الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۳/۱۲/۰۲ چاپ
 
 

شرح خطبة المتقين (الجلسة الثانية

هذا الذي بين يديك أيها القارئ العزيز هو الجلسة الثانية من سلسلة أبحاث سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي رضا بناهيان في شرح خطبة المتقين لأمير المؤمنين(ع) حيث ألقاها في مسجد جامعة طهران. 

  • المكان: مسجد جامعة طهران
  • A4|A5 :pdf

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا وحبيبنا أبي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.

  • عند ما يعزم أمير المؤمنين(ع) على صنع خطبة ذات موسيقية ومفاهيم فاخرة نابعة من صميم قلبه، بطبيعة الحال تصبح هذه الخطبة خطبة إعجازية. ولهذا السبب نرى أثرها الإعجازي وهو موت همّام حبا وعشقا، حيث كان هو السائل والمخاطب الأول لهذه الخطبة الرائعة. وقد أشار أمير المؤمنين(ع) إلى أثرها الغريب حيث قال: «هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا».

اغتنموا جمال هذه الخطبة

  • من خصائص هذه الخطبة هي أنها تطرح المعارف العالية والسامية بأسلوب جميل جذّاب، وهذا ما لا ينبغي أن نمرّ منه مرور الكرام. من نصائحي لكم أيها الشباب أن لا تأخذوا المعارف الدينية باردةً، خذوها على أوج حرارتها ونضارتها وطعمها وعطرها. فقد اتخذ الله هذا الأسلوب في القرآن وطرح معارفه بهذا الشكل. وكذلك نرى أمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة وباقي أئمتنا في أدعيتهم المأثورة عنهم قد انتهجوا هذا المنهج في طرح المعارف الإلهية. كان يوصي إمامنا الراحل أولاده أن لا يوقضوا أطفالهم لصلاة الصبح بعنف وشدّة، إذ قد يؤدي إلى مرارة نكهتها في مذاقهم.
  • أنا لا أعرف كيف أقيّم الدروس الدينية الجامعية أو الأبحاث التي يطرحها علماؤنا العظام والتي تتصف بنسبة من البرود بحسب ما يقتضيه طابعها العلمي. ولكن أقترح عليكم أن تجربوا هذه المعارف المودعة في أحشاء الكتب والمقالات، بطبيعتها الحارّة النضرة، وبعد ذلك ارجعوا إلى كتبكم وراجعوها كما هي عليه من برود طابعها العلمي.
  • إن الاكتفاء بالأسلوب العلمي البارد في أخذ المعارف الإلهية لا يخلو من تداعيات سلبية على الإنسان. فإن أخْذ الحكم والمعارف المجرّدَة عن جمالها ومشاعرها وإحساسها والاكتفاء بهذا النمط من الطرح مضرّ جدا. إن مثل هذه الخطبة لفرصة ثمينة وضرورية في نفس الوقت للإنسان كي يستلم معارفه الدينية محفوفة بهالة من الجمال والمحبوبية. ولابدّ لنا من سعي متواصل دائم في هذا المسار.
  • لقد قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: (وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمانَ وَ زَيَّنَهُ في‏ قُلُوبِكُم‏).[1] فشاء الله أن يكون الإيمان جميلا وحبيبا في قلوبكم. وإن خطبة المتقين المباركة تعيش هذه الأجواء، فحاولوا أن تغتنموا هذه الخصيصة إلى جانب باقي خصائصها التي مرّ ذكرها في الجلسة الماضية.
  • اجعلوها نغمة قلوبكم. لا أريد في هذا المقام أن أحرق قلبي شفقة على الأغاني والنغمات الدانية والهابطة في مستواها، بل يحترق قلبي على أنفسنا حينما تألف هذه الأغاني الفارغة ما تؤدي إلى عواقب خطيرة جدا. فلا يمكن التفكيك بين العلم والفكر وبين الإحساس، ولم تنفك يوما.
  • جاء في الخطبة 193 من نهج البلاغة: «رُوِيَ‏ أَنْ صَاحِباً لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ وَ كَانَ رَجُلًا عَابِدا»، وقد سبق أن همّام كان أحد أزهد أربعة من زهّاد صدر الإسلام. «فَقَامَ إِلَيْهِ وَ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لِيَ الْمُتَّقِينَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِم».

أقسام الأسئلة

1ـ الأسئلة الدانية  

  • السؤال على أنواع؛ فبعض الأسئلة مدعاة للتطور والارتقاء، وبعضها مدعاة للتراجع والهبوط. وإن اختلافها راجع إلى اختلاف دوافعها وحوافزها. الأسئلة التي تطرح بدوافع رجعية، تنشأ من كون الإنسان يخالف حقا، ثم يطرح الأسئلة واحدا تلو الآخر ليشكك في ذاك الحق. فعلى سبيل المثال يعقتد بعض علماء فلسفة الأخلاق، إن مصدر تبلور هذا العلم؛ أي علم فلسفة الأخلاق هو أن الناس أصبحوا لا يطيقون بعض الأحكام الأخلاقية، فأقبلوا يتساءلون من قال أن لهذا العمل قيمة؟! ومن قرّر على أن يكون هذا العمل قيّما؟! كان هذا السلوك قيما في ما مضى أما الآن فليس من المعلوم أنه قد بقى على حاله. ما هو المعيار في تقييم الأعمال الجيدة والسيئة؟ وهل يمكن تغيّر هذه المعايير؟... وهكذا فتح باب فلسفة الأخلاق. إن منطلق معظم هذه الأسئلة هو مخالفة الإنسان للأحكام الأخلاقية. فإن أمثال هذه الأسئلة تطرح في سبيل التراجع لا التقدّم. بينما الإنسان الرشيد لا يطرح مثل هذه الأسئلة المنطلقة من دوافع التراجع، ولا تتبادر في ذهنه أبدا. فمن خصائص هذا النمط من الأسئلة هو إنك إن حصلت على أجوبة ستين سؤال من هذا النوع ما زلت لم تتحرك من نقطة الصفر.
  • إن استفحلت ونشطت النفس الأمارة والرذائل في وجود الإنسان، وخرج الإنسان عن اعتداله يكثر في طرح الأسئلة بدافع التراجع.

مضارها:

  • إن هذه الأسئلة لا تضيّع وقت الإنسان وحسب، وليس ضررها الرئيس هو ضياع الوقت، بل أهمّ ضررها هو أن الإنسان بعد ما طرح أسئلته هذه قد يحصل على بعض الأجوبة الظّنية غير القطعية، ثم يتحجّر على هذه الأجوبة ويتعلق بها، أو يعشقها ولا ينفكّ عنها. هذه قاعدة مهمة وهي أنه إذا تبادر لك سؤال بدافع مخالفة الحق والتمرد عليه، عند ذلك سوف تتعلق بأسوء الأجوبة له وأكثرها بطلانا. وعليه فمن المهمّ جدا أن نسعى لمنع تبلور أمثال هذه الأسئلة في أذهاننا.

قيموا أسئلتكم

  • ليس كل سؤال بحري أن يطرح، فقد قال رسول الله(ص): «حُسْنُ‏ السُّؤَالِ‏ نِصْفُ‏ الْعِلْم‏».[2] ولهذا فحري بالإنسان أن يعرض أسئلته على أستاذ في الأخلاق أو أستاذ في السير والسلوك المعنوي ليرى كيف يقيّم أسئلته. لا داعي لأن يجيب عن الأسئلة بل المهم هو أن يقيّم الإنسان من خلال أسئلته ويطلعه على روحياته ونزعاته التي خفيت عليه. إذ تنعكس صفات الإنسان وروحياته ومناخه الفكري والعقدي على أسئلته بكل وضوح.

2ـ الأسئلة الفارغة

  • هناك فئة أخرى من الأسئلة لا تنطلق من أمراض ورذائل أخلاقية كالقسم الأول، ولكنها أسئلة لا فائدة لها. وهي الأسئلة التي تثار وتطرح بسبب النسيان. كالإنسان الذي يسأل عن عنوان ما، فتدلّه على ضالته ولكن سرعان ما ينسى العنوان فيرجع ويكرر سؤاله. ثم تدلّه على ضالته مرة أخرى فينسى كما نسي من قبل وهكذا! فهل يمكن أن نعتبر أسئلته هذه حبّا للعلم والمعرفة؟!
  • النموذج الآخر من أمثال هذه الأسئلة غير المفيدة ولعله أكثر انسجاما ببحثنا هذا، هو السؤال الناجم من عدم الفكر. وهو السؤال الذي يطرحه الإنسان لا عن وعي ودراية وتأمل، بل عن عدم فكر. ولهذا كان العلامة الطباطبائي(رض) يقول: كنت أكتم أكثر أسئلتي ولم أبدها، حتى أجد جوابها.
  • ذات يوم قال لي شخص: عندي أسئلة في ولاية الفقيه. قلت له: كم كتاب قرأت؟ قال: لم أقرأ شيئا. فقلت له: إذن أنا لا أجيب عن أسئلتك. قال: لماذا لم تحترم أسئلتي؟ فقلت له: ولماذا أنت لم تحترم أسئلتك؟ ولماذا لم تحترم وقتك؟ كم هو موضوع مهم لديك حيث لم تقرأ فيه كتابا واحدا؟!

3ـ الأسئلة السامية

  • أما الفئة الثالثة من الأسئلة فهي الأسئلة التي تطرح بدافع التقدم والارتقاء. فإنها أسئلة ثمينة قيمة لابدّ من معرفة قدرها. إنها نور في قلب من تبادرت إليه. فبمجرد أن حقّق الإنسان في أسئلته هذه يمتلئ نورا، وكذلك إن حصل على الجواب فقد حصل على نور.

أدب التعامل مع الأسئلة السامية

  • إن الاستعجال في إبداء هذه الأسئلة السامية قد ينقص من ثمن جوابها لدى رؤية الإنسان. فلنروّض أرواحنا بهذه الأسئلة فترة، ولنعجن أسئلتنا ونروّضها بالفكر والتأمل كي نزداد شوقا للجواب. فلا تتستعجلوا بالخلاص من السؤال. حيث إن هذا العذاب الذي يلقيه السؤال في وجودك نور في الواقع.
  • يعجبني كثيرا بعض الشباب عندما يأتيني ويقول: «هناك سؤال يعتلج في قلبي منذ سبع أو ثمان سنين، فمهما حاولت أن أحصل على جوابه لم أستطع». هذا سؤال قيّم. وقد ذكر شرّاح نهج البلاغة أن أمير المؤمنين(ع)  قد تثاقل عن الجواب ليزداد همّام عطشا ويزداد الجواب أثرا. إن هذه الأسئلة لا تخلو من بعض الألم والعذاب على الإنسان ولكن ألمها جميل ينبغي أن نتحمله. فإنه ينوّر قلب الإنسان.
  • بالإضافة إلى ذلك، لماذا يستعجل الإنسان في طرح بعض الأسئلة طمعا بالجواب؟ فإن دققنا النظر في بعض هذه الأسئلة ـ التي هي ليست من نمط الأنواع السيئة الأولى ـ نجدها مشوبة ببعض الشرك الخفي. فعلى سبيل المثال تجده يبحث عن زمن موته ويسأل متى أموت. فإذا أردنا أن نحلّل سؤاله بكل ما تحيط به من دوافع ونوايا، كأنه يقول: أريد أن أخلص من خوفي من الله والتوكل على الله والثقة بالله والاستغاثة بالله. أريد أن أدبر أموري بنفسي وأطلع على مصير حياتي بالكامل.
  • أو قد يسأل: هل أن الله راض عني أم لا. لماذا يسأل هذا السؤال؟ إنه سؤال جميل ولكن ينبغي للإنسان أن يصبر عليه. فقد شاء الله أن لا يجيبنا عن هذا السؤال، وإلا فليس من الصعب عليه أن يطلعنا على رضاه أو عدمه تجاهنا. كان يقدر على أن يخلق لكم ملائكة بعدد شعر رؤوسكم ليجيبوا عن أسئلتكم في كل آن ولحظة. فهل تتصورون أن قد عازه ملائكة فلم يرسلهم؟! إنه كان قادرا على كل هذا ولكن من المؤكد أن هناك نور في هذا الغموض. فلعل إصرارك على هذا السؤال يدل على أنك بصدد التخلص من أعباء العلاقة الجميلة بالله، عبر بعض المعلومات. إذ بعض أنواع الجهل تارة يزيد من جمال علاقة العبد بمولاه. راجعوا خطبة القاصعة لأمير المؤمنين ففيها إشارات إلى هذا المضمون.
  • و تارة سؤالك جيد، ولكن ليس علاجه طرحه و إبداءه. فقد ورد عن أهل البيت(ع): «مَنْ‏ عَمِلَ‏ بِمَا يَعْلَمُ‏ عَلَّمَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَعْلَم».[3] كما كان الشيخ بهجت(رض) يؤكد على هذا الحديث وكثيرا ما أجاب سائليه بمضمون هذه الرواية. فطريق الحصول على جواب بعض الأسئلة السامية ليس السؤال، بل العمل بالعلم، ولا سيما في المسائل المعنوية فإن عملت بمقتضى معرفتك وعلمك تحصل على باقي المعارف والعلوم بحسب عملك. وإلا فإن سألنا بلا عمل وأعطينا الجواب يخاف علينا أن لا نقنع بالجواب، أو نقنع به ولا نؤمن به، أو نؤمن به ولا نعمل به ما يؤدي إلى تفاقم أمراضنا ورجوعنا إلى الأسوء. ولهذا قال أمير المؤمنين(ع): «إِنَّكُمْ إِلَى الْعَمَلِ‏ بِمَا عُلِّمْتُمْ أَحْوَجُ‏ مِنْكُمْ إِلَى تَعَلُّمِ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ».[4]
  • في حديث عنوان البصري عن الإمام الصادق(ع) وهو حديث عرفاني معروف، وكان العلامة القاضي(رض) يوصي تلامذته بحمله وقراءته يوميا، جاء فيه أن الإمام الصادق(ع) لم يستجب لعنوان في المرة الأولى. أما في المرة الثانية فأجابه وقال له(ع): «لیس العلم بالتعلم إنما هو نور یقع فی قلب من یرید الله تبارک و تعالى أن یبدیه فإن أردت العلم فاطلب أولا من نفسک حقیقة العبودیة و اطلب العلم باستعماله و استفهم الله یفهمک».[5] هذا النمط من العلم هو ما يسمّى بالعلم اللدنّي، أو الفرقان والبصيرة.

قف عند دوافع السؤال والنوايا المحيطة به

  • إن همام قد سأل وصف المتقين لا توصية أو موعظة في هذا المجال. فنحن نرى أكثر الناس يبحثون عن الوصايا في مسار السلوك المعنوي. أما همام فقد سأل سؤالا آخرا. لم يقل لأمير المؤمنين(ع): كيف أصبح متقيا؟ بل قال: صف لي المتقين. وهل توافقونني بأن لا يخطر على بالنا أمثال هذا السؤال؟ فنحن لا نبحث عن وصف المتقين أو المؤمنين عادة، ولكن لماذا؟ نحن نبحث عن طرق الصلاح وأساليب النجاح وهكذا. وكأنما نريد أن نقرأ مادة دراسية ونمتحن فيها. فإذا أمعنا النظر ودققنا في خفايا نوايا الإنسان وزوايا مشاعره لعلنا نجده يريد التخلص من قيود العبودية وأعبائها، أو يريد أن يمتحن في هذه المادة ويخلص منها ومصاعبها. وهذا يحكي عن نظرتنا الخاطئة لحقائق الدين والعبادة.
  • ليس أمامنا هدف الوصول إلى الله ولقائه. وإنما هو مسير وحركة إلى الله. ولكن كثير من الناس يسألون عن سبيل الله لكي يخلص من الحركة والسير في هذا الدرب يوما ما! وهل في هذا الدرب إزعاج وشرّ حتى يبغي الخلاص منه.
  • من الذين لا يتحملون مصاعب هذا الدرب وأعباء الطريق؟ أتعرفون من هم؟ أولئك الذين لا يطيقون الخوف والشوق في سبيل الله؟ أولئك الذين لا يطيقون صمت الله والغموض الذي يحيط بالعبد في حركة عبادته. انظروا إلى أدعية أهل البيت وحتى إلى أشعار العرفاء وعبّاد الله، حيث كانت حياتهم كلّها توسلا وإصرارا وطلبا وكأن لم تنفكّ من عقدهم واحدة. لابد أن نرصد نوايانا الخفية في زوايا السؤال مخافة أن لا يمتزج سؤالنا عن الطريق، بأمثال هذه النوايا الباطلة. فقد سئل الإمام الصادق(ع): « قِيلَ لَهُ أَيْنَ طَرِيقُ‏ الرَّاحَةِ فَقَالَ ع فِي خِلَافِ الْهَوَى قِيلَ فَمَتَى يَجِدُ عَبْدٌ الرَّاحَةَ فَقَالَ ع عِنْدَ أَوَّلِ يَوْمٍ يَصِيرُ فِي الْجَنَّةِ». فهذا السائل وإن سأل عن الطريق ولكن في واقع أمره كان يبحث عن أصل الراحة لا عن طريقها.

وطن نفسك على مصاعب الدرب

  • أثناء حركتكم في طريق الكمال المعنوي، أظهروا رضاكم عن هذه المصاعب أمام الله وعبروا عن فرحكم وبهجتكم بهذه الآلام، عند ذلك سوف تجدون زوال مصاعبكم الهابطة والدانية وتستبدل بعد ذلك بمصاعب راقية وسامية. فإذا دخلتم في هذا الطريق وطّنوا أنفسكم على كل مصاعبه ومحنه وآلامه. ولا يخفى أن في مصاعب هذا الطريق لذة لا تجدونها في أية لذة أخرى. فقد يتصور بعض الناس البعيدين عن هذه الأجواء أن مصاعب هذا الطريق مرّة، كلا وبالعكس.   

ابحث عن الحافز بدلا عن الطريق

  • من المؤكد أن قد تبادرت إلى همّام أسئلة كثيرة بعد ما بدأ أمير المؤمنين(ع) بوصف المتقين، حيث كل ما مرّ أمير المؤمنين(ع) من فضيلة من فضائلهم: كان يسأل همام في ضميره كيف قد نال المتقون هذا المقام وكيف حصلوا على هذه الفضيلة؟ فهذا سؤال من شأنه أن يأنس به الإنسان أكثر من أن يطرحه ويبديه. فما يمنعنا من نيل هذه الفضائل في كثير من الأحيان ليس جهلنا بالطريق بل فقدان الحافز. فباع همام كياسة وسأل عن أوصاف المتقين ليزداد حافزه وشوقه إليهم، فكانت مبادرة جميلة جدا منه. إني أقبّل يدي همام ورجليه حيث قد واجه الإمام بهذا السؤال، فكم كان مباركا في سؤاله فكل هذه الخطبة الرائعة التي خلدت في التاريخ وبلغت الشيعة على مرّ الدهور كانت ببركة هذا السؤال.

شأن النظر والمشاهدة في القضايا المعنوية

  • كان هدف همّام من استماع وصف المتقين هو المشاهدة حيث قال: «صف لي المتقين كأني أنظر إليهم». فلابدّ أن نتأمل قليلا في هذا الهدف. إن النظر والمشاهدة في كثير من المجالات المادّية هي آلة وطريق ولا غير. فعلى سبيل المثال عندما تسمع بجهاز جوال جديد، وتسمع بمواصفاته تودّ أن تراه. فالرؤية طريق للشراء والشراء طريق للاستخدام في هذه المجالات. ولكن في القضايا المعنوية لم تعد المشاهدة طريقا بل هي الغاية. فما أراد همّام أن ينظر إليهم ليحسّن سلوكه أو ليقتدي بهم، بل رمى إلى الغاية القصوى وهي رؤية المتقين.
  • النظر هو الهدف وهو المقصود. إن لقاء الله والنظر إلى وجه الله ليس من قبيل مشاهدة الطعام الذي هو مقدمة لأكله. وكذا الحال في لقاء المتقين فهو غاية قصوى ليس وراءها هدف آخر. ولا يخفى أن كل هذا الكلام مرتبط بالشهود القلبي.
  • هذه الرؤية والمشاهدة هي التي يتلهف لها عشاق الإمام المهدي (عج). أما أنا المسكين فأطلب رؤيته لأسأله بعض الأسئلة أو أطلب منه بعض الحاجات. أما عشاق الإمام فيَصْبون لرؤيته لا لشيء آخر، بل مجرد النظر إليه (بعين البصيرة والقلب) تمثل أقصى غاياتهم.
  • ولأنقل لكم هذه الرواية: «جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَسْتَطِيعُ فِرَاقَكَ، وَ إِنِّي لَأَدْخُلُ‏ مَنْزِلِي‏ فَأَذْكُرُكَ‏، فَأَتْرُكُ ضَيْعَتِي وَ أُقْبِلُ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْكَ حُبّاً لَكَ، فَذَكَرْتُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ فَرُفِعْتَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فَكَيْفَ لِي بِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَنَزَلَتْ‏ «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» فَدَعَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) الرَّجُلَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، وَ بَشَّرَهُ بِذَلِكَ.»[6]  

إللهم ارزقنا منية اللقاء والشهود

  • إن هذا الدعاء يشمل ما سواه من أدعية إن استجيب. اللهم ابعث في قلوبنا عطش لقائك ولقاء أوليائك. اللهم ضاعف في قلوبنا شوق زيارتك وزيارة أوليائك يوما بعد يوم. وصل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم.
 

[1] . الحجرات، الآية 7.

[2] . بحار الأنوار، ج1، ص224.

[3] . بحار الأنوار، ج75، ص189.

[4] . عيون الحكم والمواعظ لليثي، ص 174؛ غرر الحكم ودرر الكلم، ص 268.

[5] . بحار الأنوار، ج1، ص225.

[6] . أمالي الطوسي، ص 261. 

تعليق