في احتفال تأبين شهداء اليمن في مقر وكر التجسس الأمريكي السابق
ألقى سماحة الأستاذ بناهيان في احتفال تأبين شهداء اليمن في مقرّ وكر التجسّس الأمريكي السابق كلمة مهمّة في تحليل دور أحداث اليمن في معادلات المنطقة والعالم الإسلامي وكذلك في تحقّق مقدّمات الظهور. فإليك أهمّ النقاط التي ذكرها في كلمته:
أـ زمن مبعث الأمة الإسلامية
إن انتصار «الثورة الإسلامية» في الحرب الناعمة التي شنّها العدو لبثّ الفرقة بين الشعوب المظلومة في هذه المنطقة لأمر عجيب
- عندما ندرس حركة الصحوة الإسلامية في المنطقة، لابدّ لنا بطبيعة الحال وفي مقام التعرّف على هذه الحركة والصحوة من أن نرجع إلى أصل الثورة الإسلاميّة. لقد كانت الثورة الإسلاميّة في عام 79 تمتاز بخصائص وخصال جعلتها أوسع نطاقا من حدود الوطن وأكبر من حجم شعب واحد. لقد كانت جميع الشعوب الإسلامية في المنطقة تحظى باستعداد وقابليّات تؤهلّها لاحتضان الثورة وتكملة مسيرها، وهذا ما كان المتوقّع جدّا. ولذلك امتدّت مخالب الاستكبار منذ طليعة الثورة لتفترس الثورة الإسلاميّة بكل وحشيّة وبشتّى الحروب الصلبة والناعمة. عندما شنّ الاستكبار في أيّام الدفاع المقدّس تلك الهجمة الشرسة على الثورة الإسلامية، كان يمكن إدراك مدى خطورة الثورة الإسلاميّة على كيان الاستكبار العالمي.
- أنا لا أرى مقاومة الشعب الإيراني وانتصاره أمام الاستكبار أمرا عجيبا، بل كان من طبيعة الحال أن يقوى شعب ثائر على الدفاع عن نفسه، ولكن انتصار «الثورة الإسلامية» في الحرب الناعمة التي شنّها العدو على الشعوب المظلومة في هذه المنطقة لأمر عجيب جدّا.
- إذا رجعتم إلى الوراء قليلا، بإمكانكم أن تشاهدوا بصمات أثر هذه الحرب الناعمة على شعوب المنطقة بكل سهولة. فعلى سبيل المثال كم كانوا يسعون لبثّ الفرقة بين شعوب المنطقة. أما بعد كل هذه المحاولات نرى ظواهر رائعة وعجيبة قد تبلورت في عصرنا هذا بين شعوب المنطقة. فقد تشابهت شعاراتهم وتوحّدت رموزهم، فلم تثمر تلك الجهود التي بذلت والأموال التي صرفت في سبيل بث الفرقة بين الشعوب المؤمنة والمظلومة في المنطقة، ولم ينجحوا في كبح حركة المقاومة العامّة. وبالتأكيد إنه لوعد الله الذي قال: (الَّذینَ کَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبیلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد/1]. يعني أن الله يجعل جهود الكافرين ومؤامراتهم كلّها هباء منثورا.
لقد امتدت قنوات التواصل بين الشباب الثوريين في المنطقة من أفغانستان إلى اليمن
- ارجعوا البصر إلى المنطقة وانظروا كم قد اتحدت شعوب المنطقة مع بعض ويا له من حدث عجيب! منذ كم سنة وقد تعرّف شباب المنطقة على بعض. فقد امتدّت قنوات التواصل بين شباب أفغانستان والعراق وباكستان وسورية واليمن ولبنان والبحرين الثوريين وقد ارتبطوا مع بعض ضمن حركة ثورية قيّمة جدّا. وقد كان أعداؤنا هم المسبّبين في تبلور هذا الارتباط والاتّحاد.
- طبعا لا تستطيع القوى المعادية للمؤمنين وبتعبير أدقّ القوى المعادية للبشر أن تكفّ عن الظلم. فلو كانت أمريكا قد أعمرت أفغانستان، ولو كانت قد ساعدت باكستان من أجل إعمارها ورفاهها، ولو كانت تستطيع أن تصنع من عراق الجريح بلدا حرّا معمّرا، لو كانت تقدر أمريكا على ذلك، لعلّها كانت تنجح في حرق جذور الصحوة الإسلامية، أو في تأجيلها على الأقل. ولعلّها كانت تقدر على شقّ الطريق إلى أفكار الناس وقلوبهم لتحقّق انتصارا في الحرب الناعمة التي شنّتها على بلاد الإسلام. ولكنكم ترون مدى بلاهتها بحيث لم تقدر على إنجاز هذه الأهداف حتى كآليّة لخداع الشعوب. فلم يقدر الأمريكان على هندسة سياساتهم بحيث يقفون أمام صحوة الشعوب واتحادهم مع أنهم قد بذلوا قصارى جهدهم لبث الفرقة بين هذه الشعوب.
- عندما أرجع بذكرياتي إلى سنيّ الدفاع المقدّس، كنّا في تلك الظروف نتوقّع الانتصار اعتمادا على نصرة الله عزّ وجل مع أن جميع الحسابات كانت تحكي عن استحالة الانتصار على الجيش البعثي المدجّج المدعوم من قبل جميع بلدان العالم، ولكن عندما كنّا ننظر إلى أوضاع المنطقة، لم نكن نستطيع أن نتوقّع حصول مثل هذا الاتحاد الذي حصل اليوم بين أبناء منطقتنا، وكنّا ننظر إلى هذا الهدف كأمنيّة لن تتحقّق.
نحن نعيش أيام مبعث الأمة الإسلامية
- عل مرّ تاريخ الإسلام الذي يزيد عن 1400 عام، لم يكن المؤمنون قد بلغوا مثل هذه البصيرة والمعرفة ولم يجتمعوا مع بعض بقدرة واتحاد وقوّة المقاومة بهذا المستوى. فإنكم لا تستطيعون أن تجدوا بين طيّات هذا التاريخ العريق الأكثر من 1400 عام، مقاومة واسعة ومتحدة المعالم ومصحوبة بالاتحاد القلبي مثل هذه المقاومة التي نعيشها في هذه السنين الأخيرة.
- بعد مبعث الرسول(ص) وإلى الآن لم يتحقّق مبعث الأمة الإسلامية وبهذا النطاق الواسع في تلبية نداء رسول الله(ص)، أما الآن فقد أصبحنا نعيش أيّام مبعث الأمّة الإسلامية.
- عندما تقرأون تاريخ الإسلام، وتقفون عند الانتصارات التي حصلت فيه وكذلك على ظاهرة غزو القلوب وتوسّعه السريع الذي كان منطلقا لتأسيس الحضارة الإسلامية العظيمة يومذاك، مع ذلك تجدون الأوضاع الراهنة لا تقاس بأوضاع صدر الإسلام. نعم، لقد كان في ذلك الزمان أناس وشعوب وأقوام عاشوا تحت ظلّ نبي الله محمد(ص) والتعاليم الدينية، فاهتدوا إلى السبيل وغيّروا نمط حياتهم حتى قد شيّدوا حضارة الإسلام، ولكن لم تتحقق تلبية واسعة وعميقة لنداء النبي الأكرم(ص).
لقد سعى الكثير لتحريف مفهوم الثورة وتحديدها في نطاق إيران
- إن الظروف الخاصّة التي نعيشها اليوم، تفرض على شبابنا أن يطالعوا تاريخ الثورة الإسلاميّة. وليعلموا أن الأحداث التي تقع اليوم في منطقتنا، أصبحت مانعا أمام تحريف الثورة.
- لعد سعت تيّارات كثيرة لإنجاز هدفين ضدّ الثورة وفكرها وثقافتها؛ الأوّل هو تحريف الثورة بأسرها، والثاني حرف مسارها وإدخالها في قضايا هامشيّة غير مفيدة بل مضرّة.
- أنا أقول للإخوة الجامعيّين الذين قد حضروا هذا الاحتفال من مختلف البلدان ـ ويبدوا أن أكثرهم يعرفون الفارسية ـ : لقد كانت محاولات كثيرة في بلدنا لتحريف الثورة. وإنكم لو راجعتم كلمات الإمام الخميني(ره) لرأيتم أن تعريف الإمام الخميني(ره) عن الثورة، أوسع نطاقا من كونها حركة محدودة بإيران الإسلامية أو كونها محدودة بقوم خاص أو قبيلة معيّنة.
لقد كان الإمام الخميني(ره) يعتبر عمران البلد قضيّة هامشية بالنسبة إلى ثورة الصحوة الإسلاميّة وأهدافها الضخمة
- «الصحوة الإسلامية» هي من المفاهيم التي طرحها الإمام الخميني(ره) في السنة الأولى بعد انتصار الثورة. فقد قال: «لقد استيقظت البلدان الإسلامية والشعوب المسلمة وكذا الشعوب المستضعفة في جميع أرجاء العالم، وإن سود أمريكا يتلقون الضرب والشتم بسبب هذه الصحوة، وسوف ينتصرون إن شاء الله» [صحيفه امام 14/3/1359] وكذلك قال: «نودّ لهذه الصحوة التي حدثت في إيران أن تحدث في جميع الشعوب وجميع البلدان. هذه هي أمنيتنا» [صحيفه امام 28/07/59]
- على مرّ هذه السنين، كانت هناك جهود لحرف الثورة عن مسارها أو لإشغالنا بقضايا هامشيّة إن لم يقدروا على تحريف مفهوم الثورة. حتى أن الإمام الخميني(ره) في الأشهر الأخيرة من عمره الشريف وبعد إيقاف الحرب وفي بداية مرحلة بناء البلد، صرّح أن لابدّ للمسئولين أن يبادروا بإعمار البلد، ولكن يجب عليهم أن يعرفوا أن مسئوليتهم ليست هي إعمار البلد وحسب. يعني أنّه كان يعتبر عمران البلد قضيّة هامشية بالنسبة إلى أهداف الثورة الضخمة.
- فقد قال الإمام(ره): «یجب أن يعرف مسؤولينا أن الثورة ليست محدودة بإيران. فإن ثورة الشعب الإيراني هي منطلق لثورة العالم الإسلامي العظيمة تحت راية الإمام الحجة ـ أرواحنا فداه وأسأل الله أن يمنّ على جميع المسلمين وأهل العالم ويجعل ظهوره وفرجه في هذا العصر الحاضر ـ . فإذا شغلت المسؤولين القضايا الاقتصادية والمادّية عن مسئوليتهم الملقاة على عاتقهم، يؤدّي ذلك إلى خطر عظيم وخيانة جسيمة. يجب على دولة الجمهورية الإسلامية أن تبذل قصارى جهودها في إدارة شؤون الشعب بأحسن وجه، ولكن ليس ذلك بمعنى أن تنشغل عن أهداف الثورة الضخمة المتمثّلة بإقامة الحكومة الإسلامية العالمية». [صحيفه امام، 2/1/68]
إن ثورات المنطقة قد صانت ثورتنا عن التحريف والانحراف
- من المهمّ جدّا أن لا تنحرف الثورة بعد انتصارها، وأن لا يعتريها الخطأ على مستوى النظرية والتطبيق. وإن الحركات الثورية لشعوب المنطقة قد أصبحت مانعا حيال انحراف ثورتنا. وإن هذا لمن ألطاف الله الكبيرة علينا. فلم نعد نعاني في الدفاع عن ثورتنا أمام الرأي العام العالمي، حتى لا مشكلة لدينا في الدفاع عن ثورتنا بين أوساط جيلنا الجديد، كما لم نعد نواجه مشكلة في الدفاع عن ثورتنا في مقابل عملاء الأعداء.
- عندما يقوم التكفيريّون في المنطقة بهذه الجرائم البشعة، نتذكر لا شعوريّا ذكريات بدايات الثورة والأحداث التي كانت تحدث في مختلف محافظات بلدنا، بحيث كانوا قد وضعوا جوائز على رؤوس شبابنا. فكانوا يمارسون حزّ الرؤوس في تلك الأيّام أيضا. ولكن لم تكن أجهزة التواصل منتشرة يومذاك لكي تصوّر جرائمهم بهذه الوسعة التي نجدها اليوم. ونحن قد شيّعنا أجسادا كثيرة في طهران بلا رؤوس إذ قد احتزّت رؤوسهم طمعا بالجوائز.
- نفس هذه الممارسات الانفصاليّة والإرهابية التي تجدونها اليوم في المنطقة تذكرنا بذكريات السنين الأولى من الثورة. وكانت قد أوشكت هذه الذكريات أن تنسى على يد بعض الناس، وأرادوا أن يصوّروا العدوّ صديقا. ولكن من ألطاف الله هي أن قد حافظ على حقيقة الثورة الإسلامية في ظل الألطاف الخفيّة المتمثّلة بمعاناة الشعوب وابتلاءاتهم في منطقتنا هذه.
ينبغي أن لا ننسب الثورة إلى أنفسنا بل نحن منتمون إلى الثورة الإسلامية العالمية
- أقول لإخوتي وأصدقائي الأعزاء أن لا نقل: «ثورتنا» أبدا ولا ننسب الثورة إلى أنفسنا، بل نحن ننتمي إلى ثورة إسلاميّة عالميّة. ونحن في إيران نشكّل قطعة من هذه الثورة، كما أن اليمن تشكّل قطعة أخرى من الثورة، وهناك قطعات أخرى. كذلك الشعب الفلسطيني المظلوم أيضا يشكّل قطعة أخرى من هذه الثورة.
- منذ سنين وكان الجميع في انتظار تحقّق تحوّل وهبيب نسمة نقيّة جديدة في مسار تاريخ الثورة، إذ بعد ما يأتي الحق ويبدأ بانتصاراته، لابدّ أن تدعونا أهداف جديدة تبعث فينا القوّة والأمل وتفتح علينا آفاقا جديدة للانتصارات. وإن ثورة اليمن هي من تلك النسمات التي كان ينتظرها المؤمنون في المنطقة بتلهّف واشتياق.
- تنطوي ثورة الشعب اليمني على معنى عميق جدّا لجميع المؤمنين المنتظرين لظهور الفرج. كما أنها تحمل نفس هذا المعنى لأعدائنا. في خضمّ هذه الجرائم التي ارتكبها أيادي الاستكبار في المنطقة أعني آل سعود، هناك ظاهرة فريدة نلاحظها وهي صمت المجتمع الدولي تجاه هذه الجرائم غير المسبوقة.
ب ـ قال النبي(ص): أنا يماني
هذا الصمت غير المسبوق للمجتمع الدولي تجاه جرائم آل سعود، يحكي عن حساسية ثورة اليمن لدى العدو
- إذا كان المجتمع الدولي يسكت عن جرائم إسرائيل في غزّة، فلم يكن هذا شيئا جديدا، بل قد امتدّ هذا السكوت الدولي منذ حوالي قرن وله سابقة طويلة. إذ تشعر الأحزاب الحاكمة على البلدان الغربية بأنها مدينة للصهاينة فبسبب هذا الشعور وبسبب انقياد هذه الأحزاب التي تحكم الشعوب الأوروبية والأمريكية لإسرائيل، كانوا وما زالوا يلزمون الصمت عن جرائم إسرائيل بطبيعة الحال، وقد سكتت البلدان الاستكبارية عن جرائم إسرائيل منذ اليوم الأول. ولكن بالنسبة إلى الجرائم الأخرى فلم يحصل مثل هذا السكوت، حتى عندما أراد الأعداء أن يمارسوا جرائم وحشيّة بحقّ الشعب السوري، حاول بعض البلدان أن يحافظوا على ماء وجههم ويعبّروا عن اعتراضهم وقلقهم بحسب الظاهر.
- أمّا هذا الكمّ من العداء والحقد الذي يمارس الآن بحقّ الشعب اليمن مما لا نظير له في تاريخنا المعاصر. حتى حينما هجم حزب البعث العراقي على إيران، كان يحاول أن يحفظ سمعته نوعا ما. كما نفس آل سعود أيضا ـ وقد أشار سماحة السيد القائد إلى هذا المعنى ـ كانوا يسعون للحفاظ على بعض الظواهر في مواقفهم، وإذا بهم يبادرون بقصف وحشي على بلد مظلوم آخر دون أي سبب، ثم يسكت المجتمع الدولي بكل بساطة. هذا ما يدلّ على أن الأعداء أيضا قد وعوا حساسيّة ثورة اليمن.
كلما ازداد الشعب اليمني مظلومية، تثبت أحقيّة ثورته ويزداد قوّة
- كلما ازدادت مظلومية الشعب اليمني في ثورته هذه، تثبت أحقيته لنفسه ولمؤمني المنطقة ولأهل العالم جميعا، ولا شكّ في أنه يزداد قوّة.
- نحن نعلم أن الشعب اليمني قد سبق الكثير من المؤمنين المقاومين في المنطقة من بعض الجوانب. لقد ودّ أعداؤنا كثيرا أن لا تنطلق هذه الثورة ولا تستقيم أعمدتها إذا انطلقت، وأن يخمدوا وهجها إذا استقامت. إذ كانوا يعرفون أن لا أحد يقوى على مواجهة الشعب اليمني مع ما يملكه من ثقافة وإيمان.
- نحن نترقّب بعض مقدمات الظهور من أحداث اليمن، وكان جميع المؤمنين من قبل يرون وقوع مقدمات الظهور منوط بتبلور ثورة في اليمن. وذلك لأن رواياتنا قد تحدّثت كثيرا عن اليمن. وحقّا إن أحداث اليمن هي من مقدمات الظهور.
- لا أريد أن أقارن بين المؤمنين الثوريين من أبناء اليمن وبين غيرهم، وكما جاء في المثل: لكل ورد رائحة. فجميع شعوب المنطقة والشباب الثوريين قد صنعوا أروع الملاحم كلّ بحسبه، من قبيل الملاحم الرائعة والفريدة التي صنعها الشباب الثوريون الأفغانيّون والسوريّون واللبنانيّون والعراقيّون في مواجهة التكفيريين والإرهابيين الوحوش ولا سيّما في دفاعهم عن حرم أهل البيت(ع)، ولكن بالرغم من كل مظاهر الجمال التي يتحلّى بها شعوب المنطقة، لا أدري لماذا كان الجميع في انتظار الشعب اليمني؟
- أحد الإخوة اليمنيين الأعزاء قال لي: «نحن الیمنیین قنوعون، فعندما يرزقنا الله اليوم، لا نهتمّ لرزق الغد، هذه من طبائعنا الشعبية». إن هذه الخصلة هي موهبة من الله للمؤمن الثوري.
- وكان أحد أبناء الشعب اليمني الشريف حاضرا بين جمع من طلاب الجامعة الإيرانيين وكانوا قد سألوه عدّة مرّات: «هل لديكم صواريخ لكي تردّوا على العدوّ؟» فاستغرب هذا الشابّ اليمني وأجابهم بجواب أعجبني كثيرا. قال: «وهل كان لديكم صواريخ يوم ثُرتم؟! أنتم الآن قد بلغتم هذا التطور. بينما حتى في أيام الدفاع المقدّس لم تكونوا تحظون بهذه التجهيزات. فلماذا تسألوني عن الصواريخ؟ لدينا الله وهو حامينا».
- إن أخلاق الشعب اليمني واعتقادهم وإيمانهم بالله عز وجل وحبّهم لأهل البيت(ع) معروف لدى الجميع. طبعا لا أحد من أئمة الهدى قد دفن في اليمن، ولكن لدينا أخبار عن حبّ أهل اليمن لأهل البيت(ع) حبّا قلّ له من نظير.
كان يقول النبي(ص) ومن أجل التعبير عن حبّه لأهل اليمن: «أنا يماني»
- كان يقول النبي الأكرم(ص) أحيانا ومن أجل التعبير عن حبّه لأهل اليمن: «أنا يماني»؛ «إنَّ خَیْرَ الرِّجَالِ أَهْلُ الْیَمَنِ، وَ الْإِیمَانُ یَمَانٍ، وَأَنَا یَمَانِيٌّ» [الأصول الستة عشر/ص81] وقال رسول الله(ص) في رواية أخرى: «...رِجَالُ أَهْلِ الْیَمَنِ أَفْضَلُ، الْإِیمَانُ یَمَانِیٌ وَ الْحِکْمَةُ یَمَانِیَّةٌ وَ لَوْ لَا الْهِجْرَةُ لَکُنْتُ امْرَأً مِنْ أَهْلِ الْیَمَن» [الكافي/ج8/ص70]
- لابدّ أن نتذاكر في مجالسنا المعنوية والمعرفيّة أحاديث النبي الأكرم(ص) وأئمة الهدى(ع) في حقّ أهل اليمن. حتى أن روايات الظهور قد أعطت شأنا لأهل اليمن واعتبرت رايتهم أهدى الرايات؛ «وَ لَیْسَ فِی الرَّایَاتِ رَایَةٌ أَهْدَى مِنْ رَایَةِ الْیَمَانِیِّ هِيَ رَایَةُ هُدًى» [الغيبة للنعماني/ ص256]. يعني أن أهل اليمن ولما يتصفون به من خصائص سيكون لهم موقع يجعلهم دليلا واضحا للحق وسيعرف الناس بهم الحق أسهل من الطرق الأخرى. وهذا ما يدلّ على أنه لا يعتريهم وهن أو اعوجاج في درب دفاعهم عن الحق. أما أعداؤنا فقد ساهموا بازدياد وعي الشعب اليمني عبر هذا الظلم البشع الذي ارتكبوه بحقّهم.
إن ثورة الشعوب المظلومة في المنطقة، طريق لا عودة فيه
- قال أحد الإخوة اليمنيين الآن: بعد هجوم آل سعود الشرس على الشعب اليمني، تضاعفت وحدة الشعب وبصيرتهم أضعافا مضاعفة. أنا لا أدري ماذا ينبغي لنا في مجلس تأبين شهداء اليمن وإجلال الشعب اليمني المظلوم، أفهل نفرح أو نحزن؟! نحن وإن أقمنا مجالس العزاء على مصائبهم وتوسلنا إلى الله لانتصارهم وحزنّا على مآسيهم ومظلوميتهم وكل ذلك من وظيفتنا وعلامة على إيماننا، ولكن مع ذلك نعيش حالة السرور في داخل قلبنا لما نشاهده من قوّة المقاومة وقوّة البصيرة وهذه الثورة التي لا عودة فيها. فنحن مغتبطون بهذه الحركة التي لا يعتريها وقوف.
- لا يمكن لشعوب المنطقة من أهل الشام من لبنان إلى سورية وأهل العراق من شماله إلى جنوبه وغيرهم من الشعوب المؤمنة في هذه المنطقة، أن يرجعوا من هذا الطريق الذي سلكوه. فلن ينسوا حماة الإرهابيين أبدا، ولن يتخلّوا عن هتافهم صدّ الاستكبار. فإن هذه المظالم أصبحت من تاريخ شعوب المنطقة.
سوف يطوي الشعب اليمني صفحة التاريخ
- إن ما نستنبطه من الأحداث هو أن الشعب اليمني سوف يطوي صفحة التاريخ، ولن يسمح بأن تصبح هذه الملحمة مجرّد أسطورة في أحشاء التاريخ. هكذا نرى الشعب اليمني. فلن يستطيع أحد بعد أن يشغل الشعب اليمني بالهوامش التي حاول البعض أن يشغلنا بها طوال خمسة وثلاثين سنة من بعد انتصار الثورة. إن الشعب اليمني سوف لا يخدع بألعوبة الديمقراطية الوحشية والليبرالية الوقحة الغربية. سوف لا يظهر من بين الشعب اليمني من يسعى لخدمة أفكار الغرب. سوف لا يخرج من بين الشعب اليمني من يحاول التظاهر بالتنوير ويسوّق لأفكار الاستكبار العالمي ويصبح أحد أعمدة الفكر الغربي بين الشعب اليمني.
كان سوء فعل الأعداء من ألطاف الله الخفيّة على الشعب اليمني
- لقد بدأ الشعب اليمني ثورته بأسلوب جيّد، بينما أعداء الشعب اليمني أساءوا التصرف والعمل، وكان سوء فعل أعداء الشعب اليمني من ألطاف الله الخفيّة عليهم. فلابدّ من تهنئة الشعب اليمني وفي نفس الوقت تعزيته على كل هذه المظالم والملاحم والشباب الذين ضحّى بهم شهداءً. ولكنّ هذا هو المنطلق لطريق نورانيّ جدّا.
- كما أن النبي الأكرم(ص) قال: «أنا يماني» وقال: «لَوْ لَا الْهِجْرَةُ لَکُنْتُ امْرَأً مِنْ أَهْلِ الْیَمَن» وبهذه الكلمات عبّر عن حبّه الشديد لأهل اليمن، أسأل الله أن يجعل باقي شباب الأمّة الإسلامية يمانيين.
- في هذا الخضمّ يمكن القيام بنشاطات إعلامية كثيرة، فلم يعد الرأي العام يساق بيد الشركات الصهيونية وقد خرج عن سيطرتهم. أحد الشعارات الجيّدة التي يمكن رفعها اليوم في جميع أنحاء العالم، هو التأسي بكلمة رسول الله(ص) إذ قال: «أنا يماني». فليكتب كلّ شابّ مؤمن ثوري محبّ لأهل البيت(ع) وناشط ضد الاستكبار على صدره: «أنا يماني». بهذا الأسلوب نستطيع أن نظهر هذه الحقيقة وهي أن أهل اليمن أكثر بكثير ممّا يتصوّره العدوّ.
إذا انتشر هذا الشعار سوف تتبلور هذه الحقيقة أفضل وهي أن راية اليماني التي هي من ممهّدات الظهور، أهدى الرايات
- إذا رأت القوى الاستكبارية هذا العدد الهائل من اليمنيين وحماتهم في مختلف أرجاء العالم، سوف ترتعب حقيقةً. فلا تنظروا إلى ظاهر سلوكهم إذ هم يخفون رعبهم. فإذا كرّر أهل العالم والمؤمنون في المنطقة هذا الشعار ماذا يحدث؟! إذا انتشر هذا الشعار سوف تتبلور هذه الحقيقة وتحلّ في القلوب أفضل وهي أن راية أهل اليمن واليماني التي هي من ممهّدات الظهور، أهدى الرايات، ويجب علينا أن نلفت أنظار الناس إلى هذه النقطة.
- لقد آلت ثورة أبناء اليمن إلى الفصل بين جبهة الحقّ وجبهة الباطل وانكشاف اللثام عن حقيقة وجوه الظالمين المتظاهرين بالإسلام. فإذا كانت بعض الحكومات تحظى بسمعة ووجاهة لدى بعض البسطاء والمغفّلين، قد ارتفعت راية اليمن لتفضحهم يوما بعد يوم وتدلّ أهل العالم عل أصدقاء البشرية وأعدائها الحقيقيين. إن جرائم آل سعود الوحشية أدّت إلى شحوب الإسلام المحرّف الذي سوّقوا له بين عوام الناس في شتّى أرجاء العالم وأصبح الإسلام الأصيل يعلو في كلّ مكان. فمن خلال هذه الحقائق والنتائج التي أنجزتها ثورة اليمن، يمكننا أن نحزر العلّة التي جعلت راية اليماني أهدى الرايات.
- لا بأس أن يعرف الإخوة والأصدقاء أن أهمّ الأخبار التي أتابعها عبر نشرات الأخبار هي أخبار اليمن لأعرف ماذا يفعل هذا الشعب المظلوم. فنحن قلقون على الشعب اليمني بالإضافة إلى الظلم والإجرام الذي يقاسيه باقي شعوب المنطقة.
إن ضعف الإرهابيين في اليمن هو نتيجة المقاومة في المنطقة
- إن القوى الاستكبارية قد بالغت في حزّ رؤوس الناس في المنطقة، لأن لا تصل حركة المقاومة إلى ما وصلت إليه الآن، ولكنّها وصلت وبكلّ جدارة. فلو لم يكن الإرهابيّون منفضحين إلى هذا الحدّ ولم يقاوَموا بهذه القوّة، لكان الشعب اليمني يواجه اليوم مزيدا من المصاعب والشدائد. ولكن تلاحظون أن الإرهابيين في اليمن هم في منتهى الضعف. وهذا بسبب المقاومة التي وقفت بوجه الإرهابيين في جميع بلدان المنطقة.
- لا يخفى عليكم أنه لم يكن في حسبان الغربيين أن يتورّط الإرهابيّون في هذا المستنقع الذي هم صنعوه. وما كانوا يظنّون ولا يتصوّرن أن تقف أمام الإرهابيّين مقاومة بهذا المستوى.
ج ـ تحرير الحرمين الشريفين
لقد صحب حزننا على مظلومية الشعب اليمني سرور الانتصار
- بالرغم من أننا نعيش اليوم أقصى حالات المظلومية الجليّة بحيث لا أحد في العالم يدافع عنّا إلا أن نشدّ الهمّة ونقاوم العدوّ بأنفسنا، ولكننا مغتبطون إذ نحن إن شاء الله على أعتاب الظهور ويجب أن نستبشر بنصر الله وبكل هذه الحركات المقاومة التي بدأت تتبلور في خضمّ هذا الظلم الوحشي. كونوا على ثقة بأن الله لا يريد من عباده المؤمنين شيئا كثيرا فوق طاقتهم. فنسأل الله أن يتقبّل هذا الجهاد منّا ونسأله أن يتقبّل جهاد الشعب اليمني ومقاومتهم ويكتفي بما قدمّوه وأنجزوه ويتحفهم وإيّانا بآثار جهادهم وبركاته، وسوف تطهّر الحرمان الشريفان بإذن الله من سلطة الإرهابيّين والظالمين بإذن الله ونزورها خلف الشعب اليمني مطهّرةً من بساطيل الظالمين.
إن جميع مآسي العالم الإسلامي بسبب احتكار الحرمين الشريفين وشعيرة الحج بيد آل سعود
- إن جميع مآسي العالم الإسلامي بسبب احتكار الحرمين الشريفين وشعيرة الحج من قبل آل سعود. فلو كان الحرمان الشريفان غير محتكرين وكان بإمكان المسلمين أن يحجّوا الحجّ الإبراهيمي بحرّية وبدون هراوات شرطة آل سعود والقوانين البوليسيّة التي تمنع حديث المسلم مع أخيه المسلم من غير بلده، لما كان واحد بالمئة من مآسي اليوم في العالم الإسلامي. إن مكّة بلدنا نحن المسلمين وبيت الله بيتنا كما قال الله سبحانه في القرآن الكريم: (إنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذی بِبَکَّةَ مُبارَکاً وَ هُدىً لِلْعالَمین) [آل عمران/ 96] ولكن وقع هذا البيت حكرا بيد أسرة تشاهدون اليوم بكل وضوح مدى إجرامها ووحشيّتها.
لقد انكشف اللثام عن وجه آل سعود عند جميع المسلمين في العالم
- إن كان بين المسلمين في المنطقة أو مسلمي العالم أناس لم يعرفوا آل سعود لحدّ الآن بسبب تظاهرهم وخداعهم، فقد أصبحوا اليوم وبسبب مظلوميّة الشعب اليمني مكشوفي الحقيقة لدى الجميع. لعلّ الكثير من عوام الناس في العالم كانوا يزعمون أن الإسلام هو هذا الدين الذي يحكم على أساسه آل سعود، ولكن أصبح الناس يدركون مدى قابليّة الحرمين الشريفين وموقعهما في ضخّ الطاقة والمعنوية وكلّ شيء في شرايين العالم الإسلامي، وكيف تمّت إدارتهما بحيث لم يتجسّد دورهما أكثر من هذا. فلو كانت إدارة الحرمين الشريفين بيد أناس شرفاء، لكانوا من أكثر الناس دفاعا عن ثورة أهل اليمن.
- يجب علينا اليوم أن نرى فرحة المظلومين من ثورة أهل اليمن عبر تصفّح قلوب المؤمنين والآمال التي حييت اليوم، أكثر ممّا نسمعه من الرأي العام ومن الأخبار والتحليلات الصحفية. لقد رأيت بعض الشباب الثوريّين العراقيين الذين كانوا مستبشرين بثورة اليمن ويتحدثون عنها بحماس. كلّنا في انتظار الفرج وكل منتظري الفرج كانوا وما زالوا في انتظار أنباء اليمن.
لقد رفع الشعب اليمني راية لن تسقط أبدا
- لقد رفع الشعب اليمني على أكتافهم راية ثقيلة. إن هذه الراية كانت في يوم بيد حامل لواءٍ لقي مصرعه بجانب النهر العلقمي. صحيح أن الأعداء قد قطعوا يديه ولكن لواءه ما زال مرفوعا. هذا هو نفس اللواء الذي كان بيد حامل لواءٍ بكى عليه المؤمنون منذ حوالي 1400 عام. وحتى المسيحيون وغيرهم قد أقاموا العزاء على هذا البطل العظيم. فهذا هو نفس اللواء الذي ألقي بعض منه اليوم بيد أبناء اليمن.
- فلو كان ذلك العَلَم قد رجع إلى الخيام وكان قد سقى العبّاس أهل الحرم، لما لاقى البشر مثل هذه المآسي. أمّا اليوم فقد ارتفع هذا العَلَم ولن يسقط إن شاء الله. ولذلك فلابدّ من تبشير حركات المقاومة بالفتح والنصر.
لقد تغيّر العالم عن أوائل انتصار الثورة
- في معركة تمّوز، حقّقت فئة قليلة من المؤمنين في المنطقة انتصارات سريعة ومفاجئة جدّا بحيث نحن حقّقنا أمثال هذه الانتصارات بصعوبة بالغة وفي مدّة ثمان سنوات. لقد حقّق شباب الشام والعراق انتصارات كبيرة خلال أيّام قصيرة، بينما نحن حقّقنا هذه الانتصارات بصعوبة جدّا وفي أوج الغربة. نحن قدّمنا 250 ألف شهيد لكي نحقّق بعض الانتصارات. أمّا الشعب اليمني قد خاض الحرب حوالي عدّة أسابيع فقط، لا ثمان سنين، ولكن العالم جميعا قد أقرّ بانتصار أهل اليمن، وأن المملكة العربية السعودية لم تحقّق شيئا من أهدافها.
- فانظروا كم قد تطوّر العالم عن ذلك اليوم! إنه لتطوّر غريب أشبه بالمعجزة. لقد قصفتنا القوّات البعثيّة الصدّامية ثمان سنين وكانت البلدان جميعا تعادينا وتدعم المعتدي. أمّا في هذه الحرب الأخيرة لم تستمرّ شهرا واحدا وإذا تخلّت البلدان المتضامنة مع آل سعود عن تعاونها ودخولها في هذه الحرب الوحشيّة. فعلى أساس هذه المعطيات كيف تقيّمون المستقبل؟ إنها لقضية جديرة بالتأمل والتفكير.