بيان عليرضا بناهيان بمناسبة حلول شهر شعبان
كيف نتفكّر في هذا الشهر وكيف نتكلّم مع الله؟/ التضرّع حين الدعاء جميل أمّا التفكّر في نصّ الدعاء قد يفوقه ثمنا/ لقد جمعت خصيصتان مهمّتان في المناجاة الشعبانية أي «أسمى المضامين» و «أدنى شكاوى العاصين» بروعة في نصّ واحد
الهويّة:
- الزمان: 1 شعبان 1441
- الموضوع: بيان صوتي بمناسبة حلول شهر شعبان
من عدم التوفيق أن لا نقرأ المناجاة الشعبانية في هذا الشهر
- بسم الله الرحمن الرحيم. أبارك لكم حلول شهر شعبان المبارك. يسعنا في هذا الشهر وبسبب الحجر المنزلي والظروف التي نعيشها أن نتفرّغ للعبادة أكثر.
- وبطبيعة الحال إن شهر شعبان المبارك هو فرصةٌ استثنائية لقراءة «المناجاة الشعبانيّة». ولا يخفى أنه يمكن قراءة هذه المناجاة في أيّ شهر آخر وفي أيّ يوم وليلة، ولكن بما أنّ هذه المناجاة سمّيت باسم شهر شعبان، فمن قلّة الإنصاف أو قلّة التوفيق ألّا يقرأ الإنسان ولا يراجع هذه المناجاة في هذا الشهر المبارك.
لنقرأ ولو لمرّة واحدة نصّ مناجاة أمير المؤمنين(ع) مع الله بحبّ الاستطلاع
- أساسا يمكن قراءة الأدعية بطرق مختلفة، واحدة منها هي أن نقرأ الدعاء كنص للتفكّر والمطالعة. فإننا عندما نطالع نصّا ففي الواقع نقرأه بفضول لكي نطّلع على مضامينه ونتعرّف على ما ينطوي عليه نصّه.
- فإذا سُجِّلَت في مكان ما إحدى المناجاة الخصوصية لأمير المؤمنين(ع) مع الله سبحانه، فحريّ بالإنسان أن يتصاعد فضولُه ويَمُدّ عنقَه ليرى أيّ حوار جرى هناك؟ لو كنتم خلف باب غرفة فيها أميرُ المؤمنين(ع) وهو يناجي ربّه بصوت عال بإمكانكم أن تسمعوه، فلو أذِن لكم بالاستماع ألم يستفحل فضولكم لتعرفوا ما هي المواضيع التي طرحها أمير المؤمنين(ع) في مناجاة ربّه؟
- عندما يصلنا دعاء عن إمام معصوم، فإنه عصارة إيمان الإمام وتقواه ومعرفته، وحقيقةً إن المناجاة الشعبانية هي عصارة الوجود الروحاني لأمير المؤمنين علي(ع).
لنقرأ المناجاة الشعبانية ولو لمرّة واحدة بدافع التفكّر
- إذن يسعنا أن نقرأ هذا الدعاء مرّة على سبيل المطالعة وبدافع حبّ الاستطلاع، وكذلك في ميسورنا أن نقرأه مرّة بدافع التفكّر، بلا حاجة ضروريّة إلى البكاء وحرقة القلب في أثناء قراءة الدعاء. إن مقاطع هذا الدعاء تستوقف الإنسان حقيقة، فهي قادرة على أن تبعثنا على التفكّر وإذا كان امرء من أهل الفكر فهذا الدعاء هو أفضل نصّ للفكر.
- يعرف كثيرون أن أفضل العبادة أو من أفضلها هو التفكّر، ولكنّهم يتساءلون «كيف نفكّر؟» طيّب أحد الطرق هو أن نضع نص المناجاة الشعبانية بين يدينا، وبعد أن نطالع الدعاء مرّة واحدة ونتعرّف على مضامينه عبر الشرح أو الترجمة، نرجع كرّة أخرى ونتعامل مع الدعاء بتفكّر.
التضرّع حين الدعاء جميل أمّا التفكّر في نصّ الدعاء قد يفوقه ثمنا
- كونوا على يقين من أنّنا لو قرأنا الدعاء بتفكّر فذلك يستغرق عدّة ساعات أكثر ممّا لو أردنا أن نقرأه أو نردّده بهمس وهمهمة أو نتخذ حالة المناجاة أو التضرّع. طبعا لا شك في أن التضرّع والبكاء في محلّه جميل، ولكن التفكّر ليس بقليل، بل قد يفوق البكاء وصبّ الدموع ثمنا. فإذا لصقت هذه المناجاة بفؤاد أحد بعد ما طالعها وقرأها بتفكّر، فليختر مقاطع من هذه المناجاة ليناجي بها ربّه في خلوة، فإن المناجاة بمعنى الهمس.
يشتمل هذا الدعاء على قطعات صغار من المناجاة جمعت معاً بروعة
- إذا أردتُ أن أستعرضَ جانبا من خصائص هذا الدعاء المهمّة بإيجاز، فأقول: إن هذا الدعاء هو مقاطع قصيرة من المناجاة التي جُمعت معا بتناسب وانسجام. هذه المقاطع تفوق الأربعين مقطعا، كل مقطع هو قسم مستقل وقد ضمّن أمير المؤمنين(ع) كلَّ مقطع مضامين عميقة وثقيلة جدّا ثمّ جعلها مندمجة ومضغوطة في منظومة واحدة وصمّم هذه المناجاة بروعة وجمال بالغين.
- انظروا إلى الكلمات القصار لأمير المؤمنين(ع) في نهج البلاغة، وكذلك انظروا إلى خطب أمير المؤمنين(ع) ومدى حلاوتها ووقع نغماتها! سترون نفس الحكمة والدراية والجمال والعمق ماثلة في عبارات هذا الدعاء أيضا. الأدعية التي رويت عن الإمام السجاد(ع) يبدو أكثر تفصيلا وشرحا، أمّا المناجاة الشعبانية فهي دعاء موجز، كل عبارة منه عصارة ألم وإدراك عميقين.
- ولذلك لا يبعد أن يقف الإنسان ساعة في كلّ ليلة عند عبارة من هذه المناجاة ويبكي بين يدي الله ويناجيه. لا تستعجلوا لإكمال هذا الدعاء وإتمامه دفعة واحدة. نفس الأدب الذي وُصّينا به في تلاوة القرآن من أنه «لا تحاولوا أن تختموا السورة بسرعة، بل اقرأوا القرآن رويدا أي بتأنّي وتفكّر.» هذا ما ينبغي أن يحصل لنا في قراءة هذه المناجاة أيضا. فمن كانت له مهجة وأراد أن يقرأ هذه المناجاة، فليقرأ مقاطع من هذا الدعاء ويناجِ ربّه ما سنح وقتُه وامتدّت طاقته، وليؤشّر على ذاك المقطع ثمّ يُكمله في فرصة أخرى.
لقد جُمعت في هذا الدعاء «أسمى المضامين» و «أدنى شكاوى العاصين» بروعة بالغة
- من لطائف هذا الدعاء هي أنه إلى جانب المضامين السامية جدّا التي ينطوي عليها هذا الدعاء والتي قلّ نظيرها في الأدعية الأخرى، فيه مضامين كأنها لسان حالنا؛ نحن الذين وددنا أن نكون أقلّ الناس في هذا الدرب. حتى أكثر الناس عصياناً فلو أراد أن يناجي ربّه ما عساه أن يقول؟! فقد عبّر أمير المؤمنين(ع) في هذه المناجاة عن كلّ شكواه بشكل رائع وهذه من روائع هذه المناجاة.
- كيف ينطلق لسان المذنب بين يدي ربّه؟ كيف يحكي عن عمره من أتلف عمرَه وضيّع فُرَصَه؟ ما عساه أن يقول في ندمه؟ كيف ينادي الله ويستجيره من أصبح على مشارف السقوط والقنوط. تلاحظون أن قد تكرّرت هذه المضامين في المناجاة الشعبانية بشكلها الرائع وببيان سهل من جانب وعميق من جانب آخر؛ بحيث يسعكم أن تحدّدوا بعض هذه العبارات وتعتبرونها لسان حالكم فتخطون تحتها خطّا وتكرّرونها في خلواتكم. إن هذه الخصيصتين المهمّتين في المناجاة الشعبانية أي «أسمى المضامين» و «أدنى شكاوى العاصين» قد جمعت بروعة في نصّ واحد.
- أتمنّى أن نجتاز هذه المرحلة ونبلغ مرتبةً نستطيع فيها أن نتمعّن في تركيب هذه العبارات وسياقها. فإن تركيبها يسمو بالإنسان مرّة ويُهبطه أخرى. يبدأ كلّ مقطع بـ «إلهي» وحقيقةً لا ينتهي إلى مدى. أسأل الله لجميع الإخوة أن يُوَفَّقوا لقراءة هذه المناجاة ولا ينسوني من صالح دعواتهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.