ما هو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟ (المحاضرة19)
يودّ الإنسان لو يتعلّق بسلطةٍ ما ويطيع صاحبها/ إنْ لم يُشبَع حِسّ الطاعة لديك بامتثال أوامر الله تعالى فسيتّجه نحو الطاغوت/ يُثبت لنا التاريخ أن " مَن لم يُطِع وليّ الله أطاعَ عدوّه"
- المكان: طهران، مسجد الإمام الصادق(ع)
- الزمان: 24/أيار/2019 ـ 18/رمضان/1440
- الموضوع: ماهو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟
- A4|A5 :pdf
حسّ العبادة والطاعة هو إحساس ذاتي في الإنسان بحيث إنه إذا لم يُطع اللهَ عزّ وجلّ ولم يُقم له وزناً يأخذ بطاعة غيره وإقامة وزنٍ لسواه. إذ من غير الممكن أن لا يكون الإنسان "عبداً"، فإن لم تكن عبداً لله، فانظر عبدُ مَن أنت إذاً؟
ثمة في الإنسان إحساسان متضادّان: العصيان والطاعة!
- ثمة في الإنسان إحساسان متضادّان: ففيه خصيصة الرغبة في العصيان من جهة، وينتابه إحساسُ كونِه متعلّق بصاحب سلطةٍ ما وأنّ عليه طاعتَه من جهة ثانية. ومن الميسور مشاهدة ذلك في حياة الإنسان بشكل تجريبي أيضاً؛ على سبيل المثال، البعض، ممَّن يشبه فرعون في سلطانه وتجبُّره، تراه أحياناً يفتّش عن فرصة ليقول لأحدٍ ما: " سمعاً وطاعة"!
- إنّ جذور عصيان الإنسان لله تعالى ماثِلة في كيانه، وإنّ رغبته في طاعته عزّ وجلّ نابعة هي الأخرى من فطرته، حتى ليُمكن أن يقال لهذا الإنسان: "تعصي مَن أنت، وتطيع مَن أنت؟"
الإنسان لا هو عاصٍ محض ولا هو مُطيعٌ محض!
- الإنسان لا هو "عاصٍ" بشكل مطلق، ولا هو "مطيع" بشكل مطلق؛ وهذا يعتمد على أنه في ماذا نشّطَ إحساسَيه هذين، ولأيّ داعٍ استخدمهما. حتى لَيُمكن القول: إن لم يكن المرء طائعاً لله فيتعيّن أن نسأله: "فمَن تطيع إذاً؟" وإن لم يقبل المرء بولاية الله المطلقة فيتحتّم سؤاله: "ولايةُ مَن قَبِلتَ، وغلامُ مَن أنت إذاً؟" فإن قال: "لستُ غلامَ أحد" فكلامه هُراء لا يُعتنَى به.
- فمن المتعذّر أن يقال: "إن الإنسان، أساساً، مخلوق مستقل!" فهو، أصلاً، لم يُخلق مستقلاً، والاستقلال بالنسبة إليه محال؛ أوَيُمكن أن يستقلّ الإنسانُ عن الله تعالى؟! فكما أنه، جسدياً ومادّياً، فقيرٌ في كل لحظة من لحظاته إلى اهتمام الله عز وجل فإنه، روحيّاً ونفسيّاً، فقيرٌ دوماً إلى اهتمام الله وإرادته.
حين يشاهد الإنسان سلطة الله تشتد فيه حالة التعلّق والانصياع
- حالة التعلّق والانصياع التي تشاهَد عند الطفل تظل في الإنسان حتى يطعن في السن. بل قد نرى بعض المسنّين قد جعلوا أنفسَهم متعلّقين بأطفالهم.
- هذا التعلّق بسلطةٍ ما في الإنسان لا بد أن يكون بالسلطة المتمثلة بالله تعالى، لا بسواه. فلو شاهد الإنسان قدرة الله وتنبّه إليها لاشتدّتْ فيه حالة التعلّق والانصياع هذه! ولهذا نرى كم يُبرِز الله تعالى نفسَه في القرآن الكريم مقتدراً! وكم يُبيّن أنّه على كلّ شيء قدير، وأنّ غيرَه عاجز ولا أثر له في العالم!
- لاحظوا كم يحاول الله في القرآن الكريم أن يسلب الإنسانَ استقلالَه ويقول له: "أيّها الإنسان، إنّك حقّاً غير مستقل! ومهما سخّرتَ لنفسك الأدوات والأسباب، تبقى الأمور في يدي! بل إنك إن نظّمتَ شؤونك مرّةً وأنجزتَ عملاً ما بإتقان، ففي الحقيقة إنه أنا الذي أتَحتُ لك ذلك، ورتّبتُ لك الأمور. فلا تظنَّنّ أنك أنت مَن رتّبَ جميع الأمور بدقة فخرجَ بالنتائج!"
- سُئل أمير المؤمنين(ع) مرّةً عن مصدر ما يملكه من معرفة عالية بالله سبحانه وتعالى فقال، فیما روي عنه: «عَرَفْتُ اللهَ سُبْحَانَهُ بِفَسْخِ الْعَزَائِم» (نهج البلاغة/ الحكمة250)؛ أي: عرفتُ اللهَ عن طريق تبديد الخُطَط التي أضعُها! فقد أعزِمُ على الأمر وأهيّئ له المقدّمات وإذا بخطّتي تنهار، ومن هنا عرفتُ أنّ الأمر في يد أحد آخر! والله يصنع هذا بعباده دائماً كي ينظروا إليه باستمرار!
- تلاحظون كيف يهوَى البعضُ أن يكون غلاماً ومريداً لغيره. وقد يَجمَع مستبدٌّ من ذوي العربدة حولَه عدداً من الصبيان يكونون دائماً في خدمته، وهم لا يستحون ولا يشعرون بالانكسار أبداً من كونهم في خدمته. فلقد استيقظ في داخلهم حس التبعية لسلطةٍ ما وشعور الطاعة لهذا الشخص المستبد، وهم يستمتعون بهذا.
القرآن الكريم يضبط حِسَّي العصيان والطاعة فينا/ التربية القرآنية هي مما يُعِدّ الإنسان لطاعة الله
- حِسّ العصيان وحِسّ الطاعة موجودان كلاهما في الإنسان. والله عزّ وجلّ يعمل في قرآنه الكريم على ضبط هذين الحِسَّين في الإنسان، فينهاه عن عبادة الشيطان ويأمره بعبادة الله: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيم» (يس/60 و61).
- وقد عَدَّ اللهُ تعالى في كتابه العزيز كونَ الإنسان عبداً أمراً حتميّاً وأنّه لا بدّ وأن يكون مريداً لأحدٍ ما وأن يحسبَ له حساباً. يقول تعالى، على سبيل المثال: «فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ» (المائدة/3)! أي: أنا أعلم بأنه لا بد للخوف والهلع والقلق أن يراودك، لكن لماذا تخاف منه هو؟ خَفْني أنا! ألا إنني أفضل، وإنني أحامي عنك، وأنا رحيم، ولا أظلم.. إنني أنفعك، أمّا هو فلا يُجديك نفعاً.
- إنّ التربية القرآنية لفي قمة الجمال والروعة؛ إذ ينشئ القرآن الكريم الإنسانَ بحيث يقيم لله وزناً ويجد في نفسه الاستعداد لطاعته! بل لقد فعل الله تعالى في القرآن ما يجعل الإنسان يحسب لله حساباً؛ فإنّ طريقة كلامه هي مما يجعل الإنسان يتنبّه لحاله. بالطبع الذي قرأ القرآن ولم تصلُح حالُه فلا بد أنه يعاني من مشكلة، وهذا ما يتعيّن مناقشته في موضعه.
إذا لم يمتثل الإنسان أمرَ الله سيأخذ بامتثال أمرَ غيرِه
- حِسّ العبادة والطاعة حِسّ ذاتي في الإنسان بحيث إنه إذا لم يطع اللهَ جلّ وعلا ويحسب له حساباً فإنه سيأخذ بطاعة غيره وحسابِ حسابٍ لسواه.
- فإن قلتَ للبعض مثلاً: "هذه الصلاة تُصلَّى بثلاث ركعات وهذه بأربع، هذا أمر الله ويجب امتثاله تعبُّداً" أجابك متعجرفاً: "كلا، لا بد أن أعرف لماذا ثلاث ركعات!" وإن دقّقتَ لوجدتَ أنّ هذا الشخص نفسه يتعامل مع مصدر أوامر آخر بشكل تعبّدي محض؛ أي إنه يضع نفسَه، أعمىً أصَمّ، في خدمة غير الله!
لا يمكن أن لا يكون الإنسان "عبداً"؛ إن لم تكن عبدَ الله فانظر عبدُ مَن أنت؟
- لا يمكن أن لا يكون الإنسان "عبداً"؛ إن لم تكن عبدَ الله فعبدُ مَن أنت إذاً؟ إذا لم تكن متعبّداً لله فلمَن أنت متعبّد؟!
- واجهتُ أوائل انتصار الثورة بعض عناصر الزُمَر الإرهابية ممن كان لهم موقف مناهض جدّاً "للتعاطي مع أحكام الإسلام تعبّديّاً" ويسخرون من انصياع الناس للأحكام القرآنية، أما هم فكانوا يتعاطون مع أوامر التنظيمات المنتمين إليها بمنتهى التعبُّدية، ويقتلون البشر كشُربة الماء، لا لشيء إلا لأن "تنظيمهم أمَرَهم"!
- يتعيّن أن يقال لشخص كهذا: "ليس لك أن تهزأ بعباد الله لأنهم يمتثلون أوامره، لأنك أنت أيضاً عبد! كل ما في الأمر هو أنه ينبغي أن نرى: عبد من أنت؟ مَن تريد أن تطيع؟
البعض يؤمن بالطاغوت عوضاً عن الإيمان بالله!
- يقول الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز: «اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت» (النحل/36). ومَن هو الطاغوت؟ إنّه الذي يتغطرس ويتجبَّر.. إنه الذي يزعم أن له سلطاناً.. إنه الذي يخيفك ويرعبك.. إنه مَن ترغب أنت في التقرّب منه كي ينالَك شيءٌ من سلطانه. ويحدّثنا القرآن بأنّ البعض يؤمن بالطاغوت عوضاً عن إيمانه بالله: «يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ» (النساء/51)؛ والمراد مِن "يؤمنون بالطاغوت" هو أنهم يمتثلون كل ما يأمرهم الطاغوتُ امتثالَ الأعمى ويثقون به.
- وما حِسّ العصيان في الإنسان بسيِّئ في أصله، لكن المفترض هو أن يتجذّر هذا الحس في نفوسنا ضد إبليس والطاغوت فنعصيهما! وكذا الكفر، فهو ليس صفة سيئة في الأصل، لكن أيُّ كفر؟ إنه الكفر بالطاغوت! يقول عز من قائل: «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالله» (البقرة/256)؛ فإنه يتوجب عليكم الكفر بالطاغوت والوقوف أمامه بشدة؛ فلا بد أن تحملوا تجاه الطاغوت مشاعرَ الكفر ذاتَها التي يحملها الكفار تجاه الله عزّ وجلّ.
- وقد جعل الله تعالى الطاغوتَ في القرآن الكريم في إزائه هو؛ فكأنّما يخاطب الإنسان قائلاً: "أيّها الإنسان، إمّا أن يكون الله هو مصدر القوة الذي تتشبّث به أو أن يكون الطاغوت! اختَر أنت بنفسك!"
في التعاليم الدينية الشائعة لا يقال: "إن لم تصبح عبداً لله ستصبح عبداً للطاغوت!"
- مع الأسف إنّ ما يعيب أكثرَ تعاليمنا الدينية، التي تُدرَّس في الحوزة والجامعة والمدرسة والمسجد، عموماً هو أنها تدعو الناس إلى العبودية لله تعالى لكنها لا تنهاهم عن عبادة الطاغوت! هذا وكتاب الله يأمرنا بـ«أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت» (النحل/36). وهذا، على حَدّ قول القرآن الكريم، شعارُ الأنبياء. إذاً لا يجوز أن تكتفوا بموعظة الناس "كونوا عباداً لله"، فيرُدّ البعض: "أنا لا أرغب في أن أكون عبداً لله!" بل عليكم أن تصرّحوا بالوجه الآخر من العُملة وهو: "إن لم تكن عبداً لله فإنّك عبدٌ للطاغوت، عبدٌ لإبليس!"
- قولُنا بأن تعاليمنا الدينية خاطئة نوعاً ما هو لأنّ وجهاً واحداً من العملة هو الذي يُصرَّح به فيقال: "لماذا تكفُر بالله يا هذا؟! آمِنْ به!" أمّا وجهُها الآخر فيُسكَت عنه، وهو "إنك إن كفرت بالله يا هذا فستؤمن بالطاغوت لا محالة!"
يؤمن البعض بالديمقراطية الغربية ولا يطيق انتقاصها!
- يؤمن البعض بالديمقراطية الغربية وبالأنظمة الرأسمالية الانتهازية المجرمة؛ أي يؤمن، في واقع الأمر، "بالطاغوت". وهو على جانب من التعلّق بها والتعصّب لها بحيث ما إن تنقُد هذه الديمقراطية حتى تثور حفيظته أيما ثورة إلى درجة أنه يبدأ بشتمك! في حين أن عدداً من مُفَكّري الغرب ينقدون الديمقراطية أيّما نقد، ويعدّونها خدعة.
- علينا، إذا علّمْنا الناسَ العبودية لله سبحانه وتعالى أن نقول لهم أيضاً: "إنْ لم تُصبح عبداً لله فعبدُ من تُصبح إذاً؟" وفي هذه الحالة سيخاف أن يكون عبدا للشيطان أو للطاغوت، وسيميل، بطبيعة الحال، إلى أن يصير عبدا لله جل شأنه. لكنه لا أحدَ في عصرنا يحمل، عادةً، هذا التصوّر، لذا نستطيع القول إن أسلوبنا في تعليم الدين والدعوة إليه خاطئ.
إمّا أن يكون الإنسان عبداً لله، أو عبداً للطاغوت والشيطان، ليس هنالك حالة وسط!
- يقول الله تعالى في قرآنه الكريم (ما معناه): "إمّا أن تكون عبداً لله، أو تكون عبداً للطاغوت (بل وأسوأ من ذلك: أن تكون عبداً للشيطان)". وليس ثمة حالة وسط. فأيهما أفضل؟ هكذا يربّينا القرآن الكريم ويعلّمنا الدين، أمّا نحن فعندما نريد تعليم الدين نحاول في البدء إثبات وجود الله، ثم نقول للمتعلّم: "تعال وكُن عبداً لله رجاءً!" فيظنّ أنه إذا لم يصبح عبداً لله فسوف لا يحصل له شيء على الإطلاق! في حين أنه يتوجّب أن نقول له: "إنْ عصيتَ الله تكون قد أطعتَ الطاغوت وعبدتَه، وهذا سيّئ جدّاً!"
- كان لدينا بعد انتصار الثورة فرصة أربعين عاماً لزيادة عدد عبَدَة الله من خلال إظهار "قباحة عبادة الطاغوت"، لكننا لم نستغلّ هذه الفرصة كما ينبغي.
- هذا ما يعلّمنا إيّاه القرآن الكريم: "عوضاً عن أن تخافوا سطوة الطاغوت خافوا سطوة الله: «فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنين» (آل عمران/175). أما نحن فنقول: "خَفِ الله" وحسب! فإن قال أحدهم: "لم أصل مرحلة الخوف من الله لحد الآن!" كرّرنا عليه الموعظة بقولنا: "كن خائفاً رجاءً!" والحال أنّ علينا التنبيه إلى الجانب الآخر من القضيّة وهو: إنّك إن لم تخَف الله فستخاف الطاغوت وتطيعه.
يثبت لنا التاريخ أنّ "مَن لا يطيع وليَّ الله يطيعُ عدُوّ الله"
- لقد أثبت لنا تاريخ الإسلام أنّ كلّ مَن لا يطيع وليّ الله يطيع عدُوّ الله، بل ويضَحّي في سبيله ويبذل النفس لأجله من دون أي مقابل، بل ولا يطالب بأي نفع! ففي حرب صفّين، مثلاً، كما تنقل بعض الأخبار، قاتلَ وقُتِل في معسكر معاوية في مواجهة علي بن أبي طالب(ع) سبعون ألف رجل؛ أي إنّهم تمسّكوا بولاية الطاغوت، فحاربوا وليّ الله، وقُتلوا؛ هنا يضع الله تعالى قُبحَ هذا الفعل أمام أنظارنا.
- عوضاً عن أن تواصل تثمين جهود الشهداء الذين قاتلوا بين يدي أبي عبد الله الحسين(ع) وأمير المؤمنين علي(ع) اِرمِ بطَرفِكَ مرّة واحدة إلى الطرف الآخر (في المعسكر المقابل) وانظر كم من الرجال قد ألقوا بأنفسهم إلى التَهلُكة؟! ولاحظ أيّ كَمّ هائل من الناس بادُوا بسبب استسلامهم للطاغوت؟!
- أَثِرْ هذا التساؤل: "أرَكّزَ تاريخُ الإسلام أكثر ما رَكّز على إظهار مدى حُسْن ولاية وليّ الله، أم بيان قُبح ولاية الطاغوت؟" قارن حجمَ الروايات التاريخية الواردة في كلا المسألتين! مثلاً، كم سنة حكَمَ أولياء الله كَكُل، منذ زمان رسول الله(ص) حتى صاحب الزمان(عج)؟ ثم انظر كم سنة حكَمَ أولياء الطاغوت؟
يصبح الناس أحياناً جنداً للطاغوت بسكوتهم وعدم نصرتهم للحق
- لم يجعل القرآن الكريم حدّاً وسطاً بين عبادة الطاغوت و عبادة الله تعالى؛ أي إنك إما أن تكون عبداً لله أو عبداً للطاغوت! والطاغوت يَعرف كيف يستغلّ أولئك الذين لم يتولّوا الله تعالى؛ فهو تارةً يستغلّ سكوتَهم، وتارةً أخرى عدمَ نصرتهم للحق ولوَلِيّ الله، حتى يصبح جميعُهم جنداً للطاغوت!
- لماذا لم ينصُر أكثرُ الناس الحسينَ(ع)؟ لأنهم خافوا من خصمه. والذي يخاف الطاغوت يصير – في واقع الأمر – عبدَه. بل لقد جاء في الخبر أنّ: «مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَه؛ فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللهَ، وَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ الشَّيْطَانِ فَقَدْ عَبَدَ الشَّيْطَان!» (الكافي/ ج6/ ص434). وليس المراد أن تُصغي لتنفّذ، بل إنّ مجرّد إصغائك يُصيِّرك عبداً له! فلماذا منحتَه كلّ هذه القيمة كي تصغي لكلامه؟
يودّ الإنسان لو يتعلّق بسلطةٍ ما ويطيع صاحبها/ إنْ لم يُشبَع حِسّ الطاعة لديك بامتثال أوامر الله تعالى فسيتّجه نحو الطاغوت
- من أين يصدُر الذنب؟ يصدُر من حيث يوجّه الله الأوامر! ولماذا يوجّه الله الأوامر؟ ليتمّ إشباع حس الطاعة لدَيَّ، وإلّا فإْن لم يُشبَع هذا الحس بطاعة الله، فسيتّجه نحو الطاغوت؛ هكذا هو الإنسان.
- يا حبّذا لو أنّ علم النفس اشتغلَ أكثر في هذا المجال (أي في حقل علم نفس العبادة والطاعة، والذنب والمعصية) ليثبت تجريبيّاً للعالم أجمع، لا للمسلمين والمسيحيّين فحسب، كيف "يودّ الإنسان لو يتعلق بسلطةٍ ما، يحب أن يكون تبعاً، وأن يطيع صاحب هذه السلطة.. أن يحسبَ له حساباً.. أن يتقرّب من هذه السلطة ليستشعر الأمان". لكن أين عليه أن يعثر على هذه السلطة؟ عند الله تعالى! إذ يقول الله لك: إن لم تُطعني فقد أطعتَ الطاغوت أو الشيطان، وهو عدوّك: «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبين» (يس/60).
لا ندعوَنَّ الناس إلى نصف طاعة الله تعالى!
- إنّ من المحظور تماماً أن تُخبر الناس عن نصف الدعوة إلى طاعة الله وتسكت عن نصفها الآخر! وما هو ذلك النصف الذي يُسكَتُ عنه في العادة؟ هو: "إنّك إن لم تؤمن بهذه الجهة، فانظر بمَن قد آمنتَ؟ إنك إن لم تُطع هاهنا تعبّداً، فمَن أنت تطيع تعبُّداً إذاً؟ أتريد، إذاً، أن تؤمن بالطاغوت؟! تُريد أن تكون عبداً له إذاً؟! تريد أن تكون عبدَ إبليسَ إذاً؟!
- لقد وضع الله تعالى إبليسَ في الجهة الأخرى وخوّفنا قائلاً: "لوذوا بي أنا"، ثم نأتي نحن ونريد أن ندعو الناس إلى الله هكذا من دون أن نخوّفهم من الطاغوت ومن إبليس!
لقد أراد الله أن يرينا عبر عاشوراء عاقبة عبادة الطاغوت
- هل أراد الله تعالى عبر حادثة عاشوراء أن يرينا تضحيات الإمام الحسين(ع) ويجعله عندنا عزيزاً، أو أراد تعريفنا بأعداء الإمام الحسين(ع)؟ لقد أراد الله بذلك أن يرينا عاقبة عبادة الطاغوت. لقد أراد الإمام الحسين(ع) أن يثبت لنا: "إنك إن رفضتَ ولاية الحسين صرتَ عبداً ليزيد، وضِعتَ من أجل الطاغوت، حتى وإن كنتَ رافضاً ليزيد!" آلاف الرجال قُتلوا في كربلاء بسيف الإمام الحسين(ع) وسيوف أصحابه، وفي سبيل يزيد الذي لم يكونوا يؤمنون به أيضاً! لكنهم أصبحوا في النهاية عبيداً للطاغوت وضاعوا من أجل يزيد. هذه هي حال الدنيا، وهذه هي السُنَن الإلهية المسيطرة على الوجود!
- إن لم تكن عبدَ ولِيّ الله، فعبدُ مَن أنت إذاً؟ عبد أيّ طاغوت أو شِبهَ طاغوت أنتَ إذاً؟ أفصحْ عن الجانب الآخر من القضية! لكن تعاليمنا الدينية الشائعة، مع الأسف، ليست هي مما يبيّن للناس هذه الحقيقة، في حين أن القرآن الكريم يرسم للإنسان هذه الحالة ويحثّه على اجتناب الطاغوت. أو يقول له: «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَد استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» (البقرة/256)؛ فهو يقدّم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله عزّ وجلّ.
إن اكتفينا بتعليم الناس الإيمانَ بالله ولم نعلِّمهم الكفر بالطاغوت لشابَهَ نهجُنا نهجَ بني أمية!
- إذا نحنُ سكَتْنا في مناهجنا التعليمية عن الكفر بالطاغوت واكتفينا بتعليم الإيمان بالله تعالى لشابَهَ نهجُنا التعليمي نهجَ بني أمية! فعن الإمام الباقر قوله: «إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ أَطْلَقُوا لِلنَّاسِ تَعْلِيمَ الإِيمَانِ وَلَمْ يُطْلِقُوا تَعْلِيمَ الشِّرْكِ لِكَيْ إِذَا حَمَلُوهُمْ عَلَيْهِ لَمْ يَعْرِفُوه» (الكافي/ ج2/ ص415-416)؛ أي: فيما إذا جرّوهم إلى الكفر والشرك لم يلتفتوا إلى ذلك.
- وكانت مشكلة أمير المؤمنين(ع) مع القوم أيضاً هي: أنّكم إن لم تقبلوا بولاية عليّ(ع) فستقبلون بولاية الطاغوت! لقد خاض عليّ(ع) ثلاثَ حروب ليثبت للناس أنّ: "كلّ مَن لا يقف مع عليّ(ع) سيقف مع عدوّه، بل وسيبذل دمه في سبيله أيضاً!" أي كان أمير المؤمنين(ع) قد بيّن للناس الوجه الآخر من العُملة.
- أكثِرْ من الوقوف على أعتاب أهل البيت(ع) وخَفْ كثيراً من أن يتركوك! توسّل بأمير المؤمنين(ع) قائلاً: "لا تتركني.. إن تركتَني صرتُ عبداً للطاغوت، وهذا أمر رهيب! لا أريد أن أموت وأُفنِي نَفسي في سبيل رجلٍ كيَزيد!"