الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني (الجلسة الثالثة والعشرين)
إليك ملخّص الجلسة الثالثة والعشرين من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
مراحل جهاد النفس ثلاثة: 1. العقل في مقابل هوى النفس 2. الإيمان في مقابل هوى النفس
3. الولاية في مقابل هوى النفس
- ينتهي طريق جهاد النفس إلى تصدّي الولاية لقيادة هذه الحركة. فإذا كان العقل في مقابل هوى النفس في بداية هذا الجهاد، وكان الإيمان هو المتصدّي لمواجهة هوى النفس في المراحل المتأخرة، ففي آخر المطاف تأتي الولاية لتواجه هوى النفس.
- 1ـ العقل في مقابل هوى النفس: يرشدك العقل إلى رؤية أقصى المصالح ويدعوك إلى بعد النظر في متابعة الرغبات، بينما يدعوك هوى النفس إلى أقرب المصالح وأسطح الرغبات.
- 2ـ الإيمان في مقابل هوى النفس: يكوّن الإيمان الهدف والحافز، بينما يحاول هوى النفس أن يحول دون انعقاد الإيمان. فمن اتبع أهواء نفسه يفقد الإيمان.
- 3ـ الولاية في مقابل هوى النفس: إن جهاد النفس بحاجة إلى برمجة. إن «التقوى» هي برنامج جهاد النفس والتي تتصدّى لتبيين أسلوب تضعيف «الأنا». في سبيل تضعيف «الأنا» لابدّ أن تستلم الأوامر من الله وأن يبلّغها إليك وليّ الله. إن عمليّة استلام الأوامر من الله ليست بعمليّة مباشرة، فلابدّ لك من التواضع لوليّ الله. وهذا التواضع يستلزم أن تتقبّل أفضليته عليك. فيجب عليك في التعامل مع وليّ الله أن تخضع للأوامر التي يبلغها عن الله سبحانه، وكذلك يجب أن تخضع لأوامره التي يصدرها بنفسه، وذلك من أجل القضاء على أنانيتك. إذن ففي هذه المرحلة يقع هوى النفس في مقابل «الولاية»، وفي سبيل مواجهة هوى النفس لابدّ لك من الخضوع لأوامر الولاية.
من لم يتلقّ دينه عن الإمام(ع) فقد انصاع إلى هوى نفسه
- هناك روايات كثيرة في بيان العلاقة بين الولاية وهوى النفس. فقد سئل أَبو الْحَسَنِ الرضا(ع) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ (وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَیْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) قَالَ: یَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِینَهُ رَأْیَهُ بِغَیْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى» [الكافي/1/374]. فما تشير إليه هذه الرواية ينسجم مع ما ذكر من مخالفة هوى النفس عبر امتثال أوامر ولي الله، وهو يؤيّد نفس هذه الفكرة. فلا ينبغي أن نتعامل مع هذه الرواية بطريقة تعبّدية محضة، بل لابدّ أن نعتبرها أساسا ومنهجا شاملا في مخالفة الهوى.
لا يَثبُت صدق الإنسان في تواضعه لله، إلّا عن طريق تواضعه لوليّ الله
- يتجسّد تواضع الناس الحقيقي في أسلوب تعاملهم مع الولاية. فإنك إن خضعت لولاية بشر مثلك ولكنّه أفضل منك، فإنك قد تواضعت في الواقع ومن هنا تصبح الولاية هي الأساس في تقييم الإنسان. فلابدّ أن نخوض في موضوع الولاية بأداة التحليل والتعقّل وأن ندرس آثارها في جميع أجزاء الدين. فما يبدو من كثير من آيات القرآن والروايات والدراسات العقلية، هو أنه لا يثبت صدق الإنسان في تواضعه لله، إلّا عن طريق تواضعه لوليّ الله.
- عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولَانِ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَوَّضَ إِلَى نَبِيِّهِ ص أَمْرَ خَلْقِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ- ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» [الكافي/ج1/ص266]
- عَنِ الإمام الصَّادِقِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: «وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً لَوْ أَنَ رَجُلًا لَقِيَ اللَّهَ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيّاً ثُمَ لَمْ يَلْقَهُ بِوَلَايَةِ أُولِي الْأَمْرِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفاً وَ لَا عَدْلا». [الأمالي للمفيد/115]
- وفي رواية أخرى مشابهة قال رسول الله(ص): «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ عَبْداً جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِعَمَلِ سَبْعِينَ نَبِيّاً مَا قَبِلَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يَلْقَاهُ بِوَلَايَتِي وَ وَلَايَةِ أَهْلِ بَيْتِي» [الأمالي للطوسي/ 140]
من لم يعتقد بولاية أهل البيت(ع) فهو من أهل النار حتى وإن عبد الله طوال عمره
- عَنْ مُيَسِّرٍ بَيَّاعِ الزُّطِّيِّ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَ لِي جَاراً لَسْتُ أَنْتَبِهُ إِلَّا بِصَوْتِهِ إِمَّا تَالِيَا كِتَابَهُ يُكَرِّرُهُ وَ يَبْكِي وَ يَتَضَرَّعُ وَ إِمَّا دَاعِياً فَسَأَلْتُ عَنْهُ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ فَقِيلَ لِي إِنَّهُ مُجْتَنِبٌ لِجَمِيعِ الْمَحَارِمِ قَالَ فَقَالَ يَا مُيَسِّرُ يَعْرِفُ شَيْئاً مِمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ قُلْتُ اللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ فَحَجَجْتُ مِنْ قَابِلٍ فَسَأَلْتُ عَنِ الرَّجُلِ فَوَجَدْتُهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئاً مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِ الرَّجُلِ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ فِي الْعَامِ الْمَاضِي يَعْرِفُ شَيْئاً مِمَّا أَنْتَ عَلَيْهِ قُلْتُ لَا قَالَ يَا مُيَسِّرُ أَيُّ الْبِقَاعِ أَعْظَمُ حُرْمَةً قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ابْنُ رَسُولِهِ أَعْلَمُ قَالَ يَا مُيَسِّرُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَ الْمِنْبَرِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَ لَوْ أَنَّ عَبْداً عَمَّرَهُ اللَّهُ فِيمَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَ الْمَقَامِ وَ فِيمَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَ الْمِنْبَرِ يَعْبُدُهُ أَلْفَ عَامٍ ثُمَّ ذُبِحَ عَلَى فِرَاشِهِ مَظْلُوماً كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ الْأَمْلَحُ ثُمَّ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِغَيْرِ وَلَايَتِنَا لَكَانَ حَقِيقاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُكِبَّهُ عَلَى مَنْخِرَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّم». [ثواب الأعمال للصدوق/ص210]
لا يقبل الله عمل امرء شاك في أهل البيت(ع)
- تؤيد هذه الروايات أننا لم نخلق لغرض أن نكون أناسا صالحين وأن نعمل مجموعة من الأعمال الصالحة. بل إنما خلقنا من أجل أن نجاهد أهواء أنفسنا، وينتهي هذا الجهاد في آخر المطاف إلى الخضوع للولاية واتباعها.
- لقد قال النبي الأكرم(ص): «لَوْ أَنَّ عَبْداً عَبَدَ اللَّهَ أَلْفَ عَامٍ مَا بَیْنَ الرُّکْنِ وَ الْمَقَامِ ثُمَّ ذُبِحَ کَمَا یُذْبَحُ الْکَبْشُ مَظْلُوماً لَبَعَثَهُ اللَّهُ مَعَ النَّفَرِ الَّذِینَ یَقْتَدِی بِهِمْ وَ یَهْتَدِی بِهُدَاهُمْ وَ یَسِیرُ بِسِیرَتِهِمْ إِنْ جَنَّةً فَجَنَّةٌ وَ إِنْ نَاراً فَنَارٌ». [بحار الأنوار/27/180].
- وقد روي في أمالي المفيد عن الإمام الباقر(ع) والإمام الصادق(ع) أنهما قالا: «نَحْنُ أَهْلَ الْبَیْتِ لَا یَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلَ عَبْدٍ وَ هُوَ یَشُكُ فِینَا». [الأمالي للمفيد/ ص3]
هوى النفس سبب لمخالفة الأنبياء
- لقد سلّط القرآن الضوء على إحدى خصائص النبي الأكرم(ص) وقال: «وَما یَنْطِقُ عَنِ الْهَوى» [نجم/ 3]. فيتضح أن اتباع الهوى قضية مهمّة والنبي(ص) منزّه عنها. إن هذه الآية قد كشفت عن رؤية إيجابيّة تجاه مخالفة الهوى.
- وهناك عبارات أخرى في القرآن الكريم تصبّ في هذا الموضوع، مثل الآية المباركة التي تحدّثت عن بلعم بن باعورا وشبّهته بالكلب؛ (وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ کَمَثَلِ الْکَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَیْهِ یَلْهَثْ أَوْ تَتْرُکْهُ یَلْهَثْ ذلِکَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا) [الأعراف/176].
- وقد قال الله تعالى في آية أخرى: (لَقَدْ أَخَذْنا میثاقَ بَنی إِسْرائیلَ وَ أَرْسَلْنا إِلَیْهِمْ رُسُلاً کُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لاتَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَریقاً کَذَّبُوا وَ فَریقاً یَقْتُلُون) [المائدة/70]
ليس للحقّ أن يتبع أهواء الناس
- لیس للحقّ أن يتبّع أهواء الناس، إذ تنطوي آراء الناس على ما ينسجم مع أهوائهم. يقول الله سبحانه: (وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فیهِن) [المؤمنون/ 71]
- وقال الله سبحانه في آية أخرى: (أَفَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ یَهْدیهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَ فَلا تَذَکَّرُون) [الجاثية/ 23]
إن اتباع الهوى أمر منظّر له في الغرب
- تحكي هذه الآيات عن سوء اتباع هوى النفس وما تسبّب فیه من آثار وتداعيات سلبية فلابد من تجنّب اتباع هوى النفس بشدّة. ولكن مع الأسف إن اتباع الهوى أمر منظّر له في الغرب، وكلّ ما اقتضى هوى النفس شيئا أعطوه الحق لذلك. وبعبارة أخرى إن الغربيين قد اعتبروا «حقوق الإنسان» عنوانا معادلا لـ «أهواء الإنسان». ولذلك فقد تغلغلت ظاهرة اتباع الهوى في مختلف تشكيلات حضارة الغرب، بحيث أصبحت القوانين الحاكمة في الغرب والتي لها علاقة بالفكر الغربي تشكّل دومينو الفساد. فلعل تساقط القطع الأولى في هذه الدومينو لا تعدّ أمرا مهمّا، ولكن بعد ما تقدّمت الدومينو في حركتها سوف لا تمرّ بقطعة ذات قيمة إلا وأسقطتها وقضت عليها.
- فعلى سبيل المثال قد بدأوا دومينو الفساد في طليعة حركتها بإعطاء رقم هاتفي سهل للأطفال ليشتكوا على والديهم، ولا تبدو عملية سيئة في ظاهر أمرها، ولكن بعد ما انطلقت الدومينو في طريقها، سوف تهدّد قوّة الوالدين الإيجابيّة واللازمة في مسار تربية الأطفال، وكذلك تهدّد احترام الكبار وباقي عناصر الأسرة، كما نرى بعض نتائجها في الغرب. إن دومينو سلب قوّة الأب في الأسرة، وتساوي إرث المرأة مع الرجل على خلاف الأحكام الإلهيّة، والنزعة إلى التشكيلات الغربيّة والقوانين الغربيّة هي من مصاديق هذه الدومينو الخطرة إن أردنا تطبيقها في بلادنا.