ما هو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟(المحاضرة15)
المرحلة الخامسة في بلورة شخصية الإنسان المتديّن هي "الإيمان بالآخرة"/ الذي يؤمن بالمعاد يصبح عالَمُه أوسع/ مآسي الإنسان كلها تنشأ من "صِغَر عالَمه"/ إذا كبُر عالَمُك ازدادتْ فداحة الذنب عندك، فالذنب عنوان الحقارة
- المكان: طهران، مسجد الإمام الصادق(ع)
- الزمان: 20/أيار/2019 ـ 14/رمضان/1440
- الموضوع: ماهو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟
- A4|A5 :pdf
من الخصائص التي تُرسي دعائم شخصيّة الإنسان المتديّن وتؤهّله لقبول الدين هو الإيمان بالمعاد، ولا بد لهذه الخصيصة أن تحل في معتقد الإنسان واهتمامه، بل وفي شخصيته أيضًا. وليس الإيمان بالمعاد والآخرة مقولة معرفية محضة، بل هي مقولة شخصية، وإن الذي يؤمن بالمعاد يصبح عالَمُه أوسع.
ينبغي لمَن يريد التديّن أن يُعِدّ شخصيّته على مراحل لتقبّل الدين
- لا بد لعملية تكوُّن شخصية الإنسان من المرور بمراحل تعمل بشكل مُطّرد على تشكيل أجزاء شخصيته حتى يكتسب في نهاية المطاف شخصيته المطلوبة.
- إن من الواجب على كل من يسعى لإيجاد تغيير في نفسه، وبلوغ مستوى من التكامل، واكتساب روح سامية أن يُقنع نفسَه ويتمرّن، في شتى المجالات، مرحلةً مرحلةً حتى يتكامل. وهذا في العادة لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها.
- لا بد، فيما يتصل بتهذيب إنسانٍ ما، من اجتياز مراحل للوصول إلى المنزلة والحالة المطلوبة. والشيء ذاته ينطبق على طالب التديّن؛ فالذين يرومون بناء ذواتهم، أو تهذيب إنسانٍ ما ينبغي لهم، على وجه الخصوص، أن يضعوا هذه الحالة المُحبَّذة نُصبَ أعينهم، ويجزّئوها أجزاءً، ثم يعملوا بالتسلسل على جعل هذه الأجزاء قابلة للتصديق بالنسبة لهم، والتمرُّن عليها، وتسهيلها لأنفسهم جزءًا جزءًا. وحينئذ سترى أن هذا الإنسان عمومًا قد قطع مراحل وحَلَّ لنفسه كل مُشكِل.
- هذه الحال ذاتها تنطبق على الكثير من الألعاب الرياضية؛ فإن أرادوا تعليم شخصٍ السباحةَ علّموه إيّاها مرحلةً مرحلة. وإن أحبّوا تدريب شخص على الجمباز فسوف لا يطلبون منه منذ اليوم الأول تنفيذ عشر قلبات هوائية! إذ قد تُكسر يده أو رجله في اليوم الأول من التدريب. لذا يقال له أولًا: "حاليًّا سِرْ على البساط". ثم: "الآن ارفع قدميك أكثر قليلًا". ثم: "اقفز"،... أي إنهم يُعِدّونه تدريجيًّا لأداء القَلبة الهوائية.
تكوين شخصية الإنسان وتغييرها يحصل بالتدريج
- حينما يكون بإمكاننا أن نتصوّر تجزئة الأمور إلى مراحل بالنسبة لجسم الإنسان فإن الأمر ذاته ينطبق على روحه. أقول هذا بالطبع من باب التشبيه وليس الاستدلال. حتى أولئك الذين تدهورتْ شخصياتهم إنما وصلوا إلى هذا المستوى بالتدريج؛ أي إنهم اقتنعوا بهذا الوضع بالتدريج، ونسوا الحقائق المهمة بالتدريج، وسهُلَ عليهم ممارسة الموبقات بالتدريج، بل لربما كان الأمر صعبًا عليهم في البداية.
- نعم، من الممكن أحيانًا أن يتنبّه الإنسان فجأة في غضون لحظات ويطرأ عليه تغييرٌ ما، لكن في وسعنا - إذا تغاضينا عن الحالات الشاذة الخاضعة هي الأخرى للنقاش – أن نقول عمومًا: إن التدرّج ضروري لتكوين شخصية إنسان، أو تغييرها، أو بلورة شخصية دينية.
مراحل إرساء دعائم شخصية المتدين
- لقد استعرضنا في الحلقات السابقة أربع خطوات أو مراحل للاقتناع بالتدين والإقلاع عن الذنوب؛ بدءًا من النفعية، وتقبّل مَنهَجَة الحياة، وصولًا إلى كون المرء ميّالًا للتسابق مع الآخرين ومشاهدته لجَبْر المحيط وألوان الجَبْر الموجودة في حياة الإنسان. هذه هي مراحل إرساء دعائم شخصية المتدين، فإن قامتْ هذه الدعائم لَبِنة لَبِنة يصبح المرء مُعَدًّا لتقبّل الدين.
- على الإنسان أن يقتنع تمامًا بكل واحدة من المراحل والخصائص الآنفة الذكر، ويتمرّن عليها، ويعيشها مُدة من الزمن، ويشتغل على نفسه. فليس باستطاعة الإنسان أن ينقلب متديّنًا دفعة واحدة دون قطع هذه المراحل. وإن شاهدنا أن شخصًا ما غير متدين فعلينا العمل عليه بشكل تدريجي، وإن أفضل برهة لتربية الإنسان هي سنوات الطفولة حتى آخر مرحلة الدراسة الابتدائية؛ فلا بد من تطبيق هذه المراحل خطوة خطوة على الأطفال في السنوات الأربع عشرة الأولى من أعمارهم. حتى الألعاب التي يمارسها الأطفال في المنزل والروضة ينبغي أن تكون مدروسة بدقة ليكون لها أثر في بلورة الشخصية الإنسانية الراقية في الأطفال.
المرحلة الرابعة: لا بد أن يطّلع الإنسان على قيود هذا العالم ويقْبَل بها
- المرحلة الرابعة التي ذكرناها تميل أكثر إلى البُعد المعرفي؛ أي ضرورة معرفة الإنسان كم أنّ هذا العالم باعث على التقييد. وهناك كلام كثير في هذا الباب. نعم قد يكون مُرًّا أيضًا، لكن على الإنسان أن يتقبّل هذه القيود. إنه لَمن الخيانة أن لا نخبر مراهقينا أن الدنيا مليئة بالقيود، وبالفشل، وبسوء التفاهم، وبالتعثّر! فإن لم نُعَلّم مراهقينا وشُبّاننا على هذا نكون قد خُنّاهم.
- على الناس أن يُصدّقوا ويَقبَلوا بأن المرارات والإخفاقات في هذه الدنيا كثيرة جدًّا ويتعيّن أن يستعدّوا لذلك ويتوقّعوه. بالطبع هذا يختلف كثيرًا عن سوء الظن بالدنيا والنظر إليها بسلبية وسوداوية، لكن في النهاية لا ينبغي تنشئة الأطفال والمراهقين على الأوهام، بل ولا يجوز أن نبقى نحن واهمين!
نحن في العادة مصابون بمرض اسمه "نسيان الموت"
- للأسف نحن في العادة مصابون بمرض خاص هو، في واقع الأمر، ضَرب من الذُهان وإن على كل مصاب به أن يراجع الطبيب؛ لأنه مرض يذهب بالعقل، وهو مصدر فساد الروح. إنه يسلُب صاحبه القدرة على التفكير السليم ويدفعه للتفكير غير المنطقي. إنه يُعمي قوة نُطق الإنسان، ويُحِلّ البُغض والعداء محل الحب والصداقة. إنه مرض مُهلك، إنه مرض "نسيان الموت"!
- لماذا ندعو هذا "مرضًا"؟ لأنّ أعظم حِسّ لدينا هو "حِسّ طلب الخلود" وإن الغافل عن هذا الحس لديه هو، في الواقع، مريض لا يعيش حالته الطبيعية. أوَيُمكن أن تنسى أهم إحساس لديك؟ ما الذي صنعته بنفسك يا ترى؟! أيُّ بليّة أنزَلتَ بنفسك؟!
- طبعًا ثمة لهذا المرض مستشفى أو مستوصف يمكنك مراجعته للعلاج منه. أين يوجد هذا المستوصف؟ هناك مقبرة تُدعى "جنة الزهراء(س)" هي مستوصف لعلاج مرض "نسيان الموت"! باستطاعة الإنسان التوجه إليها ليتذكّر الموت ويحدّث نفسَه أن: "أجَل، إنني سأرقد هنا يومًا ما...".
- من علامات مرض نسيان الموت هي اعتقاد المرء بأنه ما زال أمامه وقت طويل جدًّا قبل أن يموت! فقد يكون أمامه، مثلًا، عشرون عامًا فقط ليموت لكنه يحسب أنه لا يموت حتى بعد ألف عام! والمصاب بهذا المرض يكون في العادة إنسانًا عديم الاتزان. شخصٌ كهذا لا يعود يمتلك من العقل الكثير، ولذا يُستبعَد أن يقدر على اتخاذ قرارات سليمة في أيّ مجال.
- بل إن الله تعالى، ناهيك عن الموت، يُذكّرنا بكل صراحة بمرحلة الشيخوخة أيضًا قائلًا: «وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُون» (يس/68)؛ أي: إن الذي نُطيل في عمره سنُضعِف بدنَه ونُبْليه. وهذا شيء يستطيع كل امرئ أن يراه في الطريق وفي كل مكان بأم عينيه ويُذكّر به نفسَه. فعندما تشاهد مُسنًّا فاعلم أن هذه هي نهايتك في هذه الدنيا!
الذي يقبل بقيود الحياة وصعوباتها يصبح ذا شخصية مختلفة
- المرحلة الرابعة إذًا هي تقبّل صعوبات الحياة. فإن حصل هذا التقبّل تسرّبَ إلى شخصيتك وستتولّد لديك حينئذ شخصية مختلفة. بالطبع معرفتُك بأنّ "الدنيا مليئة بالمصاعب والمقيّدات" هي مجرد معلومة لا صلة لها بشخصيتك. أما أن تقبَل بهذه الحقيقة وتكون متأهّبًا للتعاطي مع الصعاب تعاطيًا سليمًا؛ فلا تقع في شباكها، ولا تهرب منها، ولا تُنكرها، ولا تنساها، فإن هذا سيصبح جزءًا من شخصيتك وسيُضفي عليها ميزات جيدة.
- من الطبيعي أن تكون قيود الحياة الدنيا إذا واجَهتَها مُرَّة بعض الشيء! لا بأس، اصبِرْ، فثمة لحظةُ خلاص وفرَج! لماذا تحاول أن تكون سعيدًا عن طريق نسيان هذه القيود؟! اِقبَل بهذه القيود المعقولة، ثم انطلق نحو مساحات الحرية المتوفّرة! لماذا تريد أن تقيّد نفسك بسلوك خاطئ يمنحك فرحة تافهة؟! كلا، عليك أن تتصرف بكل عقلانية وبمنهجَة في تعاملك مع قيود الحياة الدنيا.
- لا تظن أن الذي يُمَنهِج حياتَه ويبرمجها لا يصيب من اللذة إلا القليل، فليس أن صاحب المنهاج في الحياة لا تتراجع لذته فحسب، بل وتزداد أيضًا. فما من بين الخصائص أو المراحل الأربع التي مر ذكرها ما يجعل حياة الإنسان تعيسة، هذا وإن تصوّر البعض أن كل واحدة منها تخلق لنا قيودًا. فهي إنْ نُفّذتْ بشكل جيد وصحيح فستكون ممتعة للغاية.
الخصيصة الخامسة للاقتناع بالتدين هي الإيمان بالمعاد والآخرة/ الذي يؤمن بالمعاد يصبح عالَمه أوسع
- الخصيصة الخامسة التي على الإنسان الاتصاف بها للاقتناع بالتدين وترك المعصية هي الإيمان بالمعاد والآخرة. ويجب أن تَحُلّ هذه الخصيصة في اهتماماته، وفي معرفته، وفي معتقده، بل وحتى في شخصيته. وما الإيمان بالمعاد والآخرة بمقولة معرفية محضة، بل هي مقولة ترتبط بالشخصية. فالإنسان المؤمن بالمعاد يصبح عالَمه أوسع.
- نحن الآن في صدد فتح باب جديد في بحثنا الحالي وهو "الالتفات إلى حياة الآخرة". فنحن معاشر البشر لا يمكن أن نقتنع بأننا غير خالدين! فالاعتقاد بالخلود متأصّل في فطرتنا.
أعمق حاجات الإنسان طلب الخلود
- أعمق حاجة عند الإنسان، والتي هي أنشط من عبادة الله، طلبُ الخلود؛ وهي قوله: "لا أريد أن أموت، لا أوّد أن أفنى!" وإنّ نزعة طلب الخلود هي في الإنسان أقوى من عبادة الله تعالى. وانخداع نبي الله آدم(ع) كان لهذا السبب؛ إذ قد نسيَ اللهَ عز وجل لِلَحظة فأخذه طلبُ الخلود: «قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى» (طه/120). إننا جميعًا نجتهد في نسيان الموت، في حين أنه تحفيز مهم لنزعة طلب الخلود في الإنسان.
- لا يمكن للإنسان أن يقتنع بأنه غير خالد، وأنه سيفنى يومًا ما! ومهما لقّنتَه بهذه الفكرة فإنه سيرفضها في النهاية. بل ما من حاجة إلى مجيء نبيّ ليثبت للإنسان "وجود المعاد" فيقول الأخير: "ما أروعه من خبر! أحقًّا ما تقول؟!" كلا، فالمعاد ماثِل في فكر الإنسان، وإن الأخير - من تلقاء نفسه - رافض لفكرة موته، وجُلّ استنكاره للموت هو قوله: "إذًا ما الداعي لمرحلة الموت هذه؟!" والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم لم يتعرّض تقريبًا لإثبات المعاد، إذ لا حاجة إليه، بل وصفَه وصفًا.
في عالم الآخرة لا وجود لقيود الدنيا/ لو نظرتَ إلى الآخرة ببصر قلبك لسقطتْ لذائذ الدنيا من عينك
- كيف يكون عالَم الآخرة؟ إنه عالم غاية في السِعَة وقمة في الروعة! هناك ليس ثمة أية قيود من التي يعيشها الإنسان في الدنيا! في الحياة الآخرة لا يشيخ إنسان! وهو هناك لا يُكلَّف بشيء، ولا يُقيَّد بحدود (بالطبع أهل العذاب لهم حكم آخر).
- يروى عن أمير المؤمنين(ع) أنه قال في الآخرة: «فَلَوْ رَمَيْتَ بِبَصَرِ قَلْبِكَ نَحْوَ مَا يُوصَفُ لَكَ مِنْهَا [الآخرة] لَعَزَفَتْ نَفْسُكَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَى الدُّنْيَا مِنْ شَهَوَاتِهَا وَلَذَّاتِهَا وَزَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا» (نهج البلاغة/ الخطبة 165). ثم يسترسل(ع) في خطبته واصفًا كيفية تشابك أفنانِ أشجارِ الجنة مع بعضها البعض، وزَهرها، والأنهار الجارية تحت الأقدام، ...الخ قائلًا (ما مضمونه): "ارمِ ببصر قلبك نحو ذلك المكان لتعلم ما فيه! فلو نظرت إلى الآخرة بهذه الطريقة لعزفتْ نفسُك عن الدنيا، ولما استهوتك شهواتُها ولذائذها. في الحقيقة إنها ستسقط من عينك!
- الحق أن للإنسان هذه القابلية، وهي أن يتصوّر الآخرة بقوة خياله. فقوة الخيال في الإنسان عظيمة جدًّا، وليست هي للفنون فحسب! فهو إن لم يوظّف قوة خياله لتعطّلتْ ربع آيات الذكر الحكيم. فبقوة الخيال هذه تحديدًا يتعيّن تمثُّل الجنة والنار، إذ ليس ثمة ما يشبههما في الدنيا. فالقرآن يصف ألوان عذاب الآخرة وثواب الجنة ونعماءها بشتى الطرق.
النزوع إلى الخلود يجرّ الإنسان نحو التفكير في الآخرة/ جميع مآسي الإنسان تنشأ من "ضَآلة عالَمه"!
- النزوع إلى الخلود يجُرّ الإنسان نحو التفكير في الآخرة، ذلك العالم الذي لا يتسنّى – في الحقيقة – وصفه. فإن تمثَّل الإنسانُ الآخرةَ كبُر هو؛ بمعنى أن الإنسان يَعظُم إذا آمن بالمعاد، وهذا تحديدًا هو الأثر الذي يتركه الإيمان بالمعاد وعدم إنكاره على شخصية الإنسان.
- إنّ مآسي الإنسان جميعًا تنشأ من "ضآلة عالمه"، كما أنّ مسراته كلها تنبع من "ضخامة عالمه". فعندما يؤمن الإنسان بعالم الآخرة العظيم ذاك يَعظُم هو الآخر، وحينما يعْظُم يغدو "نبيلًا"! فإن صار المرء نبيلًا غابت عنه السيئات. فالإنسان إذا ساء وفسد اتّضح أن عالَمَه صغير، وهو إن وَسَّع عالَمَه فسيصلُحُ هو دفعة واحدة.
- علينا أن نبدأ مع أطفالنا منذ سن الروضة والتعليم الابتدائي فنوسّع عالمَهم. لقد خَطا علماء النفس خطوات إلى الأمام فيما يتصل بفهم الطفل للموت والآخرة فقالوا: الطفل إلى الخامسة أو السادسة لا يتقبّل الموت كثيرًا. فإن قلتَ له مثلًا: "فلان فارق الدنيا" يتصوّر أنه ذهب إلى مكان ما وسيعود! لكنه بعد السادسة أو السابعة سيدرك أن هذا الذهاب سوف لا تعقُبه عودة إلى هذا العالم. حينذاك سيتحوّل طلب الخلود لديه إلى قضية مُلِحّة! من هنا علينا أن نوضح له الأمور بدقة ونحدّثه عن عالم آخر، وهو سيفهم ويتقبل كلامنا لأنه لا يمكن أن يقتنع بفناء الإنسان.
على طالب التديّن أن يصبح أوّلًا إنسانًا عظيمًا/ من المستحيل أن يصير المرء عظيمًا دون التفاته إلى الآخرة
- يجب أن نلتفت إلى "عالم الآخرة الواسع" أتم الالتفات وأن نضع لهذا الأمر منهاجًا لكي نتكامل. ومن أفضل المناهج التربوية في هذا المضمار آيات القرآن الكريم. انظر ماذا يصنع القرآن الكريم؟ إنه يأخذ الإنسان إلى عالم القيامة ويُرجِعه منه على نحو موصول، وكأن قضية الله المُلحّة أساسًا هي القيامة، فكأنه يقول لك: "إن أحببت أن تخالطني فلقد خلقتُ لك عالَمًا أوسع أسمَيتُه عالَم الآخرة، ولذا سأحدثك عنه بكثرة، فلا تُطِل الكلام معي عن الدنيا!" فحينما تُجالس العظماء يتحتم عليك أن تتحاور كالعظماء!
- السبب في أن الله دائمًا ما يطيل الوقوف على موضوع الآخرة هو أنه تبارك وتعالى يحرص على شخصية الإنسان. من هنا فإن المُكثِر من قراءة القرآن الكريم تَعظُم شخصيتُه، وتَرِقّ روحُه كل رقة، وتحصل له أمور في منتهى الجودة والروعة.
- الاهتمام بعالم الآخرة يجعل الإنسان عظيمًا حقًّا. ومَن أراد التدين يجب عليه أوّلًا أن يصبح عظيمًا، وإنّ العظَمة دون عالم الآخرة مستحيلة تمامًا. البعض يتّخذ هيئة العظماء مع أنه، في واقع الأمر، وضيع يتظاهر بالعظمة! فالعظماء لا يصبحون عظماء إلا بالإيمان بالمعاد، والاعتقاد بعالَم الآخرة، والتعمق فيه.
إذا كَبُر عالمُك ازدادت فداحة الذنب عندك/ الذنب عنوان الحقارة والصِغَر
- حين يكبُر عالَم المرء تزداد شيئًا فشيئًا فداحة ظاهرة ما عنده، وهي "المعصية". فعندما يكون الثوب نظيفًا للغاية تظهر فيه بقعة القذارة بوضوح مهما صغُرتْ. وحين يكبُر عالَم الإنسان يبدو للأخير قُبح الخطيئة بوضوح؛ ذلك أن الذنب علامة الحقارة والصِغَر. ولذا يشعر المرء بالعار منه إلى درجة أنه يود لو يبيد بسبب ذنب واحد! ومن هنا قالوا: لا توبّخ العاصي، إذ لربما تاب من معصيته، فإنك ستحطّمه كلما وبّختَه بسببها! دعه يبقى كبيرًا! بل لا توبّخه حتى إن لم يكن نبيلًا، ولم يتُب من خطيئته؛ لا تجعله أحقَر وأحقَر! فالذنب عنوان الحقارة والصِغَر.
- الذنب تارة يعني "الخسارة"، وأخرى يعني "العمل خلافًا للمنهاج"، وثالثة يعني "رفض ما يوجَد في هذا العالم من قيود وأوامر معقولة". فما معناه يا ترى في هذه المرحلة من بحثنا (الذي يدور حول المعاد والآخرة)؟ إنه هنا يعني "التضاؤل".