ما هو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟ (المحاضرة24)
مَثارُ النزاع هو كونُ رسولِ الله(ص) مُطاعًا، لا كونه مُعلّمًا!/ ما الذي يُصَعِّب على الإنسان طاعةَ الرسول(ص) والإمام(ع)؟ التديّن بعد هذه المرحلة يصبح سهلًا جدًّا!
- المكان: طهران، مسجد الإمام الصادق(ع)
- الزمان: 23/رمضان/1440
- الموضوع: ماهو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟
- A4|A5 :pdf
ما الذي يُصعِّب على الإنسان طاعة الرسول(ص) والإمام(ع)؟ إنها صفة التكبّر والحسد عند الإنسان! وما الذي يجعل تقبُّل طاعةِ وليّ الله يسيرًا؟ إنّه صلاح وليّ الله، ورأفته بنا، وشفقته علينا! فإن ما يُسَهِّل الأمرَ علينا هو حب أهل البيت(ع) لنا، وتضحياتهم من أجلنا، وظلامتُهم.
بعد "مراقبَة أمرِ الله" يأتي الدور "لمراقبة أمرِ ولي الله"
- بعد أن تصدّرتْ مسألةُ المعصية وطاعة الله اهتمامات الإنسان المؤمن المتدين، وبات الاحتراس "مخافة إهمال أمر الله" عنده على جانب كبير من الأهمية، حتى صار اهتمامه فيما إذا كان قد عصى ربه أو لا أو أطاعه أو لا أشد من اهتمامه بما ينفعه أو يضره هو – بعد هذا كله يأتي الدور للمرحلة التالية؛ أي الخشية من أن يعصي رسول الله(ص)، أو من أن لا يطيع وليَّ الله، بل يبلغ حدَّ حفظِ حقِّ وليِّ الله ومراقبة أمرِه حتى في قلبه.
- ولم تتحقق هذه المرحلة كما ينبغي لها حتى في صدر الإسلام، بل ولم يبلغ الناس على مَر التاريخ المستوى المطلوب من النضج. وسيتحقق هذا في زمن صاحب الزمان(عج). بالطبع لقد تحقق اليسير منه في أيام رسول الله(ص)، بل ما كان تديُّن الناسِ بدين الإسلام وقبولُهم نبوّةَ النبي الخاتم إلا بمعنى امتثال أوامر الرسول والدفاع عنه(ص).
- كما قد تبيّن، فإن محور الدين وقضيته الجوهرية هي "عدم معصية الله". لكن ما إن نخطو قليلًا إلى الأمام حتى نرى أن هذه هي المرحلة الابتدائية للدين، أما في مرحلته التالية فتُطرح مسألة عدم معصية الرسول(ص) والدفاع عن رسول الله ووليّه، بل فداء النفس في سبيلهما. وهذه صفحة من صفحات الدين لا تتسنّى لنا رؤيتُها بهذا النصوع إلا في يوم عاشوراء؛ أي إن هذه الصور لم تشاهَد حتى في غزوات رسول الله(ص) وأمير المؤمنين علي(ع) كما شوهدت يوم الطف؛ إذ يُحدّثنا التاريخ أن بعض من كانوا بين يدي أمير المؤمنين(ع) كانوا يقفون في وجهه ويخالفون أمره.
- إنه ليتوجب علينا، في هذه المرحلة السابقة للظهور، أن نستعد لتحقُّق ذلك الدين الذي ما إن يطبّقه صاحبُ الزمان(عج) حتى يقول الناس: "هذا دين جديد!" والحال أنه ليس بجديد، بل هو حقيقةُ هذا الدين بالذات، كل ما في الأمر أنه بلغ مرحلة التطبيق.
طاعة الله كانت موجودة قبل الإسلام أيضًا؛ المشكلة هي في أن النبي(ص) كان يجب أن يطاع أيضًا
- لاحِظوا منزلة ولي الله وأهمية طاعته في التاريخ الإسلامي. على سبيل المثال حينما قَدِمَ جَمع من أهل يثرب ليبايعوا رسول الله(ص) بيعة العقبة الثانية، ماذا كان مضمون البيعة؟ لم تتضمن لا وصايا أخلاقية ولا مسائل عقائدية! بل إن أهم ما جاء فيها هو دفاعهُم عن رسول الله(ص) وبذل أنفسهم وأموالهم في سبيله. بل لم يكن الغرض من هجرة النبي(ص) إلى يثرب إلا من أجل دفاعهم عنه: «فَقَالَ: بَایِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ... وَعَلَى أَنَّ تَنْصُرُونِي إذَا قَدِمْتُ عَلَیْکُمْ یَثْرِبَ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَکُمْ وَأَبْنَاءَکُمْ وَلَكُمْ الْجَنَّةَ» (دلائل النبوه/ ج2/ ص445).
- ما معنى الإسلام يا ترى؟ فطاعة الله عز وجل كانت موجودة من قبل أيضًا؛ نعم، مع بعض الاختلاف، وبعض الزيادة أو النقصان في التفاصيل. فكانت الكعبة مُبَجَّلة قبل الإسلام كذلك، وهذه - في الحقيقة - كانت طاعةً لله. وكانوا آنذاك يذبحون الأضاحي، وهذه هي الأخرى طاعة لله؛ هذا وإن جَهِلوا بعض التفاصيل، أو لم يكن لهم علم بالجزئيات جميعًا فيعملوا بها.
- المشكلة آنذاك كانت في "أن هذا النبي المُرسَل يجب أن يُطاع، وأن يَسود الناس"؛ أي إنّ تقبُّل سيادة النبي(ص) كان شاقّاً على المشركين منذ البداية. فلو كان النبي(ص) قد أزاح نفسَه من القضية قائلاً: "إنما أنا نبي(ص) جئتكم لأُكمِل تعاليم الله وأرحل، ولا غير!" لما خالفَه أحد! أَوَهل كان النزاع حول كيفية الصلاة وطريقة العبادة يا ترى!
مَثارُ النزاع هو كونُ رسولِ الله(ص) مُطاعًا، لا كونه مُعلّمًا!
- إنّ مثارَ النزاع هو "كونُ رسولِ الله(ص) مُطاعًا"، فإنّ "كونَه مُعلّمًا" لا يثير نزاعًا، وإنّ "كونَه متخلّقًا بأخلاق الإسلام" لا يخلُق نزاعًا أيضًا! لقد كان للقبائل ورؤسائها آنذاك منزلة ونفوذ، فجاء النبي(ص) وفكّك النظامَ القَبَلي قائلًا للناس: "أنا السيّد عليكم، وأنا أيضًا مَن ينصب مَن يسودُكم من بعدي" وهذا تحديدًا هو ما أثار المشكلة.
- الدين يوصِل الإنسان إلى حيث يقول له "مَن يجب عليك اتّباعُه". والآيات القرآنية – بالمناسبة - تذكر أن هذه كانت أهم نقطة نزاع بين الكافرين جميعًا وبين أنبياء الله قاطبة! بل إن صراع قابيل وهابيل أيضًا لم ينشب حول وجود الله؛ أي لم تكن المشلكة أن هذا يقول: "الله موجود"، وذاك يرد: "كلا، ليس موجودًا، إذن أقتلُك!" بل مشكلة قابيل كانت: "لماذا آثرَكَ اللهُ عليَّ؟!"
المرحلة الثانية هي الحذر من عصيان الرسول ووليّ الله، وهي أصعب من سابقتها
- حين نصل إلى موضوع الذنب ولزوم عدم اقترافه ونُقِرّ بهذا نكون قد وضعنا أرجُلَنا، للتوّ، على أول الطريق! هاهنا يقاوم البعضُ ولا يرضخ. بالطبع قد يكون أمثال هؤلاء أذكياء فيقولون: "إن نحن لم نقاوم هاهنا مفهومَ طاعةِ الله ومعصيتِه فسيجرّونا فيما بعد إلى المرحلة الثانية، الأصعب، وهي مفهوم طاعة الرسول ومعصيته!"
- أجل، المرحلة الثانية ستكون أصعب، وهي أن تحاذر من عصيان رسول الله(ص) وإمام الأمة! إذذاك سيتغيّر وجهُ الدين تمامًا، وسيصبح شيئًا آخر. وقد يحدث أن يقول الجميع بعد الظهور: "الإمام الأخير جاءنا بدين جديد!"
في الخبر إن الله قد فوض أمر الناس لنبيّه لينظر كيف يطيعونه!
- يقول زُرارة: «سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَأَبَا عَبْدِ اللهِ(ع) يَقُولانِ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوَّضَ إِلَى نَبِيِّهِ(ص) أَمْرَ خَلْقِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (الحشر/7)» (الكافي/ ج1/ ص266)؛ بل هذا هو منهاج الدين أساسًا.
- انظر إلى أي درجة من الشفافية تم توضيح أنّه: عَمَّ يدور أصل الموضوع! وهناك آيات عديدة تطرح هذا الموضوع نشير هنا إلى بعضها. يقول تعالى مثلًا: «فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا» (الفرقان/52)؛ أي ستكون لك، أيها النبي، مواجهة ضخمة مع الكافرين بسبب عدم اتّباعك إياهم وطاعتك لهم. الجهاد الأكبر هو جهادٌ أكبر مقارنةً بالجهاد الأصغر، أما الجهاد الكبير (في الآية) فهو كبير بحد ذاته.
- لقد نزلت هذه الآية في مكة. لكن السؤال هو: ما الذي قاله الكفار ليتوجّب على النبي(ص) أن لا يطيعهم؟ وماذا كان منطقهم؟ هل قالوا للنبي(ص): "لا شأن لك بعبادة الله؟" هل طَلَبوا إلى النبي أن يعبد الأصنام؟ إنهم لم يدْعوا النبي إلى عبادة الأوثان أو إلى القبائح كشرب الخمر! وقد أشارت الآية السابقة إلى ما قالوا: «وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا» (الفرقان/51). لقد قالوا للنبي(ص): "قل لربك أن يُرسل نبيًّا إلى كل قوم كي لا يختلفوا بأن يريد الجميع اتّباع نبيِّ قومٍ من الأقوام!" وهو طلبٌ ظاهره إنساني ومعقول، إلا أن "الجهاد الكبير" (الذي ذكرَته الآية) كان في معارضة هذا الكلام تحديدًا، لأن الله يقول: "لقد جعلتُ سيّدًا واحدًا ونبيًّا واحدًا للناس جميعًا!"
بحسب القرآن الكريم على المؤمنين أن يقولوا إذا أمرَهم النبي(ص): «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»
- يقول عزَّ من قائل في آية أخرى: «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» (النور/51)؛ أي هذا ما ينبغي للمؤمنين قوله إذا أمرَ النبي(ص)، وهذا أشبه بنظام الجيش؛ كما أنه في نظام الانضباط العسكري أو في بعض القوانين العسكرية لا بد للجنود أن يقولوا "نعم، سمعًا وطاعة!" إزاء أمرِ أيِّ ذي منصبٍ أعلى، ومن ثم يطيعوا الأوامر، لا أن يطيعوا هكذا وحسب؛ أي حين يوجِّه الآمِر أوامرَه فإنّ عليهم أولًا أن يجيبوا: "نعم"، ومن ثم ينّفذوا الأوامر. وهذا إبرازٌ لأمرِ الطاعة! وإن على المؤمنين كذلك أن يقولوا إذا أمرهم النبي(ص) أمرًا: «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»، ومن ثم يَعْمَدوا إلى تنفيذه.
كانت مشكلة الإغلبية هي قولهم: أَنَتّبعُ بشرًا مثلَنا؟
- في الحديث: «عَنِ ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ مُوسَى [بن جعفر](ع) وَقَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِهِ» أي وقَفوا في إمامته ولم يتّعبوا ولَدَه علي بن موسى الرضا(ع) إمامًا. «فَحَجَجْتُ تِلْكَ السَّنَةَ فَإِذَا أَنَا بِالرِّضَا(ع)». وكان(ع) وسطَ الناسِ حوالَي الكعبة. شغَلَني أمرُه وإذا بخاطر يَخطُر ببالي، وهو آية من القرآن الكريم: «فَأَضْمَرْتُ فِي قَلْبِي أَمْرًا فَقُلْتُ: أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ... الآيَةَ، (القمر/24)؛ إذ رأيتُه بشرًا حالُه حالُ الآخرين، (وقد تكرر هذا المضمون في آيات قرآنية كثيرة).
- «فَمَرَّ عَلِيٌّ [الرضا](ع) كَالْبَرْقِ الْخَاطِفِ عَلَيَّ فَقَالَ: أَنَا وَاللهِ الْبَشَرُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَّبِعَنِي! فَقُلْتُ: مَعْذِرَةً إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَيْكَ. فَقَالَ(ع): مَغْفُورٌ لَك» (عيون أخبار الرضا(ع)/ ج2/ ص217).
على الإنسان أن يُبَدِّدَ كِبْرَه وحسدَه بامتثال أوامر وليّ الله
- ودعونا هنا نتناول الجانب النفسي من المسألة: إذا اقتنع الإنسان بالدين صار "مطيعًا"؛ أي إنه سيلتفت إلى منزلة "الأمر" في الدين فيمتثل أمرَ الله عزّ وجلّ. لكن ماذا عساه يصنع بغروره وتكبّره يا ترى؟ إنه، بسبب هواه، لم يكن في البدء قادرًا على الخضوع للأوامر وامتثالها. ثم يقنع – شيئًا فشيئًا – بالتخلّي عن هواه والسعي وراء لذّاته في حدود الأوامر الإلهية والعيش ضمن هذه الحدود. لكن ماذا عساه الآن يصنع بتكبّره (وهو ما يَظهَر اجتماعيًّا بصورة "الحسد"!)؟ كيف يتعامل مع حسَده هذا؟ إنّ عليه أن يذبحهما كِلَيهما في محراب أمْرِ وليّ الله، وأن يُذعن لقضية أنَّ: "لوليّ الله علينا السيادة والقيادة".
- وعلينا أن نذعن إلى أنّه ما زال: "قبولُ دينٍ محورُه طاعةُ شخصٍ" مسألةً صعبة، وما زالت مناهجنا المتداوَلة في تعليم الدين تميل أكثر إلى العَلمانية؛ بمعنى أنها تشطب على دَور الشخص! كما يصرّح بعض التنويرِيّين المتغرّبين قائلين: "لقد أصبح هذا متعارَفاً منذ أيام الصفوية!" أي إنهم یشطبون، بجرّة قلم، على آل بُوَيه في التاريخ، ويُلغون الكثير من الأحاديث!
التديّن بعد هذه المرحلة سهل جدًّا!
- والآن ماذا لو تقبّل امرُؤٌ هذه الحقيقة؟ إنه بمجرّد أن يتقبّل المرء هذه المرحلة فيُذعن لأفضلية الرسول(ص) ويقرّر طاعتَه وطاعةَ وَليّ الله يصبح الباقي سهلًا يسيرًا مثل شُربة الماء. الإذعان لهذه الحقيقة هو على هذا القدر من الأهمية والقيمة؛ ففيما يلي، أولًا، سيمُدّ الله عز وجل له يد العون ويُسَهّل له باقي الطريق. وثانيًا، إنْ أذنبَ تجاوزَ الله تعالى عن ذنبه بسهولة. وثالثًا: إنّ الله أساسًا لن يدعه يذنب، بل سيجُرّه إليه ويغيّر مسارَه نحو الصالحات. كل هذا بسبب اجتيازه هذه المرحلة المهمة، بسبب قوله: "ديني طاعتُك، لقد قبلتُ بهذا".
- وحينما يُذنب القابلُ بهذه الحقيقة، بأن يعصي الرسول(ص) أو يعصي وليّ الله – وهو ما يعني عصيان الله تعالى في مسألة اتّباع الإمام – ثم يعتذر فسيُقبَل اعتذارُه بكل سهولة. وإنه لَمِن هنا فصاعدًا يتسنّى لنا القول: "الدين حقًّا سهل!" وهو قوله عز من قائل: «يُريدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» (البقرة/185).
- في الحديث الشريف: «إنَّ رَجُلًاً مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ لِأَبِي الْحَسَنِ الثَّانِي [الرضا](ع): إِنَّ مِنْ شِيعَتِكُمْ [أي من المعتقدين بأصل طاعة الإمام] قَوْمًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ عَلَى الطَّرِيق». فانظر ماذا كان جواب الإمام الرضا(ع)؟ «فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَعَلَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ فَلَا يَزِيغُونَ عَنْه»؛ أي إنه(ع) اتّخذَ من "الطريق" معنى "الطريقة والنهج" لا طريق المارّة. «وَاعْتَرَضَهُ آخَرُ فَقَالَ: إِنَّ مِنْ شِيعَتِكَ مَنْ يَشْرَبُ النَّبِيذَ!» فرأى(ع) أن لا بأس به «فَقَالَ(ع): قَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ(ص) يَشْرَبُونَ النَّبِيذ!» (أي اتّخذ الإمام(ع) المعنى الآخر المستعمل لِلَفظة "النبيذ" محاولًا غَضّ الطرف عن الموضوع). «فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا أَعْنِي مَاءَ الْعَسَلِ وَإِنَّمَا أَعْنِي الْخَمْر» (بحار الأنوار/ ج27/ ص314).
- وفي رواية مشابهة: «عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ(ع) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَلاعِينِ فَقَالَ: وَاللهِ لَأَسُوءَنَّهُ مِنْ شِيعَتِه... فَقَالَ: إِنَّ شِيعَتَكَ يَشْرَبُونَ النَّبِيذَ. فَقَالَ: وَمَا بَأْسٌ بِالنَّبِيذِ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ(ص) كَانُوا يَشْرَبُونَ النَّبِيذَ. فَقَالَ: لَيْسَ أَعْنِيكَ النَّبِيذَ إِنَّمَا أَعْنِيكَ الْمُسْكِرَ. فَقَالَ: شِيعَتُنَا أَزْكَى وَأَطْهَرُ مِنْ أَنْ يَجْرِيَ لِلشَّيْطَانِ فِي أَمْعَائِهِمْ رَسِيسٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الْمَخْذُولُ مِنْهُمْ فَيَجِدُ رَبًّا رَؤُوفًا، وَنَبِيًّا بِالاسْتِغْفَارِ لَهُ عَطُوفًا، وَوَلِيًّا لَهُ عِنْدَ الْحَوْضِ وَلُوفًا، وَتَكُونُ وَأَصْحَابَكَ بَبَرَهُوتَ [اسمُ وادٍ باليمن قيل إنّ فيه أرواح الكفّار] مَلْهُوفًا» (التمحيص/ 39-40)؛ أي إنهم سيلقون يوم القيامة نبيًّا وإمامًا يُنجيهم، فانشغِلْ أنت بحال نفسك.
الإمام الخميني(ره): لا نفعلنَّ ما يَنكُسُ رأسَ صاحب الزمان(عج)!
- إن شئتم أن لا يرتكب الناسُ المعاصي فارفعوا مَنسوبَ التشيّع وطاعة وليّ الله عندهم. وإن أردتم أن يتوبوا فقولوا لهم: "ألا إنكم لم تضُرّوا الله شيئًا بإثمكم، لكنكم كسَرتُم قلبَ صاحب الزمان(عج)، فماذا عساكم صانعين بهذا؟" وهذه كانت سيرة العارف الواصل، قائد الثورة العظيم، سماحة الإمام الخميني(ره) في تعاطيه مع المعصية. كان يقول: "لا نفعلنَّ ما يَنكُس رأسَ صاحب الزمان(ع)!"
- "اِحرِصوا على أن لا تكون أفعالُكم ما إنْ عُرضَتْ على صاحب الزمان، سلام الله عليه، تأذّى منها لا سمح الله، وجعلَتْه مَنكوس الرأس أمام ملائكة ربّه، مِن أنّ هؤلاء شيعتي وأوليائي، وقد تصرّفوا بما يخالف مقاصد الله عز وجل. فإن سيّد القومِ يتألّم إذا اقترف قومُه الآثام" (صحيفه امام (صحيفة الإمام)/ ج12/ ص358). "آثامُنا تُخجِل صاحبَ الزمان(ع). حينما تُعرَض صحائفُنا عليه(ع) فيرى أن شيعته (ألا وإنكم وإنّا من شيعته) ترتكب هذه الأعمال، ثم يطّلع عليها مَلَكُ الله الذي أخذَ الصحائف إليه، يَخجَل(ع) من ذلك" (صحيفه امام (صحيفة الإمام)/ ج8/ ص423).
ليكن همُّنا في الإقلاع عن المعاصي هو "لكي لا نكسر قلبَ صاحب الزمان(ع)"
- لاحظوا أنموذجَ دِينِ الإمام الخميني(ره) هذا! يقول(ره): إن صاحب الزمان(عج) سيّدُنا، وإنّ سيّد القوم ليخجل إذا ارتكب قومه الآثام! أي إنّنا بمعاصينا نَنْكُس رأسَ صاحب الزمان(ع)؛ لأنه(ع) يحبّنا حُبًّا جَمًّا ولذا فإن قلبَه ينكسر بسبب ذنوبنا!
- حينما تُمسي نظرتُنا هكذا فستختلف القضية تمامًا وسيتغيّر هَمُّنا من الأساس. بالطبع، كما قد قلنا سَلَفًا، إنّ من الهموم التي تراود الإنسان للإقلاع عن المعصية هو صَونَ حُرمة الله تعالى. أما الهَمُّ الآخر، على حد قول الإمام الراحل(ره)، فهو عدم كَسر قلب صاحب الزمان(ع). فإن كان هذا هَمُّنا فسنرى كيف ستشتدّ توبتُنا وتتعزّز تقوانا!
- إن دعوة الناس إلى تقوى الله "دونما وساطةِ أهل البيت(ع)" غيرُ ممكنة، ولو أننا أردنا القيام بذلك لما أفلَحنا، ولو كان هذا ممكنًا لما كان من داعٍ أصلًا لوجود وليّ الله في المسألة! فثمّة سيّد في هذا الخِضَمّ لا يمكننا تجاوزه! قل: "يا ابن الحسن، ماذا عساي أفعل لك؟! إنك تستيقظ كل ليلة فتدعو وتستغفر لي! ما أتْعَسَني لذلك!" فالله عز وجل يقول في كتابه العزيز: إن الله ورسوله يرَيان أعمالكم: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (التوبة/105). إلهي، إنّ بإمكاني أن أتصالح معك إذا أذنبتُ، لكن ماذا أصنع مع رسولك؟ هذا الرسول الرؤوف الرحيم الذي قلتَ فيه: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيم» (التوبة/128).
- يقول الإمام الخميني(ره): "بحسب الحديث، إنّ صحيفةَ أعمالنا تُعرض على صاحب الزمان، سلام الله عليه، مرّتين في الأسبوع. وإني لأخشى أن لو شاهد هذا الرجلُ العظيم(ع) صحيفةَ أعمالنا، نحن الذين نزعم أننا أتْباعه وشيعته(ع) – وسيراها، تحت إشراف الله عز وجل – أخشى أن يستحي والعياذ بالله. فلو أنّ وَلَدًا من أولادكم أَثِمَ فستخجلون، ولو أن غلامًا لكم اقترف جُرمًا فستخجلون. إنّ المرء ليخجل إذا ارتكب ولدُه أو غلامُه أو تابعُه عملاً مُشينًا أمام الناس. خوفي أن نصنع نحن ما يُخجِل صاحب الزمان، سلام الله عليه، بين يدي الله تعالى" (صحيفه امام (صحيفة الإمام)/ ج8/ ص391).
كيف يجب أن تكون مجالس استغفارنا؟
- إننا، أساسًا، قلّما نقيم مجالس استغفار عامرة جَريًا على سيرة الإمام الخميني(ره) هذه! مجالس يكون وِردُنا فيها "يا ابن الحسن"، و: "سيدي، المعذرة!" كما نقرأ في نهاية زيارة الجامعة الكبيرة: «يَا وَلِيَّ اللهِ، إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ذُنُوبًا لَا يَأْتِي عَلَيْهَا إِلَّا رِضَاكُمْ» (من لا يحضره الفقيه/ ج2/ ص616)؛ أي إن لي في مجال أوامرالله ذنوبًا لا يغفرها الله لي إلا أن ترضوا أنتم عني. فإن الله قد فوّض إليكم أمر خلقه: «اسْتَرْعَاكُمْ أَمْرَ خَلْقِهِ» (المصدر نفسه).
- ولا تفتّشوا كثيرًا عن مثل هذه الأمور في تاريخ الإسلام! فلو كانت هذه السُنّة جارية على مدى تاريخ الإسلام لما قاسى أهلُ البيت(ع) كل تلك الغُربة، ولما رُفع دين الله على الأسِنّة! بل ولامتثلَ الذين كانوا مع النبي في واقعة أُحُد أمْرَ رسول الله(ص)، لكنهم فرّوا بأرواحهم وتركوه وحيدًا! والعصيان نفسه نجده في عسكر أمير المؤمنين(ع) أيضًا!
بحسب القرآن الكريم: مَن يشُقّ عليه التسليم لأمر النبي حتى في قرارة نفسه فلا إيمان له!
- لاحظ بأي وضوح تبيّن الآية الكريمة التالية هذه القضية: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (النساء/65)؛ أي: قسمًا بربك أيها النبي إنه لا إيمان لمَن تحكُمُ له حُكمًا ثم يصعُب عليه في قرارة نفسه أن يسَلِّم لحُكمك هذا! بل لو نفّذه وكان هذا التنفيذ، في قرارة نفسه، صعب عليه قليلً، فإنه لا إيمان له أبدًا، اللهُمّ إلا أن يسلِّم لحكمك تسليمًا! يشیر العلامة الطباطبائي(ره) هنا إلى أن هذا التسليم يكون من قرارة النفس! (الميزان في تفسير القرآن/ ج4/ ص405)؛ بمعنى: لو أنك حكَمتَ فاعترضَ هو على حكمك في قرارة نفسه، فهو والله عديم الإيمان! فكم مرة يا ترى أقسمَ اللهُ بنفسه في القرآن الكريم؟!
- ما الذي علينا فعله إذا أذنبنا؟ علينا أن نقصد باب صاحب الزمان(عج) ونطرقها قائلين: "يا ابن الحسن، لستُ منزعجًا لتوجيهك الأوامر لي، كل ما في الأمر أنّي أجرمتُ، اقترفتُ خطيئة، فاقبَل عذري..." وأهل البيت(ع) عفُوُّون رُحَماء بالمعنى الحرفي للكلمة. فما إن ننوح قليلًا بين أيديهم، ينوحون هم على أعتاب الله تعالى أكثر من نياحنا، ويشفعون لنا.
ما يُصعِّب طاعةَ الرسول والإمام على الإنسان هو الكِبْر والحسَد!
- يقول الكثيرون: "الجنة والنار غيرُ مشرفتَين علينا، بل بعيدتان ولذا فإن أثرهما علينا ليس هو مما يحثّنا على الإقلاع عن المعصية". حسنٌ، إن كانت الجنة والنار بعيدتين فالإمام(ع) قريب! فمن الملموس جدًّا أننا نؤذي الإمام(ع) بذنوبنا. إذن أَرْضِ هذا السيد (الإمام وولي الله) عنك! لكن ما الذي يُصعِّب هذا الأمر على الإنسان؟ إنه الكِبْر فيه!
- ما الذي يُصَعِّب على الإنسان الرضوخ لهذه المرحلة الثانية (طاعة الرسول والإمام)؟ وما الذي يصعِّب عليه قبول عصمة هذا الإمام(ع)؟ الذي يصعب هذا الأمر هو صفة التكبّر والحسد والنذالة في الإنسان! ثم ما الذي يُسهِّل عليه هذا الأمر؟ إنه صلاح هذا الإمام، ورأفته بنا، وشفقته علينا! فإن حب أهل البيت(ع) لنا يُيَسِّر أمرَ طاعتهم علينا!
لماذا ينظر الإمام صاحب الزمان(عج) في صحيفة أعمالنا كل أسبوع؟
- تأمّل في أنه: كم يحبك الإمام صاحب الزمان(عج)؟ سؤال: كُلّ متى ينظر أبواك في إضبارتك المدرسية؟ الإمام المهدي(ع) ينظر في صحيفة أعمالك مرتين في الأسبوع! من أجل ماذا؟ أيبغي التجسس عليك معاذ الله؟! أيريد أن يُمسك عليك زَلّة ؟ أهو واجبه الإداري وتراه مُكرهًا على إنجازه؟ أم أنه يُحبّنا ويتفقّدنا واحدًا واحدًا ليرى: "ماذا حَلّ بولدي هذا؟ وما أخبار ابنتي هذه؟"، ويعيد الكَرّة الأسبوع التالي، وكذا الأسبوع الذي يليه، وهكذا.
- يقول(ع): إن أعمالكم تُعرَض عليَّ فأشكر الله على صالحاتكم، وأستغفر لكم الله وأتوسّل إليه ليصفح عن ذنوبكم: «فَإِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ فَمَا كَانَ مِنْ حَسَنٍ اسْتَزَدْتُ اللهَ لَكُمْ وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيحٍ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُم» (وسائل الشيعة/ ج16/ ص109). وكذا: «فَتُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ عَشِيَّةَ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَمَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ حَمِدْتُ اللهَ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ سَيِّئٍ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُم» (وسائل الشيعة/ ج16/ ص110).
- صاحب الزمان(ع) يتقصَّى أعمالنا أسبوعيًّا. الشخص الذي لا يكِلّ منا أبدًا هو الحجة بن الحسن العسكري(ع). هذا أقصى موضوع الإثم والاستغفار والمناجاة! فلماذا أُوصينا يا ترى بأنه: متى ما استغفرتَ الله فصلِّ على النبي وآله؟ لأنك متى ما استغفرت الله يقول لك عز وجل: أَراضٍ عنك سيّدُك أنت الذي قصدتَي لتستغفرني؟
يوم القيامة سندرك كم كانت قضيتنا سهلة!
- كم قضيّتنا سهلة! يوم القيامة سنفهم كم كانت قضيتنا حقًّا سهلة! يقرأ البعض القرآن الكريم ويلاحظ مدى عظمة الله تعالى فيخامره الخوف منه. لكن عليه أن يعلم أن الله عز وجل قد جعل له إمامًا رؤوفًا شفيقًا يطوّقه بذراعيه ويأخذه معه، فلماذا لا يراه؟!
- لقد هيّأ الله تبارك وتعالى لنا كل هذه الإمكانيات. صحيح أن إمام زماننا الآن غائب، لكنّ قصص الإمام الحسين(ع) قد رُويت علينا بكثرة حتى أنّ هذه الظلامة قد يَسَّرتْ علينا الأمر؛ فلقد أضرمَ الإمامُ الحسين(ع) النارَ في قلوبنا بتضحياته! إلى درجة أن قلبك لم يَعُد يطاوعك أن تشمَخ عليه(ع) بأنفك! وصحيح أننا لم نُدرك أيام رسول الله(ص)، لكن رثاء فاطمة الزهراء(س) قد تُلي علينا مرارًا...!