الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني (الجلسة الرابعة عشر)
إليك ملخص الجلسة الرابعة عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
إن جهاد النفس عملية معقدة جدا، لأن النفس تحتال على الإنسان
- إن طريقنا الوحيد إلى الكمال هو مخالفة الأهواء والشهوات ولكن ليس مطلق الأهواء وجميع الشهوات. فلا ينبغي أن نجاهد جميع أهواءنا بشكل مطلق، بل لابدّ أن نجاهدها ضمن برنامج. فإن البرنامج المتمركز والاجتناب عن التكثّر المضر ضرورة لازمة في مسار جهاد النفس.
- إن عملية جهاد النفس معقّدة جدا، لأن النفس تحتال على الإنسان. حتى بإمكان النفس أن تستغل الدين لصالحها.
ما الداعي إلى الاهتمام بالعناء/ «الفرار من العناء» أهمّ عوامل ترك جهاد النفس
- السبب في الاهتمام بالعناء إلى جانب الاهتمام بجهاد النفس هو أنه لأننا بصدد الالتفات إلى الطريق الأصلي في الرشد والكمال، فلابدّ لنا من جهاد النفس وإن جهاد النفس هو عملنا الرئيس في هذه الدنيا. ثم إن أهمّ عامل أو العامل الوحيد الذي يدعونا للفرار من جهاد النفس هو نزعة الفرار من العناء. إذن فلابدّ من الحديث عن العناء لكي نقنع أنفسنا على تحمّل العناء وعدم الفرار منه.
- لماذا لا نسمع نصائح الصالحين في موضوع جهاد النفس؟ ولماذا لا نهتمّ كثيرا وبشكل صحيح بآيات الجنة والنار؟ لأننا لا نودّ المحن والمعاناة. إذن تكمن مشكلة أغلب الناس في قضية العناء. ليس الخوف من العناء بخوف محمود وحتى ينبغي لنا أن نطلب بعض مصاديق العناء.
العناء شيء عابر ثم تتبعه راحة ومسرّة طويلة
- خوف الإنسان من العناء يدعوه إلى الفرار من جهاد النفس وباقي الفضائل، ولذلك فلابد من تحديد موقفنا تجاه العناء وأسلوب تعاملنا معه. إن العناء شيء عابر ثم تتبعه راحة ومسرّة طويلة. كما قال أمير المؤمنين(ع) في وصف المتقين: «صَبَرُوا أَیَّاماً قَصِیرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِیلَة» [نهج البلاغة/ الخطبة193].
من لم يحلّ لنفسه قضية العناء، تخدعه نفسه حتى بأدلة دينية بحسب الظاهر
- يتمثل العناء بترك اللذات تارة، ويتمثل بآلام ومحن تارة أخرى. فإذا لم نحلّ مشكلتنا مع هذين النوعين من العناء، نواجه مشكلتين:
- المشكلة الأولى التي تظهر في بداية المطاف وتبقى معنا هي أنه إذا كان قلبك يطلب الراحة، تخدعك نفسك دائما. وإذا كنت غير خاضع للعناء، فتصنع نفسُك دائما ذرائع وحجج جميلة من الآيات والروايات للفرار من الدين والركون إلى الدعة، لأنها نفس أمارة بالسوء. (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء)ِ[یوسف/53]. السبب الرئيس في انخداع الإنسان بالذرائع المصبوبة في قالب ديني هو أننا لم نجتث خفايا جذور طلب الراحة ولم نحلّ لأنفسنا قضية العناء. فإن لم يكن الإنسان قد حلّ موضوع العناء وطلب الراحة والدعة لنفسه، تخدعه نفسه في بداية المطاف.
كيف استطاع المجاهدون أن يطووا طريق مئة عام في ليلة واحدة؟
- لماذا قد استطاع المجاهدون في سبيل الله أن ينالوا مقاما بحيث قد اجتازوا مسيرة مئة عام في ليلة واحدة؟ لأنهم قد وطّنوا أنفسهم على تحمل عناء الموت وقبلوا بذلك، وبذلك حصلوا على نورانية رائعة. فكان موضوع العناء محلولا لدى المجاهدين في سبيل الله.
- فإذا لم تكن قد وطّنت نفسك على موضوع العناء، تخدعك نفسك من حيث لا تشعر. فعلى سبيل المثال إن غضبت في موقف ما ولم تقدر على تحمّل عناء «سوء معاملة الآخرين» وغضبت عليه أو شتمته، هنا تطمئنك نفسك أن: «کان یستحق هذه المعاملة ولا عليك من تقصير!» أما حلّ موضوع العناء، يعينك على أن لا تنخدع عند مواجهة هذه المعاناة بل تبتهج بتحملها.
الزواج هو عبارة عن اختيار من سوف نختلف معه في الرأي!
- إن هذه، لرؤية مهمة وهي أن الموضوع الرئيس هو أداء التكليف، ولابدّ من تحمّل العناء في إطار التكليف والبرنامج الإلهي. طبعا لابدّ أن نطبّع قلوبنا على ترك اللذات ولكن في مقام العمل، لابدّ أن يكون هذا الترك على أساس الأحكام الإلهية والبرنامج الإلهي لا على أساس اختيارنا. ولذلك فإذا رزق الإنسان لذة ما، حتى وإن فرّ منها تفرض عليه فرضا، وكذلك إذا واجهنا تكليفا إلهيا ممتعا، لا ينبغي أن نتركه بذريعة ترك اللذة. المهم هو حال القلب الذي لا ينبغي أن يطّبّع على حبّ الراحة واللذة، ولابدّ أن نخضع لقضاء الله في فرض بعض المحن علينا.
- فعلى سبيل المثال لابدّ لكل زواج أن يشتمل على مشاكل واختلافات، لأن المرأة والرجل إنسانان، وبطبيعة الحال يختلف الناس مع بعض في بعض وجهات نظرهم. ولذلك فإنكم عندما تقدمون على الزواج، في الواقع تختارون من سوف تختلفون معه في الرأي! لا أن تبحثون عن من لا تختلفون معه أبدا. لابدّ من قبول أمثال هذه المعاناة وأن نتعامل معها بأسلوب حسن.
من لم يحلّ لنفسه قضية العناء، حتى وإن أصبح إنسانا صالحا، لن يكون صالحا كثيرا
- القضية الأخرى في ما يرتبط بنتيجة عدم الخضوع للعناء هي أنك ما لم توطّن نفسك على العناء، حتى وإن أصبحت إنسانا صالحا، لن تكون صالحا كثيرا، إذ لا تزال أنانيتك موجودة على حالها. كان قد سعى العرفاء وعلماؤنا العظام أن يقلعوا أنانيّتهم، وآخر ما يحمي صنم الأنانية هو نزعة «الفرار من العناء» و «الركون إلى الدعة والشهوة». فإن قضي على «الأنا» تصبح عين الإنسان عين الله ولسانه لسان الله ويده يد الله. فآخر المطاف هو فناء «الأنا» وزوال أهوائنا حتى أن لا يبقى شيء سواه. وهذه هي اللذة الكامنة في الدين وهي أن تتحول أهواء النفس إلى هواه. فنحن نودّ أن نصل إلى درجة من الخلوص حتى لا يبقى شيء تحت عنوان «نحن» ونفنى في «هو». ومن أجل نيل هذه الدرجة لابدّ من توطين النفس على العناء.
إن ترك اللذة حلو/ أيّ لذة نتركها في سبيل كسب نظر لطف الله؟
- إن معاناة ترك اللذات، وإن كانت معاناة ولا تخلو من الصعاب، ولكنّك إن عشت أجواءها تشعر بمدى حلاوة الترك، حتى أنّ كثيرا من عرفائنا تغزلوا بترك اللذات وقد اعتبروها عين اللذّة.
- نقل الإمام الصادق(ع) حديثا عن النبي الأكرم(ص): «مَنْ أَکَلَ مَا یَشْتَهِی وَ لَبِسَ مَا یَشْتَهِی لَمْ یَنْظُرِ اللَّهُ إِلَیْهِ حَتَّى یَنْزِعَ أَوْ یَتْرُك» [التمحیص/ص34] فمن أجل كسب نظر لطف الله، لابدّ من ترك هذه اللذائذ.
علاقة جهاد النفس بالعبادة/ العبادة الحسنة، جائزة جهاد النفس
- أحد المواضيع المهمّة، هو كيفية الربط بين جهاد النفس وباقي المفاهيم الدينية. فعلى سبيل المثال ما هي علاقة العبادة مع جهاد النفس؟ فإن العبادة شيء يختلف عن جهاد النفس، وهي عبارة عن العلاقة المباشرة مع الله.
- علاقة هذين الأمرين هي أنه إذا كان الإنسان قد جاهد نفسه من بداية الصبح إلى الظهر، تكون صلاتي الظهر والعصر ألصق بفؤاده وتنتعش عباداته. فالصلاة الجيدة تكون جائزة لذلك الجهاد. الصلاة بمثابة لقاء الله. وإن كانت العبادة هي علاقة مباشرة مع الله، ولكن كيفية هذه العلاقة مرهونة بمستوى الجهاد الذي قمت به قبل العبادة. فقل لي ماذا فعلت خارج البيت حتى تريد أن تدخله الآن؟!
- يقول الإمام الحسن المجتبى (ع): «إنَّ مَنْ طَلَبَ الْعِبَادَةَ تَزَکَّى لَهَا»[تحف العقول/ص236]. الصلاة نتيجة جميع المحاسن ولذلك فمن أجل إدراك مغزى الصلاة وإحساس طعمها لابد من جهاد النفس. فالذي لم يجاهد نفسه يحرم من إدراك لذة العبادة كالطفل الصغير الذي لا يدرك شيئا من اللذة الجنسيّة.
- إن لم تجاهد نفسك طوال يومك فعلى الأقل جاهدها حين الصلاة. فاختر لباسك من حلال والبسه في الصلاة. وأزل النجاسات من جسمك ولباسك. وكن طاهرا واعمل بآداب الصلاة جيّدا. إذا أطلق الإنسان عنان نفسه طوال نهاره ولبّى رغباته مهما شئت، لن ينظر الله إليه في صلاته، فما بالك بمن لم يلزم نفسه أثناء الصلاة. فجاهد نفسك أثناء الصلاة على الأقل.
أي محبوب غير مصحوب بقيود
- ليس كل محبوب ومرغوب مصحوب بقيود من بداية الأمر. هناك رغبة وهواية ممتعة جدا، وفي نفس الوقت سهلة الوصول، ويمكن ذوق طعمها من بدء الانطلاق، والمبالغة في التمتع بها ليس إسرافا، وليس هذا الحبّ الجميل سوى حبّ محمد وآل محمد(ص). إن حبّ أهل البيت(ع) هدية الله سبحانه إلى أمّة النبيّ(ص).
- فهو حبّ وهوى لا قيد فيه. وليس في حبّ أمير المؤمنين(ع) إفراط. طبعا هذا الذي يدعي أن أمير المؤمنين(ع) إله، لم ينته إلى هذا الانحراف لشدّة حبّه، بل قد جرّه هواه إلى ذلك، إذ أن شدّة الحبّ يجعل من الإنسان مطيعا ومتأسيا بمحبوبه.
- أحد العوامل التي يسّرت حبّ أهل البيت(ع) على القلوب، هو ما عانوه من ظلامة. كل من حبّ أهل البيت تزكّى كما جاء في زيارة الجامعة الرائعة: «وَ مَا خَصَّنَا بِهِ مِنْ وَلَایَتِکُمْ طِیباً لِخَلْقِنَا وَ طَهَارَةً لِأَنْفُسِنَا وَ تَزْکِیَةً لَنَا» .