۹۹/۰۱/۱۴
زاوية الرؤية - الحلقة الثالثة
الخطوة الأولى لتقويم الرؤية ووجهة النظر هي التفكير / قد يكون نمط حياتنا عدواً للتفكير ولا يسمح لنا بذلك / بعض الأفكار ليست تحليقاً في فضاء الفكر بل سقوط في الهاوية !
الهويّة:
-
المكان: طهران، جامعة الفنون
-
الزمن: محرم 1439هـ /2017م
-
الموضوع: زاوية الرؤية في الفن الملحمي
-
التاريخ: 9/محرم/ 1439 ـ 30/9/2017
-
A4|A5 :pdf
أحيانا لا يسمح لنا نمط حياتنا بالتفكير، بل يكون عدوّاً له أيضاً. فإن تقرأ على الفور الرسائل التي تصلك عبر الجوّال في كل دقيقة، لن تصبح إنسانا مفكّراً! قرّر أن تقرأ رسائلك في ساعة محدّدة كالساعة التاسعة مساءً.
تم تصميم القرآن بحيث يتمكن من تقويم نمط رؤيتنا / من أسباب التوصية بتلاوة القرآن باستمرار هو انتقال رؤية القرآن إلينا
- لا يشبه القرآن الكريم الكتب العلمية، فهو كتاب "بصيرة" وقد تم تصميمه بحيث يتمكن من تقويم نمط رؤيتنا. فلا يقول القرآن ما هو الجيد وما هو الرديء، بل يبين "مقدار جودة أو رداءة ذلك الأمر الجيد أو الرديء وما هو السبب وراء جودته أو رداءته؟" بتعبير آخر، إن القرآن يأخذ بيدك لتنظر إلى جميع الأمور من الزاوية التي يريدها الله لك.
- القرآن ليس بكتاب نتعلّمه ونمتحن به ثم نتركه جانباً! إن إحدى أسباب التوصية "بتلاوة القرآن دائماً" هي انتقال رؤية القرآن إلينا. يروي أحد أفراد حماية الإمام الخميني(ره) أن سماحته كان يقرأ القرآن 12 مرة يومياً. فمن يريد أن تنتقل رؤية القرآن إليه لا بد أن يتلوه بهذا الأسلوب، بينما تكفي قراءة القرآن لمرة واحدة لو كان الهدف هو انتقال المعلومات فقط.
- يهزّ القرآن قلب الإنسان. فإن أثّر القرآن في نفوسنا فسينتقل نمط رؤية الله إلينا! الرؤية القرآنية تغيّر زاوية رؤية الإنسان بالنسبة للموت والحياة وتُحْدث تحوّلاً في نفسيته.
- كان سماحة الإمام الخميني (ره) يقول: "أمريكا عاجزة عن ارتكاب أي حماقة" وكان يقولها بجدية وصلابة بالغة، لأن سماحته كان قد اكتسب رؤية قرآنية. القرآن يجعل الإنسان عظيماً، لأن الله جلّ وعلا يتكلم في القرآن بمقاييس المجرّات! ولهذا السبب بالذات قد يبتلى بعض طلّاب العلوم الدينية في عملية تبليغ الدين بالمبالغة. وبالطبع لو دقّق المرء سيفهم بأن القرآن لا يستخدم أسلوب المبالغة، بل يتكلم بدقّة بالغة.
- العاملون في المجال التبليغي والإعلامي، الذين يروّجون لسلعة معنوية أو دنيوية، يكونون عرضة لانتهاج المبالغة (التهويل أو التهوين). الفنّانون أيضاً قد يصطنعون المبالغة عند تصويرهم لقضية ما، فمثلا يغالون أيما مغالاة في وصف الزواج والحب بين الرجل والمرأة، بينما هو أمر طبيعي.
يجب أن نحترس من "المبالغة في التفكير" فما بالك "بالمبالغة في الكلام!"
- يتحدث أصحاب الدنيا عادة بمبالغة فائقة حول الدنيا، مع أن حقيقة الدنيا لا تتميّز بجاذبية تُذكر. يجب أن نحترس من المبالغة في التفكير فما بالك بالمبالغة في الكلام! ينبغي أن لا نبالغ في الكلام حتى بالنسبة للدين.
- الناظر من بعيد إلينا نحن طلّاب العلوم الدينية وإلى ثقافتنا الدينية سيقول: ما أشد ما تبرّدون الناس تجاه الكثير من القضايا! وجوابنا هو: صحيح، لأننا نريدهم أن يَحمَون ويتلهّفون تجاه القضايا التي تستحق فقط! فلو أنك نبذتَ التلهّفات التافهة والتعلّقات العديمة القيمة لتكسّرت عنك أغلالُك ولاجتاحتك التلهّفات الأصيلة ذات القيمة الحقيقية!
- إن الله لا يهوّل الأمور ولا يهوّنها في القرآن ولا يبالغ بها، بل يبيّن المقدار الحقيقي لكل شيء. فيقول مثلاً: «وَالَّذِینَ قُتِلُوا فی سَبِیلِ اللهِ فَلَن یُضِلَّ أَعْمَالَهُم * سَیَهْدیهِمْ وَیُصْلِحُ بالَهُم * ویُدْخِلُهُمُ الْجَنَّة» (محمّد(ص)/4-6). كيف يصنع الله بالذين قُتلوا في سبيله؟ نحن نقول: إن الشهادة أمر عظيم جداً، فلا بد أن الله في مقابل هذا الشيء الفائق العظمة سيقيم لهم الدنيا! لكنه سبحانه يقول "إنه لن يضلّ أعمالهم، وسيصلح أمورهم ويدخلهم الجنة!" يا إلهي، نحن كنا نظنّ أنك ستحتفي بهم حفاوة تفوق ذلك! لكن الله تعالى يبيّن المقدار الحقيقي للجزاء ولا يبالغ في الكلام.
من يأنس بالقرآن تتميّز رؤيته وتعظم روحه
- جاء في الروايات أن القرآن ظاهره مر في غالبية الأوقات، لكنه يصبح حلواً بعد التعمّق فيه. «الْقُرْآنُ کُلُّهُ تَقْرِیعٌ وَبَاطِنُهُ تَقْرِیبٌ» (معاني الأخبار/ 232). القرآن ليس كتاب دعاية ولذلك فهو يبيّن مقدار كل شيء بدقة ودون مبالغة. إنه لا يغالي حتى في الاحتفاء بالشهيد، بل ويتعامل مع رسوله(ص) أيضا بصلابة عالية ومنطق. فالقرآن إذن لا يتكلّم بمبالغة، بل ينظر بدقّة وواقعيّة ويريد تقويم "رؤيتنا" وإضفاء الدقة عليها.
- وإذا تحدث القرآن عن الأعداد والأرقام الهائلة فليس من باب التهويل، بل إنه يتحدّث عن حقائق ضخمة فكل من يتلو القرآن ويجعله قرينا له ستتغير رؤيته وتعظم روحه.
- وكنموذج من نوعية رؤية الله تعالى في القرآن يمكنكم مشاهدة رؤيته بالنسبة للقيامة. يقول سبحانه سنلتقي قريباً في يوم القيامة! أما نحن فنعتقد أن اللقاء لن يكون قريباً فقد مضى 1400عام منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا ولا نعلم كم سنة أيضاً باقية حتى يوم القيامة. لكن الله لا يعدّ هذه السنين شيئاً يُذكر! يقول سبحانه في محكم كتابه: «ویَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ولَن يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ یَوْمًا عِندَ رَبِّكَ کَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون» (الحج/47). يريد القرآن أن يزوّد الإنسان برؤية صائبة، فإن اكتسبت هذه الرؤية القرآنية فسوف لا ترى هذه الفترات الزمنية طويلة وبعيدة المدى!
التفکیرهو الخطوة الأولى لتقويم النظر وزاوية الرؤية
- إن أراد شخص أن يمسك بزمام رؤيته ويقوّمها، فما هي الخطوة الأولى التي ينبغي عليه أن يخطوها؟ ذكرنا لحد الآن بضع نقاط حول هذا الموضوع من ضمنها مجالسة القرآن ومعاشرة أهل الرؤية الصائبة. وبالطبع هذه الخطوات ضرورية في محلّها، لكن لو أردنا مناقشة الموضوع من الجانب الأنثروبولوجي فلا بد أن نشير إلى أن الإجراء الأول الواجب اتخاذه لتقويم الرؤية هو "التفكير". وقد تم تقديم التفكير في الروايات كوسيلة وطريق للوصول إلى البصيرة والرؤية الصحيحة. قال أمير المؤمنين(ع): «أفْکِرْ تَسْتَبْصر» (عيون الحكم/ ص75) و: «رَأْسُ الِاسْتِبْصَارِ الْفِکْرَة» (غررالحکم/ ص57) و«مَنْ طَالَتْ فِكْرَتُهُ حَسُنَتْ بَصِیرَتُه» (نفس المصدر).
- وفي رواية أخرى قال علي(ع): «لَا بَصِیرَةَ لِمَنْ لَا فِکْرَ له» (عیونالحکم/539) و«مَنْ تَفَکَّرَ أَبْصَر» (نهجالبلاغة/ الرسالة 31)، أي من يفكّر جيداً يكتسب رؤية صحيحة وصائبة. وقال(ع): «إِنَّمَا الْبَصِیرُ مَنْ سَمِعَ فَفَکَر» (عیونالحکم/ ص178).
- و"الحكمة" هي أبرز أنواع التفكير. وهي تعني خلق المواضيع عبر التفكير. قال تعالى في وصف الرسول(ص): «یُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ» (الجمعة/2)، أي لا تكتفِ بتعليم الناس الكتاب، بل علّمهم الحكمة أيضاً! لأن الحكمة ثمرة التفكير. لكن البعض للأسف يتّهمنا نحن معشرَ المتديّنين بأننا أعداء التفكير!
- أحياناً لا يسمح لنا نمط حياتنا بالتفكير بل يكون عدواً له أيضاً! فالموسيقى وأنواع الأمور المسلّية وكل شيء يستحوذ على انتباه الإنسان بشدة، يحول دون تفكيره. حتى الإفراط في الاستماع إلى المحاضرات يمنع التفكير. فلو وصلت جوّالك رسالة كل دقيقة وتريد أن تقرأها في نفس اللحظة فلن تكون إنسانا مفكّراً! قرّر أن تقرأ رسائلك في ساعة محددة فقط، من الثامنة إلى التاسعة مساءً مثلاً.
- يقول علماء النفس: كل أمر يُلْهي الإنسان ويبعده عن التفكير سيؤدي به إلى البلادة (ركود الذهن)، كعادة مشاهدة التلفاز بإفراط. فإن شعرت بأنك انجذبت بشدة إلى فلم أو مسلسل ما وأنه يشدّ انتباهك بقوة فلا تشاهده!
- يقول تعالى: إذا أحببت التحدّث معي ومناجاتي تعال في جوف الليل! فالخطباء وقرّاء المراثي في مجالس رثاء أهل البيت(ع) وفي مجالس الدعاء والمناجاة العامة إنما يمهدون لك السبيل، لكن تعال في الأسحار واجلس بنفسك وتفكّر وتحدّث معي. فالآية الكريمة : «وَیَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ...» (آلعمران/191) إنما تختص بوقت السحر.
بعض الأفكار ليست تحليقاً في فضاء الفكر، بل سقوط في الهاوية!
- بعض الأفكار ليست تحليقاً في فضاء الفكر، بل سقوط في الهاوية. وبالطبع يذوق المرء طعم الحرية في كلا الحالتين، لكن نشوة السقوط قصيرة جداً! فلذلك نستطيع القول إن عدم التفكير أفضل من بعض حالات التفكير التي لا تعتمد على أساس قويم. يفكّر البعض في أنه: "كيف يوصل إلى الآخرين كلاماً قد اقتنع به من دون تفكير؟" أو "كيف يحقق رغبة نشأت في نفسه دون تفكير؟" ولو أنه تأمّل قليلاً لتنبّه إلى مدى سخافة ذلك الكلام أو تفاهة تلك الرغبة! كما أن البعض إذا فكّر انتابه الحرص وأخذه الحسد والحسرة، فمن الأفضل له ألا يفكّر بتاتاً!
مجلس عزاء الإمام الحسين(ع) هو مجال للتفكير
- الفكر والحكمة متواجدان في مجلس الإمام الحسين(ع) أكثر من أي مكان آخر. فلا يتعمّق فكر الإنسان في أي مكان كالمكان الذي تموج فيه محبة أهل البيت(ع). ولولا محرّم لا يصبر المرء كل هذا الصبر على الإصغاء إلى المحاضرة الدينية! اللطم والبكاء على أبي عبد الله الحسين(ع) مقدمة للتفكير الجيد، ومجلس عزاء أبي عبد الله الحسين(ع)هو مجال للتفكير.
- ليلة عاشوراء أيضاً هي ليلة تفكّر وتأمّل! فلنتأمل في أنه: هل نحن مستعدون لنصرة الإمام الحسين(ع) أم لا؟ على أننا إن كنا مستعدين لنصرته(ع) لم نأت بإنجاز ذي شأن! فمشكلة صاحب الزمان(عج) لا تُحَلّ بهذا.
الأصحاب الذين يريدهم صاحب الزمان(عج) تختلف وظائفهم عن شهداء كربلاء
- عاشوراء هي بداية تربيتك وليس نهايتها! فالتربية الحسينية هي بداية الطريق لكنك لن تواج ظروفاً حسينية! لا تستطيع أن تقول: "سيدي يا بن الحسن! أقبل إلينا! فإن أقمتَ ليلة عاشورائية فسأكون ضمن المرابطين في خيمتك!" لكنه(ع) سيجيبك: آسف، لن يكون لي عاشوراء! أنا أصدق كلامك، فلو حاصروني في مصرع الطف فستهُبّ لنصرتي، لكن أمور العالم لا تستقيم بنصرتك هذه. أنا أريد شيئاً آخر... مهمة صاحب الزمان(ع) تختلف عن مهمة الإمام الحسين(ع) في كربلاء!
- غالبية المُعزّين في محرّم مستعدون لتقديم أنفسهم فداءً للإمام الحسين(ع)، فلماذا لا يظهر صاحب الزمان(ع) مع وجود هذا العدد الضخم من الأصحاب الفدائيين؟ ألم يكن(ع) يريد 313 شخصاً فقط؟ في لحظة الاستشهاد يصبح الإنسان طاهراً ومضحّياً بكل ما لديه تلقائياً، لكنك، في عهد دولة صاحب العصر(ع)، عليك أن تكون بطهارة وتضحية أولئك الذين ضحّوا في ليلة عاشوراء! التنازل عن الدنيا في لحظة الشهادة ليس بأمر عسير، لكن ينبغي عليك أن تصرف النظر عن دنياك وأنت حي! فمهمة الأصحاب الذين يريدهم صاحب الزمان(ع) تختلف عن مهمة شهداء كربلاء! فلا يكفي أن تهيّئ نفسك لموقف كموقف عاشوراء فحسب، بل عليك أن تستعد لموقف مثل دولة صاحب الزمان(ع) أيضاً.