مقطع فلم | أهم عوامل الروحانية في الأربعين
- انتاج: موسسة البیان المعنوي
المدة: 09:20 دقیقة
- 09:20 دقیقة | تنزیل بجودة ( رديئة(10.01MB) | عالیة(70.2MB) )
- مشاهدة في: یوتیوب
النص:
المحبة تجاه الزائر هي أهم عوامل الروحانية في الأربعين، فحين تتعاملون مع الزائر تعامُلَ أب، أو أم، أو أخ، أو أخت، تعاملًا شفيقًا.. بمحبة حقيقية ستتولّد أشد التطورات نورانيةً في هذا الطريق، بل إن الأربعينية أساسًا قائمة على هذا. عزّزوا هذا الأمر.. أديموه. لا يتحوّل الأمر إلى روتين، أن يمُرّ الزائرون من أمامكم وتقدّموا أنتم لهم الخدمات، وهم يستريحون. التعامل بمحبة مع زوار أبي عبد الله الحسين(ع)، سواء بالقلب أو بالنظر أو باللسان، هو من الأسرار المهمة لهذا الطريق فاحرصوا على هذا كل الحرص، إنه شيء عظيم، فقد لا يكون ثمة طعامٌ في الموكب تقدمونه للزائر، أو قد يكون هناك طعام لكن هل ستقدمونه بمحبة أو بدونها؟ اعلموا أن هذه المحبة التي ترافق هذا الطعام، أو حتى المحبة في التعامل من دون طعام تؤدي إلى أعظم الأثر. أهم ما ينبغي للزائرين إدراكه في هذا الطريق ليس حبهم هم للإمام الحسين(ع) لأن حبهم هم للإمام الحسين(ع) لا شيء في مقابل حب الإمام الحسين(ع) لهم! يا سادتي.. وإنني، أنا الزائر السائر في هذا الطريق، من محبتكم أنتم أُدرك شيئًا، من خلال محبتكم أُدرك محبة الإمام الحسين(ع) لي. سأقول: إن كان هذا تعامل صاحب الموكب معي فكيف سيكون تعامل الإمام الحسين(ع) معي إذن؟! هذه أهم معرفة على الزائر كسبُها على طول هذا الطريق. ولا يمكن لأعلى المعارف هذه أن تأتي من المنابر، أو أن تُكتسَب عبر الكُتُب. أرقى المعارف هذه، وهي معرفة الإمام(ع) بالناس، أنتم فقط تستطيعون منحها بحبكم، بل إن حادثة الأربعين هذه إنما انطلقت، وإن ضيافة الصحاري هذه ليلَ نهار لزوار الأربعين إنما تأسّست لتخلق أجواءَ تجدون أنتم فيها فرصة التعبير عن حبكم كي تُصَوِّروا للزائرين خلجات قلب صاحب الزمان(عج)؛ «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيم». على أصحاب المواكب أن يجسّدوا هذه الآية، هذه خصلة النبي(ص) وخصلة الإمام(ع)، ولقد أُتيح للإمام الحسين(ع) أكثر من باقي أئمة الهدى(ع) إظهار محبته. وفي عالم الغيب والشهود هذا، حيث كل شيء مستور بحجاب الغيب، كيف للزائرين أن يفهموا أنه ثمة في كربلاء قلب ينبض من أجلهم؟! أصحاب المواكب الموزَّعون على طول الطريق، هذه هي مهمتهم. لقد دُعِي عدد من الأجانب من دول غربية مختلفة إلى هنا لمشاهدة أربعينيّتنا وكانوا جميعًا من غير المسلمين، من ديانات شتى، وكان أحدهم شابًا، وكان مغنّيًا بحيث حين عرض عليَّ أغانيه ليُطلعني على حجم شهرته لم يكن يمكن مشاهدتها! وكان، في الوقت ذاته، مسؤولَ قسم الشباب في الحزب السياسي التابع لبلده. ودعوني لا أسمّي بلده.. وبعد يوم من المسير، أثناء الليل في الطريق، في موكب الإمام الرضا(ع)، جاؤوا بهم إليَّ لألتقي بهم وقد كلّمتهم، تحدّثت إلى كل واحد منهم وكلّمتُ ذلك الشاب. قلتُ له: ماذا رأيتَ في الطريق؟ أريد رأيك.. قال: "حاليًّا لا يمكنني البوح بشيء!.. صباحًا رأيتُ مشهدًا، وإلى الآن أنا مشدوه!... مندهش.. حالي مضطربة.. أحتاج لمدة لأثوب إلى رُشدي.." تساءلت مع نفسي: ماذا شاهدَ الفتى ليندهش إلى هذا الحد؟! قلت: ماذا رأيتَ؟ احكِ لي ما شاهدته بالذات. قال: سأحكي لك الحادثة نفسها فلا أستطيع الكلام عن دواخلي أو عن أي شيء آخر، وكأنّي لم أرَ شيئًا من الصباح حتى الآن. قلتُ: ماذا رأيتَ؟ قال: "في بداية الطريق، حينما كنا نغادر مدينة النجف رأيت طفلة في حوالي الرابعة أو الخامسة كانت توزع فطورًا، وحين بسطتْ يدها إليَّ تقدّم لي الفطور نظرتُ إلى عينيها فرأيتُها تفعل ذلك بحُب.. فهِمتُ من نظرتها أنها تحب أن آخذ منها الطعام وأتناوله.. فذُهِلتُ، واضطربتْ أحوالي.. ولم أثُبْ إلى رشدي بَعدُ!" لاحظوا.. شخص مسيحي.. ومُغَنٍّ.. شاب ننظر إليه على أنه شاب غربي ماجن، وإذا به في إثر نظرةِ محبّة من طفلة لحظةَ تقديمها الطعام ينقلب إذ كان قلبُه تلك اللحظة فارغًا! لاحظوا، إن هذه الأشياء قد لا يتفوّه بها الكثيرون، إنها الأمور ذاتها التي تجعل الكثير من الزوار الإيرانيين يقول: إننا لا نرغب أصلًا أن ينتهي الطريق ونصل إلى كربلاء! يقولون: لو أمكن لأمضَينا في الطريق خمسة أيام! لماذا روحانية هذا الطريق هي بكل هذه الضخامة؟ إنها ليست بسبب المشي نفسه، أو التجوال في الفلوات ذاته، إن ما يولّد هذه الروحانية الفائقة هو محبة أصحاب المواكب، إنها الشيء ذاته الذي نرى مظهره في إصرار صاحب الموكب على تناولنا الطعام، وكأنّ «حريص عليكم» هي التي تتجلَّى هنا. أنا لا أدري إن كان العراقيون يعلمون حجم ما تحمله محبتهم للزائرين من قيمة؟ فلو حدث الظهور غدًا وقيل: إن الممهّد له كان محبة أصحاب المواكب للزائرين، فلا تَعجَبوا أبدًا، إنها المؤشّر على أشد الأمور في عالم الوجود خفاءً وعظمة! ما هو هذا الأمر؟ إنه حب المولى للعبد.. إنه حب الإمام للمأموم.. إنه الحب الذي تُضمرُه فاطمة الزهراء(س) للزائرين.. في الخبر [ما مضمونه] إن الزهراء(س) تدعو للزائرين من فوقهم حين يسيرون. لكني، أنا العامي، لا أرى الزهراء(س)!.. أسمع بهذا فقط ولكي ألمسَه أشاهدُ سلوكياتكم، أرى نظراتكم.. حين تتعاملون مع الزائر تعامُلَ أب، أو أم، أو أخ، أو أخت، تعاملًا شفيقًا.. بمحبة حقيقية ستتولّد أشد التطورات نورانيةً في هذا الطريق، بل إن الأربعينية أساسًا قائمة على هذا. عزّزوا هذا الأمر.. أديموه.