جامعة الإمام الصادق (ع) ـ نمط الحياة أوقع تأثيراً من العلم والإيمان(8)
قد لا يرغب امرء في أن يكون متّقيا، ولكن لا بدّ له من الأدب!/ لماذا يروّج الصهاينة سوء الأدب؟ إذ بعد انعدام الأدب في مجتمع ما، تسنّى لهم أن يسترقّوا أبناءه
أمير المؤمنين(ع): مَنْ تَرَکَهُ (الأدب) صِیلَ عَلَیْه/ لا يخلو الأدب من مشقّة، فلابدّ أن نتكبّدها/ إن كان حسن الأخلاق ناشئا من صفات وراثيّة فليس بإنجاز؛ الإنجاز هو أن تشقّ على نفسك وتنظّم سلوكك بمقتضى الأدب!/ لا تعدّ محاسنك الوراثية فضائل! فلا قيمة لمحاسنك إلا ما سعيت له!/ تصفّح محاسنك وانظر أي مشقّة تجشّمتَ من أجلها؟ وأيّ جهد بذلته؟/ تتفوّق التقوى على الأدب ببضعة خصائص إضافيّة 1. الدقّة والمراقبة الدائمتان 2. ترقّب أوامر الله 3. وجود الدوافع والحوافز الإلهية في السلوك
إليكم أهمّ المقاطع من المجلس الثامن من سلسلة محاضرات عليرضا بناهيان في جامعة الإمام الصادق(ع) تحت عنوان «نمط الحياة، أوقع تأثيرا من العلم والإيمان»:
- لقد انطوت حياتنا على ثلاث خُدَعٍ كبرى نخدع بها أنفسَنا عبر تبريرات وكلمات ظاهرُها معقول ومطلوب:
- الخدعة الأولى هي أننا تارةً، نترقّب الرغبات الجيّدة وننتظر أن تتبلور فينا الرغبةُ في العمل الصالح ثمّ تشتدّ إلى درجة تجعلنا نباشر العملَ الصالحَ دون عناء بل وبلذّة. ولكن هذا الشعور في الواقع هو ضرب من طلب الراحة! إذ معناه هو أنك لا تريد أن تتحمّل المشقّة من أجل تعزيز هذه الرغبة، بل تودّ أن تنتظر حتى تشتدّ هذه الرغبة تلقائيّاً.
- الخدعة الأخرى هي أن الإنسان تارةً يهوى أن يشتدّ إيمانه ويقينه بحيث يباشر الأعمال الصالحة بكل راحة ولذّة. وهذا هو الآخر ضرب من طلبة الراحة وطلب اللذّة.
- الخدعة الثالثة هي أن يقول الإنسان: بودّي أن تتحسّن أخلاقي، لكي أمارس السلوك الحسن نتيجةَ الاتصاف بالملكات الحسنة بكل سهولة ولذّة! فليخسأ طلب الراحة وطلب اللذة، فما أخدعهما! مثلا يتمنّى الإنسان أن يُصبح السخاء من سجاياه لكي لا يتكبّد عناءَ الإنفاق!
- نحن نقول: الإنجاز هو أن تشقّ على نفسك وتنظّم سلوكك على أساس الأدب دون أن تترقّب ارتقاء إيمانك ومحبّتك وأخلاقك تلقائيّا!
- لابدّ أن تتقبّل أنّ «الأدب لا يخلو من مشقّة!» فإذا رأى الوالدان أن ولدهما يتّصف ببضعة أخلاق حسنة لما انتقل إليه من بعض الصفات الوراثيّة من أبويه، فراح يباشر بهذه الصفات بِضعةَ أعمالٍ حسنةٍ بسهولة، فليدرّبا ولدهما على تجشّم بعضِ الأعمال الحسنة التي تصعب عليه. هذا هو التأديب!
- لا خيرَ في أن تكون أخلاقُك حسنةً تلقائيّاً لوجود صفات وراثيّة، المهمّ هو مدى التغيير الذي أحدثتَه في سلوكك. أيّ عادة حسنة اكتسبتها؟ وأي عادة سيّئة تركتها؟ بل وأي عادة حسنة تركتها؟ فلا قيمة إلا في السعي الذي تبذله من أجل تغيير عادة من عاداتك.
- يقول القرآن: (لَیْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعَى) [النجم/39] فلا يبقى للإنسان غيرُ السعي ولا يزيده قيمة إلا السعي. فتصفّح محاسنك الآن وانظر أيّ عناء تكبّدتَ من أجلها؟ وأي جهد بذلته؟ فلا فائدة فيما إذا كانت محاسنك قد انتقلت إليك من عائلتك بالوراثة ولم تكن قد اجتهدت من أجلها! كما أن بعضَ الحيوانات وفيّ وراثيّا وبعض آخر متين وراثيّا وفسلجيّاً! أي لم يكتسبوا هذه الصفات الحسنة بالسعي والجهد ولم يتحمّلوا من أجلها أيّة مشقّة!
- لا تُعَوّل على محاسنك التي ورثتها من أسرتك! لا أعني أن تخالِفَها! اعمل وفقها ولكن لا تعدّ هذه المحاسن الوراثيّة فضيلةً لك! نحن لا نعبأ بالملكات النفسانية التي هي موضوع علم الأخلاق كثيرا. إنّ ما يهمّنا هو «سعي الإنسان» وهو قرين بالمشقّة!
- إن اكتساب الأدب غير هيّن. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «النَّفْسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى سُوءِ الْأَدَبِ وَ الْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِمُلَازَمَةِ حُسْنِ الْأَدَبِ وَ النَّفْسُ تَجْرِي فِي مَيْدَانِ الْمُخَالَفَةِ وَ الْعَبْدُ يَجْهَدُ بِرَدِّهَا عَنْ سُوءِ الْمُطَالَبَةِ فَمَتَى أَطْلَقَ عِنَانَهَا فَهُوَ شَرِيكٌ فِي فَسَادِهَا وَ مَنْ أَعَانَ نَفْسَهُ فِي هَوَى نَفْسِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ نَفْسَهُ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ.» [مشكاة الأنوار/ص247]
- أيّها الفتيان إن سَهُلَ عليكم الالتزام ببعض الآداب فقولوا لوالديكم: «إنّ هذه الآداب هيّنة عليّ، فعلّموني آداباً أكابد مشاقّها شيئاً». إذ تنطلق حركة رشدك عندما تكبدت العناء. إن رشدك في النشاط الذي يستنزف شيئا من جهدك ويكبّدك شيئا من العناء. فعلى سبيل المثال يصعب على البعض قلّة المنام، وعلى البعض الآخر قلّة الطعام. ففي ميسوره حينئذ أن ينطلق من هنا. (أهمية السيطرة على النوم لدى المراهقين في فترة النموّ تغدو أكثر بطبيعة الحال من قلّة الطعام، ولذلك نولي مراقبة النوم والإبكار اهتماماً أكثر)
- صحيح أن الأدب لا يخلو من مشقّات ولكنه ينطوي على حلاوة أيضا. إنه يحظى بجمال خاص وجذّابيّة خاصّة. فعلى سبيل المثال عندما نسأل الأطفال عن المهنة المفضّلة لديهم، تراهم يرغبون في مِهَنٍ من قبيل مهنة شرطيّ المرور أو الطيّار لكونها تمتاز بزيّ وانضباط وهي تجسّد نماذج من الأدب.
- قال رسول الله(ص): «مِنَ الرَّزَانَةِ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْخَیْرِ...» [تحف العقول/ص15] إذن إن داومت على الخير تكن رَزِناً ووقورا. إن داومت على الخير ستكره العمل السيئ والقبيح شيئا فشيئا! ثمّ إن كرهت العمل القبيح ستودّ لو ينصحك ناصح أو يعظك واعظ وسترغب في إطاعته.
- قال الإمام محمد الباقر(ع): «الْأَدَبُ یَکُونُ بِالْیَدِ وَ اکْتِسَاباً، فَمَنْ تَکَلَّفَهُ قَدَرَ عَلَیْهِ» [نزهة الناظر/ص96]
- ماذا سيحدث إن كان امرءٌ عديم الأدب؟ وماذا سيحصل إن لم يتكبّد أحدٌ عناء الأدب؟ قال أمير المؤمنين(ع): «مَنْ لَمْ یَکُنْ أَفْضَلُ خِلَالِهِ أَدَبَهُ کَانَ أَهْوَنُ أَحْوَالِهِ عَطَبَهُ» [غرر الحکم/8980]
- وقال الرسول الأعظم(ص): «مَنْ لَمْ يَتَأَدَّبْ بِأَدَبِ اللَّهِ تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَات» [مستدرك الوسائل/15/225] من لم يتأدب بآداب الله ولم يتأدب بأوامر الله ولم ينظّم سلوكه ولم يتجشّم عناء اكتساب الأدب تقطّعت نفسه حسرات، حتى قبل القيامة وفي هذه الدنيا.
- قال أمير المؤمنين(ع): «وَ مَا الْإِنْسَانُ لَوْ لَا الْأَدَبُ إِلَّا بَهِیمَةٌ مُهْمَلَةٌ» [أعلام الدين/ص84] فلا يكون شبيها بالحيوان الأليف، بل سيغدو حيوانا وحشيّا. ثمّ يقول: «مَنْ طَلَبَهُ صَالَ بِهِ وَ مَنْ تَرَکَهُ صِیلَ عَلَیْه». يبدو أن الصهاينة قد درسوا هذه الكلمات جيّدا. إذ قد شحنوا المجتمعات البشريّة بأنواع الوقاحة، ونظّروا أسساً لها، ودافعوا عن الوقاحة في علوم الحقوق وحقوق الإنسان. لماذا؟ لأنهم يعرفون جيّدا أنّ من ترك الأدب سيُصبح رقّا وضعيفا وجباناً.
- إن في شتّى الثقافات والأديان مقيّدات تجعل الناس مؤدّبين. بينما يحاول الصهاينة أن يكسروا هذه الحواجز والقيود ليُشيعوا الوقاحة في المجتمعات. ولكنّهم أي اليهود يعيشون في عوائل مؤدّبة. فلماذا يروّجون الوقاحة يا ترى؟ لأنهم يعرفون جيّدا أنه إذا ما انعدم الأدب في مجتمع تسنّى لهم أن يسترقّوا أبناءه.
- روي عن أمير المؤمنين(ع): «عَدَمُ الأَدَبِ سَبَبُ كُلِّ شَرّ» [شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ج20/ص258] لابدّ للإنسان أن يلتزم بأدب ويتقيّد بآدابٍ ما. ولا فرق في أن تكون ملتزما بأدب اليابانيّين أو أدب الأفارقة أو غيرهم! المهم هو أن تكون ملتزما بأدب ما! أمّا أن يكون أدبك أدباً إسلاميّا فهذا يقع في الدرجة الثانية من الأهمّية. أما الثقافة الصهيونية فتقول: «كن على رِسلك ولبِّ شهوتك في كلّ لحظة!» واللطيف أنهم في دعاياتهم يصوّرون هذا السلوك الخالي من الأدب إناقةً وحَداثة!
- بعد ما يُكمل الشابُّ الدراسةَ الثانويّة ويحصل على شهادة الدبلم، إذا كان لا يزال يقول بكل سهولة ومن دون أي حرج: «يُعجبني أن أفعل كذا...» ولا يستحي من قوله هذا، فذلك يدلّ على إفلاس نظام التربية والتعليم! فعند ذلك كلّما علّموا الطفل من علوم فكأنهم سلّموا سيفا إلى سفيهٍ سكران! ولن يجدي هذا التعليم نفعاً.
- أحد المفاهيم القريبة جدّا من نمط الحياة الإسلامية هو مفهوم التقوى الرفيع. التقوى يفوق الأدب ببِضعة خصائص إضافيّة سارّة جدّا! وأسأل الله أن تتحلّى نمط حياتنا بالتقوى لا بالأدب وحسب!
- تنطوي التقوى على بِضعة خصال نستعرضها باختصار:
- الخصلة الأولى هي «الدقّة والمراقبة الدائمتان». التقوى دقيقة جدّا وتستلزم دقّة كبيرة من الإنسان. أمّا الأدب فلا يستلزم هذه الدقّة. طبعا سنطالب في يوم القيامة بالتقوى مضافا إلى الأدب (إِنَّما یَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقین) [المائدة/27] أمّا في مقام إدارة المجتمع، فلا نريد أن نتعدّى نطاق الأدب في الخطاب، إذ ليس في ميسورنا أن نفرض التقوى على أحد، ولكن يجب علينا أن نشتغل على أدبه! قد لا يرغب امرء في أن يكون متّقيا ولكن لا بدّ له من الأدب! ولذلك نحن ننتقد نظام التربية والتعليم في موضوع الأدب لا التقوى. قد لا يعبأ كثير من النّاس بالتقوى، ولكن يجب أن يتربّوا مؤّدبين لكي لا يشقَوا في هذه الدينا.
- الخصلة الثانية هي «ترقّب أوامر الله». الأخرى من خصال التقوى هي أن المتّقي يترقّب «أمر الله». يعني أن التقوى تدفع الإنسان تلقائيّا صوب الأحكام الفقهية. أنا لو كنت في نظام التربية والتعليم، لما كنت أسمح بإدراج درس الأحكام في المناهج حتى صفحة واحدة! لماذا؟ لأنه إذا ربّينا الطفل مؤدّبا ومتّقيا سيذهب باحثا بنفسه عن الأحكام المبتلى بها ويتعلّمها. أما إذا أردنا أن نفرض عليه تعلّم الأحكام الإسلاميّة قهراً فلا يزداد إلا نفورا!
- الخصلة الثالثة في التقوى هي «وجود الدوافع والحوافز الإلهية». إن حافز المتّقي إلى مراعاة الأدب وامتثال الأوامر هي: «من أجلك اللهمّ فقط! أريد أن أتقرّب إليك؛ هذا الذي يؤرّقني». وإن هذا الحافز يزيد الحياة حلاوةً. حاول أن تعيش هذه الحالة بنفسك. فقل: «ما الذي أراعيه والتزم به يا ربّ لكي أصل إليك؟» فعند ذلك وبعد ما تنال الوصال بالله ستذوق توّاً معنى الحياة والعبادة.
- من الذي يطبّق الأحكام الشرعيّة؟ من كان نمط حياته منسجما مع هذه الأحكام! ماذا يجب فعله من أجل أن تسهل الصلاة على الشباب؟ يجب أن يكون الصبيّ مؤدّبا! ليس الأدب أحد أجزاء الأحكام الشرعيّة، بل هو يرتبط بنمط الحياة! ولكن إن كان الطفل مؤدّبا خفّت عليه الصلاة. عند ذلك بمجرّد أن قلت له: «الصلاة واجبة» يصلي بسهولة، إذ لن يجدها عسيرة. أمّا الآن فلماذا لا يصلّي؟ لأنّ نمط حياته قد لقّنه الكسل ولم يعلّمه الأدب، لكي يستمتع بمراعاته.
- يسألني «كيف أجعل ابني يصلّي؟» أفهل جعلته منظّما في جميع مجالات حياته؟ يقول: «لا». إذن لن يصلّي! الصلاة سهلة لمن كان له عشرون عملا في برنامجه اليومي، وينجزها جميعا بالرغم على هواه والتزاما بالأدب.