معالم الأسرة الصالحة ـ 3
A4|A5 :pdf
إن طريق الحصول على اللذة العميقة في الأسرة هو «جهاد النفس في أجواء الأسرة»/ الزواج هو تعبير عن الاستعداد لجهاد النفس في إطار الأسرة/ العقاب والثواب الذان يسيئان إلى تربية الطفل/ يجب أن يصبح الطفل بين السنة السابعة إلى الرابعة عشر مؤدّبا
- الزمان: 02/12/2013
- المكان: طهران ـ بقعة الشيخ عبدالله الطرشتي
ألقى سماحة الشيخ بناهيان في العشرة الثالثة من المحرّم وفي بقعة الشيخ الطرشتي خمس محاضرات تحت عنوان «معالم الأسرة الصالحة» فإليكم أهمّ المقاطع من محاضرته الثالثة:
أحد أسباب سهولة الدين، هو سهولة إصلاح الإنسان في أجواء الأسرة/ إن مفتاح إصلاح الفرد والمجتمع، هو إصلاح الأسرة
- من القضايا التي تحكي عن سهولة ديننا وسهولة طريق التربية الدينية والارتقاء المعنوي وبساطته، هو تسليط الضوء على دور «الأسرة» البنّاء في إصلاح الفرد والمجتمع، إذ أن إصلاح الإنسان في «الأسرة» عمليّة سهلة جدّا. عادة ما نحن نحاول أن نصلح الفرد أو المجتمع، بينما مفتاح إصلاح كليهما هو إصلاح الأسرة. ولكن لأننا لا نسلك طريق الهداية والإصلاح بشكل صحيح، نزعم أن التربية الدينية وعملية إصلاح الفرد والمجتمع عن طريق الدين، عمليّة معقّدة وصعبة.
- ينبغي علينا أن نهدف إلى إصلاح الأسر، أكثر من أن نعمد إلى ملء نواقصها عن طريق وزارة التربية والتعليم، إذ أن أساس التربية في الأسرة. إن تعليم الطفل الذي نشأ في أسرة صالحة، سهل جدّا، كما أنه سيحظى بقابلية عالية على التعلّم. لا داعي لوزارة التربية والتعليم أن تملأ أذهان الأطفال بالمحفوظات كثيرا، فبدلا من تكثير محفوظات الأطفال، حريّ بها أن تسعى قليلا في سبيل إعطاء تعليمات مدروسة وعامّة للآباء والأمهات، وتثقّف الوالدين ـ في مسار إصلاح الأسر ـ ببعض المعارف العميقة والدقيقة الدينية.
- إن أولينا الاهتمام بإصلاح الأسرة وأصلحنا الأسر بنفس مقدار اهتمامنا بإصلاح الفرد أو المجتمع، عند ذلك سوف يصلح كلا الفرد والمجتمع بكلّ سهولة. ولكن إذا تركنا مركز الأسرة الرئيس، ثمّ عمدنا إلى إصلاح الناس عبر طرق أخرى، فسوف لا ننال غايتنا المطلوبة. فعلى سبيل المثال إذا أوصينا أفراد المجتمع بشكل مباشر أن: «لا تسرفوا! وعليكم بالنظم في المرور!» أو أوصينا مدراء المجتمع أن: «أن لا تخونوا، ولا تضيّعوا بيت المال!» أو قلنا للسياسيّين: «لا تتنازعوا معا!» فلا بأس به. ولكن الأفضل من كلّ ذلك هو إصلاح الأسر. فإن اتجهنا نحو إصلاح الأسر سوف تسدّ كلّ هذه الثغور.
ليست الأسرة الصالحة بمعنى الأسرة المنزّهة من النزاع والطلاق
- قبل أن نتحدّث عن خصائص الأسرة الصالحة، نذكر باختصار بعض الصفات والخصائص التي لا تدلّ بالضرورة على صلاح الأسرة. مثلا إذاكانت الأسرة في انسجام وتفاهم بحيث لا يتحدثون أفرادها عن الطلاق أبدا، ولا يتنازعون معا، فهذا لا يدلّ بالضرورة على صلاح الأسرة ورقيّ كفاءتها. فلعلّ في بعض الأسر التي ليس فيها طلاق ولا نزاع، يمارس أحد الزوجين الظلم تجاه الآخر، فاستسلم الآخر للأمر الواقع وصبر على مضض، فاستتبت أمور الأسرة. ولكن لا يدلّ ذلك بالضرورة على صلاح هذه الأسرة. فلعل أحد أسباب انسجام الزوجين مع بعض بحسب الظاهر، هو أن أحد الزوجين يتحمّل سوء خلق الطرف الآخر بحسن خلقه. طبعا هذا الذي يتحمّل سوء خلق الطرف الآخر، هو إنسان صالح وجيّد، ولكن لا نستطيع أن نحكم على هذه الأسرة بأنها أسرة صالحة.
الأسرة الصالحة، هي الأسرة التي يسدّ كلٌّ من أفرادها حوائج باقي أفراد الأسرة، لا أن يتحمّل كلّ الآخر
- ليست الأسرة الصالحة هي الأسرة التي ليس فيها نزاع فقط، بل هي الأسرة التي قد لبّيت احتياجات أفرادها الجسمية والمعنوية. لا يليق بأفراد الأسرة الصالحة أن يعانون من نقص عاطفي وروحي، فلابدّ أن تسدّ الاحتياجات في الأسرة.
- الأسرة الصالحة هي الأسر ة التي تلبّي الحدّ الأقصى من احتياجات أفراد الأسرة الجسمانية والروحيّة. يجب أن تلبّى احتياجات الأولاد بشكل كامل في خضمّ العلاقة الأسرية، وكذلك ينبغي للمرأة والرجل أن ينغمرا بالمحبّة والعواطف في علاقتهما مع بعض في أجواء الأسرة. الأسرة الصالحة هي الأسرة التي يسدّ كلّ من أفرادها حوائج باقي أفراد الأسرة، لا أن يتحمّل كلّ الآخر.
- صحيح أن الأجهزة والتقنية الناشرة للفساد أخذت تكتسح العالم يوما بعد يوم، ولكن إذا تربّى أولادنا في «أسر صالحة»، ليس بوسع أيٍّ من أجهزة الفساد هذه أن تفسد أولادنا، إذ قد لبّيت جميع احتياجاتهم في داخل الأسرة ولا يشعرون بنقص، من قبيل النقص العاطفي.
- الفتاة التي قد نشأت في أسرة صالحة، عندما يقول لها شابّ في الشارع: «إني أحبك!»، ستعتبره شابّا سخيفا عديم الشخصية وتستغرب من إبدائه الحبّ والغرام بهذا الأسلوب السخيف، لفتاة غريبة لا يعرفها ولا يعرف صفاتها! فلا أنها لا تفرح بإبداء الحبّ هذا وحسب، بل تشمئز من هذا التصرّف، إذ قد ارتشفت من الحبّ والحنان بالقدر الكافي في أسرتها ولا تعاني من أيّ نقص عاطفيّ حتى تنخدع بإبداء حبّ سطحيّ في الشارع.
- وكذلك الولد الذي قد نشأ في أسرة صالحة، لا يخطر بباله أن يتحرّش بفتاة. وإذا اضطرّ في موقفٍ ما إلى مساعدة فتاة، يقوم بذلك بكل حياء وغيرة.
- الطفل الذي تعوّد على أكل ما طبخته له أمّه بكل محبّة وحنان، لن يرضى بأكل طعام هذا وذاك خارج البيت، حتى وإن أصرّوا عليه كثيرا.
لا يخرج من الأسرة الصالحة، إنسان يعاني من نواقص روحية وعاطفية
- للأسرة الصالحة خصائص ومؤشرات عالية جدّا. فلا يخرج من الأسرة الصالحة إنسان يعاني من نواقص روحية وعاطفيّة. مع الأسف إن بعض الناس يعانون من نقص الحبّ والحنان بشدّة، بحيث يبحثون عن من يملأ نقصهم العاطفي في الشوارع، ثمّ يسمّون عملهم حبّا وغراما بدلا من أن يسمّوه وقاحة. وبدلا من أن يقول أحدهم: «عندي مشكلة وأصبحتُ مريضا أو معقّدا نفسيّا»، يقول بفخر: «أحببت وعشقت!»
- يقول أحد الروات: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْعِشْقِ، قَالَ قُلُوبٌ خَلَتْ مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ حُبَّ غَیْرِهِ» [أمالي الشيخ الصدوق/ص668]
- في الأسرة الصالحة بعد مضيّ ثلاثين سنة من الحياة المشتركة، تصبح المحبّة بين الزوجين أكثر بكثير من محبتهما في شهر العسل. ولذلك عندما تمرّ سيارة عروس من جانب هذه المرأة، لا تتحسّر على الأيّام الأولى من حياتها المشتركة أبدا، إذ قدّ اشتدّ حبّ كلّ من الزوجين إلى زوجه بعد مضيّ ثلاثين سنة.
إن طريق الحصول على اللذة العميقة في الأسرة هو «جهاد النفس في أجواء الأسرة» / أغلب الأزواج الذين يعقتدون بسوء اختيارهم في الزواج مخطئون
- الأسرة الصالحة تمنح الإنسان لذة ألصق بالفؤاد وأعمق بكثير ممّا يعطيه الفسق والفجور. ولكن في سبيل نيل هذه اللذة العميقة، هناك طريق واضح لابدّ لنا من سلوكه، وهو طريق «جهاد النفس في أجواء الأسرة». يزعم بعض الناس ـ مع الأسف ـ أن طريق نيل هذه اللذة هو أن يبحثوا عن أفضل زوج في العالم! يعني أن يختاروا زوجا لا يسأمون منه أبدا، وأن يكون حسن خلق الزوج ورأفته ورحمته وتواضعه وجماله من الشدّة والروعة بمكان بحيث لا تقع معه طيلة الحياة أيّ مشكلة. ثمّ يستمر جمال الزوج وباقي محاسنه إلى آخر عمره! وفي الواقع يبحث هؤلاء عن مورد كامل متكامل لا نقص فيه، لأنهم أشخاص غير لائقين وفيهم عيوب كثيرة!
- ليس معنى هذا الكلام هو أن لا يدقّق الإنسان في اختيار زوجه، أو أن لا يبحث عن المورد المناسب، ولكن لا تأتي السعادة عبر الاختيار الصائب والصحيح وحسب، بل يجب على الإنسان أن يحصل على السعادة في مسار حياته المشتركة شيئا فشيئا، ولا سعادة أهنأ من هذه السعادة الحاصلة بالتدريج، وكلّ أنواع السعادة الأخرى لا تبلغ عمق لذّتها ودوامها. كما هناك الكثير من الناس الذين قد حصلوا على أفضل الأزواج ولكنهم من أسوأ الناس، فلا يصلحون إلى جانب أزواجهم الصالحين، بل يزدادون سوء وفسادا. وأساسا قد يكون سوء الزوج سببا لرشد الإنسان وازدياد مراقبته على أعماله.
- لابدّ من «صنع» الحياة المليئة بالسعادة، لا أن نربح بها مفاجأة. لا يربح الإنسان بأسرة صالحة بالصدفة، ولا يتعلّق صلاح الأسرة باختيار الزوج الصالح وحسب. مع الأسف قد جرى على ألسن كثيرا أن «لم يكن اختياري صائبا»، ولكن أغلب الأزواج الذين يعتقدون بسوء اختيارهم في الزواج مخطئون. بعض هؤلاء هم أشخاص أنانيّون وأتباع الهوى، ويريدون أن يكون الآخرون عبيدا لهم، وتجري رياحهم كما تشتهي سفنهم. لذلك فهم يبحثون عن من ينقاد تماما إلى رغباتهم وهذا ما لا يمكن أبدا، إذ يودّ هؤلاء في مسار حياتهم المشتركة أن يلبّوا أهواءهم ويلتذّون وحدهم دون الطرف الآخر.
الخطوة الأولى لتكوين الأسرة الصالحة، تغيير رؤيتنا تجاه «الأسرة» / الإنسان الذي يرى لذّته في تلبية هواه لا يصلح للزواج!
- طيّب، كيف نستطيع أن نكوّن أسرة صالحة؟ الخطوة الأولى لتكوين الأسرة الصالة هي تغيير وإصلاح رؤيتنا تجاه الأسرة وأن نعلم حقيقة الأسرة. الأسرة مقرّ له آدابه الخاصة. للحضور في الأسرة آداب كما هو الحال في الحضور في المسجد. فكما أن للمسجد حرمة، كذلك للأسرة حرمة ولابدّ من مراعاة الكثير من الآداب فيها. طبعا لا مانع من الراحة في أجواء الأسرة، ولكن هناك حدود للراحة في البيت.
- هؤلاء الذين يقولون لا تتزوجوا مبكّرا والعبوا وامرحوا قبل الزواج والتذّوا بالعيش في أيام شبابكم (وهم يقصدون الفسق والفجور) فيا ترى لماذا يتزوجون أساسا؟! إذ أن الإنسان الذي يرى لذّته في تلبية هواه، فهو غير صالح للزواج من الأساس! وحري بمثل هذا الإنسان أن لا يبحث عن زوج صالح، إذ مهما كان زوجه صالحا، مع ذلك سينساق إلى الفسق والفجور تلبية لهواه. إن كان الإنسان متّبعا لهواه، فحتى لو حصل على أفضل زوج في العالم، مع ذلك سرعان ما يسأم منه ويضجر وينفر.
كما أن المائدة ليست محلّ النهم والبطنة ولها أدابها، كذلك ليست الأسرة بمرتع لإشباع الغرائز والشهوات ولها آداب خاصّة/ الأسرة بمعنى الحياة في إطار دستور
- كما أن الأسرة ليست محلّا للنهم والبطنة ولها أداب معيّنة، كذلك ليست الأسرة بمرتع لإشباع الغرائز والشهوات ولها آداب خاصّة. الأسرة بمعنى الحياة في إطار دستور. إن مراعاة آداب الأسرة ومقرّراتها من الأهمية بمكان بحيث تنزل آية قرآنية لتحدّد قانون ذهاب الأطفال إلى غرفة الوالدين؛ (لِیَسْتَأْذِنْکُمُ الَّذینَ مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ وَ الَّذینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حینَ تَضَعُونَ ثِیابَکُمْ مِنَ الظَّهیرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَکُمْ...) [النور/58]
- يجب أن نغيّر رؤيتنا عن الأسرة. فعلى سبيل المثال إن رؤيتنا عن المعسكر هي أنه مقرّ تجب فيه مراعاة الكثير من الآداب والضوابط والسلوك الخاص. عندما نواجه في المعسكر من هو أعلى رتبة منّا، يتعيّن علينا أن نضرب له تحية عسكريّة، فحتى لو كنّا نودّ قائدنا جدّا، لا يجوز لنا أن نعانقه ونعبّر عن حبّنا واحترامنا له كما نشاء، بل يجب علينا أن نضرب تحية عسكرية له حسب الأصول والضوابط. طبعا ليست آداب الأسرة وضوابطها شديدة ومتصلّبة كما في المعسكر، ولكن يجب أن تراعى بعض الآداب والاحترامات في أجواء الأسرة. لقد ذكرت في رواياتنا تفاصيل آداب المعاشرة بين الزوجين في إطار الأسرة بشكل دقيق، وفصّلت القوانين والضوابط تفصيلا. فلم نترك في البيت سدى، بل مكلّفون بمراعاة الآداب والضوابط.
بموجب أحكام الإسلام يجب تعلّم الأدب والنظم من السنة السابعة وفي الأسرة، لا بعد الثمانية عشر وفي العسكرية / يجب أن يصبح الطفل بين السنة السابعة إلى الرابعة عشر مؤدّبا ومنظّما كالعبد بين يديه مولاه
- يجب على الوالدين أن يعلما أولادهما «الأدب» بعد السنة السابعة، لكي يدرك الأطفال أصل جهاد النفس ويعلموا أن لابدّ لهم من محاربة كلمات «أحب» و «أشتهي» و «يعجبني» وأمثالها. اليوم، يذهب الشباب إلى الجندية بعد الثمانية عشر من عمرهم، ويتدرّبون هناك على النظم والانضباط وبعض الآداب، بينما يفرض الإسلام أن لابدّ من تأديب الأطفال وتعليمهم النظم من السنة السابعة؛ قَالَ الصَّادِقُ ع: «دَع ابْنَكَ یَلْعَبْ سَبْعَ سِنِینَ وَ یُؤَدَّبْ سَبْعَ سِنِینَ وَ أَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعَ سِنِینَ فَإِنْ أَفْلَحَ وَ إِلَّا فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا خَیْرَ فِیهِ» [منلایحضرهالفقیه/3 /492/ح 4743] و «الْوَلَدُ سَیِّدٌ سَبْعَ سِنِینَ وَ عَبْدٌ سَبْعَ سِنِینَ وَ وَزِیرٌ سَبْعَ سِنِینَ» [وسائلالشیعة/21/476] و «دَع ابْنَكَ یَلْعَب سَبْعَ سِنِینَ وَ أَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعاً فَإِنْ أَفْلَحَ وَ إِلَّا فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا خَیْرَ فِیهِ» [الکافي/6/46/ ح1]
- لابدّ أن يتأدّب الطفل بعد السنة السابعة ويصبح منظّما كالعبد بين يديه مولاه؛ وبالتأكيد لابدّ أن يكون أبوا هذا الطفل كالمولى الرؤوف العطوف، فينهيان الطفل ويأمرانه بلين وحنان، ولكن على الطفل أن يمتثل أوامرهما كما يمتثل الجندي أوامر قائده. لابدّ أن تكون أجواء البيت في هذه السنين السبع أي من السنة السابعة إلى الرابعة عشر، تشبه أجواء المعسكر، ليتدرّب الطفل على مراعاة النظم والأدب. يجب على الطفل أن يراعي بعض القضايا في هذه السنين من قبيل ترتيب غرفته ووسائله، والالتزام بمواقيت النوم والاستيقاظ وأداء الاحترام للكبير وكثير من الآداب الأخرى ليعلم أن الدنيا ليست محلّا لطلب الراحة. من المسائل المؤكّد عليها هو الاستيقاظ بين الطلوعين، والتي لها آثار وبركات كثيرة في الروح والبدن، فيا حبّذا لو استطاع الأب والأم أن يوقظ أولادهما في هذه الفترة ويمنعانهما من النوم برأفة وحنان.
لابدّ أن يتدرّب الطفل في السنين السبع الثانية من عمره وبإدارة أمه وأبيه على جهاد النفس/ البيت مقرّ مليئ بالمقرّرات والضوابط وينطوي على أجواء مناسبة لجهاد النفس
- يقول البعض: إن مراعاة الآداب ولا سيّما للأولاد في سنيّ الطفولة والمراهقة صعب! في حين أن تحمّل المشقّة ومخالفة النفس، مودع في ذات الإنسان، والحياة مقرونة بجهاد النفس. فلابدّ أن يتدرّب الطفل في السنين السبع الثانية من عمره وبإدارة أمه وأبيه على جهاد النفس، ثم يستمرّ بجهاد نفسه في السبعة الثالثة بمشورة والديه. فعندما يقدم مثل هذا الإنسان على الزواج، يدرك أن لابدّ من الاستمرار بضوابط جهاد النفس في الأسرة، ويعرف أنه بهذا الزواج في الواقع دخل في مرحلة جديدة من عمليّات جهاد النفس.
- إذن الخطوة الأولى هي أن نغيّر رؤيتنا عن البيت والأسرة ويجب أن نعرف أن البيت مقرّ مليئ بالضوابط والمقرّرات وهو محلّ مناسب لجهاد النفس. ولابدّ أنكم تعرفون كم لبيت الله الحرام من ضوابط ومقرّرات. فعندما يحرم الحاج ويدخل في نطاق بيت الله، تحرم عليه الكثير من الأعمال ويلزم بمراعاة آداب ومقرّرات صعبة. فكما أن في بيت الله مقرّرات وضوابط، كذلك بيوتنا هي محالّ مراعاة مقرّرات وضوابط كثيرة.
- فعلى سبيل المثال أحد قوانين البيت هي أنه عندما يحتضر أحد أعضاء البيت ويشرف على الموت، لابدّ أن يوضع في المكان الذي كان يصلّي فيه عادةً؛ «إِذَا عَسُرَ عَلَى الْمَیِّتِ مَوْتُهُ وَ نَزْعُهُ قُرِّبَ إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِی کَانَ یُصَلِّي فِیهِ» [الكافي/ج3/ص125] إذن من الأولى أن يتخذ كلّ واحد من أفراد الأسرة مصلّى له في البيت ويصلّي في ذلك المكان. فأحد آداب البيت هي أن يكون لكل فرد من أعضاء الأسرة مصلّى خاصّ به.
- ومن الضوابط الأخرى التي ينبغي مراعاتها في البيت هو تحديد ساعات معينة لفتح التلفاز وغلقه. يعني لا ينبغي أن يكون التلفاز مفتوحا على الدوام وبلا أي نظم وضابطة، وكلّ يتفرّج من البرامج ما يشاء. فقد قال علماء النفس: «من یکثر من مشاهدة التلفاز ـ حتى وإن كان يشاهد برامج جيدة ـ يصاب بعد فترة بالبلادة والبلاهة».
الأسرة محلّ جميل لجهاد النفس/ الزواج هو تعبير عن الاستعداد لجهاد النفس في إطار الأسرة
- الأسرة محل جميل لجهاد النفس، فعندما يدخله الإنسان، فإنه قد دخل في الواقع في خضمّ مجموعة من العلاقات التي تفرض عليه جهاد النفس. فمن أقدم على الزواج يتعيّن عليه أن يوطّن نفسه على مرحلة جديدة في جهاد النفس، وبالتأكيد ينبغي أن يكون هذا الجهاد حلوا وممتعة لديه، إذ يبعده عن اللهو واتباع الشهوات ويتحفه بلذّات أفضل وأمتع. إن معنى عزم الشابّ على الزواج هو التعبير عن استعداده لجهاد النفس في أجواء الأسرة، لا التعبير عن عزمه على تلبية شهواته في الأسرة! ولذلك فغالبا ما كان السيد الإمام الخميني(ره) يوصي الأزواج الذين يعقد لهم أن: «تکيفوا وتماشوا مع بعض» فهذا ما يدل على أن الأسرة هي محلّ لبناء الذات لا محلا للاسترخاء وطلب الراحة.
- فمن تطبّع على أصل جهاد النفس منذ السابعة من عمره، وعرف أنّ والديه قد شدّدا عليه بعض الشيء برفق ورأفة في السنين السبع الثانية من عمره لكي يتأدب على بعض الآداب، فمثل هذا الإنسان سيبحث بعد زواجه عن موطن جديد لجهاد النفس، والأسرة هي الموطن الجديد والجميل لجهاد النفس.
إن أتباع الشهوات والملذّات لا يزدادون رضا عن الحياة الدنيا
- في الواقع لقد صمّم الله سبحانه هذه الدنيا بحيث لا يلتذّ الناس في دنياهم إلا عن طريق جهاد النفس. ولذلك فإن أتباع الشهوات والملذّات لا يزدادون رضا عن الحياة الدنيا. بحسب الإحصاء الذي انتشر قبل حوالي عشر سنين في أوروبّا، لم يزدد مدى رضا الناس عن حياتهم حتى واحد بالمئة وذلك بالرغم من تطوّر التقنية وصعود مستوى الرفاه العامّ بالنسبة إلى قبل سبعين سنة. في حين أن منذ قبل سبعين سنة ولحد الآن قد أنتجت وسائل وإمكانات كثيرة لتسهيل حياة الناس.
- لا تغرّنكم وسائل الإعلام بأفلامهم ومقابلاتهم، بحيث يصوّرون الشعوب الغربية في غاية السرور والسعادة. طبعا لا ينكر أحدٌ التذاذَ أتباع الشهوات والملذّات، إذ كل من يذهب وراء الخلاعة والفجور، يتمتّع شيئا ما، ولكنه لو كان قد عفّ عن فسقه، لأذاقه الله نفس هذه اللذة عبر الطريق الحلال. ولذلك فلم يحصل الإنسان على شيء عن طريق الفسق والمجون سوى أنّه جعل لذّته الحلال حراما. وشتّان بين بركة الحلال ونحوسة الحرام! كالسارق الذي يأكل ويصرف بعض الأموال، فلو لم يكن يسرقها لرُزِقَها عن طريق حلال.
«أريد» و «يعجبني» و «أشتهي» هي ملح الحياة، فإن ازدادت عن حدّها، تصبح الحیاة مالحة لا تطاق!
- الأسرة مكان لا ينبغي أن يكثر الإنسان فيه من استخدام كلمات «أريد» و «يعجبني» و «أشتهي». يعني لا ينبغي أن يفكّر الإنسان دوما بتلبية رغباته وشهواته. طبعا ليس قصدنا أن لا يستخدم هذه الكلمات أبدا، ولكن ليقلّل من استخدامها. روي عن الإمام الصادق(ع) أن: «دَخَلَ قَوْمٌ عَلَى الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ ع فَقَالُوا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ نَرَى فِي مَنْزِلِكَ أَشْیَاءَ نَکْرَهُهَا وَ إِذَا فِي مَنْزِلِهِ بُسُطٌ وَ نَمَارِقُ فَقَالَ ع إِنَّا نَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَنُعْطِیهِنَّ مُهُورَهُنَّ فَیَشْتَرِینَ مَا شِئْنَ لَیْسَ لَنَا مِنْهُ شَیْءٌ» [الكافي/ج6/ص476] وهذا يعني أن الإمام الحسين(ع) قد لبّى رغبة زوجته، فلابدّ من تلبية بعض هذه الرغبات في البيت، ولكن ترى بعض الناس مع الأسف لا يفكّرون إلا بتلبية رغباتهم في البيت، وهذا غير صحيح. «أريد» و «يعجبني» و «أشتهي» هي مثل ملح الطعام الذي يجب أن نستخدم مقدارا قليلا منه في الطعام، وكذلك هذه الكلمات، فهي ملح الطعام وإن ازدادت عن حدّها، تصبح الحياة مالحة لا تطاق!
يجب أن يرى الطفل «جهاد النفس» في سلوك والديه/ العقاب والثواب الذان يسيئان إلى تربية الطفل
- إن أساس إصلاح النفس هو جهاد النفس ومخالفة الهوى، فالوالدان الذان لا يعلّمان ولدهما ذلك بعملهما وسلوكهما، ولا يعيّشانه أجواء جهاد النفس في البيت، فلا يتوقّعا صلاحه وأن يتربّى تربية سالمة. الوالدان الذان يتفوّهان بكلّ كلمة حين الغضب، بطبيعة الحال سيفعل ولدهم كل ما يشاء! يجب أن يرى الطفل مرارا في سلوك والديه أن قد غضبا مرارا، ولكنهم لم ينطقوا بشيء وإنما تبسّموا فقط. فإن رأى الطفل مثل هذا السلوك، سيعرف أنه يجب عليه أن يتصرّف بما لا يشتهيه هوى نفسه ويسحق نفسه في مواطن كثيرة.
- المهمّ هو أن يرى الطفل جهاد النفس في فعل والديه وقولهما، وإلّا فمهما رأى أفعالهما الصالحة التي تخلو من عنصر جهاد النفس، فلا تنفع هذه الأفعال في تربيته. إذ أن الأفعال الصالحة التي رآها من أبيه، قد أنجزت بحوافز ومشجّعات أخرى، وكان الأب راغبا بإنجاز هذا العمل الصالح، وعليه فيتربّى الولد تابعا لشهوته ورغباته. فعلى سبيل المثال إن كنت قد صليت كلّما اشتهيت الصلاة ورغبت بها، وتركتها كلّما رغبت عنها، وأديت باقي أعمالك الصالحة على هذا الأساس وبحسب ما راق له هواك، كذلك يتربّى ولدك تابعا لأهوائه ورغباته ويقوم بما يعجبه ويشتهيه! وهذا ما تعلّمه منك بالضبط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته