الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۴/۰۷/۲۴ چاپ
 

حب الحسين وعلاقته بالفطرة (4)

A4|A5 :pdf

بين يديك عزيزي القارئ هو ملخص الجلسة الرابعة من سلسلة محاضرات سماحة الأستاذ الشيخ بناهيان في العشرة الأولى من محرم في عام 1434هـ. في موضوع «حب الحسين وعلاقته بالفطرة» حيث ألقاها في جامعة الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران بين مجموعة من طلاب وأساتذة الجامعة وباقي شرائح المجتمع.

مقدمة ومرور على ما سبق

  • لقد حان وقت العودة إلى الحسين(ع). إذ قد حان وقت عودة الإنسان إلى الفطرة. فكثير من أولئك الذين كانوا بعيدين في حياتهم عن الأجواء الروحانية ولم يطلعوا على المعارف الدينية والحقائق المعنوية، قد استعدوا للرجوع إلى الفطرة لما شاهدوه من اضمحلال وتسوّس في حياتهم ولما انتهوا إليه من طرق مسدودة.
  • كما أن أولئك الذين قاموا بثورة ضد الطاغوت منذ ثلاثين عاما، واجتازوا بعض المراحل في القضايا المعرفية والمعنوية وعبروا من أزمات، أيضا قد استعدوا للرجوع إلى الفطرة تعزيزا لارتقائهم وضمانا لكمالهم. ذ أن التكامل المعنوي والأخلاقي والديني والعبادي بلا مسايرة الفطرة يصبح مثارا لمفاسد كثيرة، من قبيل العجب ودعوى الادعاءات والتبختر في مسار الحركة الدينية. وعندها يستخدم المتدينون دينهم كإحدى الوسائل لتلبية شهواتهم النفسانية. فلابد من الحذر والخوف من المجتمع المتدين ظاهرا، إن لم يكن دينه تلبية لحاجته الفطرية وإن لم يعمل بدينه بمقتضى فطرته. فإن أبناء المجتمع الديني كذلك، ينحرفوا عن الدين أو ينغرّوا به أو يستغلوا الدين لمطامعهم أو يستعملوه لمصالحهم بدلا من أن يفدونه بأنفسهم.
  • فكلا الفريقين متسعدون ولابد لهم من العودة إلى الفطرة؛ أولئك الذين استيقظوا توّا من سباتهم وسأموا حياتهم الخالية من الدين، وأيضا أولئك الذين اجتازوا مسافة من الطريق لما وجدوه ونالوه من الفطرة في بداية الأمر، فإنهم لازالوا بحاجة إلى العودة إلى الفطرة ليعوا ويدركوا أن الله هو الذي قد منّ عليهم في تديّنهم والتزامهم. وبعبارة أخرى لابدّ لكلا الفريقين أن يتحلّوا بالعشق في حركتهم الدينية.

الأسلوب الناجح الوحيد لدعوة الشباب والمراهقين إلى الدين هو لغة العشق

  • من أين لابد أن يبدأوا هؤلاء الفتيان والمراهقين في تدينهم؟ ما هو تكليف هؤلاء الفتيان الذين نشأوا في مجتمعات وأسر دينية، حيث إنهم لم يعيشوا تلك التجارب التعيسة التي عاشها الشابّ الغربي ليكونوا مستعدين للعودة والرجوع إلى الدين بفطرتهم وقد يرى كثير منهم أن مغنية الحيّ لا تطرب مما يجعلهم يعتقدون أن تلك المجتمعات الفاسدة متمتعة أكثر منّا.
  • كما أنهم لم يعيشوا تجاربكم المعنوية ولم يعيشوا أيام الدفاع المقدس وأجواءها المعنوية ولم يبلغوا هذا الرشد ليعوا أن لابدّ لهم من العشق. ولكن ليس لهؤلاء أي بدّ سوى أن ينطلقوا ويبتدأوا بحافز الحبّ والعشق وإلا فسينفضون أيديهم من دين آبائهم.
  • فلم نر قليلا من هؤلاء الفتيان والفتيات الذين ترعرعوا في أسر متدينة ولكنهم تركوا الدين. لماذا؟ لأن كثيرا منهم لم يجدوا حبا وعشقا في تديّن آبائهم، ولم يعثروا على جوهرة العشق في الدين الذي يتلقوه منهم. إذن الدليل الأول على ضرورة الانطلاق بدافع العشق هو روحية الشباب أنفسهم، وذلك لأن الشباب غراميّون بطبيعتهم.
  • فيا ترى لماذا قد جعل الله تركيبة الشاب في بداية أيام بلوغه وتكليفه التي تقتضي منه أن يتعرف على المعارف الإسلامية وينضبط على أساس الأحكام الدينية، جعلها بعيدة عن العمل والعلم، بل أكثر ما ركّب عليه الشابّ وفطره به هو العشق والغرام مما جعل أن يستهويه هذا الحافز ويدفعه أكثر من أي حافز آخر؟! ويا ترى كيف نتحدث عن الدين مع هذا الفتى الذي لا يتأثر بالعلم والفكر بقدر ما يتأثر بحافز العشق والغرام؟!
  • كيف تفسرون هذه الظاهرة؟ هل أن الله قد أخطأ في خلق الشباب بهذه التركيبة والروحية؟ هل أن الله قد نظّم الدين وركّب أجزاءه بلا أن يأخذ بعين الاعتبار نزعات هؤلاء الشباب؟ وهل أنه كلّفهم بالالتزام بالدين لكي يدعوا مشاعرهم وأحاسيسهم الغرامية التي سببت مشاكل لأنفسهم وللمجتمع؟! وهل أن الله قد تفاجأ عندما شاهد الشباب والمراهقين بهذه الروحية والنزعة الغرامية الشديدة؟! لماذا نرى الشباب مولعين بالنشاطات المهيّجة؟! فهل من ا؟ وهل أنهم مذنبون في كونهم يتأثرون بالعواطف والإحساسات؟ وهل من الخطأ أن يكونوا كذلك؟ وهل من الخطأ أن يكونوا عاطفيين؟ وهل من الخطأ أن يكونوا غراميين؟ فهل تكليفنا هو أن نلوي عنق قلوب الشباب بأحكام الدين ونغيّر أخلاقهم وعواطفهم ونزعاتهم به، أو أنّ ما هم عليه هو الصحيح وهو الصواب وهو الدليل على ضرورة الانطلاق في الحركة الدينية بحافز الحب والعشق والعواطف؟ فإن أعطيت للفتى دينا لا يلبّي مشاعره وأحاسيسه الغراميّة فإنك لم تبلّغ الدين إليه بالشّكل الصّحيح.

إن حذف عنصر العشق عن المعارف الدينية يؤدي إلى نفور الشباب من الدين

  • شكا أحد أصحاب الإمام الصادق(ع) عنده حال أبناء البصرة حيث وجدهم غير مسارعين في الدخول في أمر ولاية أهل البيت(ع) فقال له الإمام الصادق(ع): «عَلَيْكَ بِالْأَحْدَاثِ فَإِنَّهُمْ أَسْرَعُ‏ إِلَى‏ كُلِ‏ خَيْر»(الكافي/ج8/ص93) إذن الشباب أسرع إلى كل خير حتى في المجتمعات السيئة كالبصرة آنذاك، فما بالنا وجدنا الشباب مبطئين إلى الخير لا يتفاعلون معه في مجتمعنا الجيّد؟! فلابدّ أننا لم نعرّف لهم الدين كما هو، بل جئناهم بدين مشوّه.
  • كم تحاول المناهج الدينية في مدارسنا أن تجذب الشباب إلى الدين بدافع العشق؟ وأي منهج حاول أن يدعو طلاب المدارس إلى العشق والغرام في نطاق الدين؟ نحن نتحدث معهم في صفّ بارد ثلج جافّ متحجّر كالحديد، ثم نتوقع منهم أن ينهضوا لصلاة الليل إثر هذا الكلام الجافّ! وهذه الظاهرة هي أدلّ دليل على ضرورة تبليغ الدين بعنصر العشق. فإنكم لا تستطيعون أن تدعوا الشباب إلى الدين بغير هذا المنهج.

الحبّ والعشق هو لبّ الدين

  • ثم لا يخفى أن دعوة الشابّ إلى ممارسة العشق والغرام في نطاق الدين ليس خداعا له. فلم نقترح هذا المنهج للشابّ كيما يعقل ويترك مشاعره الغرامية ويقبل على الدين كباقي العقلاء. بل إن الحبّ هو لبّ الدين وأصله، وإن الشابّ يحظى بأشد الانسجام مع الدين في عواطفه ومشاعره ولهذا قد اعتبره الإمام الصادق بأنه «أسرع إلى كل خير» إذ قال الإمام الباقر:
  • .   
  • لا تشيروا على الشباب أن يدع حياة الحبّ والغرام لكي يتمسك بالدين. فإن الكثير ممن حاولوا أن يعيشوا حياة عقلانية قد أخطئوا ولم يصيبوا. بل حاولوا أن تدلّوه على معشوقه وحبيبه الحقيقي. ما هو علاج الشابّ المتكاسل في صلاته والمتهاون في الحفاظ على أوقاتها؟ مما لا شكّ فيه أن أفضل طريق لعلاجه هو العشق والحب. وهذا هو الأسلوب السليم في سبيل تحلية حياة الشاب بعنصر  النظم والانظباط. فإن حاولت أن تنظّم الفتى بأساليب أخرى، قد يؤدي ذلك إلى تخريب شخصيته وسلب بعض طاقاته ومواهبه.

إن العشق هو المنجى الوحيد من مهالك الأنانية

  • إذا أردت أيها المتدين أن تعصم دينك من الفساد والآفات فلابد لك من العشق. فإن لم تنال العشق قد تجد النبيّ(ص) يحترم زميلك أي عليّ بن أبي طالب(ع) أكثر منك فعند ذلك يبرز حسدك كما برز حسد زبير. فتخاطب الرسول معترضا تدعوه للعدل والإنصاف! فكل هذه المصائب العظمى هي من كونك لا زلت تنظر وترى وتقيس وتقارن. فكان المفترض هو أن تكون قد أحبت الرسول(ص) حبّا يُعميك عن رؤية كل هذه الأمور والمقارنات. ولكن يبدو أنك لا تزال تعاشر النبي(ص) كمحاسب ومقيّم ولم تنبهر عينك بجمال النبي(ص) وحسنه.

ديننا هو دين فطري والتدين يعني ازدهار الفطرة

  • لابد لنا أن نتصفّح قلوبنا لنرى ماذا نحبّ. وهذا ما فعله أمير المؤمنين(ع) حيث قال: «إلهي... أنت كما أحبّ فاجعلني كما تحبّ»(الخصال/ج2/ص420) فإنه قد استطاع أن يرى تلك النزعات الفطرية الحقيقية في قلبه ووجد أنه يحبّ الله. فإذا استطعنا أن نكتشف هذا الحبّ في وجودنا وذاتنا، عند ذلك سنجد هذه الحقيقة جلية وهي أن الله سبحانه هو الشيء الوحيد الذي يسدّ حاجاتنا الحقيقية. وهذه النقطة هي منطلق الحياة الدينية وهي كمالها.
  • إن مسار الحركة الدينية هي أن نكتشف نزعاتنا واحتياجاتنا الأكثر أصالة وعمقا في حركة مستمرة، ثم نجد الله هو الملبّي لها وهكذا نستمر في هذه الحركة إلى رغبات ونزعات واحتياجات أعمق. وهكذا تستمر حركتنا باتجاه الله سبحانه بلا تعب ولا سأم. ثم لا نشعر بالطلب من الله بهذه الديانة ولن يعترينا عجب وغرور، إذ سوف نعيش بكل وجودنا حقيقة هذه الآية القرآنية «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِکُم»(اسراء/7)

ما العلاقة بين ازدهار الفطرة والعشق؟

  • لقد اتضح أن قد جاء الدين تلبية لاحتياجات الإنسان الفطرية وازدهار الفطرة، ولكن ما هي العلاقة بينه وبين العشق؟ والجواب هو أن عندما تزدهر نزعاتنا الفطرية ويعيشها الإنسان، تتصف هذه النزعات والمشاعر بشدة وقوة بحيث لا يناسبها أيّ اسم سوى العشق. ولهذا نجد أدبياتنا العرفانية تستخدم ألفاظا من قبيل السكر والانتعاش تعبيرا عن هذه المشاعر الفطرية الشديدة والنزعات الروحية العميقة جدا. إن هذه النزعات الفطرية هي التي أشار الله إليها بقوله: (وَ الَّذینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ»(بقره/165).
  • إن الدّين هو ازدهار الفطرة، وازدهار الفطرة بمعنى تبلور أشدّ أنواع الحبّ والعشق. «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ص فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُكَ‏ أُبَايِعُكَ‏ عَلَى‏ الْإِسْلَامِ‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَقْتُلَ أَبَاكَ فَقَبَضَ الرَّجُلُ يَدَهُ فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَادَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي جِئْتُ عَلَى أَنْ أُبَايِعَكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُ عَلَى أَنْ تَقْتُلَ أَبَاكَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِنَّا وَ اللَّهِ لَا نَأْمُرُكُمْ بِقَتْلِ آبَائِكُمْ وَ لَكِنْ الْآنَ عَلِمْتُ مِنْكَ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَ أَنَّكَ لَنْ تَتَّخِذَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيجَة»(المحاسن/ج1/ص248).
  • لقد كان الأب في ذاك المجتمع عزيزا وثمينا جدا ولعله كان أعز من النفس. ولهذا أراد رسول الله(ص) أن يكشف هل قد استعدّ هذا الرجل أن يفدي بأعزّ ما عنده في سبيل إيمانه بالله أم لا. وهل كان يقدر هذه الرجل على التضحية بأعز أعزائه لولا الإيمان وما اشتمل عليه من حبّ شديد؟

لا قياس بين شدة الحبّ الفطري وبين الغرائز الطبيعية كالغريزة الجنيسية

  • إن الحبّ الفطري من الشدة والقوة بمكان بحيث إذا تفعّل في وجود الإنسان يمكّنه من التضحية بكل شيء في سبيله. فلا قياس بين شدة الحبّ الفطري وبين الغرائز الطبيعية الغريزة الجنيسية. ولا يمكن لأي أحد أن يتعلّق بالغريزة الجنيسية بقدر عشر معشار حبّ أي إنسان عادي بالإمام الحسين(ع).

ما هو السرّ في كون الشباب عاطفيين؟

  • لماذا نرى الشباب عاطفيين وغراميين؟ لأنه قد حان وقت ازدهار فطرتهم. وبسبب أنهم يبحثون عن معشوقهم وحبيبهم. وهنا يخاف عليهم أن يعطى لهم عنوان غير صحيح.
  • إن النزعات الفطرية أقوى بكثير من النزعات الغريزية ولهذا لا سبيل لنا إلا أن نتحدث عن موضوع الفطرة بأدبيات العشق والحبّ إذ هي مقتضى ازدهار الفطرة. غير أن النزعات الفطرية كامنة مستورة بالرغم من شدّتها، أما حبّ الشهوات الغريزية أضعف منها ولكنها ظاهرة جلية. فمسار حياة الإنسان نحو الكمال هو العبور من سطح الغرائز إلى عمق الفطرة.

ليس حبنا للإمام الحسين(ع) بسبب ما جرى عليه من مصائب، بل هو حبّ فطري وشديد جدا

  • أحد أسباب كون حبنا للإمام الحسين(ع) حبا فطريا هو شدة هذا الحبّ وقوته. فلا يستطيع أحد من محبي الحسين(ع) أن يشرح لنا سبب حبه هذا للحسين(ع). وذلك لأنه حب فطري لا يمكن شرحه والاستدلال عليه. لعل الكثير منكم لا يعرف تفاصيل حياة أبي عبد الله الحسين(ع)، ولكن قلوبكم تحترق بمجرد استماع مصائبه. فمما لا شك فيه ولا ريب يعتريه لو كان رجل آخر قد تلقّى مثل هذه المصائب لما بكينا واحترقنا عليه بهذا الكمّ. إذن لم يأت هذا البكاء من مجرد استماع مصائب الحسين(ع). فلا بدّ أن نقول إنه تبلور حبّ شديد فطري في أنفسنا.

هناك أربعة فوارق بين النزعات الفطرية والغريزية

  • هناك فوارق بين النزعات الفطرية وغير الفطرية. وإن الانتباه إلى هذه الفوارق يزيد معرفتنا تجاه ماهية حب الإمام الحسين(ع).
  • 1ـ إن النزعات الفطرية تكتشف ولا تكتسب، أما النزعات غير الفطرية تكتسب. ولهذا لا ينبغي أن نستمع إلى كلام أي إنسان ولا ينبغي أن نشاهد أي فيلم كان، إذ قد تفرض بعض النزعات الكاذبة على الإنسان. وإساسا إن فنّ الأفلام ومهارتها هي أن تفرض بعض النزعات والهوايات على الإنسان. فعندما يعكف الإنسان على كثير من هذه الأفلام يضيّع فطرته.
  • 2ـ إن النزعات الفطرية تمنح الإنسان استقلالية وعزة، بيد أن النزعات غير الفطرية تمنحه الشعور بالحاجة والاتكالية. فتجعله بحاجة إلى من هو دونه. ولكن الاتكالية التي تصحب النزعات الفطرية هي اتكال على من هو فوق الإنسان بدرجات لا تحصى، وهو الذي يتكلفل بتأمين استقلالية الإنسان باستمرار. ومن هذا المنطلق نرى أولياء الله وعشّاقه يتصفون بالاستقلالية والعزّة ولا يتأثرون بشيء من هذا العالم.
  • 3ـ إن النزعات الفطرية ثابتة، ولكن النزعات غير الفطرية متلونة غير ثابتة. أساسا لا يمكن البقاء في النزعات غير الفطرية، لأنها آفلة وسرعات ما تفقد موقعها من القلب. فكثيرا ما يصبح الإنسان محبا لشيء ويمسي كارها له. النزعات غير الفطرية من هذا القبيل، فعندما يكثر الإنسان من تعاطي هذه الرغبات ويكثر من الحديث عنها وتكرارها تسقط من عينه خلافا للنزعات الفطرية. ولهذا مهما ننادِ الحسين ونصرخ يا حسين ونكرر هذا الاسم ونذهب إلى مجالسه ومواكبه، لا يسقط من عيننا وحسب، بل نزداد له حبّا وعشقا.
  • 4ـ النزعات الفطرية في غاية الشدة والقوة، ولكن النزعات غير الفطرية أضعف منها وأخفّ. إن هذا الذي يسمي بعض النزعات غير الفطرية عشقا، فإنه قد وقع في خطأ كبير. فإن استخدام لفظ العشق في الهوايات غير الفطرية ليس إلا توهّما وكذبا.

طرق ازدهار النزعات الفطرية

  • تزدهر النزعات الفطرية عبر طريقتين: 1ـ المشاهدة 2ـ التهذيب
  • إن التهذيب يفعّل فطرة الإنسان ويمكّنه من رؤية نزعاته الفطرية العميقة والتخلص من الهوايات السطحية.
  • أما الطريق الآخر لازدهار الفطرة وتفعيلها هو المشاهدة وما نعبّر عنه أحيانا بالتفرّج. فقد دعانا الله في بعض آيات القرآن إلى الرؤية والمشاهدة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ الشَّجَرُ وَ الدَّوَابّ)(الحج/18).
  • فهنا قد أخذ الله بأيدينا ليرينا بعض اللقطات والمشاهد. فيا ترى ما للمشاهدة من تأثير على فطرة الإنسان؟ فهذا الإنسان الذي يحبّ ويعشق السجود بفطرته، إذا رأى مشاهد السجود تتفعل نزعته ويشعر بتبلور حبّ السجود في ضميره.
  • فما كان يحدث في الجبهات في أيام الدفاع المقدس هو أن كانت تتاح فرصة المشاهدة للشباب. فكانوا يشاهدون عشق زملائهم وأصدقائهم وتحليقهم وطيرانهم بالشهادة ثم يقبلون على الله فيناجونه: «إلهي لقد اشتهينا الشهادة نحن أيضا». هكذا كان مسار ازدهار فطرتهم في تلك الأيام. حالهم حال الطفل الذي يرى لعبة بيد طفل آخر، فيتحجّج على والديه ويقول: أريد من هذه اللعبة.

إن مصاحبة الصلحاء لهي فرصة للمشاهدة والتفرّج

  • إن مصاحبة الصلحاء لهي فرصة للمشاهدة والتفرج. فقد قال الله سبحانه وتعالى: (کُونُواْ مَعَ الصَّادِقِین)(التوبة/119). فقد كان الشيخ بهجة يقول: إن قراءة واستماع أحوال الأولياء والصالحين أفضل وأكثر تأثيرا من الدروس الأخلاقية.
  • أما من بين جميع الصلحاء في العالم من هو الذي إذا شاهدته ورأيته، تزدهر فطرتك وتشتهي حاله؟ الشهيد هكذا وله مثل هذا الأثر.
  • ولهذا ترى الشهداء مؤثرين جدا في تربية أناس مثلهم. ومن بين جميع الشهداء يحظى الحسين(ع) بأثر وطعم آخر. أحد هؤلاء الشهداء الذين يحرقون قلب الناظر إليهم ويملؤونه شوقا وتوقا إلى الشهادة هو ذاك الشهيد الذي حمى الحسين(ع) بنفسه وصدره وكان يصدّ السهام ويتلقاها بكل وجوده لئلا تصيب الحسين(ع). فكان الإمام واقفا يتحدث وهو واقف أمام الإمام ليقيه بنفسه. فتلقى السهام إلى أن سقط على الأرض من كثرة السهام التي أصابت به. فسقط وقال: «السلام عليك يا أبا عبد الله». فجاءه الحسين(ع) ووضع رأسه على حجره. فقال للحسين(ع): أوفيت ؟! فقال له الحسين(ع): «نعم أنت أمامي في الجنّة»(اللهوف/ص108).

صلى الله عليك يا أبا عبد الله

  • إن لم يوقظ الحسين(ع) فطرتك فلا تذهب إلى مكان آخر إذ لا فائدة في ذاك المكان الآخر. قد يتصور البعض أنه حسبهم أن يحضروا في مجالس الحسين(ع) ولا فرق بعد ذلك بين أن يحدث تحول في قلبهم وفطرتهم ووجودهم أو لا يحدث. هل هذا زعم صحيح؟! فهل تعلمون أن هنا آخر المطاف؟! وهنا آخر فرصة لازدهار الفطرة. فهذا الذي لا يتأثر بعمق في محرم وصفر ومجالس الحسين(ع) لابدّ أن يلوم نفسه ويقول لها لقد شاهدت الحسين(ع) في هذه الأجواء، فما لك لا تتحولين؟
  • إن الحسين(ع) يأخذ بيدنا لمشاهدة أروع الفضائل والمحاسن التي لم يسمح الله بإظهارها وتجسيدها لأحد آخر من أوليائه. فقد كان إبراهيم يودّ أن يضحّي بابنه في سبيل الله، غير أن الله سبحانه لم يعطه هذه الفرصة. ولكنه قد أذن للحسين(ع) أن يقدم له كل شيئ ويجسد أعلى صور القيم والجمال.
  • ولهذا قال رسول الله(ص): «إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة». فقد جسّد الحسين(ع) أقصى الطريق. فإنك لو ذهبت إلى رسول الله(ص) وقلت له سيدي أنا أقسى الناس قلبا، وهل لي من سبيل إلى التحول وازدهار الفطرة، فلا أظن أنه سيرشدك إلى غير الحسين(ع).
  • فالله الذي دعاك إلى مشاهدة سجود ذرات العالم وكائناته، ماذا يريك إن أراد أن يدلك على أروع صور السجود؟ سوف يدلك على سجود الحسين في مقتله... فهناك آخر المطاف.

تعليق