جامعة الإمام الصادق (ع) ـ نمط الحياة أوقع تأثيراً من العلم والإيمان(9)
لابدّ لنمط الحياة من أن يبلغ بنا إلى ذروة اللذّة والقوّة/ ما هي الأصول الموضوعة التي تعيننا على تصميم نمط حياة صحيح؟
المكان: جامعة الإمام الصادق (ع)
الزمان: 8 محرم 1440
ما هي أهداف نمط الحياة المفضّل لديكم؟
- يزيدنا لذّةً في الحياة الدنيا والآخرة
- يزيدنا قوّة سواء على المستوى الفردي والشعبي
- يفعّل مواهبنا وطاقاتنا
الأصول الموضوعة لتصميم نمط حياة صحيح:
- التجهّز بالعلم والتفكير المنطقي وقوّة التحليل العميق
- السعي والجهد ومجاهدة طلب الراحة
- التحلّي بالنظم والالتزام ببرنامج
- إنتاج القيمة المضافة في مجال المال والعلم والخدمات و...
من كان في حياته ملتزما ببرنامج، فإنه إذا تلقّى برنامجا آخر من الله تقبّله ونفذه بسهولة
إن بعض الروحيّات المعنويّة العالية لن يتحلّى بها من لم يكن من أهل توليد الدخل
إليكم أهمّ المقاطع من المجلس التاسع من سلسلة محاضرات عليرضا بناهيان في جامعة الإمام الصادق(ع) تحت عنوان «نمط الحياة، أوقع تأثيرا من العلم والإيمان»:
- ما هي الأصول الموضوعة التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار في سبيل تصميم نمط حیاة حسن؟ ومن أجل ألّا نصمم نمط حياة خاطئاً ما هي الأصول التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار؟ وأساسا من أين يمكننا أن نفهم مدى صواب نمطِ حياةٍ أو عدمه؟
- إذا أردنا أن نحصل على نمط حياة صائب في مجتمع ينطوي على أناس بشتى النزعات والسلائق وبمستويات مختلفة من التعقّل، فلابدّ أن نأخذ «القدر المشترك» بعین الاعتبار. نحن لا نستطيع أن نضبط دين الجميع ومن ثم نعمد إلى نمط الحياة! فإن نمط الحياة مقدّم على تديّن الناس.
- طبعا لا يخفى أن الناس يستلهمون نمط الحياة من مثلهم ورؤيتهم الكونيّة، والمتديّن منهم يسعى لئن يأخذ نمط حياته من دينه، ولكن في ميسور نمط الحياة أن تَفرُض نفسها في أوساط المجتمع كـ «عهد مشترك» قبل أن يأتي ذكر للدين، وهذا أمر ضروريّ لابدّ منه.
- كثير من الأسس والأصول الموضوعة لنمط الحياة هو مما يمكن إثباته عبر العلوم الطبيعية وينسجم مع الرؤية الدينية والرؤية الكونية التوحيدية تجاه الإنسان والوجود. كما يسعنا أن نستعين بالدين كثيرا من أجل اكتشاف هذه الأصول الموضوعة. وكونوا على ثقة بأننا بعد الإقرار بهذه الأصول سنحتاج إلى الدين في مرحلة تصميم نمط الحياة ليرشدنا إلى اتخاذ الإجراء المناسب في كل موقف. فإن الدين لخير دليل في هذه المرحلة أيضا.
- إذا أردنا أن نحدد تفاصيل نمط الحياة، فإنه مشروع يستنزف جهدا كبيرا، ولكن في ميسورنا أن نتفق على الخطوط العامّة أوّلا، ومن ثمّ بإمكان كلّ عائلة أن تصمّم في البيت على ضوء هذه الخطوط العامّة خططا جميلة وأطروحات بديعة لطيفة. في كثير من المواطن لابد للناس من الإبداع. كما أن الدين لم يتصدَ لتغطية 24 ساعة من الليل والنهار عبر الأحكام الشرعية والحلال والحرام. بل ترك لنا غير قليل من مناطق الفراغ لنباشر بأنفسنا تشخيص المصداق الصائب.
- ما هي الأهداف التي تصبو إليها هذه الأصول الموضوعة التي نريد أن نعدّها لنمط الحياة؟ ما هي أهداف نمط الحياة المحبّذ لدينا؟ وإلى أين يجب أن يبلّغنا؟ 1. أن يزيدنا لذّة من الحياة. (فإن كانت الآخرة موجودة زادنا لذة في الآخرة، وإن لم تكن، فزادنا لذة في هذه الدنيا) 2. أن يزيدنا قوّة روحيّة وجسمية وفكرية واجتماعية وقومية وغيرها... 3. أن يفعّل مواهب الإنسان وطاقاته.
- لا مجال لبعض المفاهيم المشهورة في هذه الأهداف العالية والجامعة، من قبيل مفهوم الحرّية! طبعا الحرّيّة شيء مطلوب، ولكنّها ليست هدفا بنفسه، وإنما وسيلة لإيصالنا إلى هذه الأهداف السامية من القوة واللذة العالية وازدهار المواهب. لقد خدعوا أبناء البشر بمفهوم الحرية. واللطيف أن الصهاينة الذين هم ألدّ أعداء البشر هم أكثر الناس يدقّون على وتر الحرّية ويهتفون به! هم يضخمون مفهوم الحرية أمام أعين الناس ويُعمونهم عن النظر إلى الأهداف الإنسانية الراقية.
- فليطلقوا شعار القوّة بدلا عن شعار الحرية إن كانوا صادقين وليقولوا: «يجب أن يكون الناس أقوياء»، إذ بعدما قوي الناس فلا يعود في ميسور أحد أن يسلب أحدا حرّيتَه. وإذا تجهّزوا بالقوّة تيسّر لهم أن يوفّروا حرّيتهم وينتفعوا ويستمتعوا بها. بينما إن كانوا ضعفاء فلن يقدروا على الانتفاع بحرّيتهم ولو كانوا أحرارا. فما قيمة هذه الحرّية عندئذ؟! ترى الصهاينة الذين قبضوا على جميع وسائل الإعلام في العالم تقريبا، يهتفون باسم الحرّية أكثر من غيرهم! وفي ذلك تناقض واضح.
- وكذلك يمكن أن تفهم القوّة تحت مفهوم اللّذة، إذ من أبرز العوامل التي يستمتع بها الإنسان هو القوّة! ولكننا نسلّط الضوء على القوّة كهدف مستقل إلى جانب اللذة، انطلاقا من عداوتنا لمشروع الصهاينة. إنهم يقولون: استمتعوا بكلّ شيء ما عدا القّوة. فلا تدنوا من القوّة فإنها حكر لنا! انطلقوا وكونوا عبيداً تستمعون بلذائذ كالرقص ونحوه. ولكن قولوا لهم: كلا! أنا أريد أن أستلذ بالقوّة، فلماذا قد استوليت على كلّها ونهبتَ ثروات العالم برمّتها؟!
- القوّة ـ أساساً ـ مهمّة لدى الإنسان ومن لم يعبأ بها فهو مغرّر به! لابدّ أن نستمتع بالقوّة الوطنيّة والفرديّة. يجب أن يكون نمط حياتنا بحيث يبلّغنا إلى ذروة القوّة. ليت أن ينهدم درس الأخلاق الذي يليّن الناس كالخراف والنعاج ليتسنّى على الذئاب افتراسهم وتمزيقهم بأبسط ما يكون! أي درس أخلاق هذا، حيث يوصّينا بالتواضع والرأفة والقناعة، ولكنّه لا يوصّينا باكتساب القوّة!
- إذن لابدّ أن نصمّم نمط الحياة بحيث نكتسب بها أقصى حظوظ اللذّة وأعلى درجات القوّة! لماذا نرى العلماء الربانيين والعرفاء الذين ارتقوا إلى القمّة في التقوى والمعنوية، قد حظوا بأعلى درجات القوّة أيضا؟! لأن القوّة هي أول ما يغدق به الله على إنسان معنويّ. كما أن الإمام صاحب العصر والزمان(عج) سيزيد قوّة كل مؤمن أربعين ضعفاً؛ «لَمْ يَبْقَ مُؤْمِنٌ إِلَّا صَارَ قَلْبُهُ أَشَدَّ مِنْ زُبَرِ الْحَدِيدِ وَ أُعْطِيَ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلا» [الغيبة للنعماني/310]
- إذا كان الإنسان قويّا صار سياسيّا أيضا فعندئذ لن يسمح بترؤس الضعاف من السياسيّين. إن رغبت في القوّة الروحية والقوّة الاقتصادية وغيرها، عند ذلك سوف لن ترضى بكثير من نماذج نمط الحياة الغربية والرأسمالية!
- بعد ما انتهينا من بيان الأهداف، نأتي إلى الأصول الموضوعة التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار للحصول على نمط حياة جيّد. الأصل الأول: هو أن الإنسان لا يزال بحاجة إلى العلم والتفكير المنطقي والقدرة على التحليل العميق. فإن هذه المعرفة والتفكّر هما من احتياجات الإنسان الحياتيّة. وقد أعطى الله قيمة بالغة لتفكّر الإنسان. فلا يجوز أن يخلو نمط حياتنا من التفكر والقدرة على التحليل.
- تلاوة القرآن هي جزء من جدول نمط الحياة الصحيح. كما أنّ أحد آثار القرآن هو أن يضطر الإنسان إلى التفكير. يجب أن يكون نمط الحياة بحيث نزداد علما وقوّة على التفكير والتحليل المنطقي والإبداع الفكري بشكل مستمرّ. نمط الحياة المشحون باستماع الموسيقى والمترع بمشاهدة التلفاز يستدرج الإنسان شيئا فشيئا إلى البَلادة.
- علینا أن نحظى بنمط حياة يُحترَم فيه الفهم والمعرفة؛ أعني المعرفة المفيدة فقد قال أمير المؤمنين(ع) في وصف المتقين: «وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُم» [نهج البلاغة/خ193] فمن جعل المعرفة والتفكّر أصلين من أصول نمط حياته سيحرّم على نفسه التسكّع في الإنترنت! كما روي عن يحيى(ع): «الْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ نَظْرَةٍ بِغَیْرِ وَاجِب» [مصباح الشريعة/ص10]
- الأصل الثاني هو الجُهد ومكافحة طلب الراحة. لابد أن ينطوي نمط حياتي على السعي والجهد. فإن خلا نمط حياتي من العناء والمثابرة فهذا ليس بصحيح ويضرّ الجسم والروح معاً. يجب على الإنسان أن يباشر أعمالا صعبة ويبدأ هذا الشوط من بعد السابعة من عمره. يجب على الإنسان أن يتعرف على الصعاب ويتصارع مع الحياة!
- فانظر أي صعاب تتجشّمها؟ طبعا لا تحسب منها تلك التي تجشّمتها بانفعال! بل احسب المعاناة التي تصدّيت لها وتقبّلتها. مثل الوالدين حيث يتحمّلان أذى الأطفال، أو المدير حيث يتحمّل أذى من هو دونه.
- وطّن نفسك في نمط حياتك على أن تتحمّل الصعاب بل تستقبل بعضها. ماذا يكون إن لم تفعل ذلك؟ ستنهال عليك ضِعفا من المعاناة بلا أن تنفعك بشيء! فعلى سبيل المثال إن نأيت بنفسك عن تحمّل معاناة الرياضة، ستباغتك بعد حين معاناة الأمراض ولا فائدة فيها. ومن بین أنواع الرياضات تسلّق الجبال أفضل من كرة القدم مثلا، إذ يستنزف مزيدا من طاقة الإنسان وجهده وأقل منها هيجاناً.
- الأصل الثالث، هو النظم والالتزام بالبرنامج! لقد ذكر النظم في مطلع وصيّة أمير المؤمنين(ع) إذ قال: «أُوصِیکُمَا بِتَقْوَى اللَّهِ وَ نَظْمِ أَمْرِکُم» [نهج البلاغة/الكتاب47] كما يجب أن تكتب جدول أعمالك على الورق كجدول الطعام والزيارة والضيافة وغيرها. فمن كان في حياته ملتزما ببرنامج وتلقّى من الله برنامجا إضافيّا تقبّله بسهولة وعمل به. إن معظم تمرّدنا على الدين ناجم من نمط حياتنا الغلط.
- الأصل الرابع: یجب على كلى امرء أن يتجهّز بفنّ إنتاج القيمة المضافة في مجال المال أو العلم أو في مجال الأعمال الخدمية أو في المجال القضايا المعنوية وغيرها. إن الولع بإنتاج القيمة المضافة والتي نستطيع أن نسمّيها الإبداع هي ناجمة من حبّ الإنسان ربَّه. فإن الله مُبدِع ويودّ الإنسان أن يكون مبدعا مثله.
- إن إنتاج القيمة المضافة هو ناموس عالم الخلق! يجب علينا أن نلهو بالاستمتاع بخلق الجديد. ويل لمجتمع لا يستمتع شبّانه بخلق الجديد! فبماذا يريدون أن يستمتعوا إذن؟! أبالمجون أو الشهوات أو الموضات أو الشكل والمظهر؟!
- لا يكفي العمل وعدم البطالة، بل يجب الابتعاد عن الراحة، وأن يسعى الإنسان ويبذل جهده دوماً، وبالإضافة إلى ذلك لابدّ من إنتاج القيمة المضافة. طبعا لا يخلو إنتاج القيمة المضافة من آداب. فعلى سبيل المثال ليس إنتاج القيمة المضافة في أن تدع أموالك في المصرف، بل عليك أن تشغّلها بنفسك.
- إن بعض الروحيّات المعنويّة العالية لن يتحلّى بها من لم يكن من أهل توليد الدخل. إن لم تکسب مالا فلا بأس، ولكن باشر عملا فيه قيمةٌ مالية على الأقل.
- لماذا لا نرى في جوار كلّ مسجد غرفة أو دارا تجتمع فيها نساء الحيّ ويباشرن أعمال التصنيع؟! يؤكد عليهنّ إمام الجماعة ألّا يذنبن، ولكن ماذا يفعلن إن لم يجدن عملا آخر؟! ألم يأت في الأخبار أن البطالة مَفسَدة للإنسان؟! نحن لا نقضي على البطالة ولا نوطّئ للقضاء عليها ثمّ نوصي الناس أن لا تذنبوا! لا يمكن ذلك! إذ لابدّ للناس جميعا من أن يلهَون بعمل ما.
- ما هو عدوّ إنتاج القيمة المضافة؟ الحياة الوظيفيّة! بمعنى أن يملأ الإنسانُ ذهنَه بالمعلومات ثمّ يتعيّن في مكان ويستلم راتباً! إنه لقبيح جدّاً! فلتكسب المال بفنّك وجدارتك وإبداعك!
- لماذا ترى كثيرا من الموظّفين في بعض الدوائر التي من شأنها أن تسهّل العمل والإنتاج، يعرقلون الصناعة والإنتاج؟ لأنهم في طوال حياتهم لم يعملوا ولم يكسبوا مالا! فترى أحدهم يرتشي ولا يرحم! اسألوا أصحاب المعامل وانظروا كيف يضجّون من سوء تعامل الدوائر الحكوميّة!
- ألم يقل أمير المؤمنين(ع) ألّا تكن موظّفا مهما استطعت؟! «إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا یَکُونَ بَیْنَكَ وَ بَیْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ» [نهج البلاغة/الكتاب31] إذن كيف أكسب المال؟ بجدارتك. إن لم تمنح المدرسةُ الطلابَ هذه الجدارة، ففي ميسور التعبئة أن تعلّم شباب المسجد جدارةَ كسب المال. أينما ذهبت يجب أن تقوم بإنتاج القيمة المضافة، وعليك أن تجهّز نفسك بمهارة اكتساب المال.
- بدلا من لهوك بحاسوبك وجوّالك، لو كنت تشتغل في إنتاج البرمجيّات، لكنت قد احتللت نسبةً من السوق العالمي الذي احتلّته الهند عبر إنتاج البرمجيّات!