۹۹/۰۹/۲۷
آخر استعداد للظهور – إصلاح الإدارة على مستوى الأسرة والمجتمع – الحلقة الخامسة
من الذي يتولى إدارة المنزل؟ مسؤولية الإدارة الحقوقية تقع على عاتق الرجل ومسؤولية الإدارة العاطفية تقع على عاتق المرأة/ المرأة تتولى الإدارة الداخلية في المنزل، والرجل يتولى الإدارة الشاملة/ يقوم العدو بحقن الأسرة بفكرٍ قوامه سوء التدبير
-
المكان: طهران، جامعة الإمام الصادق(ع)
-
الزمان: محرم 1441
-
الموضوع: آخر استعداد للظهور، إصلاح الإدارة على مستوى الأسرة والمجتمع
-
التاريخ: 4/ محرم / 1441 – 4/ 9/ 2019
-
A4|A5 :pdf
ينبغي على كل من الزوج والزوجة ممارسة الإدارة على مستوى الأسرة ومعرفة دوره الإداري. مسؤولية الإدارة الشاملة في الأسرة تقع على عاتق الرجل وهذا ما قال به علماء النفس أيضاً. أما الإدارة الجزئية (أي الإدارة في داخل المنزل) فهي من مهام المرأة، فأعظم المسؤوليات وأعلى مستويات الإدارة في داخل البيت تتحمّلها الزوجة.
لماذا يحتاج الإنسان إلى الإدارة؟
- حين نقرر التخطيط من أجل تطوير أنفسنا ورُقِيّنا لا نستطيع أن نقوم بذلك في الفراغ، لأننا لا نعيش في فراغ أصلاً، فثمة حقائق من حولنا تنازعنا وعلينا أن ندافع عن أنفسنا ونهتم بتنميتها في خضم هذه الصراعات والنزاعات التي باتت تهدّد مصالحنا.
- ومنذ أن خُلق النبي آدم(ع) وهو وسطَ صراع بسبب إبليسَ يعاديه. وقد أُطلِع سيدنا آدم(ع) منذ اليوم الأول على هذا الصراع، فكان عليه أن يلاحظ وجود هذا العدو الخبيث ويحذر منه في منهجَته من أجل الكمال، بيد أنّه نسي عداوته في لحظة واحدة فتلقّى منه ضربة قاسية.
- والآن، وبما أننا نريد أن نسمو بأنفسنا ونهيّئ آخر مقدمات الظهور على مستوى أنفسنا ومجتمعنا، فلا بد من أن نقوم بذلك في خضم الصراع الدائر في عصرنا والعداوات التي تواجهنا، وأن نعلم في أي عصر نعيش نحن؟
الفكرة والثقافة التي يوحيها نظام الهيمنة هي "التنظير لعبادة الهوى"!
- هناك في القرآن الكريم آية تقول: «أَفَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ» (الجاثیة/23)، فهذا الإنسان إن لم يكن عبدا لله أو عبداً للأصنام فهو "عبد للهوى"! ينبغي أن نتمعّن في معنى هذه الآية جيداً.
- في الحقيقة نحن نعيش في زمن تُعد فيه الحضارة الغربية والفكر الذي تقوم عليه عبادةَ هوىً مُنَظَّرٍ لها، وما السلبيات التي نراها في هذه الحضارة إلا نتيجة لعبادة الهوى هذه بالذات. على سبيل المثال، حين يقولون: "إن من حق الإنسان أن يحصل على كل ما يتمناه!"، فإنهم في الحقيقة يريدون بهذا الكلام إسقاط جميع الحدود بين "الأمنيات الحسنة والأمنيات السيئة". أو بتعبير أفضل: لا يريدون القول بأن بعض أماني المرء أسمى قيمة من بعضها الآخر، وأنّ عليه أن يغضّ النظر عن أمنياته الأدنى قيمة لصالح أمنياته الأكثر قيمة! هؤلاء لا يريدون أن يتقبّلوا هذا الأمر.
- بالطبع إن مواجهتنا الرئيسة لم تَعُد حتى مع الحضارة الغربية، بل من الأفضل أن نقول: إنها باتت مع "نظام الهيمنة". فالثقافة والفكر اللذان يبثّهما نظام الهيمنة ليسا إلا نتاجاً لعبادة الهوى المنظَّر له! نحن اليوم نواجه هذه الظاهرة، ولا بد من تنسيق جميع تعليماتنا لتصب في خدمة الصراع مع شبه إبليس زماننا هذا!
- إن جزءاً من حضارة الغرب هو حصيلة هذا الإبليس؛ إبليس الذي بدأ بالغرب فدمّره قبل أن يبدأ بتدمير الشرق. ولو كانت الشعوب في فرنسا وألمانيا وإنجلترا وجميع الشعوب الأورُبية قد تُركت لحالها ولم يكن ثمة تيار صهيوني مسيطر على أفكارها وثقافتها، لكانت قد اتخذت نهجاً آخر، وبالتأكيد لم تكن لتختار هذه الحياة التي اختارتها اليوم. هذه هي المعاناة التي يتظاهر بسببها الفرنسيون أسبوعياً. وإن كانت أعمال الشغب والبلبلة في الغرب لم تتصاعد أكثر مما نراه اليوم فذلك لأن الشعوب الأوروبية لم تجد بعدُ حلّاً بديلاً لما هي عليه، وفقدت أملها في تغيير الأوضاع، ولو وجدَت البديل لغيّرَت الأوضاع بالتأكيد. ولهذا السبب قيل فيما يتعلق بحوادث ما بعد ظهور صاحب الزمان(عج) إن القوم الذين سيخضعون بسهولة لخاتم الأئمة(ع) هم هؤلاء الأورُبيون بالذات، لأنهم سيكونون قد وصلوا إلى نتيجة مفادها أن السبيل الذي يمضون فيه هو السبيل الخطأ.
محورُ عداء نظام الهيمنة لنا هو: "لا تمارس الإدارة" أو "مارس الإدارة بشكل سيّئ"
- ما الذي تعاديه بالضبط الثقافة والحضارة الغربية اليوم (المقصود هو الجانب السلبي منها) وما الثقافة التي يبثّها نظام الهيمنة؟ ما هو الموضوع الذي يشكل محورَ عدائِها، كي نتخذ تجاهه الموقف المناسب؟
- الهدف الرئيس الذي يرمي إليه نظام الهيمنة في مواجهتنا، ومحور عدائه لنا يدور حول موضوعين؛ فهو إما أن يقول: "أيها الناس، اتركوا ممارسة الإدارة ودعوا الآخرين يتولون إدارتكم"، أي أنه قد حوّل الانفعال والتأثر بالآخرين وعدم ممارسة الإدارة إلى أمر ذي قيمة وإلى موضة وموضوع جذاب! وإما أن يقول: "إن مارستَ الإدارة فلا تحسن إدارتك!"
- فإن قال: "لا تمارس الإدارة أبداً"، فهو يروّج للفساد والفجور، ويحرّض الناس على حياة الفوضى. ونظامنا التربوي والتعليمي أيضاً عاجز عن مواجهة نظام الهيمنة! بل إن المرء ليخشى أحياناً أن تكون مناهج التربية والتعليم قد صيغَتْ بما يسلب منا قدرة المقاومة ضد نظام الهيمنة!
- أحياناً يخشى المرء أن يكون نظام الهيمنة قد تسلّل إلى عملية صياغة مناهجنا الدراسية لجَعْلها عقيمة إلى درجة أنها لا تُسمِن ولا تُغني من جوع. وحين نوصي بأن: "أَخرِجوا المناهج من حالة العُقم شيئاً ما"، يتعلل المخطّطون لهذه المناهج أحياناً بحجة أن هذا العمل يسبب "حساسية اجتماعية"! ما معنى هذا الكلام؟! إنّك إنْ كنتَ تملك عِلماً فلا بد لهذا العِلم وهذه المعرفة أن يجدا طريقهما إلى المدرسة. فقف دون رأيك ودافع عن عِلمك!
يقترح الدين ممارسة أصعب أنواع الإدارة
- اليوم يرمي نظام الهيمنة، أولاً، إلى أن لا يمارس أحدٌ إدارة نفسِه، وكنموذج من ذلك: لا يريدك أن تدير اقتصادك. هذا وإنك لن تحقّق الاقتصاد المقاوم إذا لم تُدِر اقتصادك بنفسك. فماذا يفعل الدين في مثل هذه الحالة؟
- إن اقتراح الدين هو ممارسة أصعب أنواع الإدارة، فيقول: لا ينبغي عليك ممارسة الإدارة فحسب، بل يجب أن تختار أكثر أنواع الإدارة تعقيداً ودهاءً وصعوبة.
أصعب الأساليب في كسب المال هو الأسلوب الجماعي
- في السنة الماضية تحدّثتُ في هذه المحاضرات عن أن تعالوا لنجعل للعمل وإنتاج الثروة والمثابرة قيمةً عندنا، وقد ذكرتُ حينها أن أصعب الأساليب في جني المال هو أن نقوم بذلك جماعياً، فنؤسس شركة تعاونية على سبيل المثال.
- وفقاً للخطة التنموية للبلاد، ينبغي أن تبلغ حصة الاقتصاد التعاوني من اقتصادنا 25 بالمائة، بَيدَ أن هذه الحصة لم تتجاوز يوماً الستة أو السبعة بالمائة خلال هذه السنوات. وهذا لأن مسؤولي الحكومة ونواب البرلمان ليسوا جديرين بأن يُطلقوا اقتصاداً تعاونياً، كما أن الاجتناب من تأسيس التعاونيات أسهل أيضاً لشعبنا؛ إذ إنّ كل مواطن يفضّل أن يؤسس مشروعَ عمل لنفسه، أو أن يودع أمواله في المصارف للاستثمار بالمضاربة.
قولنا: "لينتج الناس الثروة" لا يُعد دعوة إلى النظام الرأسمالي والليبرالي
- لينتبه جيداً الذين حاولوا في السنة الماضية - باسم المطالبة بالعدالة أحياناً – النيل من هذه المحاضرات وضربها، فهذا الخط الفكري مُستمَدّ من محطة الـ"بي بي سي"؛ فمُنظّر هذه المحطة هو الذي يوجّه بأنّ "هذه المواضيع هي التي تتميز اليوم بالحساسية وأن باستطاعتكم ضرب هذه الأفكار بهذه الطريقة...". ومن جانب آخر، هناك مواقع الكترونية، تدّعي فئة منها التديّن والثورية، تساهم أيضاً في الترويج لهذا النهج.
- نحن لم ندعُ في هذه المجالس أبداً إلى النظام الرأسمالي والليبرالي، بل كان حديثنا هو أنْ "هلمّوا للعمل وكسب المال سوية، عبر تأسيس التعاونيات في المساجد مثلاً!" فهذا لا يُعَد اقتصاداً رأسمالياً أو ليبرالياً! لكن البعض يتعمّد عدم الإصغاء لبعض المقاطع من كلامي. لذا ليس كلامهم لمجرّد التساؤُل أو الالتباس، فحسبهم أن يسمعوا بقية كلامي.
- كان أبرز موضوع تطرّقنا إليه في محاضرات السنة الماضية هو: "لماذا تودعون أموالكم في المصارف بشكل المضاربة لكي تستلموا شهريّاً مبلغاً من الأرباح؟ اسحبوا أموالكم من المصارف واجتمعوا معاً لتقوموا – مثلاً - بدعم صناعةً معرفيّة، أو تأسيس شركة تعاونية، وادفعوا شبابكم هؤلاء إلى العمل". فهل يَمُتّ هذا الكلام بِصِلة إلى الاقتصاد الليبرالي يا ترى؟! وهل يُعد تنظيراً للاقتصاد الرأسمالي؟! كل مَن يفهم في الاقتصاد قيد أنملة لا يَعُدّ كلامنا هذا تنظيراً للأرستقراطية والرأسمالية.
أصعب أنواع الإدارة على مستوى الأعمال الاقتصادية هي الإدارة الجماعية والإدارة التعاونية
- المثال الذي ذكرناه أعلاه بحد ذاته يبيّن أن الإسلام لا يوصيك بإدارة حياتك فحسب، بل يطلب منك أن تختار أصعب أنواع الإدارة! وإن أصعب أنواع الإدارة لكسب العيش هي الإدارة الجماعية والإدارة التعاونية للأعمال الاقتصادية، وهذا العمل الشاق للغاية يُعَدّ أكثر أنواع الاقتصاد تأخّراً في بلادنا!
- يطرح دستور البلاد ثلاثة أنواع من الاقتصاد: الحكومي والتعاوني والخاص. وبالمناسبة، تم تقديم الاقتصاد التعاوني على الخاص أيضاً، بيد أنّ ذاك الأول لم يصل حتى العشرة بالمائة، فما بالك بخمسة وعشرين بالمائة! (بتعبير آخر، عجز هذا الاقتصاد لحد الآن عن بلوغ الحصة المحددة له وهي 25 بالمائة). لماذا؟ لأنّه في الاقتصاد التعاوني يتضاءَل الريع، وتزدهر ريادة الأعمال، وتزداد المقاومة وينتعش الاقتصاد المقاوم.
يوصي الدين بأنْ "تولَّى إدارة حياتك بنفسك"/ ينبغي أن نربّي أطفالنا في المدرسة ليكونوا "مديرين"
- لا نريد الآن الولوج في موضوع الاقتصاد والمعيشة، بل نريد أن نقول: إن الدين قد أوصانا بأنْ "تولَّى إدارة حياتك بنفسك". وتوصية الدين في حقل الإدارة هي ممارسة أصعب أنواعها، ولذا فإن هذا النوع من الإدارة ليس للكسالى!
- علينا أن نُنشِئ أولادنا في المدارس ليصبحوا مديرين، ويكتسبوا الكفاءة اللازمة للإدارة؛ كأن يكون الطفل قادراً على إدارة مصروفه الشهري، أو على الأقل أن يُحسن إدارة مصروفِ جيبه الذي يستلمه من والده.
- في مدرسةٍ – أقدّم لها أحياناً بعض المشورة – ضربوا عملة نقود خاصة بتلك المدرسة، وقالوا للتلاميذ: "مارسوا عملية البيع والشراء بهذه العملة، ولا بد لكل واحد منكم أن يقوم بإدارة نقوده؛ كَم من المال تُنفق؟ وكم لا تنفق؟ وماذا تريد أن تشتري؟ وما الذي لستَ بحاجة إلى شرائه؟..." فأن تقوم بإدارة أموالك ولا تبذّرها في ما لا طائل فيه هو أساساً من توصيات الدين.
يريد العدو أن لا نتولّى نحن مسؤولية الإدارة حتى يتحكّم هو بنا
- يركّز عدوّنا اليوم على العمل على قضية: "لا يكن أحدٌ مديراً، أنا من يتولّى إدارة شؤونكم!" هذا هو أسلوب نظام الهيمنة، هذا هو الدأب الصهيوني، هذه هي طريقة النظام الرأسمالي الغربي الاستغلالي، والمتّبَعة في بلادنا أيضاً. فما يريده العدو في الحقيقة هو أن "اجلسوا في بيوتكم وودّعوا أموالكم في المصارف، وسينال أصحاب الريع منكم جميعاً، ويعطونكم نقوداً تسدّ رمَقكم!" هذا هو أسلوب النظام الرأسمالي، لكنه انتشر بيننا أيضاً مع الأسف.
- فليعمَد الذين يزعجهم النظام الرأسمالي إلى المصارف فيصلحوها، لا أن ينتقدوا توصيتنا بأنْ "انهضوا أيها الشباب واعملوا مع بعضكم البعض!"
النظام الرأسمالي "يربّي المُنفعلين المتأثرين" / الدين يقول: يجب أن تتولى الإدارة بنفسك
- النظام الرأسمالي يربّي الخدَم.. النظام الرأسمالي يربّي المنفعل المتأثِّر.. النظام الرأسمالي يقدّم لرعيّته قوتاً يسدّ الرمق. على أنّه لو استطاع لما قدّم لهم ذلك أيضاً، ولأماتَهم جوعاً (وتلاحظون كم شرّدَ هذا النظام من الناس في العالم). أما إذا عجز عن ذلك فسيرفّه موظّفيه قليلاً ثم يقول لأفراد رعيّته إذا انفعلوا بذلك: "لا تمارس الإدارة، فثمة عدد من المديرين، ما عليك أنت إلا أن تستريح وتتفرّج عليهم وتصفّق لهم!"
- لكن الدين يقول: "لا ينبغي أن تمارس أنت الإدارة فحسب، بل يجب أن تلتَفّوا حول بعضكم البعض وتمارسوا الإدارة جماعيّاً!" ولا شك أن هذا أمر عسير للغاية، لكنه رائع في الوقت نفسه. وإنما يتجلّى جوهر المرء في إنجاز النشاطات التي تتميز بشيء من الصعوبة. حتى الأطفال إذا أرادوا اللعب لا يختارون الألعاب البسيطة جداً، وإن ما يحقّق اليوم مبيعات أكبر هو الألعاب التي تكون صعبة نسبياً.
"لا تمارس الإدارة" أو "مارسها بشكل سيّئ"، هذا ما توحيه ثقافة نظام الهيمنة إلى الناس
- نحن نعيش في زمن يقول فيه عدونا (أي نظام الهيمنة): "لا تمارس الإدارة"، أو إذا مارستَها فـ"مارسها بشكل سيّئ"؛ بتعبير آخر، إنهم يعلّمون الناس سوء الإدارة عبر أساليب مختلفة. على سبيل المثال، إن نظرتم بدقة ستلاحظون أن الكثير من "أساليب النجاح" المطروحة تنطوي على تعابير جيدة (فهم يقتبسون العبارات الحسَنة الواردة في بعض روايات أهل البيت(ع) وينقلونها إلى الناس بتعابير أخرى من دون الإشارة إلى "أنها رواية"). لكن ثمة أيضاً، في بعضٍ آخر من أساليب النجاح، تعابير أخرى إن التزم بها الناس عمليّاً سيعيشون حياة العبيد!
أهم مقترح يقدّمه نظام الهيمنة لإفساد الإدارة يختص بحقل الأسرة
- إن ثقافة نظام الهيمنة وفكره إما أن يقولا: "لا تكن مديراً"، وإما أن يقدّما مقترحات للإدارة السيئة. ففي أي حقل يقدّم نظام الهيمنة أهم مقترحاته لتخريب الإدارة؟ إنه حقل الأسرة. وإن يتمعّن المرء في هذا الموضوع، سيلاحظ أنهم أصابوا الهدف بدقة عالية! فهم يقولون بصراحة: لإضعاف الإدارة على مستوى المجتمع ولكي نتمكن، عموماً، من استعباده لا بد أن نضرب الإدارة على مستوى الأسرة؛ فإمّا أن لا تكون ثمة إدارة في الأسرة، وإما أن تكون إدارتها سيئة!
- في هذا المجلس نريد أن نقدّم حلا لقضية أساسية في موضوع إدارة الأسرة، ثم سنتطرق في المحاضرات القادمة إلى عدد من الخصائص الرئيسة في الإدارة الجيدة، لنستعد لمثل هذه الإدارة إن شاء الله. بعبارة أخرى، نريد أن نناقش "الأسس المشتركة بين إدارة الذات، وإدارة الأسرة، وإدارة المجتمع"، لتشاهدوا أنّ سياستنا هي ديانتنا عيناً! وأنّ السياسة هي الأخلاق عيناً، والأخلاق هي السياسة عيناً. وأنّ التفسير السياسي للقرآن هو التفسير التربوي للقرآن نفسه ولا فرق بينهما.
بمرور الزمن، ستتضاءل هذه النقاشات السياسية في المجتمع
- عن أمير المؤمنين(ع): «أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى غَزَارَةِ الْعَقْلِ حُسْنُ التَّدْبِیرِ»(غررالحکم/3151)
- فحسن التدبير يعد أفضل دليل على ذكاء الإنسان وحِدّة عقله.
- أبشّركم بأن هذه النقاشات السياسية ستتضاءل في المجتمع بمرور الزمن. فالكثير من المواقف السياسية المختلفة المطروحة تعود إلى حِقبَة جاهليّتنا، ولا حاجة أصلاً للاقتراع في الكثير منها؛ بالضبط كما أنه لا معنى لأن يقول شخص ما: "نحن نريد الاقتراع لنقرّر من أي جهة من مدرج المطار يجب أن تقلع الطائرة؟" فتأتي آنذاك ثلة من الانتهازيين فتثير ضجة وتقوم بتشويه سمعة هذا وذاك عبر الأساليب الشعبوية و... لماذا؟ لأننا نريد أن نقرّر من أين تقلع الطائرة، من هذه الجهة من مدرج المطار أو من تلك الجهة؟! والحال أن هذا الموضوع هو أساساً موضوع تقني، فحين تهب الريح من هذه الجهة، يجب أن تقلع الطائرة من الجهة الأخرى وبالعكس! وهذا ما يقرّره المهندسون. سيأتي يوم لن تشاهدوا فيه أثراً للنزاع أثناء الانتخابات، وسيتحقق هذا الأمر في مجتمع هو مجتمع صاحب الزمان(عج).
- لماذا نقول: "تعالوا لنطوّر مستوى علومنا في حقل الإدارة؟" نقول ذلك حتى يتبين أن الكثير من هذه النزاعات السياسية عبثية ولا طائل تحتها! فمجرد إثارتهم للنزاع تعني، في الحقيقة، أنهم يفترضون الناس حمقى! لأن هذه النزاعات تدور حول المواضيع الاختصاصية ولا حاجة لهذا الصخب والضجيج حولها.
- ليس النزاعات السياسية المضحكة هي وحدها التي ستختفي شيئاً فشيئاً، بل ستختفي معها النزاعات والمواقف الثقافية المضحكة أيضاً. فلن يستطيع أحد بعد ذلك أن يقول مثلاً: "إن ذوقي الخاص في الموضوع الثقافي الفلاني هو كذا وكذا..." فهل هذه المواضيع ذوقية أساساً؟! وهل يجب حلّها بالنزاع والصراع والصفير والتصفيق؟! هذه القضايا أيضاً اختصاصية، ويجب أن يَبُتّ فيها الأخصائيون في ذلك المجال. بل وغالباً ما يتسنّى حلّها بالعلوم البشرية، فلا نريد أن نقول إنه لا بد من حلها بالدين فقط!
بعض الأشخاص يحوّل النزاع على الإدارة إلى نزاع لتشويه سمعة المنافس
- علاج الكثير من الصراعات الإدارية معلوم في علم السياسة وعلم الإدارة، لكن بعض الأشخاص يحوّلون هذه القضايا إلى صراع انتخابي وفرصة لتشويه سمعة المنافس! وأمثال هؤلاء هم حمقى أوّلاً، ويحسبون الناس حمقى ثانياً. وستزول هذه النزاعات أيضاً وسيأتي يوم لن يبقى فيه من هؤلاء الأشخاص ذكرٌ سوى أنهم كانوا مخلوقات مَهينة من التاريخ.
- فلو سُئل المنصف من الناس الآن: "هل يُستحسن حضور الفتيات في الملاعب الرياضية أو لا؟" فسيجيبون: "لماذا تقيمون الدنيا؟! حسبكم أن تأتوا بعدد من الأخصائيين في هذا المجال ليدرسوا التبعات الإيجابية والسلبية لهذا الأمر ويبدوا آراءهم. يلزمنا بضع ندوات يحضرها أصحاب الفكر من الحوزة والجامعة ويبدون آراءهم ويفضّون الموضوع." فلماذا تركبون موجة مثل هذه الأمور؟! لماذا تحسبون الناس جَهَلة؟!
- أنا طلبت مراراً من الأشخاص الموالين للثورة ألا يتدخلوا أبداً في الكثير من النزاعات، لأن حلّها من شأن العلم والمعرفة، وإن كان العلم التجريبي! ولا داعي للنزاع في هذه الأمور.
لا بد أن تتحوّل العديد من مناقشاتنا السياسية إلى مناقشات اختصاصية في حقل الإدارة
- نحن بحاجة إلى أن تتبدّل الكثير من مناقشاتنا السياسية إلى مناقشات اختصاصية في حقل الإدارة! فمن الخطأ أن نقول: "هذه الفئة تعتقد بهذا النمط من الإدارة وتلك الفئة تعتقد بنمط آخر!" وليس هذا الكلام بالجديد، ففي كتاب أمير المؤمنين(ع) لأبي موسى الأشعري [ما مضمونه]: ما دمتَ ذاهباً إلى المفاوضة فاجعل معيارك العقلَ والتجربة، ولا حاجة لأن تعتمد على مواقفي! فإن لم تتخذ العقل والتجربة معياراً فستشقى! «إنَّ الشَّقِيّ مَن حُرِمَ نَفعَ ما اُوتِي مِنَ العَقلِ والتَّجرِبَةِ» (نهج البلاغة/ الرسالة78). في الحقيقة إن الإمام(ع) يقول له: لا تأبه برأيي وبموقفي، بل اعتمد على معيارَي العقل والتجربة فحسب!
- فهل ترتبط هذه القضية باختلاف الموقف السياسي للإمام(ع) مع الآخرين؟ بمعنى أن يكون موقف الإمام علي(ع) السياسي بنحو، ويكون موقف أبي موسى الأشعري بنحو آخر! كأن يجنحَ أبو موسى الأشعري للسلم، ولا يجنح الإمام علي(ع) له؟! إن الإمام(ع) في الحقيقة كان قد أنهى هذه الألاعيب الخادعة حين أوصى باتخاذ العقل والتجربة معياراً [في الحكم]. كان علي(ع) غريباً وسيبقى كذلك إلى أن يحين موعد الظهور، ففي ذلك اليوم سيجعل الجميعُ العقلَ والتجربةَ لهم ميزاناً.
ما الحل لو انتهج أحد حُسنَ التدبير فوصل إلى نتيجة تخالف رأي الدين؟
- موضوعنا حاليّاً هو "حُسن التدبير". والسؤال: إن انتهج أحدٌ حُسن التدبير ووصل، بعقله وتجربته، إلى نتيجة تختلف عن النتيجة التي وصل إليها الدين فما هو الحل؟ أي: لو توصّل أحد بمساعدة معايير التدبير العقلانية إلى نتيجة مغايرة لمنطق الدين فما الحيلة آنذاك؟
- وهل هذا سؤال مناسب أصلاً؟ كلا، إنه ليس سؤالاً مناسباً أبداً! لماذا؟ لأنه في الحقيقة مصدر ارتزاق للبعض ضد الدين! فإن البعض قد بَنَى لنفسه، من خلال هذا السؤال، كياناً، وإنّ قولكَ: "هذا السؤال غير مناسب" يعني نهايته! فمن أين سيحصل، بعد هذا، على لقمة العيش؟ ستخلو نصف صفحات جرائده!
- هل تعلمون لماذا يعد هذا السؤال غير مناسب؟ لأنه إذا أراد الإنسان العاقل المجرّب، مع ما بلغه البشر من سُمُوّ في العقل وتطور في التجربة، أن يُحَكّم اليومَ ضميرَه فإنه سيصل إلى نفس النتائج التي يُقرّها الدين في أكثر من 99 بالمائة من الحالات. ولذلك نَعُدّ هذا السؤال غير مناسب، ولا يُعدّ هاجساً ضخماً بالنسبة إلينا.
الإدارة هي علم يستثمر أقل الإمكانيات ليحصد أعظم النتائج، والدين أيضا كذلك!
- روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال: «قِوَامُ الْعَیْشِ حُسْنُ التَّقْدِیرِ وَمِلَاکُهُ حُسْنُ التَّدْبِیرِ» (غرر الحکم/6807). ستتحول حياتنا إلى حياة طيّبة عبر حُسن التقدير، وحُسن الإدارة، وحُسن المنهجة، التي تحتاج بدورها إلى حُسن الإدارة.
- وروي عنه(ع): «حُسْنُ التَّدْبِیرِ یُنْمِي قَلِیلَ الْمَالِ وَسُوءُ التَّدْبِیرِ یُفْنِي کَثِیرَهُ» (غرر الحکم/4833). والإدارة في الحقيقة، هي علم يستثمر أقل الإمكانيات ليحصد أعظم النتائج. بل وما الدين إلا هذا، فهو يقول: استثمروا أدنى الإمكانيات للحصول على أعظم الفوائد.
- الدين هو السراج الهادي في لغز الحياة، فهو يجني أعظم الفائدة من أقصر الأزمنة، ويستثمر أفضل الاستثمار من أدنى طاقة. ولذلك يرى أمير المؤمنين(ع) أن أفضل دليل على دهاء الإنسان هو حسن الإدارة، لأنه يستغل أبسط الإمكانيات ليجني أعظم الفوائد: «أَدَلُّ شَيءٍ عَلَى غَزَارَةِ الْعَقْلِ حُسْنُ التَّدْبِیر.» (غرر الحکم/3151)
يقوم العدو بحقن الأسرة بفكرٍ قوامه سوءِ التدبير
- ماذا يفعل العدو في سياق سوء التدبير؟ يقوم العدو ببعض الأعمال للترويج لسوء التدبير في المجتمع، وبأخرى لترسيخ سوء التدبير عند الأشخاص (وأنتم مطلعون على هذه المواضيع ولا بد من شرحها بالتفصيل في محلها)، أما الإجراء الثالث للعدو في هذا السياق فهو أنه بات يحقن الأسرة بفكرٍ قوامه سوء التدبير، وهو تبديل الأدوار بين الرجل والمرأة، أو إعلان تساوي دوريهما، فتحيط مسؤوليةَ إدارة المنزل حالةٌ من الضبابية!
- وقد قام بعض علماء النفس الغربيين بدراسات في هذا المجال، وتوصّلوا إلى نتائج لافتة للنظر، بل واعتنقَ بعضُهم، وبناءً على تجربته في علم النفس، آراءً أكثر شدّة من الآراء الإسلامية! وأريد الآن أن أقدم لكم جزءاً من آراء علماء النفس الأجانب؛ على سبيل المثال، قدّم السيد "تالكوت"، وهو شخصية بارزة من مُتبَنّي المذهب الوظيفي في علم النفس، قدّم تحليلاً عن تقسيم العمل بحسب الجنس بين الزوج والزوجة، وعَدَّ "النمط الذي يضع مسؤولية طلب الرزق وقيادة الأسرة على عاتق الرجل والأعمال المنزلية وتدبير شؤون البيت على عاتق المرأة، أفضلَ نمط". وهذا ما لم يقله الإسلام!
آراء فئة من المفكرين الغربيين حول الإدارة على مستوى الأسرة
- أو قال بعضهم مثلاً: "إن تولَّت المرأة مهام كسب الرزق، فسيكون هناك خطر المنافسة مع الزوج، وهذا الأمر يُلحق ضرراً فادحاً بالوحدة والتناغم في الأسرة!" وهذا هو الرأي الذي قلتُ إنه أشدّ من رأي الإسلام، لأن الإسلام لا يمانع من أن تكسب المرأة المال. لكن اليوم بات بعض علماء النفس وفئة من المفكرين في المجالات المختلفة من العلوم الاجتماعية والتجريبية يصل إلى نتائج تغنينا عن القول بأنّ "هذا هو رأي الإسلام"، بل بوسعنا أن نقول بكل بساطة "إن هذا هو رأي المفكرين الغربيين أيضاً!" وقد قال سماحة آية الله الجوادي الآملي في هذا المضمار: ليس هناك معرفة دينية وغير دينية، فكل كلام صائب هو ديني! بغض النظر عن مصدره.
- حين يستخرج الفقيه حُكماً شرعيّاً لا يكون حُكمُه قطعيّاً، بل يقول: "بحسب استنباطي ودراساتي فهذا هو رأيي ..."، وربما لا يكون حكمه دقيقاً (بالطبع أنْ يُعَدّ هذا الحكم حجة شرعية للمكلّف فهذا بحث آخر). حسنا، عالم النفس أيضاً يقول الشيء نفسه! فهو يقول: "أنا أدعي هذا بناء على آخر تجربة أجريتُها أو آخر حصيلة علمية لدَيّ" فأيٌّ كان كلامُه صحيحاً وصائباً فهو معرفةٌ دينيّة. واللطيف في الأمر أن هذين الإثنين (الفقيه وعالِم النفس) على وشك الوصول إلى نفس الآراء!
- وعلى مستوى "إدارة الذات" أيضاً تأمّلوا كلام علماء النفس، وانظروا كم قد اقترب من مفهوم مخالفة الهوى، أو: "ضبط الميول"!
- يقول "ميشيل"، وهو أحد المفكرين الغربيين: "لا بد، في كل نظام أو مؤسسة بشرية، من وجود تدرُّج وظيفي، وهذا التدرُّج ضروري في الأسرة؛ فيجب أن يتولّى أحد أعضائها الدور الرئيس أو دور القيادة فيها ويدير شؤونها". وليس هذا بكلام علماء الإدارة، بل علماء النفس. ثم يردف السيد ميشيل قائلاً: "ولولا ذلك ستضطرب روح الرجل والمرأة."
لا يريد البعض أبداً أن يتقبّل وجود الفرق بين الرجل والمرأة!
- يُقال في العلوم المعرفية: "وفقاً للدراسات التي أُجريَت في العلوم المعرفية، هناك فروق بين الرجل والمرأة من حيث البنية، والأداء المعرفي للدماغ، والذاكرة الانفعالية، وإدراك العواطف، وطريقة وضع الحلول واتخاذ القرارات". وهذه القضية صادقة على الجميع ولا فرق بين من كان ينتمي لهذه الثقافة أو تلك، وبين من كان متديّناً أو غير متدين.
- فإن أردنا نحن تحديد بعض الأدوار المختلفة للرجل والمرأة وفقاً لهذه الفروق الموجودة بينهما سيتخذ بعض الأشخاص موقفاً مناهضاً لآرائنا، وهؤلاء هم الذين لا يريدون أصلاً أن يتقبلوا وجود الفرق بين الرجل والمرأة.
- أُنجزتْ دراسة على أطفال دون سن الخامسة لتبيُّن الفرق بين البنت والصبي في هذا العمر. ومن محاسن هذه الدراسة أنها لم تعبأ بالثقافة التي ترعرع في أجوائها هذا الطفل. تقول هذه الدراسة: "أظهرت النتائج أنّ الصبيان يتفوّقون بدوافع السلطة الاجتماعية على البنات بنسبة كبيرة ذات مغزى، بينما اكتسبت البنات علامات أعلى في المهارات العاطفية والاجتماعية ومهارات التنظيم الذاتي."
- لقد خلق الله سبحانه وتعالى فروقاً بين الرجل والمرأة على كل حال! وإن لم يكن علماء النفس ليدعمونا بآرائهم، فهل تعلمون كيف كان سيتصرف معنا البعض بسبب هذه العبارة بالذات؟ كان سينطلق أنصار الـ"بي بي سي" ويتخذون موقفاً ضد هذه العبارة!
- تُظهِر الدراسة السيكولوجية المذكورة أعلاه أن: "البنات يفضّلن اللعب في مجموعات أصغر وعادة ما يتّخذن صديقات حميمات بدرجات مختلفة، أما الصبيان فيفضّلون اللعب في مجموعة كبيرة، وينظرون إلى أعضاء هذه المجموعة بالتساوي، ولا يبالغون في إعطاء مختلف الدرجات لأصدقائهم." طبعاً هذه النتائج تختص بسن دون الخامسة.
- يفضّل الصبيان في ألعابهم أداء دور في المجموعة وهو ما قد يؤدي إلى النزاع فيما بينهم، أما البنات فيفضّلن اللعب مع بعضهن من دون نشوب نزاع. يُؤْثِر الصبيان اللعب بعيداً عن البيت، بينما تؤْثِر البنات ممارسة اللعب والنشاط تحت إشراف شخص يكبرهن عمراً.
- وما هذا الكلام بالديني! إنه يعني ضرورة الاهتمام بما بين البنت والولد من تمايزات نفسية وفروق تقول بها العلوم المعرفية.
يجب ملاحظة الفروق بين البنت والولد في نظام التربية والتعليم
- ويل لذلك النظام التربوي التعليمي الذي يُهمِل، منذ الصف الأول الابتدائي إلى آخر سنة دراسية، الفروق بين البنت والولد! ففي مثل هذه الحالة نحن نعمل على إبادة الطاقات والمواهب؛ فقد نربي الصبيان كالبنات تماماً، والبنات كالصبيان تماماً. وإننا لنقرأ في الروايات كيف أن الرجال في آخر الزمان يتشبهون بالنساء، والنساء يتشبهن بالرجال.
- وجود الفروق بين الرجل والمرأة أمر طبيعي، وقد ورد ذلك في القرآن الكريم أيضا. فقد جاءت بعض التوضيحات في الآيات الكريمة في هذا المجال، على سبيل المثال قال تعالى: «وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَکُمْ عَلى بَعْض» (النساء/32)، أي لا تتمنّوا المميّزات التي وهبتُها لكل أحد منكم، فقد وهبت مميزات وفضائل للرجل، كما وهبت مميزات وفضائل للمرأة. ويبدو أن الرجال، منذ القدم، كانوا يرغبون، مثلاً، في امتلاك بعض المزايا التي تختص بالنساء، أو يتحسّرون عليها، أو يحسدون النساء عليها، أو يريدون إنكارها. وكانت النساء أيضاً ترغب في امتلاك بعض المزايا التي تختص بالرجال، أو يتحسّرن عليها أو يحسُدن الرجال عليها أو يتنازعن بسببها أو ينكرنها.
- وبعد ذلك يقول تعالى: «لِلرِّجالِ نَصیبٌ مِمَّا اکْتَسَبُوا ولِلنِّساءِ نَصیبٌ مِمَّا اکْتَسَبْن وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ». ولتنظروا ما كتب العلامة الطباطبائي(ره) في تفسير هذه الآية المباركة. أحيانا لا يريد الناس أن يتقبلوا الأدوار المخصصة بهم.
- ثم يقول تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلىَ النِّسَاءِ»، أي إن الرجال مسؤولون عن النساء ويجب أن يأخذوا على عاتقهم مهامّ الإدارة. وهذه الإدارة تعني مسؤولية المحافظة والحماية والهداية، ولا تعني أن الرجال يمتلكون النساء! كما أن هذه الإدارة ليست مطلقة بحيث يسمح الرجل لنفسه بالتحكّم حتى في الأمور الجزئية أو التفاصيل في المنزل، كلا ليس الأمر كذلك!
- اليوم باتت الفروق والتمايزات السيكولوجية بين الرجل والمرأة واضحة إلى هذه الدرجة! فمثلاً يتميّز الرجل برؤية أكثر شمولاً، وتتميّز المرأة برؤية أكثر جزئية ودقة. ولأي الأمور يصلح هو أكثر، ولأي الأشياء تصلح هي أكثر، ..الخ. وبالطبع قد تغلب على رجلٍ الصفات الأنثوية، وهذا ليس بذنب، كما قد تسود في امرأةٍ سمات الرجولة. على الرغم من ذلك، إن أراد كل منهما أداء دورٍ أمام أطفاله فعليه أن يمارس ببراعة الدور الثقافي الخاص به والمقبول اجتماعياً بالنسبة إليه.
على عاتق من تقع مسؤولية الإدارة في المنزل؟ الرجل يتحمل مسؤولية الإدارة الحقوقية والمرأة تتحمل مسؤولية الإدارة العاطفية
- «الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّسَاءِ»، من الذي يتولّى إدارة المنزل؟ يقول العلامة محمد تقي الجعفري(ره): هناك ثلاث حالات متصوَّرة لإدارة الأسرة: فإن قلنا إن الإدارة مسؤولية المرأة فهذا ليس ممكنا ولا مطلوباً، ولا يوجد برهان عقلي أو شرعي لذلك. وإن قلنا ليست هي مسؤولية أحد، بل تتم بالمشاركة، فهذه الحالة أيضاً لا تُعد إدارة أصلاً، وليست معقولة. وأما أن تكون الإدارة مسؤولية الرجل فهذه الحالة هي الصائبة، وهذه هي شروطها...
- حسناً والآن هذا هو تعبيري: "الإدارة الحقوقية؛ أي تلك التي تتخذ طابع الدعم والحماية، وطابع القيمومة والهداية الشاملة، فهي من شأن الرجل. أمّا الإدارة العاطفية فهي من شأن المرأة." مَن الرئيس في المنزل من الجانب العاطفي؟ المرأة بالطبع! مَن الذي ينبغي مراعاة قلبه ومشاعره؟ إنها المرأة وليس الرجل! فلا ينبغي في أي حال من الأحوال أن يقال للأطفال: "حذارِ من أن تكسر قلب أبيك!"، بل يجب أن يقال له: "حذارِ من أن تحطّم كبرياء أبيك!" لأن ذلك الجانب من الإدارة [الذي يستوجب القدرة والمهابة] يختص بالرجل. لكن ينبغي أن يقال للأطفال: "انتبه لئلا تكسر قلب أمك!"
- إذا اشتهت الزوجة في الأسرة طبقاً معيّناً من الطعام، واشتهى الرجل طبقاً آخر فمن سيكون الرئيس في مثل هذه الظروف؟ ولمن ستكون الكلمة الأخيرة؟ ستكون للزوجة! لأن الموضوع يتعلق بالقلب والمشاعر. وهذا الكلام هو على جانب من الأهمية بحيث جاء في الخبر أنه إذا أُرغمت الزوجة على تناول طعام يرغب فيه زوجها وهي لا ترغب فيه، يوصف ذلك الرجل بـ"المنافق!"، أما إذا أكل الرجل ما تشتهيه زوجته، أي ما لا يرغب فيه لكنه تناوله لأن زوجته ترغب فيه، فإن هذا الخُلق من علامات المؤمن! «الْمُؤْمِنُ یَأْکُلُ بِشَهْوَةِ عِیَالِهِ، وَالْمُنَافِقُ یَأْکُلُ أَهْلُهُ بِشَهْوَتِه.» (وسائل الشیعة /21/542) حين يتعلق الموضوع بالقلب والمشاعر، لا بد أن يُقدّم رأي الزوجة، أما حين يتعلق الموضوع بالقضايا الحقوقية والإدارة الشاملة – فيما يرتبط بالقضايا التي ذكرناها سابقاً – فينبغي أن تكون الكلمة الأخيرة للرجل.
لمَن الكلمة الأخيرة في البيت؟
- يروم البعض تفسير الإدارة بأنه: "لمَن تكون الكلمة الأخيرة والحاسمة في البيت؟" الجواب هو أنها للأم في المواقف العاطفية، وللأب في الشؤون الخاصة بالإدارة الحقوقية. فانظروا بأنفسكم لمَن مسؤولية الإدارة؟ نحن لا نريد التلاعب بالكلمات، بل ينبغي أن نتصرف برؤية واقعية. تحرَّوا في علم النفس لتتأملوا ما الميزات والصفات الخاصة بالمرأة التي تجعلها تحب أن يتمتع زوجها بقدرة عالية على دعمها ومساندتها. لا بد أن تُدرس هذه المواضيع من وجهة نظر علم النفس ليتبيّن ماذا تريد المرأة وتتمناه؟
- ما يهم الزوجة هو أن تكون محبوبة عند زوجها. فهي لا توَدّ أن يطيعها زوجُها وحسب، حتى وإن كان لا يحبها! وما يهمّ الرجل هو أن تطيعَه زوجتُه، حتى وإن كانت لا تحبه كثيراً!
- ما يهم الرجل هو أن تطيعَه زوجتُه، وما يهم المرأة هو أن يحبها زوجها، وينكسر قلبُها إن افتقدت هذا الحب. لا بد أن نلاحظ هذه الفروق جيداً!
الإدارة الشاملة أو العليا للرجل والإدارة في التفاصيل (الإدارة في داخل المنزل) للمرأة
- الإدارة الشاملة في المنزل إذاً تقع على عاتق الرجل، والإدارة في التفاصيل هي مسؤولية المرأة، وهي تعني الإدارة في داخل البيت. حسنا، ما هي إحدى الأعمال التي يتم إنجازها في داخل البيت؟ إنها تربية الإنسان! وإن هذا الإنجاز، أي "تربية الإنسان"، هو على جانب من الأهمية والقيمة بحيث لا يستطيع الرجل أن يصل إلى شرفِ عملِ المرأة هذا، حتى لو أتعبَ نفسَه مائة عام!
- نحن لا نُحسن الدعوة إلى هذه الأمور! لاحظوا مسلسلاتنا التلفزيونية! فإنّ تناقُص عدد الأولاد في العوائل يعني أن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون قد عجزت لحد الآن عن تبيين قيمة الأمومة، وعن بيان أنّه كم تغدو الزوجة أعزّ عند زوجها كلما أنجبَت له المزيد من الأطفال، وكلما كان هذا الزوج أكثر آدميّةً كان أشد تعظيما وتوقيرا لزوجته!
- إنّ من الظلم طبعاً قصف الروضات ودور الحضانة بالقنابل وقتل الأطفال الأبرياء، لكن الظلم الأفدح هو إلقاء قنابلَ "وثيقة التنمية المستدامة" (2030) على ثقافتنا!
يجب على كل من المرأة والرجل ممارسة الإدارة على مستوى الأسرة/ ليس المطلوب أن يكون الرجل مديراً والمرأة مُدارَةً
- «الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّسَاء»، لماذا يجب أن يكون الرجال "قوامين"؟ ليس المقصود من القيمومة الحاكمية المطلقة، بل هي ضرب من الإدارة، وهو ما أشرتُ إليه من أنّ الإدارة الكلية والشاملة للأسرة تكون على عاتق الرجل، وهذا ما صرّح علماء النفس أيضاً بما هو أكثر تطرّفاً منه. كما أن الزوجة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تبقى من دون مسؤولية ومن دون إدارة، بل إنّ أعلى المناصب والمسؤوليات الإدارية ضمن الدائرة الداخلية للمنزل تُفوَّض إلى المرأة.
- على المرأة أن تتولّى أمر الإدارة وتعرف أدوارها الإدارية، وعلى الرجل أيضاً أن يعرف أدواره في هذا المضمار. بل إننا لم نقل أبداً فيما قلناه: إن الرجل مدير والمرأة مُدارَة! يجب أن تكون المرأة أيضاً مديرة! لا شك أن المرأة تتفوّق على الرجل في بعض الكفاءات الإدارية. فعلى سبيل المثال، إن قدرة المرأة على إدارة العلاقة بين الجنسين في المجتمع تفوق قدرة الرجل. ولذلك أُنيطَت مسؤولية الحجاب بالمرأة، لأن الحجاب أداة بيدها لممارسة الإدارة على مستوى علاقتها بالرجل! لأن الرجل ضعيف في هذا المجال ولا يستطيع أن يسيطر على نفسه، وهذا ما جاء في القرآن أيضاً، لذلك يُقال للمرأة: "الإدارة هنا مسؤوليتُك!" وذلك من خلال الحجاب! فالحجاب يُعَد أداة الإدارة بيد المرأة.
- نحن لا نُسقط الإدارة عن المرأة، بل نقول: إن ضرباً من الإدارة هو من شأن الرجل، وضرباً آخر منها يليق بالمرأة. فالإدارة العاطفية على مستوى المجتمع مسؤولية المرأة، وهي مسؤوليتها في البيت أيضاً، وهذا هو أصل القضية.
ينبغي على الآباء تقوية الإدارة العاطفية للمرأة، وتوصية الأولاد بأن "لا تكسروا قلب الأم!"
- إن أئمة الهدى(ع) هم النموذج الكامل والتام للإدارة العاطفية على مستوى المجتمع والدين. ولذلك يشبّه الإمام الرضا(ع) الإمامَ بالأم عند تعريفه لـ"مفهوم الإمامة": «الْإِمَامُ، الْأَنِیسُ الرَّفِیقُ وَالْوَالِدُ الشَّفِیقُ وَالْأَخُ الشَّقِیقُ وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِیر» (الکافي، ج1، ص200). فيجب على الآباء أن يقوموا بتعزيز هذه الإدارة العاطفية للمرأة وأن يقولوا للأولاد: "لا تكسروا قلب أمكم!" لا بد أن يسمع الطفل هذا الكلام من لسان أبيه، حتى يدرك معرفة الإمام حين يكبر! وإلى جانب ذلك بالطبع، ينبغي أن تعلّم الأمُّ أولادَها احترام أبيهم. فماذا سيحدث إذا قالت الأم لطفلها :"احترم أباك"، وتربّى الطفل على هذا المنوال؟ سيصبح هذا الطفل عارفاً بإمامه، وسيترسّخ أصل الولاية وأصل الدين في نفسه.
- أنا شخصياً لا أعتقد بموضوع الأخلاق الأسرية، لكن أرى أن الأخلاق في الأسرة ستصلُح إذا صلُحَت الإدارة فيها.
قاعدة بسيطة لتربية الأولاد: ليُحبّ الزوجُ زوجتَه، ولتحترم الزوجةُ زوجَها وتطيعه
- جاءني زوجان شابّان وقالا لي: إننا نرغب في أن يرزقنا الله بمولود، لكننا لا ندري إن كنا مستعدين لتربية الطفل أم لا، فهذا الأمر في غاية الصعوبة! قلت لهما: ليس صعباً أبداً، فإنّ للتربية قاعدة بسيطة عليكما الالتزام بها وهي: أن يحب الرجل زوجته، وتحترم الزوجة زوجها وتطيعه. على الزوج أن يحترم ويقدّر إدارة زوجته العاطفية، وعلى الزوجة أن تحترم وتقدّر إدارة زوجها الحقوقية والشاملة في الأسرة. فإن شاهد الأولاد هذا السلوك منكما في البيت فسيتربّون تربية صالحة، ولا حاجة إلى أي شيء آخر!
- هذه القاعدة صادقة في الدين أيضاً، فلماذا يُقال: "إن كنت ملتزماً بالولاية ستصلُح جميع الأمور؟" وفي المجتمع أيضاً إذا استقامت الولاية، وتوطّدَت أركانُ الالتزام بها، وأصبح ولي الله الأعظم(عج) حاكماً، وعرف الناس قيمة الولاية، فستصلح جميع الأمور. هذه هي القاعدة وهذا هو الأصل.