مقطع فلم|حسبنا ثماني عشرة سنة!
- انتاج: موسسة البیان المعنوي
- المدة : 06:58 دقیقة
- 06:58 دقیقة | تنزیل بجودة ( رديئة(8MB) | متوسط(20MB) | عالیة(70MB) )
- مشاهدة في: یوتیوب
النص:
الحياةُ عمليّةٌ للفهم؛ فَهْمِ ماذا؟ إلهي ما الذي أردتَ أن أفهمَه بهذا الكيان العظيم الذي خلقته؟!
ما هو هدف البعثة في قول أمير المؤمنين علي(ع):"لِيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُول" أتى الأنبياء ليكتشِفوا دفائن العقول، الكنوز الدفينة والثمينة! دفائن العقول! هذا العقل الّذي نملكه حاليّا لم تُكتشف دفائنه بعد. الحياة تعني الفهم؛ فهم ماذا؟
أودّ أن أسأل سؤالاً. حياةٌ بهذه العظمة والتّعقيد! خَلقها ربّ العالمين! وصممّها اللّه! هل هي من أجل فهم هذه الأشياء وحسب؟! هذه الأشياء التي نعرفها أنا وأنت؟! ترى أحدهم طوى دهرا من العمر حتى فهم توّاً "آه حقّا الحياة ليست أكثر من يومين! فما قالوه لنا صحيح!"
أخي، هل هذه هي أرقى معلومة اكتسبتها بعد ثمانين سنة؟! يقول نعم! يا عمّ قد ذُكِرَت هذه في رواية! فكان بإمكانك حتى في أيام شبابك في الخامسة عشر أن تقرأها وتدرك ذلك. سيقول "كلا! كلا! فلا يدرك الإنسان يومذاك حقيقة الأمر جيدا. بل هو متوهم. لقد طوينا سبعين سنة حتّى أدركنا ذلك!
أيها الإخوة! إياكم أن تعتبروا هذه الكلمات العميقة، أعلى المعارف! لقد رأى الإمام الخميني(ره) في وصايا الشهداء من أبناء الثماني عشرة سنة معارفَ، بحيث كان يقول بأنّهم قد طووا مسير مئة عام في ليلة واحدة! فإلى أيّ مستوى من الفهم كان علينا أن نصل عبر هذه الحياة؟! إلهي ما الذي أردتَ أن أفهمه بهذا الكيان العظيم الذي خلقته؟!
رأيت الكثير من الشّباب في زمان الدفاع المقدس وقد كانوا وصلوا إلى مستوى فهم عميق جداً. كان يقول الإمام الخميني للبعض: "لقد عبدتم اللّه سبعين سنة فتقبّل اللّه أعمالكم ولكن اقرأوا وصايا هؤلاء الشباب" يعنى انظروا إلى أين قد وصلوا! كان أحدهم يفكّر لحظة ثم يقول: "طيّب، متى سأغادر هذه الدنيا؟ لقد انقضت عشرون سنة إلى الآن، كلمح البصر، فبلمحات ثلاثة يصبح عمري ستين سنة. فما البأس إن استشهدت الآن؟ لم أخسر شيئاً.
أيها الإخوة، كان يدرك هذه الحقيقة! كان يدركها! عندها يسأل اللّه قلبه "ما رأيك في الشهادة؟" فيقول: "لا مانع لديّ" فيخاطب الله ملائكته "لقد رضي، فتولّوا أمره!". فيقولون: "لقد رضي، فخذه إليك!" فيقول "كلا! يعوزه شيء بعد" وما هو؟ أن يشوّقوه. لقد رضي بالذهاب وحسب، ولكنّه لم يتلهّف بعد. "اخطفوا قلبه"
لقد شاهدت كرامة لأحد الشّهداء عن قرب. أيقظني الشّباب في مقرّ التّعبئة قرب السَّحَر. كنت حينها مسؤول ذلك المقرّ، كنّا جميعا في عمر واحد، ولكنّي كنت مسؤول ذلك المقرّ بلا سبب. قالوا لي "انهض، فإنّ صحّة فلان سيّئة"، كان هو الشّهيد أبوالفضل ميرزايي. شهود تلك الحادثة ما زالوا موجودين. قلت: "ما الأمر؟ ماذا يعني حالته سيّئة؟" فقال أحدهم "إنّه يتكلم مع أحد في السّجود، وكأنه ذاهل. كلّما اقتربنا منه تأخذنا رجفة"
قلت: "أنتم الذين ترتجفون، فلماذا تعتبرون صاحبكم سيّئ الحال؟" ذهبت فرأيته كما وصفوه. كان يصف الجنة ويبدو أنه لا يريد أن يعود. بعدها قال: قيل لي "كلّا، ولكنّك ستأتي بسرعة". مساء ذاك اليوم جاء ليلزم حراسة على المقرّ، وفي الصّباح تُرسَل حملة مجاهدين ليشاركوا في عمليات "الفتح المبين". ما إن وصل إلى الحافلة لم يلتفت بعد وقال "إنّي ذاهب"، وركب الحافلة. ثمّ قال "أوصلوا الخبر إلى عائلتي"
لا أدري كيف كانت حالته بحيث استدعت قلق أصدقائه إلى درجة أنّهم أخبروا الإسعاف، ولكن المسعف قال "ما عساي أن أفعل له؟" كان صاحبنا يقول مؤكّدا:"ليس بي شيء! وإنما اعتراني ذهول. وهل كنتم تسمعون شيئا؟" ونحن كنّا نسمع كلامه بدون قصد. فقلنا له سمعنا منك هذه الكلمات. بعدها أخذني جانبا، ولعلّ كان آخرون أيضا، فحكى ما جرى له أنْ "جاءني ملك الموت وأخذني إلى العالم الآخر وأراني كلّ شيء". فلم يعد حاضرا بيننا. ثمّ لم نره بعدها إلّا ساعتين أو ثلاث وذهب إلى الجبهة. كان من أوائل شهداء عمليات الفتح المبين. عندما عزم على الذهاب قلت له "إنّ أباك عليل!" بحيث كان هذا الشهيد، يحمل بيده بعض السّلع الغذائيّة كلّ مساء ويبيعها من أجل العناية بأبيه. فقال لي "ما إن يأتوا بجنازتي سيسير أبي خلفها، فلا تقلقوا". وكان يعرف أهل المنطقة أن والده عليل، ولكنّه قد مشى في تشييع جنازته.
كم كان مترفّعا في النظر إلى الحياة وكم من حقائق كان قد وعاها حتى أصبح ينظر إلى كلّ العالم بازدراء. كان يتکلّم بابتسامة وكأنّه شيخ تسعيني من أهل العرفان يحدّثك، وبكلّ تواضع. كان يعتريني ذهول كلّما حدثته، كنت أشعر بالضّعف والنّقص أمامه. كأنّه كان قد رأى ما قرنأ عنه في الكتب، وكأنّه قد رأى حقائق لم يكن يستطيع أن يحدثنا عنها.
كان لديه صديق سألته أمّه: "لماذا كل هذا الإلحاح على أن تستشهد في عمر المراهقة؟" فكان يجيبها: "وكم طول العمر كلّه يا أماه حتى یستحقّ مثل كلامك هذا؟" كان قد وعى ذلك، عرف أن العمر لا شيء. قد أدرك ذلك!
إن أدرك فتى في الرابعة عشرة هذه الحقائق، سيقول بالطبع: "لا تستحقّ الدّنيا قلقا وحديثا كهذا!". لو لم یؤكد الإمام الصّادق(ع) على كفاية ثماني عشرة سنة للكمال، لو لم يصرّح بذلك لما صدقنا. إذ كيف يمكن لفتى في السّادسة أو السّابعة عشرة أن يصل إلى هذا المستوى من الكمال؟! إنّ فهم بعض الحقائق يحتاج إلى عمرٍ كامل من الحياة، العمر الكامل يعني ثماني عشرة سنة.