۹۹/۰۷/۰۷
آخر الاستعداد للظهور، إصلاح الإدارة على مستوى الأسرة والمجتمع – الحلقة الأولى
علينا أن ندرك مفهوم الإدارة كي لا يخدعنا أي مدير/ ثمة أصول لإدارة المجتمع وهي نفسها أصول "إدارة الأسرة" و"إدارة الذات"/ هل يمكن للمستضعفين أن يرثوا الأرض ويصبحوا أئمتها دون أن يتأهلوا لذلك؟ شرطان لخروج المستضعفين من حالة الاستضعاف
-
المكان: طهران، جامعة الإمام الصادق(ع)
-
الزمان: محرم 1441
-
الموضوع: آخر استعداد للظهور، إصلاح الإدارة على مستوى الأسرة والمجتمع
-
التاريخ: 29/ ذي الحجة /1440، 31/ 8 /2019
-
A4|A5 :pdf
ما هو سبب الإبتلاءات قبل الظهور؟ هو لنكتسب الجدارة والأهلية. لماذا يتبيَّن اليوم أن بعض مسؤولي بلادنا فاسدون؟ لا بد أن نكتسب في النهاية أهلية، كأن نعرف قدر مسؤول جدير، أو نميّز بين مسؤول صالح وآخر فاسد، وأن ننظر إلى المسؤولين في المجتمع بحساسية!الفاقد لهذه الخصائص لا تتلاءم شخصيّتُه مع الدين أساساً؟
إدراك صاحب الزمان(عج) وولايته ودولته هو المحور الرئيس للدين في عصرنا
- مثلما كان الدين في بداياته متمحوراً حول شخص الرسول(ص)، وكان المحور الرئيس في الدين هو قبول الرسول(ص) شخصيّاً والإيمان به ونصرته والتضحية في سبيله، فلقد أصبح المحور الرئيس للدين اليوم هو إدراك صاحب الزمان(عج) ودولته، والتسليم لولايته والتضحية في سبيله.
- لكن تعاليمنا الدينية عموماً رسّخت وما زالت ترسّخ هذا المفهوم الخاطئ وهو أنّ "الدين ليس إلا منظومة لضبط علاقة الإنسان بالله، وبالطبع كان لرسول الله(ص) أيضاً دور في إبلاغ الدين وهو(ص) أيضاً محترم!" هذا وقد كانت بداية الدين هي قبول شخص رسول الله(ص) وإجابته، وكان تاريخ صدر الإسلام يدور حول محور الدفاع عنه(ص) وفدائه بالنفس.
- حين تكون تعاليمنا الدينية على هذا المنوال فمن الطبيعي أن لا يُهضم مفهومٌ مثل "الولاية" جيّداً، ويشيع التنكُّر للولاية، ولا يتسنّى إدراك معنى قبول الولاية وسيبدو هذا القبول أمرا شعاريّاً وليس شعوريّاً! أضف إلى ذلك الأضرار الجسيمة الأخرى والتي يُعد التأخير في ظهور صاحب العصر(عج) إحدى تبعاتها، على الرغم من وجود هذا العدد الهائل من المسلمين الصالحين المصلّين.
لم يدُر النزاع في صدر الإسلام حول الاعتقاد بالله، بل حول الرسول(ص) نفسه!
- كان معيار إسلامك في عهد صدر الإسلام هو "أن تؤمن بهذا النبي وتُقرّ بأنه رسول الله"، وإلا فقد كان الجميع تقريبا يؤمن بالله في ذلك الزمن، وإن كان هذا الإيمان تشوبه الزوائد والشوائب. ولم يكن النزاع يدور حول العبادة أيضاً، بل كان حول شخص الرسول(ص) نفسه، أي حول أن نؤمن به أو لا نؤمن. لكن الطريقة التي درسّونا بها في المدارس صوّرتْ لنا أن الجميع كانوا ملحدين في صدر الإسلام، وحين كان أحد يتحدث عن "الله" كانوا يقولون باستغراب: "ما معنى الله؟!" وكان النبي(ص) يبدأ بإثبات وجود الله لهم! تماما كما نقوم نحن أوّلاً بإثبات وجود الله لأطفالنا.
- كان رسول الله(ص) هو المحور في صدر الإسلام وبقي كذلك حتى النهاية، ولذلك قال(ص) في يوم الغدير: «مَن کُنتُ مَولاهُ فَهذا عليٌّ مولاه». فلا يلمني أحد بأنك "قد رفعت شأن رسول الله(ص) إلى مرتبة أعلى من الله!" كلا! فقد كان الإيمان بالله موجوداً آنذاك أيضاً، ولم يكن النزاع حوله، بل كان حول رسول الله(ص) شخصيا.
اليوم أيضا يدور النزاع في الدين حول ظهور إنسان غائب
- اليوم أيضا يدور النزاع في الدين حول ظهور ذلك الشخص الغائب، وليس حول التديّن بدون حضوره! واليوم أيضا ينبغي أن يبلغ التدين مرحلة يتكلّل فيها بقدومه! فمجيئه مؤشر على نجاحنا في التدين. وإن السبب في قتلهم المتدينين اليوم هو الحيلولة دون مجيئه! فمن كان تدينه لا يهيئ الأرضية للظهور لا يكترث به المستكبرون أبداً فما بالك بأن يقتلوه!
- بناء على ذلك فإنّ كل موضوع يُطرح اليوم للنقاش يجب أن يحدد موقفَه من قضية ظهور ولي الله الأعظم(عج). والموضوع الذي لا يحدد موقفه تجاه هذه القضية وتهيئة الأرضية والإمكانيات للظهور هو موضوع أبتر معلق في الفضاء. فعلى حد ما نُقل عن الإمام الصادق(ع) إن هدف الإسلام لم يكن الطواف حول الكعبة الشريفة، فقد كان هذا الطواف قائماً قبل بعثة الرسول(ص) أيضاً: «هَکَذَا کَانَ یَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِیَّةِ» (الکافي/ ج8/ ص288) فالطواف بالبيت العتيق دون الإيمان برسول الله(ع) ليس هو إلا طواف الجاهلية، ودروس الأخلاق والعبادة والأمور المعنوية دونما اتصالٍ بظهور صاحب العصر(عج) ليست إلا دروس عهد الجاهلية في الأخلاق والعبادة والأمور المعنوية!
وجود العلاقة بالظهور هي إحدى مؤشرات سلامة موضوع البحث وأن له الأسبقية
- وكذلك الحال بالنسبة لمجالس عزاء أبي عبد الله الحسين(ع) والمواكب الحسينية، فعليها أن تحدّد موقفها من قضية ظهور صاحب العصر(عج) وإلا لا تكون مقبولة! والشاهد والحُجّة على كلامنا والمعيار له هو زيارة عاشوراء التي يتكرر في مقاطع عديدة منها "السلام على الحسين(ع)، واللعن لأعدائه، والإشارة إلى ظهور صاحب الزمان(عج)". وزيارة عاشوراء من أكثر زياراتنا المأثورة محورية والتي تحدد موقفها دائماً من قضية ظهور مولانا صاحب الأمر أرواحنا له الفداء.
- إنّ من مؤشرات سلامة كل موضوع ديني ومعنوي يتم طرحه وأن له الأسبقية مقارنة بغيره هو أن يحدد علاقته بقضية الظهور وموقفه بالنسبة لتوفير الأرضية للفرج. إذ ربما نخوض في الأخلاق ونتناقش معاً حولها دون أن تكون ثمة صلة لذلك بالظهور، وهذا كالطواف المجرَّد من رسول الله(ص) الذي كان يمارَس زمن الجاهلية.
- نعم، قد يُبحث موضوعٌ ما دون أن تُحدَّد علاقته بالظهور، لكن بإمكانك أنت أن ترى ما إذا كانت له صلة حقيقية بالظهور أو لا. فإن كانت الصلة موجودة فهو موضوع سليم وله الأسبقية.
تعالوا، هذا العام، نربط الأربعينية بصاحب الزمان(عج) أقوى من كل عام
- ينبغي أن يكون مجلس رثاء أبي عبد الله الحسين(ع) وزيارة الأربعين أيضا على هذا المنوال، أي أن تكون مرتبطة بصاحب الزمان(عج) وبقضية الظهور. وقد تحدثتُ هذا العام لبعض الرفاق الذين كانوا يخططون لزيارة الأربعين أنه: "هلمّوا، هذه السنة، نربط بين زيارة الأربعين وهذه المسيرة الرائعة العظيمة وبين صاحب الزمان أروحنا له الفداء أقوى من كل سنة".
- وهذا الاتصال موجود أساساً، لأنك تقرأ في زيارة الأربعين: «ونُصرَتي لَكُم مُعدَّة»، أي إني جئت لنصرتكم! جئت لنصرة نجل الإمام الحسين(ع)، فلستُ حزينا على الإمام الحسين فحسب دون أن أكترث لنجله (أي صاحب الزمان(عج))! ولستُ غير مُهتَمّ بمستقبل الحسين(ع) وأحزن فقط على ما جرى عليه من المصائب في الماضي! فهل يُتقبَّل مثل هذا البكاء برأيكم؟
- اجتمع عدد من الرفاق قائلين: هذا العام سننطلق بالمشي في مسيرة الأربعين من "مسجد السهلة"، أي من بيت صاحب الزمان(عج)! وهذا اقتراح جميل وعمل حسَن لأرباب الذوق وأهل التوفيقات.
كل شيء فينا يجب أن يكون مهدويّاً، بل هذا هو معنى "المنتظِر" أساساً
- كل شيء فينا يجب أن يكون مهدويّاً، بل هذا هو معنى المنتظر أساساً! حياتنا، مجتمعنا، سياستنا، جمهوريتنا الإسلامية، أخلاقنا، أسرتنا كلها يجب أن تكون مهدوية. علينا أن نرى ما الذي يرتضيه صاحب الزمان أرواحنا فداه في الوقت الحاضر؟
- قد لا تصدقون ذلك، لكن ثمة أشخاص يهتمون بضبط علاقتهم بالله سبحانه وتعالى وتشغلهم آخرتُهم أيضاً، لكن تمُرّ عليهم السنة تلو الأخرى من دون أن يذكروا صاحب الزمان(عج)، بل لا يريدون أساساً إقامة علاقة بين دينهم وبين ولي الأمر(عج). وقد يكون بعضهم على مستوى رفيع من الأخلاق وطيبة النفس ويحسنون أداء الصلاة وتلاوة القرآن أيضا!
ما هي علاقة موضوع بحثنا بصاحب الزمان(عج) والظهور؟
- والآن نريد أن نوضح علاقة موضوع بحثنا بصاحب الزمان(عج) من خلال هذه الآية القرآنية الكريمة: «وَنُریدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذینَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثینَ» (القصص/5). هذه الآية معروفة وجميعكم يعلم أنها حول الظهور وآخر الزمان، وهي في الحقيقة تختص بمولانا صاحب العصر والزمان أرواحنا له الفداء.
- يقول تعالى عبر هذه الآية إننا نريد أن نمن على المستضعفين ونجعلهم أئمة الأرض وقادتها وحكّامها ونريد أن نورثهم ثروات الأرض والسلطة فيها.
الله جلّ وعلا يريد أن يجعل المستضعفين "أئمة وورثة السلطة والثروة"
- لا تعني هذه الآية أننا نريد إنقاذ مستضعفي الأرض فحسب، أي أن نرسل إليهم إماماً لإنقاذهم فقط! أو أنهم كانوا سابقاً مستضعَفين من قِبل الطاغوت والآن باتوا مستضعَفين بيد صاحب الزمان(عج) ولا يظلمهم أحد أيضاً! القرآن الكريم يعبّر عن شيء آخر فيقول: إننا نريد أن نمّن على المستضعَفين ونزوّدهم بصفتين: الإولى هي أن نجعلهم أئمة، أي نولّيهم إدارةَ الأرض وحكمَها، لا أن ننقذهم فحسب.
- وبعد قوله: «نَجعَلَهُم ائمّة»، يقول تعالى: «ونَجعَلَهُم الوارثین»، فيكرر كلمة «نَجعَلَهُم» مرة أخرى وهذا التكرار يفيد التأكيد. وقد كان بامكانه أن يقول: "نجعلهم أئمة والوارثین"، فماذا أراد سبحانه بتكرار «نَجعَلَهُم» مرتين؟ أراد القول: إني أريد أن أنجز لكم أنتم المستضعفين أمرين: أحدهما هو أن أجعلكم أئمة الأرض والآخر هو أن أجعلكم ورثتها! وبالطبع هناك أمر ثالث أيضاً يتحقق تلقائياً وهو نجاة المستضعفين وهو ما لم يتطرق إليه الله تعالى في هذه الآية الكريمة أبداً، لأنه من الواضح أن النجاة تتحقق وبعد ذلك سيتحقق الأمران.
- ما معنى الوارثين؟ يعني ورثة السلطة والثروة! يعني أننا نريد أن نجعل المستضعفين ورثة السلطة في الأرض وورثة ثرواتها! أنا أعلم أنه حين أتكلم عن الثروة يُصاب البعض بصعقة كهربائية من العيار الثقيل! فلم تنته بعد النزاعات حول موضوع بحث السنة الماضية، وما زال المتحجّرون ومعهم المتغربون ينالون مني بالإهانة والاستهزاء قائلين: "لماذا تحدث فلان عن الثروة!"
هل يتسنى للمستضعفين أن يصبحوا أئمة الأرض وورثتها دون أن يكتسبوا الجدارة؟! كان بنو إسرائيل مستضعفين يفتقرون إلى الجدارة!
- يريد الله تعالى أن يجعل المستضعفين ورثة الأرض وأئمة العالم في عملية الظهور! وهنا تُطرح عدة أسئلة: أولا، هل من المعقول أن يصبح المستضعفون أئمة الأرض وورثتها دون أن يتهيؤا لذلك ويكتسبوا الجدارة الكافية؟ وهل من الصحيح أن يصبح مَن لا جدارة له إماماً في الأرض ووارثا لها؟! أيُعقل ذلك؟!
- وفي هذا المجال أكتفي بذكر مثال واحد: كان "بنو اسرائيل" مستضعفين يفتقرون إلى الأهلية والجدارة! أنقذهم النبي موسى(ع)، وباتت النعم تهطل عليهم من السماء، وهلك أعداؤهم دفعة واحدة، لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ ما إن غادرهم النبي موسى بن عمران(ع) أياماً قليلة ليعود بعد ذلك، حتى تحوّلوا إلى عبدة عجل! إلى هذا المستوى كانوا عديمي الأهلية. أين تأثير تلك المعاجز الإلهية الكثيرة إذًا؟
- لقد أهلك الله سبحانه وتعالى أعداء بني اسرائيل بين ليلة وضحاها دون أي قتال، وأمام أعينهم! وكان الطعام يتنزل عليهم من السماء "على طريقة الخدمة الذاتية"! وكان ينبوع الماء يتفجر لهم في الصحراء! فقد انبثقتْ لهم اثنتا عشرة عيناً من الماء بإعجاز! هذه قصص القرآن وليست أساطير؛ يقول تعالى: «فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَیْناً قَدْ عَلِمَ کُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَیْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَیْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى» (الأعراف/160)
- الهي لماذا تسرد علينا هذه القصص في القرآن؟ وكأنّ الله سبحانه يقول لنا: أترون صنيعي لهؤلاء القوم! فهل تظنون أنهم اهتدوا؟ انظروا ما أقَلَّ جدارتهم! فقد كنت أريد أن أجعلهم أئمة الأرض ووارثيها لكنهم هلكوا جميعاً!
ما هو سبب الابتلاءات قبل الظهور؟ لنكتسب الجدارة والقابلية!
- ماذا علينا أن نفعل في آخر الزمان حيث يريد الله أن يبعث آخر إمام؟ علينا أن نزيح الأعداء عن الطريق واحداً واحداً ليظهر مولانا! جاء في رواية عن الإمام الباقر(ع): «إِنَّهُمْ یَقُولُونَ إِنَّ الْمَهْدِيَّ لَوْ قَامَ لَاسْتَقَامَتْ لَهُ الْأُمُورُ عَفْواً وَلَا یُهَرِیقُ مِحْجَمَةَ دَمٍ. فَقَالَ: کَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِیَدِهِ لَوِ اسْتَقَامَتْ لِأَحَدٍ عَفْواً لَاسْتَقَامَتْ لِرَسُولِ اللهِ(ص) حِینَ أُدْمِیَتْ رَبَاعِیَتُهُ وَشُجَّ فِی وَجْهِهِ. کَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِیَدِهِ حَتَّى نَمْسَحَ نَحْنُ وَأَنْتُمُ الْعَرَقَ وَالْعَلَقَ ثُمَّ مَسَحَ جَبْهَتَهُ» (الغیبة للنعماني/ صص283و284). (وهو كناية عن الظروف الحربية الصعبة، حيث لا يكون لديكم الوقت الكافي لغسل الوجه في معمعة القتال..)، ولن يتحقق الظهور إلا بعد تعدّي هذه الصعاب والمشقات.
- ما هي الحكمة من هذه الإبتلاءات قبل الظهور؟ لكي نكتسب الجدارة والقابلية. اليوم لماذا يتبيّن أن بعض مسؤولي البلاد فاسدون؟ على كل حال ينبغي أن نكتسب نوعاً من الأهلية، كأن نعرف قيمة المسؤول الصالح، ونميّزه عن الفاسد، وننظر إلى المسؤولين في المجتمع بحساسية!
- لا بد أن نتهيأ، فإن أراد المستضعفون أن يصبحوا أئمة العالم وورثة الأرض فلا بد أن يبلغوا من الأهلية والقابلية ما يردعهم عن حزّ رؤوس بعضهم البعض إن امتدّتْ لهم مائدة الغنائم! ينبغي أن يتعاملوا بشكل صحيح مع الغنائم والثروات الموجودة في الأرض والتي يريد الله أن يهبها للمستضعفين. إن أثرَى أحدُهم لا يشتموه دونما سبب، وإن أصبح بعضهم أثرياء لا يسمحوا ببقاء فقير في المجتمع! وبالطبع لا ينبغي أن يثرى أحد عبر الأساليب غير المشروعة.
لا بد للمستضعفين أن يُوجِدوا في أنفسهم الأرضية والجدارة ليصبحوا أئمة الأرض وورثتها
- يعبّر تعالى في هذه الآية الكريمة عن إرادته لجَعْل المستضعفين أئمة الأرض وورثتها: «نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثینَ» (القصص/5). ولا بد للمستضعفين الذين يريدون بلوغ درجة إمامة الأرض ووراثتها أن يكتسبوا القابلية والجدارة، فقد قال تعالى في الذكر الحكيم: «إِنَّ اللهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد/11)، فلا يغيّر الله مصير قوم حتى يغيّروا هم مصيرهم أوّلاً ويبادروا لخلق هذا التغيير.
- إن جَمَعنا بين الآيتين فسنخرج بهذه النتيجة: أيها المستضعفون، يا مَن يريد الله أن يجعلكم أئمة ويجعلكم وارثين، عليكم أنتم أيضاً أن تثوروا للخروج من ثقافة الاستضعاف! هذه هي فلسفة الجمهورية الإسلامية أساساً! سماحة الإمام الخميني(ره) اقتبس مفردة المستضعفين من القرآن الكريم وأقحمها في أدبيات المجتمع السياسية. هذه هي ثورة المستضعفين ضد المستكبرين. فلا بد للمستضعفين، في هذه المدة المتبقية للظهور - والتي ستكون قصيرة إن شاء الله نظراً لاكتساب هذه الأمة الجدارة والقابلية – لا بد لهم أن يهيئوا في أنفسهم الأرضية المناسبة ويكتسبوا الجدارة اللازمة لإمامة العالم ووراثة الأرض.
شرطان لخروج المستضعفين من حالة الاستضعاف
- هناك شرطان لخروج المستضعفين من حالة الاستضعاف: الشرط الأول هو أن يكون نمط حياتهم مطابقاً لنمط الحياة الإسلامية الصحيحة. والشرط الثاني هو أن يكون حُكّام مجتمع المستضعفين أصحاب جدارة وكفاءة. وقد تحدثنا حول الشرط الأول في السنة الماضية في هذا المجلس بالذات، والشرط الثاني هو موضوع حديثنا في هذه السنة.
- في المجتمع الديني ينبغي أن يكون وجها هذه العملة في قمة السلامة والصواب: الأول كيف تعيش الرعيّة؟ فلا بد أن لا يسمح نمطُ حياة الناس لأحد باستعبادهم بسهولة. والأمر الثاني هو أن لا يحذو رُعاة المجتمع وحُكّامه حذو الطواغيت في نمط حياتهم.
- محور الحديث في السنة الماضية كان يدور حول ضرورة تغييرنا لنمط الحياة ولا سيما بالنسبة لموضوع "المعيشة"، فلا يزول هذا الاستضعاف إلا إذا كَدَّ المستضعفون متكاتفين لكسب معيشتهم، فالإيمان الذي يحملون يجعلهم يتبادلون الثقة، وتديّنهم يصونهم من خيانة أحدهم للآخر.
- فإن أصبح المستضعفون أثرياء كل على حدة، فهذا هو النظام الرأسمالي بعينه! فكيف يخرج المستضعفون من الاستضعاف دون أن يتحولوا إلى مستكبرين؟ حين يجتمع المؤمنون ومرتادو المساجد وأصحاب المجالس الدينية وينقذون معيشتهم متعاونين! فإنّ من ضعف إيماننا أن لا نثق ببعضنا البعض ولا نعمل سوياً، كما أنّ من عدم تديّننا أن لا نعمل! هذا هو ملخّص محاضراتنا في العام الماضي.
اليوم هو أوان التمرّن على إمامة الأرض ووراثتها
- بما أنه من المفترض أن يصبح المستضعفون وارثي الأرض وأئمتها فلا بد أن يكتسبوا القابلية اللازمة لذلك قبل الظهور. واليوم هو أوان تمرّنهم على أن يكونوا من أئمة الأرض ووارثيها. ومن خلال هذا التمرين، ينبغي لأفراد الشعب أولاً أن يلتزموا بنمط صحيح للحياة حتى لا يصنعوا الطواغيت. فإن بدأنا باستثمار أموالنا بأنفسنا بشكل جماعي وتعاونيّ فسنحُول دون ازدهار اقتصاد الريع، وهذه الطريقة هي أفضل الطرق لمنع الريع، وهي التي يعبّر عنها السيد القائد(حفظه الله) بهذه العبارة: "الاقتصاد ينبغي أن يكون شعبياً"، أو كما قال سماحته في الآونة الأخيرة من أن رائد الأعمال كالمجاهد في سبيل الله.
- يقول تعالى في القرآن الكريم: «إنَّ الله لایُغَیِّرُ ما بقومٍ حتی یُغَیِّروا ما بأنفُسهم»، حسناً، ماذا علينا أن نغيره الآن؟ علينا أن ننتفض ونخرج من حالة الاستضعاف. فلا يُستحسن أن يكون مجتمعنا مستضعَفا، وبالطبع لا ينبغي أن يكون مستكبِراً أيضاً.
- لقد شاهدتم كيف انحنى العالم لكم إجلالاً بمجرد استيلائكم على إحدى زوارقهم وضَرب طائرة من طائراتهم! نعم، يجب على المستضعفين أن يكتسبوا هذه القوة والجدارة ويتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم.
القاعدتان الضروريتان لخروج المجتمع من حالة الاستضعاف:
- إن قيادة مجتمعنا قيادة دينية وقائدنا هو رجل دين وفقيه. فلماذا طلب سماحته من الشباب صانعي الصواريخ أن يصنعوا صواريخ نقطية؟ لتتحقق هذه الآية الشريفة: «ونُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِین». فالقائد الديني، بطبيعة الحال، لا بد وأن يبذل قصارى جهده لتحقُّق هذه الآيات. أَفَيقتصر دور القائد الديني على تعليم الصلاة؟!
- ما الذي يجعل قائداً دينياً، وعلى مدى عشر سنوات تقريباً، يُطلق على السنوات عناوين اقتصادية؟ لماذا يؤكد على الاقتصاد المقاوِم؟ لأنه ينبغي على القائد الديني أن يقود المجتمع ليخرج من حالة الاستضعاف، لأن الدين يريد لنا ذلك.
- ثمة قاعدتان ضروريتان لخروجنا من حالة الاستضعاف: الأولى أن يصلُح وضع الناس من ناحية المعيشة، والثانية أن يتم إصلاح الأساليب الإدارية التي يعتمدها المسؤولون في المجتمع. ولقد تحدثنا السنة الماضية عن القاعدة الأولى ونريد أن نتحدث هذا العام عن الإصلاح الإداري.
ثمة أصول لإدارة المجتمع لا تختلف عن أصول "إدارة الأسرة" و"إدارة الذات"
- نريد أن نتحدث عن أصل الإدارة دون أن نخوض في السياسة بشكل مباشر. وسنبدأ من "إدارة الذات" لنفهم ما معنى هذا المصطلح أساساً؟ ثم نتحدث عن إدارة الأسرة، وهي أصغر مجتمع يعيش فيه كل إنسان، لنشاهد كيف تتجلى الإدارة في الأسرة؟ ثم نصل إلى إدارة المجتمع.
- هدفنا في هذه الأيام العشرة من محرم الحرام هو دراسة قواعد النجاح المشترَكة بين الإدارات الثلاث، إدارة الذات والأسرة والمجتمع، حتى يتبين أن المواضيع التربوية غير منفصلة عن المواضيع السياسية ويغدو واضحاً أن "تديّنَنا هو سياستنا ذاتها". هناك مبادئ أو أصول لإدارة المجتمع لا تختلف عن أصول إدارة الأسرة وإدارة الذات!
ينبغي أن نكون جميعاً على إلمام بأساليب الإدارة حتى لا يخدعنا أي مدير
- حسنا لماذا نريد أن نتكلم الآن عن الإدارة؟ هذه الآية الكريمة هي إحدى الأسباب: «وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّة». إنّ من المفترض أن تصبح إماماً، وأن تصبح مديراً، وأن تكتسب الكفاءة اللازمة للإدارة. بالطبع ليس المقصود من هذا الكلام أن يتولّى الجميع مناصب إدارية، فلا يمكن أن يصبح الجميع مديرين وحُكّاماً، لأنه لا يحكم أكثر من حاكم واحد في كل مدينة. لكن إن كان الجميع مؤهلين للحكم فلا يستطيع الحاكم المماطلة في شؤونهم واللعب عليهم في تلك المدينة! لأن قاطبة الناس خبيرة بأًصول الإدارة ولا يمكن خداعها.
- لا بد أن نكون جميعاً مؤهَّلين للإدارة ومُلمّين بها حتى لا يحتال علينا أي مدير. فإن أراد المستضعفون الخروج من حالة الاستضعاف توجَّب عليهم أن يكونوا على إلمام بالسياقات الإدارية، حتى إذا تولّى مديرٌ أمرَهم يدرك أنه لا يمكن خداعهم! أو إذا حدّثتْه نفسُه باتخاذ قرار خاطئ يخشاهم، لا أن يتّخذهم هُزُواً ويسوسهم بمنطق المشاهير وإطلاق التُرّهات!
لماذا يحكمون الناس في الغرب من خلال تضليل الرأي العام؟ لأن الناس لا يعرفون أساليب الإدارة فينخدعون
- لماذا يحكمون الناس في الغرب من خلال تضليل الرأي العام؟ لأن عامة الناس لا تعرف أساليب الإدارة فبات الرأي العام كدمية في أيدي الحكام. بل إن الكثير من الناس لا يحلمون حتى أن يحلّوا محل مدير أو مسؤول غربي، فترى لسان حالهم يقول: أعطونا رغيف العيش فقط ولا تهمنا باقي الأمور!
- هذا هو الحال في المجتمع الغربي، لكن في مجتمع صاحب الزمان(عج) يصبح المستضعفون "أئمة"! يصبح المستضعفون "وارثين". هذا ما جاء في آيات القرآن، فلماذا لا نسير في هذا الاتجاه؟! لا بد أن يحيط الجميع بأصول الإدارة، ينبغي أن تُعلَّم هذه الأصول وتُدرَّس في رياض الأطفال والمدارس الإبتدائية حتى يتعلّمها الجميع. فليصبح جميع الناس مسئولين وليتحوّلوا إلى أشخاص يعيشون الحالة الإدارية.
لكي يصبح المستضعفون أئمة لا بد أن يكون الجميع على إلمام بالإدارة
- لكي يصبح المستضعفون أئمة لا بد أن يمتلك الجميع موهبة الإدارة، والعقلية الإدارية، والخطاب الإداري، والقابلية الإدارية، فأيّاً أراد الإمام(ع) تعيينه في الصدارة كان كل واحد أكثر استحقاقاً من الآخر! هكذا تنجو الأمّة، فلن يتحقق الفرج بعدد قليل من الجديرين إن كانت الغالبية تعاني من السذاجة وعدم الكفاءة والجدارة!
- ما خلقَنا اللهُ سبحانه وتعالى لنكون نعاجاً، لا أن نكون نعاجاً نجَتْ من مخالب الذئب لتقع تحت رحمة إنسان! كلا، إن الله تعالى يريد أن يجعل منا جميعاً أناساً راقين. وعندها يقول كلٌّ من هؤلاء الراقين: "على الرغم من جدارتي الكافية للقيام بمائة عمل آخر إلا أن دوري الآن هو إنجاز هذه المهمة لأني كُلّفت بذلك، لأن إمام زماني يطلب ذلك...". تصوّروا ما ألذَّ هذا النمط من الحياة!
- كان أبو الفضل العباس(ع) يتمتع بجدارة تُؤَهّله لزعامة العالم بأسره، وليس قيادة عسكر أبي عبد الله الحسين(ع) فحسب. لكن الإمام الحسين(ع) كلّفه بجلب الماء، فتصوّروا كم كان رائعاً شعور العباس(ع) في تلك اللحظة..
انزع عن قلبك حب الرئاسة حتى تتأهل للإدارة ولفهمها
- نسأل الله أن يجعلنا من أئمة الأرض إن شاء تعالى، دونما حبٍّ للرئاسة أو طمع في التسيُّد على الآخرين. نسأل الله أن يهبنا هذه القابلية مع حُبّ خدمة الآخرين وحُبّ أن نكون التراب الذي تحت أقدام مُحِبّي الإمام(عج) ومديري دولته! أن نُسْلِم الروحَ إلى بارئها مغمورين، فيأتي مولانا الحجة بن الحسن العسكري(عج) إلى مصرعنا ويقول: إن هذا الغريب الذي ترونه كان بإمكانه إدارة العالم بأسره لو أُعطيه!
- إننا نريد إحياء هذا الحب في نفوسنا كما نريد تنمية جميع تلك المواهب والقابليات بموازاة ذلك. فلا تطلب الرئاسة حتى تحيط بها علماً وتكتسب قابلياتها وقدراتها ومؤهّلاتها!