الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۰۲/۰۳/۲۰ چاپ
 

لماذا امتحان الله لا يثير توتّرًا؟

  • انتاج:  موسسة البیان المعنوي
  • المدة: 05:36 دقیقة

النص:

هناك نوعان من الامتحانات: امتحانات تثير توتّرًا وامتحانات لا تثير توتّرًا، بل تبعث على الإثارة، والحماس، والقوّة، والحيويّة. إنْ كان امتحانُنا هو ليُرى إن كنّا سنُقبَل أو لا، أي نُرفَض فهذا يثير بعض التوتّر، أمّا الاختبارات في المباريات، حيث ليس هناك قبول أو رفض، بل هو سباق تُمنح فيه جوائز؛ فيقال لك: إنْ كسَبتَ المرتبة الأولى نمنحك ثلاث مسكوكات ذهبيّة. وإن صِرتَ الثاني؛ لن نضربك، بل نعطيك مسكوكتَين. وإنْ حُزتَ المرتبة الثالثة، نعطيك مسكوكة واحدة. وإنْ أصبحتَ الأخير فوالله لن نعاقبك، سيصفّق لك الجميع، بل سنعطيك تذكارًا أيضًا. هذا الاختبار لا يسبِّب توتّرًا، ستقول: "أَلقِ دَلوَكَ في الدِلاء"، لأُشارك فقد أفوز. فالاختبارات، بالتقسيم العام، نوعان: اختبارات فيها رفض أو قبول، واختبارات ليس فيها رفض أو قبول، بل فيها مراتب. يقول الله تعالى: اختباراتي ليست من النوع الذي إذا فشلتَ أُلقيك في النار، وإنْ نجحتَ أُدخِلك الجنّة، بل إنّ الله تعالى يؤكّد: (الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُم...‏)؛ أي ليمتحنكم (...أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)؛ لأرى مَن منكم الأفضل. لاحظ، يختلف كثيرًا عمّا إذا قال: أختبركم لأرى مَن الصالح ومَن السيّئ؟ معظم الناس يظنّون أنّ الله يختبرنا ليرى مَن يَدخل الجنّة ومَن يَدخل النار؟ هذا يسبّب اضطرابًا شديدًا! إلهي، أتريدُ اختباري لترى إن كنتَ ستُدخِلني الجنّة أم النار؟ الله نفسه يؤكّد: (الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُم‏ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [تبارك/الآية2]، أمتحنكم لأرى مَن منكم الأفضل. يا رفاق، هل حصل أنِ التَقَيتم بصديق قديم؟ قبل 20 عامًا كنتَ ترى أولاده يلعبون كانوا صغارًا وفجأةً: "مرحَى! مرحبًا، كيف حالُك؟ أين أنت؟" - نعم، انتقلنا إلى مدينة (...). - لم أرَكَ! - صحيح، لم أستطع القدوم. - حسنٌ، كيف الحال، أولادك كبروا؟ - في خير الحمد لله. - ماذا أصبَحوا؟ لاحظ، من المستحيل أن تسأل صديقًا قديمًا: - أَأَصبح أولادُك لصوصًا أم أطبّاء؟ - عجبًا! ما هذا الهُراء؟ - أصار أولادُك مهندسين، أم مُدمِني مخدّرات؟! - عجيب! تأدّب يا هذا؟ بل قل: الأولاد في أي كُلّيّة؟ ما عملهم؟ إن شاء الله تزوّجوا؟ - أتعرّضوا لحادث وقُتلوا أو أصابهم شلل؟ أم هم أحياء؟ - يا رجل، ما هذه الأسئلة؟!.. حَسِّنْ أسئلتَك! جُحودٌ أن يتكلّم المرء بهذا المنطق. والله أيضًا لا يختبر العبد بهذه الطريقة، يقول مثلًا: أمتحنك لأرى إن كنتَ تدخل النار أم الجنّة!! - عجيب! الله لا يتكلّم بهذه الطريقة - فلماذا تريد امتحاني يا ربّ؟ هو نفسه قال: لأرى أيّكُم أفضل.. إنّه سباق.. حاول الفوز فيه. لاحظ.. هذه هي فلسفة الاختبار. ومن أجل الاختبار لا بدّ أن يمنح الله الحرّيّة، وقد منحَها فأساءَ البعض استعمالها وذهبوا بأنفسهم للنار. تزوَّد بالتجهيزات ليروا كيف تتعامل مع "هراوة الزورخانة"، كيف تتمرّن للبطولة؟ كلّ مَن يحرّك الهراوة أكثر يفوز، فإذا بأحدهم يرفع الهراوة ويضرب صاحبَه فيحطّمه! لا بدّ سيُقبض عليه ويُرمى في السجن إذ سيقال له: قتلتَه؟ - أعطيناك الهراوة لتتبارى.. فقتلتَ صاحبك!! ليس هدف تزويدهم بالهراوات هو ليروا من الذي يَقتُل ليُعدَم؟! بل زُوِّدوا بها من أجل التباري. لقد جعل الله هابيل وقابيل يتباريان.. ففاز هابيل.. فلسفة المباراة: (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقين‏)، تبارَيا إذ عبَدَا الله ثمّ قدَّما قربانًا فقُبِل قربانُ هابيل.. - يا قابيل، لم تفُز في السباق. ماذا كان يجب أن يقول قابيل؟ يقول: "سأفوز في المرّة القادمة، تريّثوا، كان إخلاصي ضعيفًا" فهي مباراة.. لم يكن يملك روح التباري، فعَمِدَ إلى هابيل فقتَلَه. نسفَ قواعد اللعبة وخاطبَه: لماذا فُزتَ؟ - حسنٌ، حاول أنت أيضًا الفوز. لاحظ، كلّ العمليّة مباراة. فالامتحان يكون مُوَتِّرًا للأعصاب إذا قيل: نَمتحِن لنرى نَقبَل أم نَرفُض؟ لكنّ الله لم يقل هذا.. قال: أنا أمتحن لأرى مَن الأفضل.. ما أروع ذلك!.. مباراة على أيّة حال. أَمتحِن لأرى مَن منكم الأفضل؛ (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا).

تعليق