الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني(الجلسة التاسعة الثلاثین)
استمرّت جلسات هيئة محبي أمير المؤمنين(ع) الأسبوعية بعد شهر رمضان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» تكملة لما طرحه في شهر رمضان. فإليكم أهم المقاطع من كلمته:
لماذا آتى الله لقمان الحكمة؟/ الإمام الصادق(ع): یَتَعَلَّمُ مَا یَغْلِبُ بِهِ نَفْسَهُ وَ یُجَاهِدُ بِهِ هَوَاه
- عرفنا في الجلسات الماضية أن «جهاد النفس» هو الطريق الوحيد لتعالي الإنسان وتحسين مستوى العبودية والحياة، كما هو الطريق الوحيد لنيل مقام القرب إلى الله في آخر المطاف. بطبيعة الحال وبعد القبول بهذا الأصل لابدّ لنا أن نلتفت إلى الأساليب والطرق العملية لذلك.
- في هذا الطريق علينا في بادئ الأمر أن نبحث عن «علم جهاد النفس» ونكثّر معلوماتنا في هذا المجال. فإن التحصيل على هذا العلم أمر ثمين جدّا. إن هذا العلم هو مجموعة من المعلومات التي تحدّد لنا ضمن بيان بعض الأسس والقواعد طرق جهاد النفس والمنعطفات الموجودة في أثناء هذا الطريق.
- سئل الإمام الصادق(ع) عَنْ لُقْمَانَ وَ حِکْمَتِهِ الَّتِی ذَکَرَهَا اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ، فَقَالَ: «أَمَا وَ اللَّهِ مَا أُوتِیَ لُقْمَانُ الْحِکْمَةَ بِحَسَبٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا أَهْلٍ وَ لَا بَسْطٍ فِی جِسْمٍ وَ لَا جَمَالٍ وَ لَکِنَّهُ کَانَ رَجُلًا قَوِیّاً فِی أَمْرِ اللَّهِ مُتَوَرِّعاً فِی اللَّه ... وَ یَعْتَبِرُ وَ یَتَعَلَّمُ مَا یَغْلِبُ بِهِ نَفْسَهُ وَ یُجَاهِدُ بِهِ هَوَاه ُوَ یَحْتَرِزُ بِهِ مِنَ الشَّیْطَانِ فَکَانَ یُدَاوِی قَلْبَهُ بِالْفِکْرِ وَ یُدَاوِی نَفْسَهُ بِالْعِبَرِ- وَ کَانَ لَا یَظْعَنُ إِلَّا فِیمَا یَنْفَعُهُ- فَبِذَلِکَ أُوتِیَ الْحِکْمَةَ وَ مُنِحَ الْعِصْمَةَ» [تفسير القمي/ج2/ص162]
يجب أن نتجهّز ببرنامج تعليمي لطرق جهاد النفس
- في سبيل أن نلمّ بمباني جهاد النفس وطرقه لابدّ أن نحصل على علم الجهاد ونتجهّز ببرنامج تعليمي. علينا أن نهدف إلى تعلّم علم جهاد النفس. طبعا قد يسمّى هذا العلم «علم الأخلاق» أو «علم التربية» أو بتعبير أحرى «علم تهذيب النفس»، ولكن هذا العلم في الواقع وبتعبير أمير المؤمنين(ع) هو «معرفة نظام الدين»؛ «نِظامُ الدِّینِ مُخالَفَةُ الهوی» [غرر الحكم/6427]
- قال الإمام الصادق(ع) في حديثه عن لقمان: «فَکَانَ یُدَاوِي قَلْبَهُ بِالْفِکْرِ وَ یُدَاوِي نَفْسَهُ بِالْعِبَر» يعني يمكن كشف مسائل هذا العلم عن طريق الفكر والاعتبار والاستفادة من التجارب وأما الدين فدليل في هذا الطريق. فمقتضى هذا الحديث هو أنه من شأن بعض العلوم التجريبية أن تواكب الدين وتعين الإنسان في طريق جهاد النفس. إذ لا فرق بين الاعتبار وأخذ العبر الذي كثر التأكيد عليه في الروايات وبين التجربة. العبرة هي حسن الاستفادة من التجارب والعلوم التجربية هي مدوّنات منظمة لجميع التجارب التي حصل عليها الإنسان على مرّ الدهور والأعصار في مختلف المواضيع والفروع. يستطيع الدين أن يرشد العلوم التجربية، ومن جانب آخر تنتهي العلوم التجربية في مسار تطوّرها إلى ما قاله الدين.
إن جهاد النفس يمنح الإنسان الحكمة
- وقال الإمام الصادق(ع) في حديثه عن لقمان: «وَ کَانَ لَا یَظْعَنُ إِلَّا فِیمَا یَنْفَعُهُ- فَبِذَلِكَ أُوتِيَ الْحِکْمَةَ وَ مُنِحَ الْعِصْمَةَ» [المصدر نفسه] يدل هذا الحديث على أن اتباع الهوى بضرر الإنسان ومصلحته في مخالفة الهوى ولذلك على أثر تحصيله على علم جهاد النفس وممارسته في هذا الجهاد، أوتي الحكمة والعصمة.
- فكّروا لماذا جهاد النفس يجلب الحكمة للإنسان، ويمكّنه من إنتاج العلم ويقصّر ويسهّل عليه الطريق الطويل لمعرفة أعقد قواعد العالم؟ ولماذا يرفع مقام الإنسان إلى درجة العصمة الاكتسابية؟
لقد تفضّل الله على لقمان بمنحه العصمة لأنه كان مجدّا في جهاد النفس
- بناء على حديث الإمام الصادق(ع) لقد أعطى الله سبحانه لقمان الحكمة. عندما يجري الحديث عن عصمة بعض الأولياء من غير الأئمة المعصومين(ع) تجد بعض الناس ينزعجون، مع أنه قد ذكرت العصمة الاكتسابية الحاصلة من التقوى وجهاد النفس والإخلاص مرارا في الروايات. فعلى سبيل المثال قال الإمام الباقر(ع): «إِذَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى حُسْنَ نِیَّةٍ مِنْ أَحَدٍ اکْتَنَفَهُ بِالْعِصْمَة» [أعلام الدين/ص301] وهذه هي العصمة الاكتسابية. وقد تفضّل الله على لقمان بمنحه العصمة لأنه كان مجدّا في جهاد النفس.
- قال آية الله بهجت(ره): «إن شرط النبوّة والوصاية العصمة، أما أن العصمة منحصرة في النبي والوصي، فهذا ما لا دليل عليه. فعلى سبيل المثال نحتمل في زيد بن علي بن الحسين(ع) العصمة، وأنا عندي ظن يقارب اليقين بأنه كان معصوما عن الخطئية لا الخطأ... وكذلك أبوالفضل العباس وعلي بن الحسين الذي استشهد في كربلاء وبعض أصحاب سيد الشهداء، فليس هناك احتمال في عصمتهم وحسب بل قد أحرزت عصمتهم. وكذلك هل يمكن أن لا نعتبر المقداد وسلمان معصومين؟ وكذلك كان في عصرنا من ادعى أن لم يرتكب معصية عن علم وعمد». [گوهرهای حکیمانه (فارسی)/ 58]
ما هي الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها في طريق «جهاد النفس»؟/ لا يمكن أن نحدّد الخطوة الأولى بسهولة لأن الإنسان ذو أبعاد
- بعد أن عرفنا وخضعنا لهذه الحقيقة وهي أن طريقنا الوحيد هو جهاد النفس وبعد ما اكتشفنا أهميته وضرورته، يتبادر إلى الذهن هذا السؤال وهو: ما هي الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها في طريق «جهاد النفس»؟ لا يمكن أن نحدّد هذه الخطوة الأولى ببساطة لأن الإنسان ذو أبعاد مختلفة وكلّما تحدّثنا عن الخطوة الأولى، يطرح هذا السؤال نفسه: الخطوة الأولى في أي بعد من الأبعاد الوجودية في الإنسان؟
- فعلى سبيل المثال إذا كان للإنسان علاقات مع جهات مختلفة فلابدّ أن تكون علاقته الأهم، علاقته مع الله، وعليه فلعلّنا نستطيع أن نقول: إن الخطوة الأولى هي إصلاح الصلاة، وأما بالنسبة إلى علاقته مع الآخرين، فالخطوة الأولى عدم الظلم. وأما في الجانب السلوكي أيضا فليس من السهل تحديد الخطوة الأولى أهي غضّ العين أم مراقبة السمع أم مراقبة اللسان.
- وبالإضافة إلى البعد العملي والسلوكي والعلاقات المختلفة، ينطوي الإنسان على أبعاد وجودية أخرى. فبالإضافة إلى نشاطه على مستوى «العمل والسلوك» يمارس بعض النشاطات على مستوى «الفکر والتعقّل» أو على مستوى «المشاعر والرغبات». فهنا أيضا يتبادر إلى الذهن سؤال، وهو: هل يجب أن تكون الخطوة الأولى على مستوى السلوك، أم على مستوى النزعات والمشاعر؟ هنا أيضا لا يمكن تحديد البعد المقدّم بسهولة ولا نستطيع أن أن نرجّح جانبا على الآخر ببساطة.
- طبعا من إحدى الجوانب قد يقال: ينبغي أن تخصّص الخطوة الأولى بنزعات الإنسان ورغباته. إذ أنها لحقيقة واضحة وهي أنه ما لم يرغب الإنسان في فهم قضية أو إنجاز فعل ما، لا يعزم عليه. أمّا الأمر الذي يعقّد القضيّة هي أن الله لم يخلق الإنسان خاليا من الرغائب والنزعات، فقد أودع في فطرة الإنسان مجموعة من النزعات منذ البداية. ولذلك ففي كثير من الأحيان لم تكن الخطوة الأولى على مستوى النزعات. إذ ينطوي الإنسان على مجموعة من النزعات الحسنة الإيجابية منذ خلقه فلا يحتاج إلى تحصيلها.
الخطوة الأولى في مسار «جهاد النفس» بعد العلم، هي اعتبار النفس أعدى الأعداء/ يجب أن يكون لنا انطباع سلبي جدّا عن النفس
- بالرغم من كل تعاقيد روح الإنسان التي سببت في صعوبة تشخيص الخطوة الأولى، بإمكاننا أن نسلّط الأضواء على أمر كخطوة أولى في هذا المسار. وهي أن يسعى الإنسان في مسار جهاده ضدّ هوى نفسه، أن يجعل رؤيته تجاه النفس كنظرته إلى أعدى أعدائه. يعني ينبغي للإنسان أن يعتبر «نفسه» و «أنانيته» عنصرا سيئا جدّا ويعتبرها عدوّة لدودة.
- لا يكفي العلم بهذه الحقيقة، بل يجب أن نحظى برؤية ثابتة وعميقة تجاه النفس، وهذا ما يحتاج إلى دقّة وصرف الوقت الكثير في طريق جهاد النفس.
كثير من الناس لا يرى نفسه الأمارة عنصرا سيئا وخطرا، وحتى تراه قد صادَقَ نفسه!
- كثير من الناس غير مقتنع بأن نفسه الأمارة عنصرا سيئا، ولا يشعر منها بخطر وحتى تراه قد صادَقَ نفسه! في حين يجب أن يعترينا هذا الشعور بحيث نرى نفسنا عدوّة لنا ونحظى بهذه الرؤية وهي أن نزعاتنا النفسانية والدانية سيئة وخبيثة جدّا، فإن لم نعتبرها عدوّا ولم نجاهدها، نتحوّل إلى أشخاص مدلّلين وعديمي المنطق وخطرين.
النبي الأكرم(ص): أَعْدَى عَدُوِّکَ نَفْسُكَ/ في سبيل أن نجاهد نفسنا يجب أولا أن نعتبرها عدوّا
- قال النبي الأعظم(ص): «أعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِی بَیْنَ جَنْبَیْك»(مجموعۀ ورّام/ج1/ص59) فلابدّ أن نصدّق بأن نفسنا الأمارة عدوّ عزم على إذلالنا وإهلاكنا. فلا يجب أن لا نتخذ هذه النفس الخطرة ربّا وحسب، بل ينبغي أن لا نصادقها بل ولا نغفل عنها أبدا. إذ أن إهمال هذا العدو الخطر والقاسي والغفلة عنه يجرّ الويلات إلى الإنسان. إذن فمن أجل النجاح في عملية جهاد النفس، يجب أولا أن نعتبر النفس خصمنا وعدوّنا لنصرعها وإلا فهي التي سوف تصرعنا.
- يجب أن نغيّر مشاعرنا تجاه نفسنا، ولابدّ أن نعتبرها عدوّا لا ينفك عن محاولة إلحاق الضرر بنا وإذلالنا طرفة عين. فلا ينبغي أن نعيش أفكارا رغائبية ليوقعنا الشعور بالأمن الكاذب في فخّ عداواته الكامنة.
الإمام الكاظم(ع): جاهد نفسك... فإنه واجب عليك كجهاد عدوّك/ ليت الإذاعة والتلفزيون يعرضون لنا الجرائم التی ترتكب في المنطقة ليعرف الناس ما معنى العدوّ؟
- قال الإمام الكاظم(ع) لأحد أصحابه: «جَاهِدْ نَفْسَكَ لِتَرُدَّهَا عَنْ هَوَاهَا فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَیْكَ کَجِهَادِ عَدُوِّكَ» [تحف العقول/ص399]
- في خضمّ حروب المنطقة هذه، ليت الإذاعة والتلفزيون تقتنع باتخاذ هذه الاستراتيجية وهي أن تعكس جرائم العدوّ أكثر للناس ليعرف الناس ما معنى العدوّ؟ فعلى سبيل المثال تطيل الوقوف عند مئات الأبرياء الذين ذبحوا أو أطلقت عليهم الرصاص واحدا واحدا على يد داعش، ليرى الناس ما يجري في العالم ويدركوا مفهوم «العدوّ».
ليس مستوانا في معرفة العدو والتصديق بوجود العدو جيّدا/ يسعى إبليس لإغفالنا عن العدو/ لا يغفل عاقل عن عدوّه اللدود والمدجّج بالسلاح/ مقطع فيلم يجب أن نراه مرّة واحدة ونطيل التفكير فيه مرارا
- ليس مستوانا في معرفة العدوّ والتصديق بوجود العدوّ جيّدا، وإنها لمفاهيم غريبة في أدبياتنا. ومن جانب آخر يسعى إبليس لاستخفاف عقولنا وإغفالنا عن العدوّ. اليوم ومع تواجد العدوّ بقضّه وقضيضه لماذا لا نلتفت إليه ونتغافل عن وجوده؟ لا يغفل عاقل عن عدوّه اللدود والمدجّج بالسلاح. ولا يشعر إنسان عاقل بالأمن إلى جانب عدوّه القاسي.
- يجب أن نرى مرة واحدة المقطع الذي يذبح فيه قسّ مسيحي، ثم نطيل التفكير فيه مرارا. لابدّ أن نرى وجه ذاك الرجل الذي يذبح القسّ بكل برود، لنصدّق برذالة العدوّ وخبثه. فما تفعلون بهذا العدوّ إن سقط في أيديكم؟! أفلا تبطشون به؟! والحال أن النبي(ص) قد اعتبر النفس الأمارة أعدى من ذلك العدو. لابدّ أن يترسخ هذا المعنى وهو أن نفسنا الأمارة عدوّة لنا، فيجب أن نهاجمها ونقمعها كما نهاجم العدو.
إذا عرفنا أن أعدى عدوّنا هي نفسنا، تهون عندنا عداوات المؤمنين لنا
- قال أمير المؤمنين(ع) في وصيته: «اللَّهَ اللَّهَ فِي الْجِهَادِ لِلْأَنْفُسِ؛ فَهِيَ أَعْدَى الْعَدُوِّ لَکُم» [دعائم الإسلام/2/352]. فإذا عرفنا أن أعدى عدوّنا نفسنا، تهون عندنا عداوات المؤمنين المختصرة لنا. طبعا حساب الكفار والمنافقين المعاندين للإسلام والمسلمين يختلف عن عداوات المؤمنين الشخصية أو الناتجة من سوء التفاهم، فلابدّ من معاداة الكفار والمنافقين.
أمير المؤمنين(ع): وإنَّ أوَّلَ المعاصِی تَصدِیقُ النَّفسِ، والرُّکُونُ إلى الهَوَى
- ثم قال أمير المؤمنين(ع) في تكملة وصيته: «وإنَّ أوَّلَ المعاصِي تَصدِیقُ النَّفسِ، والرُّکُونُ إلى الهَوَى» [دعائم الإسلام/2/352] فشرط الأمان من هذه المعصية الأولى هي أن نكذب النفس ولا ننسجم معها.
بالإضافة إلى معاداة النفس يجب أن نلتفت إلى قبحها/إن نفس الإنسان موجود خبيث قذر وقح وطاغ
- إذن الخطوة الأولى هي تكذيب النفس ومعاداتها. ولكن بالإضافة إلى معاداة النفس يجب أن نلتفت إلى قبحها. إنها لموجود خبيث قذر وقح وطاغ. طبعا لا يخفى أنه عندما نقول النفس السيئة، نقصد الجانب الحقير من النفس الذي يميل إلى الدنيا، أما روح الإنسان ففيها أبعاد جميلة جدا تعكس جمال الله سبحانه.
- لقد قال الله المتعال في حديثه المعراج مخاطبا حبيبه الرسول الأعظم(ص): «یَا أَحْمَدُ لَا تَتَزَیَّنُ بِلِینِ اللِّبَاسِ وَ طِیبِ الطَّعَامِ وَ لَینِ الْوَطَاءِ فَإِنَّ النَّفْسَ مَأْوَى کُلِّ شَرٍّ وَ هِیَ رَفِیقُ کُلِّ سُوءٍ، تَجُرُّهَا إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ تَجُرُّکَ إِلَى مَعْصِیَتِهِ وَ تُخَالِفُکَ فِی طَاعَتِهِ وَ تُطِیعُکَ فِیمَا تَکْرَهُ وَ تَطْغَى إِذَا شَبِعَتْ وَ تَشْکُو إِذَا جَاعَتْ وَ تَغْضَبُ إِذَا افْتَقَرَتْ وَ تَتَکَبَّرُ إِذَا اسْتَغْنَتْ» ثم يقول في تكملة هذا الحديث: «مَثَلُ النَّفْسِ کَمَثَلِ النَّعَامَةِ؛ تَأْکُلُ الْکَثِیرَ وَ إِذَا حُمِلَ عَلَیْهَا لَا تَطِیرُ وَ مَثَلُ الدِّفْلَى لَوْنُهُ حَسَنٌ وَ طَعْمُهُ مُرٌّ» [الجواهر السنية في الأحاديث القدسية/ص383]
- «اُتِيَ أمیرُ المُؤمِنینَ علیه السلام بِخِوانِ فالوذَجٍ، فوُضِعَ بَینَ یَدَیهِ فنَظَرَ إلى صَفائهِ و حُسنِهِ، فوَجِئَ بِإصبَعِهِ فیهِ حَتّى بَلَغَ أسفَلَهُ، ثُمَّ سَلَّها ولَم یَأخُذْ مِنهُ شَیئا، و تَلَمَّظَ إصبَعَهُ وقالَ: إنَّ الحَلالَ طَیِّبٌ و ما هُوَ بِحَرامٍ، و لکِنّي أکرَهُ أن اُعَوِّدَ نَفسي ما لَم اُعَوِّدْها، اِرفَعوهُ عَنّي، فرَفَعوهُ» [المحاسن/2/409]
- عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ(ع): «إِنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع أُتِيَ بِخَبِیصٍ فَأَبَى أَنْ یَأْکُلَهُ فَقَالُوا لَهُ أَ تُحَرِّمُهُ قَالَ لَا وَ لَکِنِّي أَخْشَى أَنْ تَتُوقَ إِلَیْهِ نَفْسِي فَأَطْلُبَهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآیَةَ: (أَذْهَبْتُمْ طَیِّباتِکُمْ فِی حَیاتِکُمُ الدُّنْیا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها)» [أمالي المفيد/134] وقد ذكر ما يشابه هذه الحكاية عن رسول الله(ص) أيضا [راجع المحاسن/ج2/ص409]
- في الواقع قد امتنع أمير المؤمنين(ع) عن هذا الطعام لأنه كان لذيذا جدّا، فعلّل امتناعه عن الأكل بأني إذا لبيت رغبة نفسي الآن، ستطغى نفسي وتتمادى في مطالباتها وتذرعاتها فتخرج عن سيطرتي ولم أعد أقوى عليها.
لابدّ من ذبح النفس والوقوف أمام مطالباتها من بادئ الأمر
- لابدّ أن نتمرّد على النفس ونمتنع عن تلبية رغباتها من بادئ الأمر، وإلا فتصبح نفسا مدلّلة طاغية، ثم تزداد مطالباتها وتذرعاتها إلا أن تخرج عن سيطرتنا ونعجز عن كبحها، خاصة وإن مطالباتها لا تنتهي ولن تتوقف إلا بعد أن تشقي الإنسان. إذن فالعاقل هو من وقف في وجه نفسه منذ البداية وتنبأ من الأوّل نهاية الطريق الذي تؤدي به أهواء النفس.
- لابدّ أن نقمع النفس من البداية ولا ندلّلها أو نسمح لها بالوقاحة وإلا فإن وقحت أو قويت فسنعجز عن صرعها. النفس الوقحة تغضب بسرعة، وتغفر بتأخر، كثيرة الحقد وسريعة الانزعاج، لا تلتذّ بسهولة، وسرعان ما تشكو وكذلك تتصف بآلاف الخصال السيئة التي تشقي الإنسان.
لماذا نركّز في دروسنا وأبحاثنا المعنوية والأخلاقية على المواضيع الفرعية؟!
- لماذا نركّز في دروسنا وأبحاثنا المعنوية والأخلاقية دائما على المواضيع الفرعية؟ فعلى سبيل المثال لماذا نطرح موضوع الشكر في بادئ ذي بدء، فيعجب جميع الحاضرين بالموضوع دون أن يصبح أحدهم شاكرا؟! ثم يقولون: «ما أجمل الشكر ويا ليتنا كنا شاكرين!» أفهل تسمح لنا نفسنا الطاغية والخبيثة بأن نكون شاكرين؟! لماذا نترك جميع المقدّمات ونتحدّث عن الصبر؟! أفهل تسمح لنا نفسنا المدلّلة بأن نكون صابرين؟! الحقيقة هي أننا ما لم نسلك الطريق الرئيس أي طريق جهاد النفس، لا نستطيع أن نتحدث عن أي مفهوم راق وجميل مثل الشكر والصبر والسخاء وغيرها. ولكن بعد الدخول في هذا الطريق سوف ينفعنا الحديث عن جميع هذه الفضائل كما سوف تنفعنا الذكرى في هذا الخصوص. بعد ما عرفنا أهمية جهاد النفس وموقعه في حياة الإنسان سوف نعرف جذور مشاكلنا وندرك بأن تقصيرنا في جهاد النفس هو الذي أدى إلى نقصان صبرنا وقلّة شكرنا وبخلنا وغيرها.