مقطع صوتي | ما علاقة وباء الكورونا بالظهور؟ { الكلمة الأولى}
- انتاج: موسسة البیان المعنوي
المدة: 9:34دقیقة
9:34دقیقة | تنزیل بجودة ( رديئة(10MB) )
- مشاهدة في: یوتیوب
النص:
أُحيِّي الأصدقاء جميعًا. من المواضيع التي أخذتْ حيّزًا كبيرًا من النقاش مؤخَّرًا هي علاقة ظاهرة الكورونا - على اعتبار أنها مرض، أو كارثة عامّة، أو ظاهرة عالمية – بقضية الظهور. طيّب، لكوننا أناسًا ننتظر الفرج فإننا نتتبَّع علامات الظهور باستمرار ونود أن تَبلُغَنا بشاراتٌ تُخبِرنا عن فرجٍ عاجل للإمام الحجة(عج) في الوقت الذي نعلم أن حوادث أليمة ستحدث قُبَيل الظهور ويتعيّن علينا مواجهتها، والصمود أمامها، واتخاذ الإجراءات اللازمة كواجب علينا في مثل تلك الظروف.
حسنٌ، ظاهرةٌ كظاهرة الكورونا هذه، وهي في واقع الأمر مرض وبلاء وقد أحدثتْ - من ناحية أخرى - تغيّرات مُذهلة في سلوك الناس، ونمط حياتهم، ومعيشتهم في أغلب بقاع العالم، ظاهرة كهذه ما علاقتها بظهور الإمام الحجة صلوات الله عليه؟
يُصرّ البعض كل الإصرار على عَدّها واحدة من العلامات المَروِيّة! كلا، ليس هذا صحيحًا. بالطبع، ذَكرَت الأخبار حدوث أوبئة عامّة تقتل خَلقًا كثيرًا كممهّدات للظهور لكننا لا نملك أي علامة واضحة ومميّزة لإسقاطها (على أحداث اليوم)، ولا ينبغي أن نُصِرّ على إسقاط علامات الروايات بحذافيرها، مع كل ما قد تنطوي عليه من تعقيدات، على ما نعيشه اليوم من مرض الكورونا. كما يُصرّ آخرون أيضًا على عدم وجود أي صلة بين الكورونا والظهور. وأنا أود أن أتوسّع في هذا الموضوع.
ما الداعي لإصرارنا على عدم وجود أي علاقة بين الكورونا والظهور؟ ما أودّ قولَه: إنه قد يكون من الممكن القول من باب التحليل: إن حوادث العالم جميعًا، ولا سيّما في الزمن الذي نعيشه الآن، ترتبط ارتباطًا ما بالظهور. فمنذ صدر الإسلام كان لبعثة النبي الأعظم(ص) صلة بالظهور. وهو قوله تعالى: «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه»، كيف إذًا لا تكون لحوادث زماننا، الذي يُحتمل كونُه آخر الزمان، صلة بالظهور؟ جميع أئمتنا(ع) تقريبًا تكلّموا في أحداث ما قبل الظهور وما سيجري في تلك الحقبة من امتحانات صعبة. بل إن نهج رسالات أئمة الهدى(ع) كافّة كانت مرتبطة بالغيبة والظهور من قريب أو بعيد، فمنذ أن أخذ الإمام الصادق(ع) بتنشئة تلاميذ كان يستشرف زمان الغيبة، حتى اختارَ الأئمة(ع) من بعده نُوّابًا من بين مُحبّيهم في بلدانٍ شتَّى وعرَّفوهم للناس بشكل مباشر أو غير مباشر. كل ذلك كان تمهيدًا لزمان الغيبة، وبالطبع للظهور.
وكذا الحوادث الأخرى. ألم تكن ثورتنا تمهيدًا للظهور؟ أوَليستْ مرتبطة به؟ هذا لَعَمري من مُسلَّمات كلمات الإمام الراحل(ره)! فالدفاع المقدَّس لم تكن له من فلسفة غير إِعدادِنا للتهيئة للظهور. ولقد شاهدنا آثار الدفاع المقدس، والدفاع ضد إرهابيِّي المنطقة. كل هذا يمكننا أن نضعه في خانة تهيئة العُدَّة والعدد للفرج.
لا ينبغي أبدًا أن نفصل الحوادث والظواهر الواسعة الانتشار، بالأخصّ تلك التي تتخذ طابع الابتلاء ويمكنها أن تترك آثارًا عميقة - أن نفصلها عن الظهور. نعم، ليس على اعتبارها علامات خاصة، بل بوصفها أمورًا يمكن أن تُعَدّ مُمهِّدة، والكورونا واحدة منها. فلقد كشف وباء الكورونا أوّلًا عن أنّ الإنسان عاجز عن أن يواجه فيروسًا ببساطة، فيروسًا خيّمتْ ظلالُه على حياة الناس كلّهم، وتصدّرَ أخبارَ العالم أجمع. ثانيًا أَظهَرَ الفيروس أنّ إِحداثَ تغيير في العالم بتدبير ومشيئة من الله تعالى، عبر شتّى الابتلاءات ليس بالأمر العزيز على الله. إذ ترون كيف قلَبَ الفيروسُ أوضاعَ العالم في غضون شهر أو شهرين! بالطبع قضية ما إذا كان الفيروس من صُنع البشر أو لا موضوعٌ يمكن بحثه على حدة. فإن كان من صُنع البشر حقًّا فهل ثمة يا ترى ظُلمٌ أشنع من هذا على صعيد العالم عمومًا وفي حقّ البشرية جمعاء؟!
إن كان من صنع البشر وقد فلتَ الأمر من أيديهم فهذا، في الحقيقة، دليل آخر على ضعف الإنسان على إدارة شؤون نفسه. وإن كان من صنع البشر وقد أزمعوا عمدًا على إبادة المُسِنِّين مثلًا لصالح شركات التأمين الضخمة، والكارتلات، والترَسْتات، والنظام الرأسمالي فهذا أيضًا نمط آخر من الظلم العام. إن كان من صنع الإنسان فمهما كانت طريقةُ نظرِنا إليه؛ سواء أكانت خطة رسموها ضد دول بعينها ففلت الزمام من قبضتهم، وسواء أكان هذا قصدهم من الأساس، أو أيًّا كان، فيمكن تفسير هذا، على أي حال، كأحد مصاديق الظلم، ذلك الظلم الشامل الذي سيملأ الأرض قبيل الظهور إلى أن يَحِلّ الظهور.
وإن لم يكن من صنع الإنسان وأنه حدث بشكل طبيعي حقًّا، وهذا بالطبع احتمال ضعيف على ما أظهرته التحقيقات، فإنه أيضًا يكشف عن ضحالة علم الإنسان وأنه ما زال يعاني الجهل، وأن صاحب الزمان، أرواحنا له الفداء، لن يظهر لبسط العدل فحسب، بل لجلب العلوم أيضًا. فالعلم بعد الظهور - كما تُخبِر الروايات - سيشهد تطوّرًا جبّارًا وسيتّسع نطاقُه اتساعًا عظيمًا.
لا يُستبعَد أن الإنسان قبل زمن الظهور يقف، بين حينٍ وآخر، على جهله وهذا بحدّ ذاته سيحفّز في نفوس البشر الاستعداد لظهور عالِم آل محمد(ص) ليملأ الأرض بالضياء والعلم. في العادة نحن نُركّز في حواراتنا على عدل صاحب الزمان(عج) ضد الظلم لكن من المُستحسَن جدًّا في هذه الأيام أن نطيل الوقوف على عِلم الإمام الحجة أرواحنا له الفداء، العلم الذي سيأتي به، والعالَم الذي سيملأه عِلمًا لدحر الجهل. وهذا مذكور في رواياتنا. على أنه لا بد للظلم أن يزول أوّلًا لكي يستقر العلم وينتشر بين الناس.
لكن فيروس الكورونا هذا، على أية حال، يكشف عن ضعف الإنسان في إدارة شؤون حياته وإن الدول التي كانت تسمَّى "متقدِّمة" هي الآن أمام تحدٍّ كبير. فأيًّا كانت طريقة إنتاج هذا الفيروس وبثّه فإنه - مهما يكن من أمر - قد عَرَّى هذا الضعف. وسواء أكان ما نصارعُه ظلمًا أو جهلًا فلا بد لهذه الأمور أن تُلفِت انتباهَنا أكثر إلى ظهور الإمام(ع) وتكشف بشكل كامل عن أن علينا الالتفات إلى رب العالمين والتوسّل لاستثمار كلّ عامل، ومنها الدعاء الذي هو أهم العوامل، لتعجيل الفرج لكي يُعجَّل في فرج مولانا صاحب(عج) إن شاء الله.