۹۹/۱۲/۰۸
فسيلة الولاء في مناخ الأسرة (المحاضرة6)
ألقى سماحة الشيخ بناهيان في العشرة الأولى من المحرّم في مهدية طهران محاضرات تحت عنوان «فسيلة الولاء في مناخ الأسرة» فإليكم أهمّ المقاطع من محاضرته السادسة:
-
الزمان: شهر المحرّم 1433
-
المكان: مهديّة طهران
-
A4|A5 :pdf
الولاء صعب مستصعب/ عدم صبر موسىى(ع) في امتحان الولاء مع الخضر(ع)
- إن لم نكن قد تدرّبنا على الولاء جيّدا تحت ولاية الوالدين، فلا يدرى هل سوف نقدر على إطاعة ولي الله أم لا. لا يحسبنّ أحدنا أن طاعة الإمام الحجة(عج) أمر هيّن. فقد يأمرنا الإمام بأوامر يصعب علينا استعيباها وتحمّلها وامتثالها. لقد قرأنا في القرءان قصّة النبي موسى والخضر عليهما السلام، فلمّا أراد موسى أن يصاحب خضرًا ليتعلّم منه رشدًا (قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطیعَ مَعِيَ صَبْراً) [الكهف/67] وفعلا هذا ما حدث. قال خضر لموسى: فإن رأيت منّي سلوكًا غريبًا وصعب علیك استيعابه فلا تسألني؛ (فَإِنِ اتَّبَعْتَني فَلا تَسْئَلْني عَنْ شَیْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِکْراً) [الكهف/70] ولکن لم يستطع ذلك موسى على الرغم من عظمته.
- یومَ أحرقوا باب بيت أمير المؤمنين(ع)، لم یتجاوز أنصار أمير المؤمنين(ع) عدد أصابع اليد الواحدة. في تلك الظروف، شَهَر أحد أصحاب أمير المؤمنين(ع) سيفَه وأخذ يدافع عنه، ولكنه لم يستلم أمرًا من أمير المؤمنين(ع) يومئذ. هذا الرجل هو الزبير الذي لم ينجح في امتحان الولاء في تلك الساحة. كان أصحاب أمير المؤمنين(ع) على استعداد من التضحية بأنفسهم، ولكن كانت أعينهم ترصد مولاهم وكانوا رهن إشارته. ولكن أحجموا ولم يحرّكوا ساكنًا إذ لم يأمرهم أمير المؤمنين(ع) بشيء.
- واللطيف أن هؤلاء العدّة القليلة الذين نجحوا في امتحان الولاء، حصلوا على درجات مختلفة. خطر ببال أحدهم هذا الإشكال وهو لماذا لم يحرّك أمير المؤمنين(ع) أي ساكن ولم يفعل شيئا؟! أما المقداد لم يشكّ بإمامه طرفة عين. عن الإمام الباقر(ع): « إِنْ أَرَدْتَ الَّذِي لَمْ یَشُكَّ وَلَمْ یَدْخُلْهُ شَيءٌ فَالْمِقْدَاد» [الاختصاص للشيخ المفيد/ص10] كان المقداد كما روي عن الإمام الصادق(ع): «لَمْ یَزَلْ قَائِماً قَابِضاً عَلَى قَائِمِ السَّیْفِ عَیْنَاهُ فِي عَیْنَيْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ(ع) یَنْتَظِرُ مَتَى یَأْمُرُهُ فَیَمْضِي» [المصدر نفسه/ ص9] لقد نجح المقداد بدرجة كاملة في هذا الامتحان.
تمرین الولاء ببرّ الوالدين
- الولاء صعب مستصعب، فلا يحتمله كل ابن آدم، وهو أمر بحاجة إلى تمرين مداوم. وإنما يتمّ التمرين على الولاء في مناخ الأسرة، وحتى هذا التمرين فالنجاح فيه ليس بأمر هيّن.
- إن لم نستطع أن نتحمّل والدينا وكنّا لا نحترمهم جيّدا، فلن نقدر على تحمّل وليّ الله. قد يتساءل سائل أن شتان بين ولي الله وبين والدينا، إذ سلوك ولي الله مضبوط وصحيح، على خلاف والدينا إذ قد يصدر منهما فعل غير صحيح وقد يكون سلوكهما مليئا بالثغرات. في الجواب نقول: صحيح أن سلوك الوالدين قد يجانب الصواب، ولكن الله قد اختارهما لنا، وقد اختارهما لنا بهذه الخصائص السلوكية التي يتصفان بها، لكي ننضج ونرشد عبر حُسن التعامل معهما وبرّهما في جميع الأحوال. فعلى سبيل المثال قد يكون الأب معنا سيئ الأخلاق وخشن العريكة، حينها لابدّ أن لا ننسَ أن الله قد اختارنا لنا هذا الأب لكي نكون في معرض أخلاقه وحدّته ولنرتقي ونرشد عبر الصبر على أخلاقه مضافا إلى إجلاله.
- صحيح أن هناك بون شاسع بين الوالدين وبين الإمام الحجة(عج)، ولكن لايخفَ أن الله الذي أوجب علينا إطاعة الإمام الحجة(عج) هو نفسه قد أوجب علينا طاعة الوالدين أيضا. إنه سبحانه يعرف والدينا جيّدا ويعرفنا أيضا أحسن من أنفسنا ويعرف ما تقتضيه روحنا لكي تسمو، ويعرف أي بعد من أبعاد روحنا بحاجة إلى تمرين. لذلك سبحانه قد اختار والدينا لترشد روحنا جيدا.
- إن الله يعلم ما هي احتياجات روحنا وأي جانب منها بحاجة إلى تطوير، ولذلك قد منحنا والدين وفق متطلباتنا وبحيث يتسبّب برّهما في ارتقائنا الروحي. فإذا كان والدانا سيئي الأخلاق أو حساسين أو متحجّجين فقد اختار الله لنا كلًّا من خصائصهما بحساب دقيق.
- عَنْ أَبِي وَلَّادٍ الْحَنَّاطِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: (وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) مَا هَذَا الْإِحْسَانُ؟ فَقَالَ: «الْإِحْسَانُ أَنْ تُحْسِنَ صُحْبَتَهُمَا وَ أَنْ لَا تُكَلِّفَهُمَا أَنْ يَسْأَلَاكَ شَيْئاً مِمَّا يَحْتَاجَانِ إِلَيْهِ وَ إِنْ كَانَا مُسْتَغْنِيَيْنِ. أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما) قَالَ إِنْ أَضْجَرَاكَ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَ لَا تَنْهَرْهُمَا إِنْ ضَرَبَاكَ. قَالَ (وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً) قَالَ إِنْ ضَرَبَاكَ فَقُلْ لَهُمَا غَفَرَ اللَّهُ لَكُمَا فَذَلِكَ مِنْكَ قَوْلٌ كَرِيمٌ قَالَ (وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قَالَ لَا تَمْلَأْ عَيْنَيْكَ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا إِلَّا بِرَحْمَةٍ وَ رِقَّةٍ وَ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فَوْقَ أَصْوَاتِهِمَا وَ لَا يَدَكَ فَوْقَ أَيْدِيهِمَا وَ لَا تَقَدَّمْ قُدَّامَهُمَا. [الكافي/ج2/ص158]