ما هو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟ (المحاضرة25)
ظروف المعصية لا تتهيّأ صدفة، بل يرتّبها الله تعالى/ لربّما سألْنا اللهَ شيئًا لا نستطيع اجتياز امتحانه بنجاح!/ عملان مهمّان لمنع تهيُّؤ ظروف الذنب الصعبة
- المكان: طهران، مسجد الإمام الصادق(ع)
- الزمان: 24/رمضان/1440
- الموضوع: ماهو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟
- A4|A5 :pdf
في العادة لا يهيّئ الله لنا ظروف الذنب الصعبة جدًّا بحيث تؤدي إلى سقوطنا، اللهم إلا في بعض المواطن؛ كأن يكون الإنسان قد أخفى في داخله بعض السيئات، أو يكون مُبتلًى بالعُجْب. فقد يضع الله بعض الصالحين في ظروف الإثم الشديدة لأنّ مشكلته أنه إذا لم يأثَم يُصاب بالعُجب، ويغترّ بنفسه، ويفقد تواضعه.
لا تتهيّأ ظروفُ المعصية والأرضية لها صدفةً، بل تأتي تقديرًا
- حين يترسّخ مبدأ "الحرص على تنفيذ أمر الله" والخشية من عدم امتثاله في أنفسنا ويغدو موضوع الذنب لنا موضوعًا جوهريًّا سنكون، للتَوّ، أمام مسألة جديدة وهي أنه: كيف تتهيأ الظروف المواتية للمعصية وأرضيتها؟ ما الظروف التي يضع اللهُ الإنسانَ فيها فيتمكن الأخير من صيانة نفسه من المعصية في مثل هذه الظروف؟ هذه الظروف لا تحدث صدفةً، بل تقديرًا! وليس حدوثها بعديم الارتباط بحال الإنسان ووضعه، بل هو مرتبط كل الارتباط بطاقته وقابليته! وهذه الظروف حاسمة إلى أبعد الحدود بالنسبة إلى أنه أي ذنب سنرتكب؟
- الظروف التي نقترف فيها الخطيئة هي، على المستوى الروحي والفكري وعلى المستوى الخارجي معًا، ظروف يرتّبها الله عز وجل، وإن تناسُبَها معنا عالٍ جدًّا. وإننا نكشف في مثل هذه الظروف إن كنا سنرتكب الخطيئة أو لا؟
يهيئ الله لنا ظروف المعصية استنادًا إلى قابليتنا
- لنتناول هنا بضع ملحوظات حول الظروف والخلفيات التي تتهيّأ من أجل ارتكاب الخطيئة. أولًا، لا بد أن نعلم أن الله عز وجل إنما يهيئ هذه الظروف استنادًا إلى قابليّتنا؛ بمعنى أنه تعالى لا يُقحمنا في ظروف هي فوق طاقتنا ولا يمكننا تخطّيها!
- ثانيًا، إنه جل شأنه لا يضعنا وسط ظروف تدفعنا إلى ارتكاب خطيئة تحطّمنا! أي إنه عز وجل يفسح بعض المجال لعباده لاقتراف الذنب لكنه، من حَدٍّ ما فصاعدًا، لا يترك للكثير من عباده مجالًا للخطيئة؛ فهو تعالى، من حَدٍّ ما فما بعد، يزيل هذه الظروف كي لا يتورّط عبادُه بآثام مدمِّرة.
يخلق الله تعالى للإنسان ظروفَ المعصية اختبارًا له
- الظروف التي نرتكب فيها المعاصي والأحداث الروحية والذهنية الخاصة التي تحصل لنا هي ظروفٌ وأحداث حيّة جارية وإن الله تعالى حاضر فيها. ففي قصة نبي الله آدم(ع) مثلًا يقول الله عز وجل: لقد أخبرنا آدم مُسبقًا أن إبليس عدوك وأنْ لا تقرَبْ هذه الشجرة: «وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَکُمَا إِنَّ الشَّیْطَانَ لَکُمَا عَدُوٌّ مُبِینٌ» (الأعراف/22). فلماذا إذن صمت الله تعالى في لحظة خداع إبليس لآدم(ع)؟ لماذا لم يوجّه لآدم إنذارًا آخر ليحترس؟ السكوت ذو المغزى لله عزّ وجلّ لحظة ارتكاب عبدِه المعصية مَرَدُّه أنّ الله يريد امتحان عبده.
- التفاتُنا إلى قضية "أن الله تبارك وتعالى يهيئ للمرء ظروف الخطيئة" يجعلنا نلتفت إلى سكوته عز وجل في أجواء امتحانه لعبده ومنحه فرصة الإثم وهو مما يحثّنا، في مثل هذه المواطن، على الانتباه أكثر لئلّا نقع في الإثم. على سبيل المثال تُوضَع في بعض الطرقات علامة مفادها أن: "الطريق سالكة، إياك والسير بأزيد من السرعة المسموح بها"؛ أي لا يغرنّك كون الطريق سالكةً وجيّدةً فتزيد من سرعتك! وقد تحصل في مثل هذه الطرقات، وبسبب القيادة بسرعة عالية، حوادث سير لا تحصل في الطرقات الوعرة والمنعطفات الصعبة.
بعد فصلٍ من الصلاح عادةً ما يهيّئ الله لنا ظروفًا مواتية للخطيئة/ لا بد أن ننقُل حساسيتنا ومراقبتنا لأنفسنا إلى حيّز "مقدّمات المعصية"
- من الأوقات التي تُتاح فيها الفرصة للمعصية أكثر هي، مثلًا، بعد صيامٍ لشهر رمضان، أو حجٍّ لبيت الله الحرام، أو زيارةٍ لكربلاء، أو إحياءٍ جيّد لِلَيلةِ قَدْر، أو أداءٍ لصلاةِ ليلٍ بأصلوها، ...الخ. فتنبَّهْ؛ متى ما بذلتَ جهدًا معنويًّا مُضنيًا، أو أنجزتَ عملًا مباركًا، أو حظيتَ بحالٍ روحانية بهيجة فتوقّع أن يهيّئ الله تبارك وتعالى لك أرضيةً ستقع بسببها في خطيئة إن لم تحترس! على أن هذه الأرضية التي يهيّئها الله عزّ وجلّ هي لكي تكون شارِيًا، وتثبّت لنفسك الصالحات التي بدأتَ بها؛ فالله تعالى لا يروم إيذاء عباده!
- علينا جميعًا أن ننبّه أنفسَنا إلى "أن الله يهيئ لنا مناخات الخطيئة، ولا سيما بعد فصل من الخير والصلاح؛ كأن يكون بعد رمضانٍ جميل، أو زيارة جيّدة (لأحد الأولياء)، ..الخ". وإن توخّينا الحذر، نكون قد خطونا خطوة إلى الأمام.
- من أجل أَخذِ الحيطة والابتعاد عن المعصية علينا أن ننقل حساسيتنا إلى حيّز "مقدّمات المعصية"، وهنا يدور الكلام في العادة عن مفهوم "الوَرَع". والورع هو ضرب من التَرْك، يُعطي أحيانًا معنًى أشدّ من "تَرْك الذنب"؛ ويعني - في واقع الأمر - "تَرْك مقدّمات الذنب" أو "التنبُّه السابق للذنب".
لا يخلق الله لنا ظروف الذنب دونما رحمة!
- الملحوظة الأخرى هي أن الله عز وجل لا يخلق لنا مناخ الذنب دونما رحمة! فإنه استنادًا إلى بعض الأحاديث قد يُفسِد اللهُ عزّ وجلّ الخطة التي وضعناها لأنفسنا بعد أن يعلَم أنه ثمة ظروف صعبة مشجِّعة على المعصية بانتظارنا لا طاقة لنا على المقاومة أمامها، ولذا يعمَد الله تعالى إلى تغيير هذه الظروف ولا يسمح بأن نواجه الخطيئة وسط مسرحها.
- حين يهيّئ اللهُ عز وجل للإنسان ظروفَ الخطيئة فإنه يتعامل مع الأخير في منتهى الرحمة. لكن ماذا نصنع نحن لكي نجعل الله يتعامل معنا برحمة أكبر؟ علينا أن لا نبخل بالعبادة والاستغفار والتوسل والتضرع حين تتوافر لنا فُرَصُها، وأن لا نقصّر إذا تهيأت لنا فرصة زيارة وليّ من الأولياء، أو عملِ خير، وسيعمل الله تبارك وتعالى، إذا انتهجنا هذا النهج، على تقليل مقدّمات الخطيئة، ويجعلنا نَبِهين، ولا يذرنا نرتكب كل معصية. حتى أنه لا يدعنا ننام ليلًا عن صلاة الليل، بل يرتّب لنا فُرَصًا للعبادة.
ليس اقتراف الذنب أو عدم اقترافه سلوكًا انفراديًّا، فإنك تتعامل مع الله في كل لحظة!
- ليس اقتراف الذنب أو عدم اقترافه سلوكًا انفراديًّا؛ أي إنك لستَ منفردًا، بل تتعامل مع الله تعالى في كل لحظة! فالله لا يَكِلِ الإنسانَ إلى نفسه. هذا وإنّ بالإمكان فِعلَ ما يؤثّر على التخطيط الإلهي. والله سبحانه عادةً ما لا يُصَعِّب على الإنسان كثيرًا عدم اقتراف المعصية.
- إذا رأى الإنسان ظروفَه تعيسة، وهو عادةً ما يفشل في مثل هذه الظروف ويقع في الآثام، فإن عليه أن يتوجه إلى الله عز وجل مخاطبًا إياه: "إلهي، سأقترف الكثير من الخطايا وسط هذه الظروف التي أعيشها، فحسِّن يا ربِّ ظروفي هذه...". ولا شك أن الله يتوقع من عبده أمورًا؛ فمثلًا إنّ عملًا صالحًا في منتهى العظمة يقوم به الإنسان ببالغ الصدق والإخلاص قد يغيّرُ وضعَ الإنسانِ هذا.
- ولربما كنا نحن مَن يحدّد مصيرَنا؛ فقد نسأل اللهَ عز وجل أمرًا دنيويًّا، ونُصِرّ عليه كل الإصرار. ثم يبيّن الله تعالى لنا "أن هذا الأمر ليس في صالحك..."، لكننا نواصل الإصرار، حتى يعطينا إياه في النهاية، فنلاحظ أن مقدّمات إقلاعنا عن المعصية باتت في منتهى الشدة! فنتوجّه إلى الله متضرّعين: "إلهي، لِمَ تُجري الأمورَ بهذه الطريقة؟!" فيقول لنا: "لأنك أنت الذي أردتَ ذلك، وبإصرار!"
لربّما سألْنا اللهَ ظروفًا لا يمكننا اجتياز امتحاناتها بنجاح!
- لربّما سأَلْنا الله تبارك وتعالى شيئًا يصدُف أن لا يكون في صالحنا، ونكون مخطئين في ذلك! فنُلِحّ على الله في المسألة أيّما إلحاح، فيعطينا الله إياه، فندخل في أجواء أخرى، ثم نعجز عن اجتياز امتحانات تلك الأجواء بنجاح!
- إنّ من الآيات القرآنية التي تدعونا إلى ذَرف دموعٍ سخينة هي تلك التي يطلب فيها إبليس إلى ربه أن يمهله: «قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى یَوْمِ یُبْعَثُونَ» (الأعراف/14)، وقد أمهلَه الله عزّ وجلّ؛ أي هيّأ له الظروف المواتية. وإنّ إبليس، في واقع الأمر، قد أَشقَى نفسَه بطلبه هذا من ربه! فأهل البيت(ع) يسألون الله في دعواتهم: «أَغْنِنِي بِتَدْبِیرِكَ لِي عَنْ تَدْبِیرِي» (إقبال الأعمال/ ج1/ ص349). بالطبع نحن أيضًا نفكّر، ونخطّط، ونُبادِر لكننا نسأل اللهَ أن يدبّر لنا ما يريده هو.
- على أنه من الممكن أن تدفعَنا بعض المشاكل، أحيانًا، إلى الجزع فنتوسل إلى الله سبحانه أن يخلصنا منها. لكن بمعزل عن هذه المشاكل فمن المعلوم أنّنا ننتزع بعضَ الظروف من الله انتزاعًا! وعلى الرغم من أن الله عز وجل يلطُف بنا في بعض هذه الحالات فلا يعطينا ما نريد لأنه لا يصُبّ في مصلحتنا، لكنه عز وجل، في حالات أخرى أيضًا، يعطينا ما نسأله بسبب إلحاحنا. كل ما في الأمر أننا ما إن نصبح وسط تلك الظروف نكتشف أن امتحاناتها عسيرة!
في أي حالة يهيّئ الله لنا ظروفَ الذنب العسيرة؟
- إنه الله تعالى الذي يخلق لنا ظروف الامتحانات. بالطبع هو عز وجل لا يكتب هذه الظروف للإنسان دونما رحمة! ففي العادة لا يهيّئ الله تعالى لنا ظروف الذنب الصعبة جدًّا بحيث تؤدي إلى سقوطنا؛ أي إنه لا يُصعِّب علينا جدًّا ظروف ترك المعصية؛ اللهم إلا في بعض المواطن: منها حين يُضمِر الفرد في سريرته ألوانًا من سوء الظن والأحقاد أو السيئات.
- في الحديث إن المرء قد يُضمِر في باطنه شيئًا فينظر الله تعالى إلى هذا الشيء ثم يُلبِسُه إياه سواء أكان خيرًا أم شرًّا: «مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَةً أَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَهَا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ» (الكافي/ ج2/ ص296). فالذي يتورط في أجواء معصية عسيرة جدًّا يُحتمَل أنه يُسِرّ في قرارة قلبه خصلة بذيئة. فقد يضع المَيلُ إلى الشهوات صاحبَه أمام امتحانات الخطيئة الصعبة، فيسقط. وقد يكون المرء قد احتفظ في سويداء قلبه بصفة حُبّ الجاه، فصار يطيل فيها التفكير دائمًا وينسج حولها الأخيلة، ..الخ، في حين أن عليه النظر إليها كنزوة، وأن لا يذوب فيها؛ وإلا فقد يضعه الله عز وجل في أجواء امتحانِ "الجاه" العسيرة، فيُخفِق فيه، ويقترف المعصية.
- من الخطر جدًّا أن يحتفظ المرء في قرارة نفسه بخصال سيئة، إذ أنها ستجعل ظروف الامتحانات والذنوب شاقّةً عليه. وإلا فإن الله عز وجل لا يُعسِّر، في العادة، ظروفَ الامتحان، بل يأخذ عباده باليُسر. لهذا فإنّ على المرءِ، إذا ابتُلِي بمحنة شديدة، أن يرجع إلى ذاته فينظر: ما المشكلة التي تَسبَّبَ بها لنفسه؟
لِمَ يضع اللهُ بعض الصالحين في أوضاع صعبة تحثّهم على المعصية؟
- بمعزل عن السيّئين الذين يُصعِّب الله عز وجل عليهم أحوالهم حال ارتكاب الإثم، فقد يضع تعالى الصالحين أيضًا في ظروف صعبة تحثّهم على المعصية. لكن لماذا يتورّط الصالحون أحيانًا بمثل هذه الظروف؟ إن الله سبحانه يضعهم في مثل هذه الظروف الصعبة لعيبٍ فيهم، وهو أنهم إن لم يذنبوا يُصابوا بالعُجْب والغرور ويَذهب تواضعُهم.
- إذن فإنّ تورُّط الإنسان بأجواء الخطيئة والمعصية العسيرة يحصل عادةً في حالتين: فإما أن يكون هو مريضَ قلب؛ كأن يكون مُبتلًى بنفاق، أو حُبٍّ للدنيا، أو تَخيَّرَ لنفسه بعض الخيارات السيئة، أو أتى بعض الأفعال مما جَرَّ عليه ظروفَ الإثم الصعبة هذه.
- النمط الثاني من الأوضاع العسيرة المحرِّضة على المعاصي يقع فيها الصالحون النقِيُّو الطَوِيّة وغيرُ مريضي القلوب، إذ يضعهم الله عز وجل في بعض الظروف الصعبة التي تحرّضهم على اقتراف بعض الخطايا حتى لا يأخذهم العُجْبُ والغرور؛ ذلك أنهم يفتقدون قابلية الرُقِيّ إلى قمّة الصلاح، فيُعجَبوا بأنفسهم ويغترّوا لمجرّد أن يصيبوا بعضَه.
في الحديث: الذنب خيرٌ للمؤمن من العُجب، وإلا ما جعلَ الله مؤمنًا يذنب
- عن الصادق(ع) قوله: «إِنَّ اللهَ عَلِمَ أَنَّ الذَّنْبَ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْعُجْبِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا ابْتُلِيَ مُؤْمِنٌ بِذَنْبٍ أَبَدًا» (الكافي/ ج2/ ص313). وروي عن أمير المؤمنين علي(ع) أنه قال: «سَيِّئَةٌ تَسُوؤُكَ خَيْرٌ عِنْدَ اللهِ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُك» (نهج البلاغة/ الحكمة46).
- تعالوا نضعُ لعُجبِنا حَلًّا! هلُمّوا نفكّر بحَلّ لتواضعنا الباطني ذاك تجاه ربنا! كأن نسجد لله شكرًا بعد الفراغ من الصلاة، ثم ندعوه ونسأله أن يَقبَل منّا صلاتنا. وهذا مفيدٌ لنا لِلَجْمِ عُجْبِنا.
عملان مهمّان لمنع تهيُّؤ ظروف الذنب الصعبة
- ثمة عمَلان مهمّان من أجل أن لا تتهيّأ لنا أجواء الذنب الصعبة أبدًا، ونغُضَّ الطرف عن الخطيئة في ظروف سهلة: أحدهما أن لا ندع أيّ سوءٍ رئيسي وضخم يبقى في قلوبنا، وثانيهما أن نحترس من ابتلائنا بالعُجْب.
- من أجل أن لا يبقى في قلبك سوء ضخم احرِصْ على أن تُصَفّي قلبك مع أولياء الله تعالى؛ فأحِبَّ صاحب الزمان(عج) كثيرًا، وأحِبَّ الإمام الحسين(ع) حبًّا جَمًّا. وكن محبًّا لأمير المؤمنين(ع) ولمُحبيه جدًّا. حاول مدى حياتك أن تصفح، ولو عن بضعة أشخاص، حبًّا لأمير المؤمنين ولأهل البيت(ع).
- إن الله تعالى حساس جدًّا تجاه أوليائه، فإنْ أحببتَ أن يصْفُو قلبُك ويطهُر من أعماقه فَحِبَّ أولياء الله كل محبة، وعبِّر عن حبك واحترامك لهم. فعن الإمام الرضا(ع) أنه قال: «مَن جَلَسَ مَجلِسًا يُحيَا فيهِ أَمرُنا لَم يَمُتْ قَلبُهُ يَومَ تَموتُ القُلوب» (أمالي الصدوق/ ص73).
فلنُزِل أقذارنا الخفية عبر حبنا لأهل البيت(ع) وخدمتنا لهم
- إن أحد الأسباب التي تجعل ظروف الإنسان صعبة فينحدر إلى اقتراف المعصية هو ما ينطوي عليه من أقذار خفية. فاعمل على إزالة هذه الأقذار عبر حبك أهلَ البيت(ع) وخدمتك إياهم، وكذا من خلال حب أوليائهم ومحبيهم وخدمتهم، وبُغض أعدائهم. فالذي يحب أولياء الله ويخدم أولياءهم، ويبغض أعداءهم ويتحرك ضدهم، لا يعود باطنه دَنِسًا. وإن الله تعالى يأخذ بيد هذا الشخص ولا يتركه لحاله. وفي هذه الحالة لن يمارس المرءُ النوعَ الأول من الذنوب؛ أي تلك التي يصعب عليه تجنبها بسبب ما في باطنه من قذَر ودنَس.
- السبب الآخر هو أن الله عز وجل يعمل أحيانًا على وضع عبده في ظروف صعبه تدفعه إلى اقتراف الخطيئة وذلك لكي "لا يصاب بالعُجب". فماذا نصنع كي لا نُبتلى بالعُجب؟ علينا الإكثار من السجود، والإسراف في التواضع، وزيادة الاستغفار. لا نسمحنَّ لأنفسنا باقتراف الذنب لمجرد الخلاص من العُجب! فلنذُمّ أنفسَنا على الدوام؛ كما ورد في الخبر: «ذَمُّكَ لِنَفسِكَ أَفضَلُ مِن عِبادَتِكَ أَربَعينَ سَنَة» (الكافي/ ج2/ ص73). انظر إلى الإمام السجاد(ع) في مناجاته الخمس عشرة كيف يلوذ إلى الله تعالى من نفسه!
من أي منطلق نمتنع عن المعصية؟/ لنأتي دومًا بأعمال تمنع العُجب
- امتنع عن المعصية من منطلق أن يرى الله تعالى "أنك إن لم تقترفها لن تُبتلى بالعُجب والغرور ولن تصاب بالأنا!" لا بد لنا، باستمرار، أن نأتي بأعمال تحُول دون العُجب، وتمنع احتمال اغترارنا بأنفسنا؛ كترديد الذكر، ومراقبة النفس. وكما هو دأب أهل البيت(ع)، لنُخيفَ أنفسَنا من نار جهنم، ونراها قريبةً منا. فكأنّ العلة من تكرار ذكر عذاب جهنم في القرآن الكريم هو أن "لا يغتر المرء بنفسه ولا يُعجب بعمله!" فالذي يَحتمِل أنه قد يدخل النار أو يرى نفسه مستحقًّا لها لا يصاب بالعجب، وسيحظى بتوفيقات جمة.
- كن على يقين بأن التوفيق لعظائم الأمور هو إما من نصيب المتواضعين الذين لا ينتابهم العُجب، أو من نصيب الفاسدين المحطَّمين؛ مثل طلحة والزُبَير، اللذَين نالا توفيقات ضخمة لكنهما فسدا فيما بعد.
لنكن رحماء بالمذنبين!
- وناهيك عن النقاط الآنفة الذكر فإنه ثمة طريقة جيدة أخرى وهي أن نكون رحماء بالمذنبين، ولا نؤنّبهم. فإن رأيتُ مذنبًا فلأتذكّر تعاساتي ولأقُلْ لنفسي: "ألا إنني أسوأ منه حالًا! فإّن ذنبه ظاهر، أما ذنبي فباطن". وهذا مذكور في الأحاديث الشريفة: «لا يَرَى أَحَدًا إِلّا قالَ: هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَتقَى... فَإِذا لَقِيَ الَّذي شَرٌّ مِنهُ وَأَدنَى قالَ: لَعَلَّ خَيرَ هَذا باطِنٌ وَهُوَ خَيرٌ لَهُ وَخَيري ظاهِرٌ وَهُوَ شَرٌّ لي» (تحف العقول/ ص443).
- إن معاملتَكَ العاصين برحمة، ووَضعَك احتمالَ نجاتهم في الحسبان، والتعاملَ معهم بما يساعدهم على النجاة ويبعث في نفوسهم الأمل هي أمور تنجيك أنت أيضًا. لا أن تقول إذا رأيت المذنبين: "ما أتعس هؤلاء البشر! إنهم لا دين لهم!" فإن الله في هذه الحالة سيبتليك أنت أيضا فتتورط في ظروف عسيرة تدفعهك إلى الخطيئة، ولربما صرت واحدًا من هؤلاء المذنبين لكي تفهم أنه لا ينبغي لك أن تُقَرِّع مذنبًا!
- يروى عن الإمام الصادق(ع) قوله في خطاب الله تعالى لداود(ع): «يا داوُدُ بَشِّرِ المُذنِبينَ وَأَنذِرِ الصِّدِّيقينَ. قالَ: كَيفَ أُبَشِّرُ المُذنِبينَ وَأُنذِرُ الصِّدِّيقين؟ قالَ: يا داوُدُ، بَشِّرِ المُذنِبينَ أَنِّي أَقبَلُ التَّوبَةَ وَأَعْفُو عَنِ الذَّنبِ، وَأَنذِرِ الصِّدِّيقينَ أَلَّا يُعجَبُوا بِأَعمالِهِمْ فَإِنَّهُ لَيسَ عَبدٌ أَنصِبُهُ لِلحِسابِ إِلّا هَلَك» (الكافي/ ج2/ ص314).
ماذا نفعل لكي يحفظنا الله من المعصية؟
- إن أحببنا أن لا نذنب وأن يحفظنا الله تعالى من ارتكاب المعصية فلا نغترّ بأنفسنا إذا أقلَعْنا عن الذنوب، ولا نعيّر العاصي إذا لقيناه، وإلا فلربما ابتُلينا نحن أو المقرّبين منا بمعصية أسوأ.
- عن أمير المؤمنين علي(ع) أنه قال: «وَإِنَّما يَنبَغي لِأَهلِ العِصمَةِ وَالمَصنُوعِ إِلَيهِمْ في السَّلامَةِ أَنْ يَرحَموا أَهلَ الذُّنوبِ وَالمَعصِيَةِ وَيَكونَ الشُّكرُ هُوَ الغالِبَ عَلَيهِمْ وَالحاجِزَ لَهُم عَنهُم» (نهج البلاغة/ الخطبة140)؛ والمصنوع إليهم هم الذين أنعمَ الله عليهم وأحسنَ صُنعه إليهم بالسلامة من الآثام. «فَكَيْفَ بِالعائِبِ الَّذي عابَ أَخاهُ وَعَيَّرَهُ بِبَلواهُ؟! أَما ذَكَرَ مَوضِعَ سَترِ اللهِ عَلَيهِ مِن ذُنوبِهِ مِمّا هُوَ أَعظَمُ مِنَ الذَّنبِ الَّذي عابَهُ بِه» (المصدر نفسه).
إن مِمّا يصيبُنا بالعُجب هو أن نرى مَن هو أعظم ذنبًا منا
- علينا، في موضوع الذنب والاستغفار، أن نحترس من العُجب كل الاحتراس، وإن مما يبعث على عُجبنا بأنفسنا هو أن نرى من هو أعظم ذنبًا منا. ولذا فمتى ما رأينا من هو أشد ذنبًا منا فلنقل: "لا بد أنه أفضل مني؛ فعيبه ظاهر، وعيبي باطن. فلربما غُفر لهذا المذنب ذنبُه العظيم، ولم يُغفَر لي ذنبي الصغير!"
- ما هو أسلوب محاسبة الله عز وجل في غفران ذنوب البشر؟ على سبيل المثال قد تكذب أنت كذبتين ويكذب آخر عشرين كذبة، فيغفر الله تعالى ذنوب هذا الأخير العشرين ولا يغفر لك الذنبين! والسبب هو أن الله قد لا يكون أعطى هذا المذنب قابلية كبيرة مثل التي أعطاك إياها، ولذا فهو يتوقع منك أكثر.
- الاحتراس من العُجب أمرٌ عسير للغاية. الموضع الوحيد الذي يُجتث فيه العُجب من أعماق قلب الإنسان هو بجوار ضريح أبي عبد الله الحسين(ع)؛ فعندما تلتفت إلى أن الحسين(ع) قد قُدِّم في هذا المكان قربانًا في سبيل الله تعالى، فلن ترى نفسك...