آخر استعداد للظهور، إصلاح الإدارة على مستوى الأسرة والمجتمع – الحلقة العاشرة
المبدأ الثالث في الإدارة هو "العقلانية والشمولية"/ الإدارة الثورية تعني السعي لتحقيق مصالح البلاد من خلال العقلانية/ هل تحققت مصالحنا من خلال الإتفاق النووي؟/ المسؤول الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل إلغاء حفل موسيقي أكثر من حزنه على إغلاق المصانع هل يُعد عاقلاً؟
- المكان: طهران، جامعة الإمام الصادق(ع)
- الزمان: محرم 1441
- الموضوع: آخر استعداد للظهور، إصلاح الإدارة على مستوى الأسرة والمجتمع
- التاريخ: 9/ محرم / 1441 – 9/ 9/ 2019
- A4|A5 :pdf
الاتصاف بالثورية يعني التعقّل، لا يقولنّ أحد فينا نحن الثوريين: "هؤلاء كوادر مبدئية!" كلا! نحن بالمناسبة نريد أن يكون التعامل مع جميع القضايا بعقلانية. قال سماحة السيد القائد(حفظه الله): "إن التطبيع مكلِف والمقاومة أيضاً مكلِفة، لكن ثمن التطبيع أعلى من ثمن المقاومة". هذا الرأي عقلاني تماماً ولا يعد مبدئياً!
معظم التوتّرات والجدالات السياسية في بلادنا تافهة وينبغي أن تُلغى
- معظم التوترات والجدالات السياسية في بلادنا تافهة أساساً ومن دون جدوى وعلينا أن نلغيها، لكن كيف؟ سأقدم لكم هنا حلاً لهذه القضية، ويمكن ملاحظة هذا الحل أيضا في كلمة السيد القائد في لقائه مع طلبة الجامعات في شهر رمضان المبارك لهذا العام. (خطاب القائد في اللقاء مع طلّاب الجامعات، 22/5/2019)
- استخدم سماحة السيد القائد يوماً ما مصطلح "حُرّ الإطلاق" في ما يتعلق بنشاطات الشباب التطوّعية في الساحة الثقافية. وفي "بيان الخطوة الثانية للثورة الإسلامية" أكّد سماحته مرة أخرى على الشباب، ثم طرح موضوع "الحكومة الثورية الفتيِّة". وبغضّ النظر عما جاء أعلاه فقد خلق سماحته مناخاً جديداً؛ أي إنه قدّم، في شرحه لبيان الخطوة الثانية، حوالي سبع استراتيجيات لإعمار البلاد، جميعها تتجاوز الدهاليز السياسية والهيكل الإداري للبلاد، وهذا يعني أنّ على الشباب أن ينزلوا إلى الساحة ويحُلّوا المشاكل والمعضلات من خلال الإمكانيات الاجتماعية والقانونية المتاحة.
- إذا تم تنفيذ مقترحات سماحة السيد القائد ستنتهي الكثير من هذه الجدالات السياسية التافهة وعديمة الجدوى، وسيتم تلقائياً تصفية الكثير من الأشخاص الذين تسنّموا المناصب والمسؤوليات عن طريق التعيين أو الانتخاب، ولا حاجة بعد ذلك لإسداء النصائح الأخلاقية لهم!
ينبغي أن تتخذ الإدارة موقعها التقني التخصصي
- وبعد أن أشار السيد القائد(حفظه الله) إلى سبع استراتيجيات لإعمار البلاد وتشييد الحضارة الإسلامية الكبرى، استطرد سماحته قائلاً: "يمكن تقديم خمسين استراتيجية أخرى على هذا المنوال" (الخطابات، 22/5/2019). والنتيجة المهمة التي ستتحقق عند تنفيذ هذه الاستراتيجيات هي أن الإدارة ستحتل موقعها التقني المخصّص لها، لأن الكثير من المناصب الإدارية هي تقنية وتخصصية تماماً، وليست سياسية! بعبارة أخرى: يجب أن تتقن أداء هذا العمل الذي عُيّنتَ له.
- وإذا قمنا بتنفيذ هذه الاستراتيجيات فلن يهمّنا بعد ذلك أبداً من سيكون الحاكم؟ ومن سيكون المحافظ؟ ومن سيكون نائب البرلمان وما هو خطّه السياسي؟ ولن يهمنا بعد ذلك حتى من سيكون إمام الجمعة. لأن هؤلاء جميعاً سيكونون في إطار خدمة الشعب ولا مفرّ لهم من ذلك. كما يجب علينا أيضاً أن نوّجه القوانين واللوائح بالأساس باتجاه تقليل احتمال سوء الاستغلال؛ أي أن تعمل هذه اللوائح والتعليمات تلقائياً على رفع مستوى التشديد على المسؤولين.
- ومن الاقتراحات التي اقترحها سماحة السيد القائد(حفظه الله) مثلاً هي أن يؤسّس الشباب فِرَق عمل، ناشطة في المجالات الجهادية والثقافية والسياسية. وبالطبع ليس القصد من النشاطات السياسية تلك التي تكون في إطار الحزب والتيّار، بل النشاطات السياسية المستقلة التي تقود إلى تحسين الوضع الإداي. كما ينبغي أن يؤسس الشباب فريق مطالبة [للمسؤولين] ومتابعة لمطالبات الشعب...
- ليدرسَ الشباب – ولا سيما الشباب المثقف والخِرّيج – هذه الاستراتيجيات التي قدّمها سماحة السيد القائد، وليقترحوا لحل مشاكل البلاد مشاريع وخطط، وليعرضوها على شبكات التواصل قائلين: "هذه الخطة تحل المشكلة الفلانية في البلد...". حينذاك سيضطر المسؤولون إلى الاستجابة.
بوسع الشباب أن ينشط في إدارة البلاد بناء على بيان "الخطوة الثانية للثورة الإسلامية"
- بناء على ما جاء في بيان الخطوة الثانية للثورة الإسلامية – والشرح الذي قدّمه سماحة السيد القائد على هذا البيان – بوسع الشباب أن ينشط في إدارة البلاد؛ تماماً كالحملة التي انطلقت للمطالبة بالشفافية، فإن استمر الشباب بدعم هذه الحملة، سيُجبَر البرلمان على التصويت على هذا القانون، وستتّضح شيئاً فشيئاً أسباب الإصرار على سِرّية أصوات النوّاب، وسيفهم الناس ماذا كانت القضية؟ فما الذي يضمره نوّاب البرلمان يا ترى حتى تبقى أصواتهم متكتَّم عليها حالياً؟
- إذا تحققت المطالبات والمتابعات سيكون بوسعكم أنتم الشباب، وبالاعتماد على بيان الخطوة الثانية للثورة، أن تمارسوا نشاطات عديدة؛ وآنذاك سيضطر كل مَن يتولّى المسؤولية أن يهتم بهذا الرأي العام المنظَّم، وهذه الأفكار التي يتبنّاها الشباب الواعي والمثقف. فهل من الممكن أن يجتمع الشباب في مدينة ما ويستفيدوا من آراء المُخَضرَمين فيها، ويتوصلوا إلى وضع خطة، ثم لا يرضخ حاكم المدينة ونائب البرلمان وإمام الجمعة لهذه الخطة؟ إن هؤلاء المسؤولين، بغضّ النظر عن اتجاههم الحزبي والتيار السياسي الذي ينتمون إليه، مُجبَرون على قبول هذه الخطط والمشاريع الجيدة. ولقد تجاوز المجتمع اليوم هذه الألاعيب التيّارية والحزبيّة، كما أن قائد الثورة (حفظه الله) صرّح في بياناته أنه لا يعتمد على التيارات السياسية. بطبيعة الحال سماحته ينبّه المسؤولين، ويوصيهم، ويطالبهم بأداء مسؤولياتهم المخوّلة إليهم، لكن الاعتماد الحقيقي يكون على الشباب!
ينبغي على الشباب أن يجتمعوا بطريقة منظّمة وأن يبذلوا جهودهم لإدارة المجتمع
- ينبغي عليكم أنتم الشباب، مع هذه الإمكانيات والمجال المتاح لكم، من إنترنت ومواقع تواصل اجتماعي، وهذا التواصل المتين المتوفّر لكم اليوم أن لا تقضوا أوقاتكم بالاستهزاء بالمسؤولين وطعنهم، والاكتفاء بالمطالبات في الأجواء الافتراضية؛ بل تعالوا والتفوا حول بعضكم البعض بتنظيم، ولتحسّوا أن إدارة المدينة هي من مسؤوليتكم.
- قدِّموا العديد من الخطط التي تتميز بالأولويّة والأسبقيّة، وسَيهتم المسؤولون آنذاك بهذه الخطط وسينفّذونها قبل غيرها. فإن العديد من هؤلاء المسؤولين القُدامى كانت أعمارهم أقل منكم حينما تولّوا مسؤولية إدارة البلاد. واليوم أيضاً ثمة في المدن المختلفة شباب أكفاء بوسعهم أن يقوموا بهذه الأعمال، وهذا هو الطريق الذي مهَّد له قائد الثورة حفظه الله؛ فسماحته لا يرى أن إعمار البلاد منحصر بالمناصب الحكومية والبرلمانية أبداً، وقد صرّح بهذا الموضوع في كلمته، ومن ثم قدّم استراتيجية جزئية لذلك، وسلّط الضوء عليها أيضاً في بيان الخطوة الثانية للثورة.
- وحتى قبل صدور بيان الخطوة الثانية، كان سماحة السيد القائد قد قال في خطاباته أن سيادة الشعب الدينية لا تتحقق بمجرد ذهاب الجماهير إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في الانتخابات، بل ينبغي أن ينشط الناس في جميع المجالات. كما أن سماحته قدّم مثالاً عن هذا النشاط وهو أن يشارك الشعب في النشاطات الاقتصادية، فتصبح هذه المشاركة: "سيادة الشعب الدينية في مجال الاقتصاد". (كلمة السيد القائد في لقائه مع قوات التعبئة (البسيج)، 23/11/2016)
كيف يستطيع الشباب المشاركة في اقتصاد البلد وإدارته؟
- والآن ما هو السبيل لمشاركة الشباب في اقتصاد البلد وإدارته؟ الجواب هو أنه ينبغي عليهم أن يجتمعوا معاً. فإن اجتمع الشباب معاً وأسّسوا في البلاد شبكة تواصل بينهم، وباتوا على اطلاع على أخبار بعضهم البعض، كان بوسعهم القيام بأعمال كثيرة. على سبيل المثال، اجتمعت ثلة من الشباب في جزيرة هرمز، واستطاعت القضاء على الفقر في تلك المنطقة، دون أن تمتلك رأسمال في بداية الأمر! كل ما في الأمر أنهم عقدوا العزم معاً، واستخدموا البرمجيّات، واعتمدوا على إبداعاتهم.
- بوسع الشباب، إن اجتمعوا مع بعضهم البعض، القضاء على الكثير من المشاكل السياسية الموجودة في بلادنا. فالكثير من نوّاب البرلمان والمسؤولين هم من ذوي الألباب والصُلحاء، وهم مستعدون أن يصغوا بتواضع إلى المشاريع التي يقدّمها الشباب المثقف والأشخاص المشفقين، وأن يدرسوها وينفّذوها. على سبيل المثال عند ما طُرِح موضوع شفافية أصوات نوّاب البرلمان، قال بعض الأخيرِين: نحن مستعدون لوضع أصواتنا بشفافية على المواقع الإلكترونية ليطّلع عليها الجميع.
خطة مقترَحة: إن انقطعت رواتب العمّال فليقتطعوا من رواتب المسؤولين لصالح العمّال
- وكنموذج، أنا أقترح خطّة قد تساعد في حل مشكلة بعض العمّال:
- للحيلولة دون ظهور مشاكل للعمّال في بعض المناطق (التي قد تكون الحكومة مقصِّرة فيها نوعاً ما، أو غير مقصِّرة لكن عليها متابعة القضية وحل المشكلة) أقترحُ تصميم منظومة تسجَّل فيها رواتب جميع المحافظين والحكّام ونوّاب البرلمان والوزراء والمعاونين والمناصب الإدارية الأدنى – إلى أدنى مستوى ممكن - فإن لم يستلم عمّالُ منجمٍ ما - مثلاً - رواتبهم لشهر واحد، يُصار في الشهر التالي آلياً إلى سحب رواتب المسؤولين من الخزانة وإيداعها في حسابات العمّال حتى تُحَل مشاكلهم.
- فحين يرى المسؤولون وكبار المديرين أن رواتبهم قد انقطعت سيدركون أن ثمة مشكلة ما قد حصلت، وبطبيعة الحال سيبذلون قصارى جهدهم لإزالتها. وبعد أن يحلّوا مشكلة العمّال ستنحل مشكلة رواتبهم أيضاً. فأي إشكال سيطرأ يا ترى لو انقطع راتب المحافظ أو نائب البرلمان؟ لنفرض مثلاً أنه لم يستلم راتبه الشهري في الموعد المقرّر، وكان ابنه راقداً في المستشفى، فإن هذا المسؤول لديه – على أية حال - شيء من الوجاهة ويستطيع أن يحل مشكلته، لكن لو كان ابن عامل المنجم في المستشفى ولم يستلم هذا العامل راتبه الشهري فسيواجه مشكلة كبيرة.
- هناك العديد من هذه الآليات للسيطرة على الأمور وخلق الدوافع وفرض النظام، والتي إن تم تنفيذها لن تبلغ الأمور مرحلة صراخ العامل ومحاولته شكوى ظلامته إلى السلطة القضائية! ولن يحتاج هذا العامل أصلاً إلى أن يرفع صوته صارخاً لإحقاق حقّه! فإن تأخّر راتبه لشهر واحد سيكون مرتاح البال، لأنه سيحدّث نفسه أن: "في الشهر القادم سيقطعون من رواتب المسؤولين ويدفعون رواتبنا". فإن فُعّلتْ أمثال هذه الآليات في بلادنا فلن يرشِّح أي شخص غير مؤهَّل – لا يحب شعبه – لنيابة البرلمان أو لتسنّم مسؤولية! وحتى إن أراد هو ذلك فلن تسمح له أسرتُه!
- لا بد أن يكون المسؤول محباً للناس، بحيث لو قطعوا راتبه وسددوا به مستحقات العمّال المتأخرة، يقول من صميم قلبه: "هنيئاً لهم!"
لا يجوز أن يدفع الشعبُ ثمنَ الإدارة السيئة وعدم كفاءة المسؤولين!
- لو تمّ تنفيذ أمثال هذه الآليات والخطط، سيخفّ العبء على كاهل مجلس صيانة الدستور أيضاً، وستقل مهامه بوضوح في أيام الانتخابات؛ فلن يُقْدم كل مَن هَبّ ودَب على ترشيح نفسه، لأنه سيرى أنَّ قبول المسؤولية في واقع الأمر صعب جداً.
- يُمكن اقتراح العديد من هذه المشاريع أو الخُطط؛ على سبيل المثال، أن يكون المسؤولون أنفسهم هم الضمان لبعض الاستراتيجيات والحلول التي يقدمونها للبلد، فإن فشلوا في تنفيذها وتكبّد البلد خسائر مالية، فإن عليهم تعويض هذه الخسارة؛ كأن يبيعوا ما يملكون وأقاربهم من منازل وعقارات لتعويض خسارة الشعب. فلا ينبغي أن يدفع الشعب دائماً ثمن الإدارة السيئة وعدم كفاءة المسؤولين وتجاربهم الفاشلة! ألم تخطّطوا للدولار مثلاً، فلماذا باتت أسعاره فجأة ترتفع وتنخفض إلى هذه الدرجة؟! حسناً، فلتعوّضوا أنتم الشعبَ عن الخسارة التي تكبدها!
- ومن خلال تنفيذ عدد من هذه المشاريع والآليات، سيُختم ملف أبناء "السادة!" المسؤولين أيضاً، فلن يسمح هؤلاء الأبناء الكسالى والأرستقراطيين لآبائهم أن يتولّوا المناصب، فهم يعلمون أنهم بذلك سيُحرَمون من الكثير من الامتيازات!
يمكن تنفيذ الخطط الجيدة في البلاد من خلال ضغط الرأي العام المنظَّم
- يمكن تنفيذ هذه الخطط وتنشيطها في البلاد من خلال دراسة تخصصية وممارسة الضغوط من جانب الرأي العام المنظَّم. وبالطبع لا يعني ذلك أن تقوم الأحزاب والجرائد الحزبية والتابعة للتيّارات السياسية بريادة هذا الأمر؛ فلا ينبغي تفويض السياسة لعدد من أساتذة الحرب النفسية! ولا ينبغي أن تكون الأوضاع بشكل يُمهِّد لكل فرد يتقن الحرب النفسية خوض ميدان السياسة! فمشاكل البلد – بالمناسبة - قد زادت منذ أن دخل بعض أساتذة الحرب النفسية الساحة السياسية.
- أنا متفائل حقاً بمستقبل بلادنا. فقد بيّن السيد القائد حفظه الله الحلول لتذليل الصعاب، واقترحَ سماحته بأمل راسخ حوالي سبع استراتيجيات لذلك. والكثير من هذه الاستراتيجيات قابلة للتنفيذ بيد الشباب من دون تدخّل الحكومة والبرلمان! الطريق مفتوح أمامنا ولا ينبغي أن نتعب من العمل الدؤوب. كما يجب أن نضع أعضاء الحكومة والمسؤولين ضمن إطار آليات تجعلهم حقاً في خدمة الشعب، ويعملون على حل مشاكله.
الإمام الصادق(ع) لأصحابه: لو كان الحكم بأيدينا لكان عليكم العمل ليل نهار، والزهد في المأكل
- «عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: کُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ(ع) بِالطَّوَافِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ لِي: یَا مُفَضَّلُ مَا لِي أَرَاكَ مَهْمُوماً مُتَغَیِّرَ اللَّوْنِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ نَظَرِي إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَمَا فِي أَیْدِیهِمْ مِنْ هَذَا الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَالْجَبَرُوتِ؛ فَلَوْ کَانَ ذَلِكَ لَكُمْ لَكُنَّا فِیهِ مَعَكُمْ» (الغيبة للنعماني/ ص287).
- «فَقَالَ: یَا مُفَضَّلُ أَمَا لَوْ کَانَ ذَلِكَ لَمْ یَکُنْ إِلَّا سِیَاسَةُ اللَّیْلِ وَسَبَاحَةُ النَّهَارِ وَأَکْلُ الْجَشِبِ وَلُبْسُ الْخَشِنِ شِبْهَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ(ع)، وَإِلَّا فَالنَّارُ...». أي لو كان الحكم بيدي لكان عليك أن تسهر الليل حتى الصباح لنخطّط معاً، وأن تعمل طيلة النهار حتى الليل، وتأكل الخبز اليابس (الطعام البسيط) وتلبس الخشن من الثياب، كما كان يفعل أمير المؤمنين(ع)، وإلا فمثواك النار...
- يقول الإمام(ع): لو كان الحكم بيدي لتوجّب عليك أن تعيش هذا النمط من الحياة، وإلا ستكون عاقبتك إلى نار جهنم. فانظروا اليوم كم من مسؤولينا ستكون النار مثواهم؟ يرى البعض هذه القضايا مجرد دعابة! ثم قال الإمام(ع): «فَزُوِيَ ذَلِكَ عَنَّا فَصِرْنَا نَأْکُلُ وَنَشْرَبُ». إننا نمضي في طريق سينتهي بالظهور، فليُسارع المسؤولون إلى تغيير أنفسهم وإلا فسيتغيرون تلقائياً!
على المسؤولين أن يحبّوا الجماهير، وأن يتجلّى هذا الحب في تعاملهم
- لحد الآن شرحنا مبدأين من مبادئ الإدارة. المبدأ الأول هو الكرامة والعزّة، والثاني هو الحب والوفاق. وينبغي أن يكون هذا الحب متبادلاً؛ أي حب الناس للمسؤول، وحب المسؤول للناس. وأشرنا إلى "زيارة الأربعين" كنموذج لهذا الحب والوفاق؛ أي الموقف الذي يُؤْثر الناس فيه بعضهم على بعض من شدّة المحبة.
- على المسؤولين والمديرين عندنا أن يخلقوا الحب والوفاق. ينبغي أن يكون المسؤول محبّاً للناس، وأن يتجلّى هذا الحب في تعامله وسلوكه. كان لدينا مسؤولون في غاية الصلاح اقتُرح عليهم حين مرضوا السفرَ إلى خارج البلاد للعلاج فرفضوا ذلك. على أن قصصاً أجمل من هذه بكثير نُقلتْ عن بعض مسؤولينا أيضاً، وعلى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون أن تنشرها. لكنه حينما يروّج التلفزيون للسلوك السليم لبعض المسؤولين في مسلسلٍ ما يحتج البعض على ذلك قائلاً: "لماذا تعرضون هذه الأمور؟" لأن عرضها يفضح المسؤول السيئ أمام الشعب.
- إن حبَّ الناس للمسؤولين، وحب المسؤولين للناس هو مبدأ فريد في نوعه. المفكّرون الغربيون يرون أن هذا الأمر مستحيل، لكننا نقول إنه ممكن، وسنطبق ذلك على أرض الواقع؛ وقد شاهدنا نموذجاً لذلك في حرب دفاعنا المقدس؛ حيث كان المجاهدون يحبون قادتهم حباً حقيقاً!
المبدأ الثالث في الإدارة هو "العقلانية والشمولية"/ يجب أن يكون المسؤول عقلانياً وشمولياً
- المبدأ الثالث في الإدارة هو "العقلانية والشمولية". يجب أن يتمتع المسؤول بالعقل الراجح والرؤية الشاملة! وتكمن الروح الثورية كلها في هذا المبدأ بالذات!
- إلى أي مدى يهم العقل؟ على سبيل المثال لاحظوا مدى أهمية العقل في الحياة الفردية. جاء في الرواية الشريفة: «إِنَّمَا یُدْرَكُ الْخَیْرُ کُلُّهُ بِالْعَقْلِ وَلَا دِینَ لِمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ» (تحف العقول/ ص54). وعن أمير المؤمنين(ع): «عَلَى قَدْرِ الْعَقْلِ یَکُونُ الدِّینُ» (غرر الحکم/ 6183).
الثورية تعني العقلانية والعمل لمصالح البلد
- لا يقولنّ أحد فينا يوماً: "هؤلاء كوادر مبدئية!" كلا، نحن الثوريين - بالمناسبة – نطالب بأن يتم التعامل مع جميع القضايا بعقلانية. فلطالما نبّه سماحة السيد القائد إلى أن: التطبيع مكْلِف، والمقاومة أيضاً مكْلِفة، لكن ثمن التطبيع أعلى من ثمن المقاومة. هذا الرأي عقلاني تماماً ولا يُعَد مبدئياً! على سبيل المثال نحن تمكّنا من تعزيز قدراتنا في المنطقة نتيجة مقاومتنا بتكلفة أقل بكثير مما دفعته السعودية.
- لا تتصوروا أنه ثمة في البلد فئة ثورية تحب المقاومة والصمود، وهناك فئة أخرى تقول: "يجب أن نرى أيّ الأمور توفّر لنا مصالحنا؟" إن الثورية - بالمناسبة - تعني أن نلاحظ بدقة أي الأمور تحقّق مصالحنا، فنتحرك بهذا الاتجاه بالذات.
الإيمان ثمرة العقلانية والعلم
- لنقرأ رواية أخرى عن العقلانية في الحياة الشخصية: روي عن أمير المؤمنين(ع): «أَعْقَلُ النَّاسِ أَنْظَرُهُمْ فِي الْعَوَاقِب» (غرر الحکم/3367). فالذين يتفكّرون في المعاد أعقل من غيرهم. وعادة ما يقال عن الذي يفكّر في المعاد والآخرة: إنه "متدين ومؤمن ومعتقد جداً!" بينما يجب أن نقول بحسب هذه الرواية إنه أعقل، (فإن كان عقله هو السبب في تفكيره في عاقبته فهو إذاً عاقل جداً).
- لقد تُرجم "الإيمان" لبعض الأشخاص ترجمة خاطئة للأسف، فالإيمان هو في الحقيقة ثمرة العقلانية والعلم. كانوا يقولون سابقاً: "إن الإيمان والعلم جناحان..."، أو: "الإيمان والعقل جناحان.."، لكن لا ينبغي أن نجعلهما في موازاة بعضهما البعض، بل يجب أن نقول: إن الإيمان ثمرة العلم والعقل. إنّ تصوّر البعض عن الإيمان هو ذلك الإيمان المعروف في القرون المسيحية الوسطى، وبهذا التصور يمكن أن يصنَّف الموضوع الخرافي إيماناً أيضاً! لكننا نرى الإيمان نتيجة العقل.
رواية عن العقلانية في إدارة الأسرة
- تحدثنا قليلاً عن العقلانية في الحياة الفردية، والآن لنتحدث عن العقلانية في الأسرة، ولدينا روايات عديدة حول الالتزام بالعقل في الحياة الأسرية.
- على سبيل المثال، روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال للإمام الحسن(ع) في كتاب له: «إِیَّاكَ وَالتَّغَایُرَ فِي غَیْرِ مَوْضِعِ الْغَیْرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ» (الکافي/ج5/ص537). فالغيرة في غير محلها لها آثار سيئة. ثم يتابع(ع): «وَلَكِنْ أَحْكِمْ أَمْرَهُنَّ فَإِنْ رَأَيْتَ عَيْباً فَعَجِّلِ اَلنَّكِيرَ عَلَى اَلْكَبِيرِ وَاَلصَّغِيرِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُعَاتِبَ فَيَعْظُمُ اَلذَّنْبُ وَيَهُونُ اَلْعَتْبُ اَلْخَبَرَ»؛ أي: إن رأيت منكراً فاستنكره وتصدى له، لكن لا تتشدّد إن كان هذا المنكر غير مؤَكّد.
- بعض الأمهات يلوم الأولاد كثيراً، هذا وقد أوصي بعدم ملامة الطفل في الأسرة لأن هذا يجعله عنيداً.
بحسب الرواية، يجب أن يتّصف الرجل بثلاث سِمات لإدارة المنزل:
- وفيما يتعلق بمبادئ الإدارة على مستوى الأسرة والسِمات الضرورية لها، فقد جاء في الرواية الشريفة: «إِنَّ الْمَرْءَ یَحْتَاجُ فِي مَنْزِلِهِ وَعِیَالِهِ إِلَى ثَلَاثِ خِلَالٍ یَتَکَلَّفُهَا وَإِنْ لَمْ یَکُنْ فِي طَبْعِهِ ذَلِكَ: مُعَاشَرَةٌ جَمِیلَةٌ، وَسَعَةٌ بِتَقْدِیرٍ، وَغَیْرَةٌ بِتَحَصُّنٍ» (تحف العقول/ ص322). فينبغي للرجل أن يتحلّى بهذه الخصال الثلاث، ويمارس إدارة منزله من خلالها، حتى إن لم تكن هذه الخصال من طبعه؛ عليه أن يتخلّق بهذه الأخلاق رغماً عنه، وإلا سيفسد بيئة أسرته. (فلا بد لك، في النهاية، حين تصبح مسؤولاً عن أسرة من الالتزام بهذه الخصائص حتى إن لم تكن جزءاً من طباعك).
- أما الخصلة الأولى فهي: «مُعاشَرَةٌ جَمیلة»، أي عليك بحُسن المعاملة؛ فهذه الخصلة مهمة جداً في الأسرة. والخصلة الثانية هي: «وَسَعَةٌ بِتَقْدِیرٍ»، أي لا يقتّر الرجل على عياله، لكن ينفق الأموال وفق منهجة معيّنة. فالتقدير يعني أن يُنفق بقدر؛ فلا يبذّر أمواله عبثاً، ولا يضيّق على عياله أيضاً. أما الخصلة الثالثة فهي: «وَغَیْرَةٌ بِتَحَصُّنٍ»؛ فينبغي أن يشعر الرجل بالغَيرة والمسؤولية تجاه عياله وأسرته، وأن يُظهِر هذا الشعور بالمسؤولية في تعامله. ينبغي أن يتّصف الرجل بهذه الصفات الثلاث ولا يَركَن إلى التكاسل والتقاعس والخصال السيئة الأخرى.
بحسب الرواية، إن عاتبتَ ولدك الشاب فلا تقسُ عليه، ودعه يُقدّم عذره إن أراد
- وفيما يتعلق بإدارة الأسرة وتربية الأولاد، ورد في رواية أخرى عن أمير المؤمنين(ع): «إذا عاتَبتَ الحَدَثَ فَاترُك لَهُ مَوضِعاً مِن ذَنبِهِ»، أي إذا عاتبتَ الفتى فلا تقسُ عليه، واسمح له أن يقدّم لك الأعذار إن أراد ذلك (كأن يقول مثلاً: كلا، هكذا جرت الأمور على أية حال و...، فتقول أنت: حسناً، قبلت عذرك). لا تتعامل معه بحيث يشعر أنك تتنمّر عليه، فيُنفّس فجأة عن هذا الضغط في موضع آخر: «لِئلّا يَحمِلَهُ الإخراجُ عَنِ المُكابَرَةِ».
- يمارس البعض الضغوط على الطفل إلى درجة خنقه! فيأمره بالإكراه: "لا بد أن تُصلح نفسك...". وفي مثل هذه الحالة سيضطرب الطفل نفسياً، أو يتحول إلى كذّاب، أو يُصاب بالعُقَد النفسية، أو يكتئب، أو يُبتلى بعُقدة الحقارة، ...الخ.
- كل هذا يدل على ضرورة العقلانية والشمولية في إدارة الأسرة. والسؤال المطروح هنا هو: "ماذا عساي أن أفعل الآن؟ هل أتشدّد أو أتساهل [مع أعضاء أسرتي]؟" في الحقيقة لا يستطيع أي فقيه تقريباً أن يجيبك على هذا السؤال! فأنت مَن يجب أن يكتسب عقلية الإدارة، ويتمتّع بقدرة التخطيط والمنهجَة؛ هذه هي الملاحظة المهمة.
- ينبغي أن يكون المدير عاقلاً. لكن ما معنى العقل؟ العقل هو أن تستطيع تمييز الأحسَن من بين أمرَين حَسنَين. وأن تُميّز الأسوأ من بين أمرين سيّئين. فقد جاء في رواية شريفة: «لَیْسَ الْعَاقِلُ مَنْ یَعْرِفُ الْخَیْرَ مِنَ الشَّرِّ وَلَکِنَّ الْعَاقِلَ مَنْ یَعْرِفُ خَیْرَ الشَّرَّیْن» (میزان الحکمة/ ح١٣٦٠٢). هذا هو الفرق بين العقل والعلم.
عن الكاظم(ع): «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِیّاً قَطُّ إِلَّا عَاقِلاً»
- نحن نتكلم عن ضرورة العقلانية في الإدارة، والإسلام أيضاً لا يتوقع سوى العقلانية في الإدارة. ولو عرضتم هذا الكلام على المنصف من معارضي الثورة أيضاً سيقبل به.
- روي عن الإمام موسى بن جعفر(ع): «مَا بَعَثَ اللهُ نَبِیّاً قَطُّ إِلَّا عَاقِلاً» (المحاسن/ ج1/ ص193). ثم يتابع الإمام(ع) قائلاً: «وبَعْضُ النَّبِیِّینَ أَرْجَحُ مِنْ بَعْض»، أي بعض النبيين كان أعقل من البعض الآخر. ثم يقول(ع): «وَمَا اسْتَخْلَفَ دَاوُدُ سُلَیْمَانَ حَتَّى اخْتَبَرَ عَقْلَهُ وَاسْتَخْلَفَ دَاوُدُ سُلَیْمَانَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَة». فالنبي داود(ع) استخلف سليمانَ(ع) بسبب غزارة عقله، إذ كان يبلغ من العمر ثلاث عشرة سنة فقط! لماذا؟ لأنه كان غزير العقل.
بناء على المعايير العقلية، هل يُعد "الاتفاق النووي" أمراً حسناً أو سيئاً؟
- يُسمّوننا: "الكوادر المبدئية!" هذا ونحن لا نرمي إلى شيءٍ سوى العقل! فلاحظوا مثلاً، هل يُعد الاتفاق النووي أمراً جيداً أو سيئاً حسب المعايير العقلية؟ إن كنا قد حقّقنا مصالحَنا بالاتفاق النووي فهو أمر حسن وجيد، وعلينا أن نستمر بمثل هذه الإجراءات، أما إذا لم نصل إلى نتيجة من هذا الاتفاق فالعقل يقول لنا أن لا نكرّر هذه الخطوة. فالقضية هنا ليست قضية مبادئ وقِيَم وروح ثورية وما إلى ذلك، بل هي العقلانية، وأن نرى هل حقّقنا مصالحنا أم لا؟ وبالطبع يجب أن نأخذ "جميع مصالحنا" بعين الاعتبار، لا أن نهتم بجزء بسيط منها، إلى درجة قول أحد السياسيين الغربيين: "أيُّ تنازلات تعهّد بها القوم من أجل بضع طائرات!"
علي(ع): أربع أمور تُهدِّم الدول/ المسؤول الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل إلغاء حفل موسيقي أكثر من حزنه على إغلاق المصانع هل يعد عاقلاً؟
- هناك في رواياتنا الكثير عن الإدارة والتخطيط. على سبيل المثال روي عن أمير المؤمنين(ع): «یُسْتَدَلُّ عَلَى إِدْبَارِ الدُّوَلِ بِأَرْبَعٍ: تَضْیِیعُ الْأُصُولِ، وَالتَّمَسُّكُ بِالْغُرُورِ...» (غرر الحکم/ 10965). يرى الإمام علي(ع) أن أربع أمور تقضي على الدول: أولها ترك الأهمِّ من القضايا والاهتمام بالقضايا الفرعية.
- للأسف لم يتألم بعض المسؤولين لأجل بعض القضايا المهمة كـ"إغلاق المصانع" كتألمهم على "إلغاء الحفلات الموسيقية"! حسناً، ألا يعد هذا التصرف حمقاً؟ بل لو عُدّ الحفل الموسيقي من المستحبّات وكان ثوابه أكثر من ثواب مأتم أبي عبد الله الحسين(ع) أيضاً، فالمسؤول الذي يتألم من أجل إلغاء الحفل الموسيقي بينما لا يأبه بإغلاق المصانع - والذي يتسببب في بطالة آلاف العُمّال - فهو مخطئ!
- الملاحظة الأخرى التي يشير إليها أمير المؤمنين(ع) هي: «وَتَقْدِیمُ الْأَرَاذِلِ، وَتَأْخِیرُ الْأَفَاضِلِ»، أي تقدِّمون الدنيء والحقير من الأشخاص، وتؤخِّرون ذوي الكفاءة.
علي(ع): إذا جمعتم الضرائب أكثر من إعماركم البلاد فقد أضررتم بالبلد
- قال أمير المؤمنين(ع) في ما روي عنه في كتاب له لمالك الأشتر: «وَلْیَكُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الْأَرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلَابِ الْخَرَاجِ ِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا یُدْرَكُ إِلَّا بِالْعِمَارَةِ» (نهج البلاغة/ الكتاب53). أي عليك أن تجعل همّك في إعمار البلد أكثر من اهتمامك بأخذ الضرائب، فإن البلاد إذا لم تَعمُر لا يتمكن أحد من دفع الضريبة، وإنك إن جَمعتَ الضرائب من الناس فستدمّر البلاد أكثر من إعمارك إيّاها!
- عليك بالإعمار أولاً، ثم خُذْ الضرائب. يجب أن تركِّز همّتك على الإعمار أكثر من تركيزك على جمع الضرائب. فإنك إن جمعتَ الضرائب أكثر من إعمارك البلد تكون قد أضرَرتَ به. وهل هذا الكلام سوى العقلانية؟!
- ثم يقول(ع): «وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَیْرِ عِمَارَةٍ أَخْرَبَ الْبِلَادَ وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ وَلَمْ یَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلَّا قَلِيلاً»، أي مَن يأخذ الضرائب من دون أن يعمّر منطقةً أو يبعث ازدهاراً اقتصادياً فهو يُهلك الشعب ولا يستطيع الاستمرار بالحكم طويلاً.
يمنع البعض الأمرَ بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال الكبت النفسي والإعلامي
- وهذه هي العقلانية بعينها! المهم هو أن لا يدوس المسؤول على "العقل والتجربة"، فلا يهمّنا إلى أي تيار سياسي ينتمي هذا المسؤول. لكن بعض السياسيين ووسائل الإعلام التي تحذو حذو الـ"بي بي سي"، ولأجل خلق حالة من الكبت النفسي، يُلصقون التُهَم بأن "فلاناً ينتمي إلى التيّار الفلاني!" أي إنهم، ومن خلال إلصاق وصمة التياريّة السياسية بالمنتقدين، يعمدون إلى تكميم الأفواه نفسياً، وهو ما يؤدي إلى السكوت عن الحق، وطمس فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- أنا أقول لبعض الأصدقاء: "لماذا لا تجهر بالكلام الحق الفلاني؟" فيجيب: "لأني إن جهرتُ به أصبحت تياريّاً! أي اتُّهمتُ بانتمائي إلى التيّار السياسي الفلاني!" هكذا هو الوضع الراهن مع الأسف! أنا لا ألعن تاركي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ألعن الذين يحولون، من خلال الكبت النفسي والإعلامي، دون أداء هذه الفريضة!
صاحب الزمان(عج) سيخاطب أصحابه بكلام يشابه كلام الإمام الحسين(ع)!..
- لقد خرج أبو عبد الله الحسين(ع) لإقامة الحكم، لكن هذا الأمر لم يتحقق، فقال لأصحابه في ليلة العاشر من المحرم: «إنّي غداً أُقتل وتُقْتَلون كُلّكم معي، لا يبقى منكم واحد» (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات/ ج4/ ص53). فلم يبق منهم إلا أهل الكرم والمروءة والتضحية. وسيقول الإمام الحجة بن الحسن العسكري(عج) كلاماً مشابهاً لهذا الكلام لأصحابه، مع فرق بسيط. فالإمام(ع) لن يسمح لمَن كان أدنى شأناً من أصحاب الإمام الحسين(ع) أن يبقى معه، إذ إنّ الصعاب التي ينبغي أن يتحملها أصحاب ولي العصر(عج) لا تقل عن الشهادة؛ فهنا يجب أن تبذل سمعتك، وتنفق أموالك، وتتحمّل المشاق...
- إن ليلة عاشوراء هي ليلة أمانينا أيضاً. تصوّروا أنّ صاحب الزمان(عج) قد جمع أصحابه حوله وهو يخاطبهم: "من يريد الذهاب فليذهب، ومن يريد البقاء فليبقَ!" ولن يبقى مع الإمام(ع) سوى مَن كان مستعداً للموت بين يديه، هؤلاء فقط هم مَن سيبقى معه، وينصره!
- حين قصد الإمام الحسين(ع) الكوفة قام البعض بخلق أجواء جعلت الناس يقول بعضها لبعض: "الويل لنا! هذا الحسين قادم إلينا يريد إقامة حكم علي(ع) من جديد، فلنذهب لقتله!" وبالطبع كان هناك الخوف من جيش يزيد أيضاً، لكن انظروا كيف أرعبوا الناس من الحكم العلوي للإمام الحسين(ع)، بحيث دبّ فيهم الهلع، وسحبوا أنفسهم، في حين كان معظمهم – من الناحية الأخلاقية - لا يرغبون في قتل الحسين(ع).
- هل تعلمون لماذا لا يظهر صاحب الزمان(عج)؟ لأنه يشبه أبا عبد الله الحسين(ع) خُلُقاً. كان أبو عبد الله(ع) يقول لأصحابه: "اذهبوا! فإن بقيتم معي ستُقتَلون!" وكأنّ صاحب الزمان(عج) يقول لنا اليوم أيضاً: "مارسوا أعمالكم فأنا لا أزعجكم، لنؤجّله [الظهور] إلى إشعار آخر، فقد اعتدتُ على هذه الغربة..." وإذا قال أحد: "سيدي! اسمح لي أن آتي لمساعدتك!" فسيجيب الإمام(ع): "هذا الأمر شاقٌ عليك، اذهب يا عزيزي فلا أريد أن تتأذى!" هذه هي أخلاقه وشيَمه! فليرحل عنه كل مَن له شغل شاغل، ليرحل عنه كل من يفكر في نفسه...
- في هذه الليلة ستُوقَّع صكوك الشهادة للعشّاق! فكل من يرغب في البقاء هذه الليلة في خيمة الإمام(ع) فلينتحب انتحاباً يجعله مقبولاً عند صاحب الزمان(عج). لأن إمام زمانك هو الذي يجب أن يقبلك اليوم! ثم قل: يا أبا عبد الله! لن أخرج الليلة من خيمتك حتى يكتب مهدي فاطمة(عج) اسمي في أسماء أصحابه...