض الخطر. أنا لا أخاف من أهل الفسق في الشوارع بقدر ما أخاف من المتديّنين الذين لا يبكون ولا يتضرّعون إلى الله.
- الآن إذا وجّه الخطاب لبعض المتدينين الضعاف الإيمان أن «ادع الله أن يجعل عاقبتك خيرا» قد يستاء ويشعر بالمهانة ويقول: «وما هی مشکلتی الآن حتى آخاف على حسن عاقبتي؟!»
إن مصيبتنا هي المتديّنون المعجبون بديانتهم
- إن مصيبتنا أكثر من أن تكون بسبب غير المتدينين، هي بسبب المتدينين المعجبين بديانتهم. كل مصائبنا وآلامنا من عندنا ومن قِبَلنا. لا يحقّ لأحد أن يدعي التديّن والديانة أو يحافظ على ظاهره الديني، ولكن لم يحضر في الليل في مجالس الدعاء والمناجاة، أو لم يعلُ صوت صجيجه على سجادة عبادته. وحتى أولئك الذين ترتفع أصوات ضجيجهم في جوف الليل على سجادتهم لا يدرى إلى ماذا سوف تنتهي عاقبتهم.
- « خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مُتَوَجِّهاً إِلَى دَارِهِ وَ قَدْ مَضَى رُبْعٌ مِنَ اللَّيْلِ وَ مَعَهُ كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ وَ كَانَ مِنْ خِيَارِ شِيعَتِهِ وَ مُحِبِّيهِ فَوَصَلَ فِي الطَّرِيقِ إِلَى بَابِ رَجُلٍ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَ يَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ بِصَوْتٍ شَجِيٍّ حَزِينٍ فَاسْتَحْسَنَ كُمَيْلٌ ذَلِكَ فِي بَاطِنِهِ وَ أَعْجَبَهُ حَالُ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ شَيْئاً فَالْتَفَتَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِلَيْهِ وَ قَالَ يَا كُمَيْلُ لَا تُعْجِبْكَ طَنْطَنَةُ الرَّجُلِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَ سَأُنَبِّئُكَ فِيمَا بَعْدُ فَتَحَيَّرَ كُمَيْلٌ لِمُكَاشَفَتِهِ لَهُ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ وَ لِشَهَادَتِهِ بِدُخُولِ النَّارِ مَعَ كَوْنِهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَ تِلْكَ الْحَالَةِ الْحَسَنَةِ وَ مَضَى مُدَّةٌ مُتَطَاوِلَةٌ إِلَى أَنْ آلَ حَالُ الْخَوَارِجِ إِلَى مَا آلَ وَ قَاتَلَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ كَانُوا يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع إِلَى كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ وَ هُوَ وَاقِفٌ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ السَّيْفُ فِي يَدِهِ يَقْطُرُ دَماً وَ رُءُوسُ أُولَئِكَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ مُحَلَّقَةٌ عَلَى الْأَرْضِ فَوَضَعَ رَأْسَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسٍ مِنْ تِلْكَ الرُّءُوسِ وَ قَالَ يَا كُمَيْلُ أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً أَيْ هُوَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَعْجَبَكَ حَالُهُ فَقَبَّلَ كُمَيْلٌ قَدَمَيْهِ وَ اسْتَغْفَرَ اللَّه» [إرشاد القلوب/ج2/ص226]
لا يعجب المتدينون بأنفسهم ولا يعوّلوا على أنفسهم
- لا يعجب المتديّنون بأنفسهم ولا يعوّلوا على أنفسهم وليتضرّعوا ويضجّوا إلى الله. وحتى بعد بكائهم ومناجاتهم لا يستطيع أحد أن يضمن عاقبتهم! أحيانا يغفر الله للعاصين والمذنبين بأنّة ودمعة وتوبة مختصرة، أما نحن المتدينون الذين ننتحل التديّن ومودّة أهل البيت(ع) فقد تغلق أبواب المغفرة في وجوهنا. فيجب أن نراقب أنفسنا.
- يجب أن يرى الناس بكاءكم أيها الصالحون ويتعجبوا من شدّة بكائكم. كما كان الحرّاس الشخصيّون للسيد الإمام يتعجبون من شدّة بكاء السيد الإمام. فقد نقل عنهم: أن الإمام كان يجعل منشفة بجانب سجادته في أواخر عمره، إذ لم يكن تكفيه المنشفة لتنشيف دموعه. هكذا كان إمامنا! هكذا يجب أن تتغيّر ملامح مدننا ويجب أن يتأسى الشباب المتديّنون بإمامهم وقائدهم. ليراجع بعض المتدينين الذين ليسوا أهل البكاء والإنابة أنفسهم ولينظروا أي دين هذا الذي يدّعوه لأنفسهم! فليت شعري أهم عبّاد متديّنون أم أصحاب دكاكين؟!
لم يكن أحد يتوقّع أن يقتل ابن ملجم أمير المؤمنين إذ كان أقرب من غيره لأمير المؤمنين
- لم يكن أحد يتوقّع أن يجرّ ابن ملجم سيفه ويضرب به رأس أمير المؤمنين(ع). إذ كان أقرب من كثير من الناس إلى أمير المؤمنين(ع) حتى أن الإمام الحسن(ع) التفت إليه بعد ما ارتكب جريمته العظمى وقال: «یَا عَدُوَّ اللَّهِ هَذَا کَانَ جَزَاؤُهُ مِنْكَ بَوَّأَكَ وَ أَدْنَاكَ وَ قَرَّبَكَ وَ حَبَاكَ وَ فَضَّلَكَ عَلَى غَیْرِكَ» [بحار الأنوار/ج42/ص285] هذه ليست بقضيّة بسيطة ولا ينبغي أن نمرّ منها مرور الكرام.
- هذا أحد الأدعية المذكورة في القرآن في حسن العاقبة: (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب) [آل عمران/8] فادعوا به كثيرا في قنوت صلواتكم. فكل ما تقتربوا إلى الله أكثر يجب أن تزدادوا بكاءً بين يديه وتضرّعا إليه.
ينصب الشيطان حبائل كيده للمتدينين أكثر من غيرهم
- ينصب الشيطان حبائل كيده للمتديّنين أكثر من غيرهم فقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَقَدْ نَصَبَ إِبْلِيسُ حَبَائِلَهُ فِي دَارِ الْغُرُورِ فَمَا يَقْصِدُ فِيهَا إِلَّا أَوْلِيَاءَنَا» [تحف العقول/301] والشيطان نفسه كان متديّنا فقد كان قد عبد الله ستة آلاف سنة ولكن أحبط عمله الطويل كله؛ «فَاعْتَبِرُوا بِمَا کَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ بِإِبْلِیسَ إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِیلَ وَ جَهْدَهُ الْجَهِیدَ وَ کَانَ قَدْ عَبَدَ اللَّهَ سِتَّةَ آلَافِ سَنَةٍ» [نهج البلاغة/الخطبة192] فهو يشعر بالانتعاش والنشوة إن استطاع أن يحرف متديّنا. أمّا الإنسان المنحرف من بداية حياته فلا قيمة له عند الشيطان، إذ هو يبحث عن المتديّنين ليغويهم ويحرفهم عن الصراط المستقيم.
- ولكن في مقابل هذا العدوّ اللدود والشيطان الرجيم نحن عندنا أميرالمؤمنين(ع) فلنستعن بإمامنا ونتوسّل به إلى الله ليأخذ بأيدينا وينجينا من حبائل الشيطان...