لا نخشَ غيرَ الله (المحاضرة 2)
کیف يسدّ الله باب تبرير الخوف؟/ ليراقب الآباء والأمهات تشجيعاتهم/ التشجيع قد يبلور الخوف في قلب الإنسان/ الحياة بدافع الخوف مدعاة إلى الضعف وانخفاض الإبداع/ لماذا كلّ من يخشى الله يعشقه؟
الهويّة:
الدين يقف أمام تبرير الخوف؛ فإن كثيرا من الآيات والروايات صدرت من أجل ألّا يبرر الإنسان خوفه. ما الذي يفعله الله في سبيل أن يسدّ علينا باب تبرير الخوف؟ من أجل ذلك يقول مثلا: «إن أجلكم بيدي» أو يقول: «رزقكم بيدي» فلماذا تخافون إذن؟
إليكم أهمّ المقاطع من المجلس الثاني من سلسلة محاضرات عليرضا بناهيان في جامعة طهران تحت عنوان «لا نخشَ غيرَ الله»:
إن الحياة القائمة على الخوف من الكثرة بمكان بحيث لا تحسب مرضا!
- قبل أن نؤمن بالله أو نقوّي إيماننا به أو قبل أن نجعل إيماننا ذا تأثير في حياتنا يحسن بنا أن نجرّد حياتنا من الخوف، فلا تكون حياتنا قائمة على الخوف! ولكن وللأسف أصبح هذا النمط من الحياة شائعا جدّا فلا يحسبه أحدٌ حالة مرضيّة أو مرضا نفسيّا.
- كثير من الناس إذا تكلّموا معا، يتحدثون بكل صراحة عن مخاوفهم ومبادراتهم لتفادي هذه المخاوف، فأصبح الخوف هو الحافز الرئيس لمبادراتهم وتخطيطاتهم. إنها ظاهرة شائعة جدّا وما أسوأها. ولا أحد يقول: إن هذا النمط من الحياة سيئ وغلط!
- ما أكثر الآباء والأمّهات الذين يربّون أطفالهم بالخوف، فيحرّضونهم على الأدب والترتيب والحركة والنشاط و... عبر تخويفهم. في حين أنه ليس هنا مورد استخدام الخوف!
الحياة بدافع الخوف مدعاة إلى الضعف وانخفاض الإبداع
- في تلك الحياة الولائية في ظل حكم الإمام صاحب العصر والزمان(عج) سيزول خوف الناس! فلو تجرّد الإنسان من كثير من هذه المخاوف الشائعة في الحياة، سيحيى بمزيد من الإبداع. فعلى سبيل المثال افرضوا لو لم تكن دراستكم أو عملكم خوفا من الفقر، كيف كنتم تعملون وتدرسون؟ إن كنت عاملا تصبح عاملا مبدعا في المصنع وإن كنت طالبا تصبح عالما بأسهل ما يكون. إنها لحقيقة أثبتتها التجارب النفسيّة أيضا، فتبيّن التجارب أنه عندما تُخَصَّص جائزة لامتحان ما، تنخفض نسبة الإبداع في حل المسائل لدى الممتَحَنين بسبب خوف الحرمان من الجائزة. أمّا إذا كان الامتحان بلا جائزة، تزداد نسبة الإبداع في حلّ المسئلة.
- ترى غير قليل من الناس لا ينفكون عن البحث دوما في ذهنهم وأفكارهم ليجدوا مشكلة يخافون منها! هذه طبيعة أذهان الذين قد تعوّدوا على «الحياة بدافع الخوف»؛ فهم يبحثون في أذهانهم ليخافوا من شيء ويشغلوا بالهم به. إن هذا الخوف مدعاة لضعف الإنسان. ومن جانب آخر بما أن معظم الناس أو كلّهم تقريبا لا يخلو من هذا الضعف، فلا أحد يعتبره عيبا أو مرضا، ومن ثمّ لا يستغفر منه.
ليراقب الآباء والأمهات تشجيعاتهم/ التشجيع قد يبلور الخوف في قلب الإنسان
- يجب أن يتغيّر نمط الحياة فينا وكذلك يجب أن يتغير أسلوب الإدارة في المجتمع وفي الأوساط التعليمية والتربويّة، ويجب أن يتقلّص الخوف إلى أدنى حدّه. لابدّ للإنسان أن يعيش بشجاعة، فإن الشجاعة لا تقتصر على جبهات القتال. فإن سرت الشجاعة في حياة الإنسان كلّها ستترك بصمة تأثيرها في كثير من قراراتنا المهمّة في الحياة. كما يمكن للخوف أن يأخذ بناصية قراراتنا. فعلى سبيل المثال قد يختار طالبٌ لإكمال دراسته فرعا فيه دخل كبير، بينما تكون رغبته في فرع آخر وأساسا قد خلق من أجل عمل آخر، ولكنه يختار طريقا ومصيرا آخر خشيةَ الإملاق.
- أحد الأصول التي لابد من مراعاتها في أسلوب إدارة الأسرة، هو أن يراقب الآباء والأمهات أنفسهم حين يشجّعون أولادهم. فقد جاء في الروايات أن لا تمدح أحدا أمامه، فإن فعلت ذلك فكأنك قد طعنته أو ذبحته؛ «مَنْ مَدَحَكَ فَقَدْ ذَبَحَك»[غرر الحكم/ص466] لماذا لا يحسن هذا التشجيع؟ لأنه يحدث خوفا إلى جانب هذا التشجيع، وهو الخوف من فقدان هذه المكانة، أو الخوف من التخلّف في المنافسة. لابد من إزالة هذه المخاوف من الحياة.
يقف الدين أمام التنظير للخوف/ إن المنظّرين للخوف هم من الجامعة والحوزة
- في مسار البحث نخوض في موضوعين؛ الأول هو أن البعض يبرّرون خوفهم، والثاني هو أن البعض ينظّرون للخوف. فالدارسون وأصحاب الشهادات في الغالب ينظّرون للخوف وعامّة الناس يبرّرونه. أمّا الدين فيقف أمام تبرير الخوف والأكثر من ذلك يقف أمام التنظير له.
- إذا أراد بعض علماء الحوزة والجامعة أن ينظّروا للخوف فقد اجترحوا جرما كبيرا، إذ بعد هذا التنظير سيقول الناس الذين يريدون تبرير خوفهم: «هذا ما أقرّ به العلم أيضا!». وقد يعتبر هذا العلم تارة منطلقا من الدين، وتارة من التجربة. إن المنظّرين للخوف اليوم هم من الجامعة والحوزة وليسوا من أهل الجامعة فحسب. وفي كلا المركزين (الحوزة والجامعة) هناك علماء وأساتذة لا يستحسنون هذه النظريات ويدركون عدم صوابها. فلا تخلو الجامعة ولا الحوزة من الغث والسمين.
كثير من الآيات والروايات هي من أجل صدّ الإنسان عن تبرير خوفه!
- كثيرا ما يحاول الإنسان أن يبرر خوفه، وفي المقابل كثير من الآيات والروايات هي من أجل صدّكم عن تبرير خوفكم! أحد هذه المخاوف هو «الخوف من الجهاد» لأن الإنسان يقول بطبيعته: إن إذهب إلى ساحات الجهاد سأتعرّض للضرر والموت.
- ولكن الله يقول لأولئك الذين يفرّون من الجهاد خوفا من الموت وخوفا على أرواحهم: (أَیْنَما تَکُونُوا یُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ کُنْتُمْ في بُرُوجٍ مُشَیَّدَةٍ) [النساء/78] وقال كذلك: (فَإِیَّاىَ فَارْهَبُون) [النحل/51] و (وَإِیَّاىَ فَارْهَبُون) [البقرة/40] ممَ ترهبون؟ فإذا كنتم لابدّ راهبين فارهبوني إياي!
- يريد الله أن يصدّ الإنسان عن تبرير خوفه، ولا سيما الخوف من الموت، ولذلك يؤكد على أن «الموت بيدي»! وقد أكد القرآن على أن الأجل إذا جاء فلا يقدّم ولا يؤخّر؛ (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا یَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا یَسْتَقْدِمُون) [النحل/61]
- قال أمير المؤمنين(ع): «فَإِنَّهُ لَیْسَ عَنِ الْمَوْتِ مَحِیصٌ؛ إِنَّکُمْ إِنْ لَا تُقْتَلُوا تَمُوتُوا» [الإرشاد للشيخ المفيد/ج1/ص238] الجهاد لا يقرّب الموت، فلا تحسب أنك لم تكن تموت إن تخلّفت عن جبهات القتال! «إنّ الفارَّ لَغَیرُ مَزِیدٍ فی عُمرِهِ و لا مَحجوزٍ بَینَهُ و بَینَ یَومِهِ» [الكافي/ج5/ص41]
الروحية الاستشهادية طريق للالتفاف على خشية الموت
- لماذا كان القائد سليماني يتمنّى الشهادة بفارغ الصبر؟ لأن الأذكياء يقولون: «أخشى أن أموت وأفقد فرصة الشهادة!» تصوّروا لو كان القائد سليماني يموت بعد عمر طويل قضاه بالجهاد على أثر سكتة قلبية، ما كان أفجعه من حدث! ولانحنى مسار التاريخ إلى منحى آخر، كما أن الآن وبعد استشهاده تغيّرت أحداث التاريخ واتخذت منحى آخر.
- يجب إقصاء الخوف، حتى الخوف من الموت. طلب الشهادة طريق لتفادي «الخوف من الموت» واجتيازه! الدرجة الأولى في طلب الشهادة هو أن تكون قد أقنعت نفسك بالموت، أمّا بعض الناس فأساسا لا يفكّر بالموت أبدا! انظروا كم قد وُصينا بكتابة الوصيّة. فإنك عندما تكتب وصيّتك فقد التفتّ إلى حقيقة أنك لا محالة راحل! فاكتب وصيّتك وإن شاء الله لا تموت مبكّرا! ولكن الإنسان يريد أن لا يفكّر بالرحيل والموت أبدا! إنك إن تحلّ قضية الموت لنفسك ستخلص من مشاكل كثيرة.
قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتين) هو أسلوب لإقصاء خوف الإنسان
- بالإضافة إلى هذا الأسلوب يستخدم الله في القرآن أسلوبا آخر لإزالة خوف الإنسان؛ وذلك عندما ينسب الرزق إلى نفسه. فهو يؤكد على أن «الرزق بيدي!» لعلك تقول: «إذا كان رزقنا بيد الله، فلا داعي بعد للعمل؟» أفهل أنت من أولئك الذين لا يعملون إلا بدافع خشية الإملاق والجوع؟ فإن ذلك ليس بحسن أبدا!
- أفهل إذا اطمئن الإنسان أن رزقه محفوظ وآتيه لا محالة، ينبغي أن يترك العمل؟! العمل جوهر الإنسان. فقد قال الإمام الصادق(ع): «ِ فَإِنَّهُ خُلِقَ لَهُ الْحَبُّ لِطَعَامِهِ وَ كُلِّفَ طَحْنَهُ وَ عَجْنَهُ وَ خَبْزَهُ وَ خُلِقَ لَهُ الْوَبَرُ لِكِسْوَتِهِ فَكُلِّفَ نَدْفَهُ وَ غَزْلَهُ وَ نَسْجَهُ وَ خُلِقَ لَهُ الشَّجَرُ فَكُلِّفَ غَرْسَهَا وَ سَقْيَهَا وَ الْقِيَامَ عَلَيْهَا وَ خُلِقَتْ لَهُ الْعَقَاقِيرُ لِأَدْوِيَتِهِ فَكُلِّفَ لَقْطَهَا وَ خَلْطَهَا وَ صُنْعَهَا وَ كَذَلِكَ تَجِدُ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ فَانْظُرْ كَيْفَ كُفِيَ الْخِلْقَةَ الَّتِي لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهَا حِيلَةٌ وَ تُرِكَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَوْضِعُ عَمَلٍ وَ حَرَكَةٍ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ لَوْ كُفِيَ هَذَا كُلَّهُ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ فِي الْأَشْيَاءِ مَوْضِعُ شُغُلٍ وَ عَمَلٍ لَمَا حَمَلَتْهُ الْأَرْضُ أَشَراً وَ بَطَراً وَ لَبَلَغَ بِهِ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَتَعَاطَى أُمُوراً فِيهَا تَلَفُ نَفْسِهِ وَ لَوْ كُفِيَ النَّاسُ كُلَّمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ لَمَا تَهَنَّئُوا بِالعَيْشِ وَ لَا وَجَدُوا لَهُ لَذَّةً أَ لَا تَرَى لَوْ أَنَّ امْرَءاً نَزَلَ بِقَوْمٍ فَأَقَامَ حِيناً بَلَغَ جَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَطْعَمٍ وَ مَشْرَبٍ وَ خِدْمَةٍ لَتَبَرَّمَ بِالْفَرَاغِ وَ نَازَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَى التَّشَاغُلِ بِشَيْءٍ» [توحيد المفضل/ ص86]
- تقول تعاليم الإسلام: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) [الذاريات/58] فلا تخافون. بينما يقول بعض الجهلة: «إن هذا النمط من تعاليم الدين في الرزق جعل الشعوب الإسلامية لا تكدّ ولا تعمل! فإن السبب في انحطاط المسلمين هو معتقداتهم الدينية! لأنهم يعتقدون أن الله هو الرزاق فلا يعملون، فيجب أن يخافوا من الفقر ليباشروا العمل!» فإن هؤلاء قد اتخذوا أساسا علط لعمل الإنسان. بينما يود الله أن يربّي عباده بشخصيّة قويّة ولذلك يقول لهم: أريحوا بالكم فأنا رازقكم، فاعملوا إذن قربة إليّ وعبادةً وشكرا لي ومن أجل التشبّه بي ومن أجل المزيد من الإبداع ـ إذ كل من كان مبدعا فهو يصبح شبيها بعض الشيء بالله البديع ـ وستحظون عندئذ بحياة مختلفة تماما.
- يعلمّنا الدين بتعاليم يزيح بها الخوف من قلوبنا؛ هذا الخوف الذي أصبح لدى الكثير الدافعَ والمحرّك للحياة والذي يحرّضهم على العمل، فيعملون مثلا خشيةَ الإملاق.
«الخوف من الله» لطريق آخر للقضاء على الخوف
- إن لله سبحانه طريقا آخر إلى إزالة الخوف عنا. عندما ينهاك الله عن الخوف ويراك لا محالة خائفا، يقول: اخشني! فعلى سبيل المثال يقول: (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْني) [البقرة/150] عندما ينهى القرآن عن خشية أحد، يوصي في الغالب بخشية الله ورهبته.
- ماذا يحدث إن خشينا أحدا غير الله؟ فعلى سبيل المثال إن تنازلتم للأمريكان بسبب قسوتها في الإجرام، لكي لا تدخلوا معها في حرب وتحافظوا على السلم والأمن ماذا يحصل؟ ستفقدون أمنكم؛ هذه هي سنة الله. فقد روي عن الإمام الصادق(ع): «مَنْ لَمْ یُنْفِقْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ ابْتُلِيَ بِأَنْ یُنْفِقَ فِي مَعْصِیَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ لَمْ یَمْشِ فِي حَاجَةِ وَلِيِّ اللَّهِ ابْتُلِيَ بِأَنْ یَمْشِيَ فِي حَاجَةِ عَدُوِّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ» [من لا يحضره الفيه/ج4/ص412]
- إن لم نكن تعبويّين وجنودا للمقاومة ولم نكن في خدمة وليّ الله ولم نضحِّ في هذا السبيل، نصبح جنودا وفدائيّين أذلاء لأمريكا بالمجان! فلابدّ أن نخاف من هذه العاقبة فقد عاقب الله أهل الكوفة يومذاك بهذه العقوبة. فقد دعاهم أمير المؤمنين(ع) مرارا إلى جهاد العدوّ، ولكنهم قصّروا وتخلّفوا. فصار مصيرهم أن التحقوا بعد فترة بجيش يزيد وقُتِل منهم آلاف في سبيل قتل الحسين(ع).
كيف يسدّ اللهُ علينا بابَ تبرير الخوف؟
- انظروا كيف كيف يسدّ الله علينا أبوابَ تبرير الخوف؟ لقد أشرنا إلى طريقين: أحدهما هو أن يؤكد على أن «الموت بيدي» والثاني هو أن يقول لنا: «رزقكم بيدي» فلماذا تخافون؟
- إن الله يسدّ علينا باب تبرير الخوف من جانب لكي لا نخشى غيره ويقول: «اخشوني فأنا الذي قادر على أن أصيبكم بأنواع العذاب». فقد قال في هذه الآية المشهورة: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ دينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْن) [المائدة/3] لماذا؟ لأني منحتكم إماما، والإمام مدعاة لقوّتكم. فاخشوني! فإنكم إذا أطعتم إمامكم قويتم ولا تعودون تخشون عدوّكم، ولكن إذا عصيتم إمامكم فأنا خصيمكم!
- قدّروا ـ مثلا ـ هل الله أقدر على البطش بنا أم أميركا؟ الله بلا ريب. فعلى أيّ أساس نخشى أميركا ولا نخشى الله؟!
الخوف من الله، يجعل الإنسان عاشقا لله
- لا سبيل لنا إلى تبرير الخوف. فإذا أردنا أن نبرّر خوفنا فما عسانا أن نفعل بالخوف من الله؟ فإن يأت الخوف من الله تنمحِ تبريراتنا السابقة جميعا. يزيح الخوف من الله كلّ ما يحوكه الذهن في تبرير الخوف.
- لقد كثر الحديث في عشق الشهداء لله. ولكن بودّي الآن أن أذكر نقطةً في «خوف الشهداء من الله». لقد رأينا في أيام الدفاع المقدّس أن خوف الشهداء من الله أكثر ممّا نتصوّر. فعلى سبيل المثال كانوا إذا يأخذون إجازة في الرجوع إلى أوطانهم يخشون أن يكون ذلك معصية الله. الخوف من الله يجعل الإنسان عاشقا لله. فلولا هذا الخوف من الله لتحيّر الإنسان وتاه.
ما هي العلاقة بين الخوف من الله والخوف ممّا سواه؟
- هناك علاقة بين الخوف من الله والخوف ممّا سواه. فقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «مَنْ خَافَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَخَافَ اللَّهُ مِنْهُ کُلَّ شَیْءٍ وَ مَنْ لَمْ یَخَفِ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَخَافَهُ اللَّهُ مِنْ کُلِّ شَیْءٍ» [منلايحضرهالفقيه/ ج4/ ص410]
- مثلا كان القائد سليمان يخاف الله كثيرا. فما يحدث لمن يخاف الله؟ إحدى النتائج هي أنه سيهابه العدوّ. حينما حاصر الدواعش منطقة ليقتحموها، بمجرّد أن سمعوا بقدوم القائد سليماني إلى تلك المنطقة، انسحبوا منها وفرّوا!
الأثر الوضعي المترتب على خشية الله هو عدم الخوف ممّا سواه
- من أجل أن يسدّ الله علينا باب تبرير الخوف قال: (وَ اخْشَوْني). الالتفات إلى بعض ما سيحدث بعد الموت من سكرات الموت وضغطة القبر وسؤال منكر ونكير و... لطريق إلى التخلّص من الخوف من غير الله.
- فانظروا كم يرهبنا الله سبحانه في القرآن الكريم! حتى يسعنا القول بأن القرآن يرهب الإنسان أكثر ممّا أن يحتفي به أو يحترمه. لأنه يريد أن لا تخاف أحدا بل تخاف الله وحده! الأثر الوضعي المترتب على خشية الله هو عدم الخوف ممّا سواه. فما يحدث إذا كنت لا تخاف أحدا سواه؟ سيخاف هو منك!
- قال الإمام(ره) لأولاده ذات مرّة: «إن ما يقوله الناس من أنّهم یخافون من شيء ما، لم أشعر به قطّ!» أن يقول الإمام: «لم أشعر بهذا الخوف» يعني أنه لم يخف سوى الله شيئا.
- يقول الإمام(ره): «إن عرف الإنسان أن كلّ شيء منه، فلن يخاف بعد ذلك من أيّ قوّة. نحن الذين نخاف من القوى، فذلك لأننا نحسب أنها قوّة حقّا. إن لم يعترف الإنسان بقوّة سوى قوّة الله، واعتبر كلّ شيء منه، فلا يسعه بعد ذلك أن يخاف شيئا. كلّ مخاوفنا هي ناجمة من كوننا لم ندرك أن القوّة قوّة واحدة، وهي قوّة لصالح الجميع. إنها قوّة مستخدمة لصالح جميع الناس وكل مجتمع وجميع البشر. نحن أدركنا هذا المعنى وعرفنا أن كل شيء منه وكل ما هو موجود هو لصالحنا ومن أجل تربيتنا، فإذا عرف الإنسان ذلك حقّا وشاهده وذاب فيه، ستنحل كل هذه القضايا.» [صحيفة الإمام(الفارسية)/ج19/ص355]
أرهبوا الجنود الأمريكان
- عندي اقتراح لكم أيها الشبّان. استعينوا بالذين يعرفون اللغة الإنجليزية وأعدّوا تصاميم بجمل وعبارات مختلفة ترهبون بها الجنود الأمريكان، وخاطبوا أسرهم أن اسحبوا أبناءكم من منطقتنا. الجنود الأمريكان هم خائفون كثيرا دون تحريك ساكن، فإن فعلتم ذلك سيتنهي أمرهم إلى التمرد على الجيش، وسنرى انسحابهم من الجيش وفرارهم من المعسكرات وسوف يتلاشى جيشهم.
- كان الشهيد همت في 1981 أحد أعضاء المجموعة التي ذهبت إلى لبنان بقيادة الحاج أحمد متوسليان. فكان بصفته مسؤولا على أحد الأقسام يعلم ويدرّب المجاهدين وكان يقول: «إن أسهل حرب في العالم هي الحرب ضدّ إسرائيل! ثم شرح لنا اصطفافهم العسركي حين هجومهم بالدبّابات، وقال: حسبكم أن تستهدفوا دبابة واحدة. وكفاكم أن تستهدفوا من رتلهم رجلا واحدا!»
قال الإمام(ره) قبل ثلاثين سنة: اضربوا البارجة الأمريكيّة. ولكنّهم لم يمتثلوا!
- ترى البعض يخافون من هيمنة الجنود الأمريكان. لابدّ أنكم قد رأيتم كثرة الأجهزة التي ربطوها بأنفسهم. فقولوا لهم: كلّ هذه الأجهزة التي ربطتموها بأنفسكم هي نتيجة خوفكم!
- اللهم بحقّ دماء جميع المظلومين الذين سفكت دماؤهم حتى اليوم، افضح وأبد أولئك الذين تسببوا في بقاء أميركا ودوام ظلمها وجرائمها إن لم يستحقّوا الهداية.
- قال الإمام(ره) في عام 1988: أول بارجة أميركيا تقدم، فاضربوها! ولكن لم يفعلوا ذلك! وها قد اتضح بعد ثلاثين سنة أنّ أكبر ضعف يعاني منه الجيش الأمريكي، في بوارجه. فكان بوسعنا أن نستهدفها يومذاك ولكن لم نفعل.
- يقول الله لنا: حسبكم ألّا تخافوا، وعليّ الباقي! إن الله يدير الأمواج؛ أمواج الرعب التي يلقيها في قلب العدوّ تجاهك. والله يقول: إن هذه الأمواج بيدي. ثم يقول: لا تخف سواي، أجعل الجميع يهابك. وما أكثر الروايات في هذا الخصوص. كما روي في أصحاب الإمام المهدي(عج) أنهم إذا ساروا إلى منطقة يتقدّمهم الرعب إلى هناك ويمهّد لنصرهم؛ «القَائِمُ مِنّا مَنْصُورٌ بِالرُّعْبِ مُوَیدٌ بِالنَّصْر» [کمالالدین/ج1/ص331] «وَ الرُّعْبُ یَسِیرُ مَسِیرَةَ شَهْرٍ أَمَامَهُ وَ خَلْفَهُ وَ عَنْ یَمِینِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ» [غيبة النعماني/ص234]
الخوف من الله هو شأن الراقين من الناس!
- كيف يقنعنا الله على أن لا نخاف؟ الطريق الأوّل هو أن يعلن أن (الْقُوَّةَ لِلَّه) والثاني أن يقول: «إياي فارهب فإنا الوحيد الذي قادر على أن أبتليك بشتى المصائب والرزايا»! لعلّكم تتصوّرون أن هذا الأسلوب هو خاصّ بأصحاب العقول والأفهام الدانية، أما الراقون من الناس فهم يعرفون أن القوّة لله ولا يخشون سوى الله. ولكن الخوف من الله ليس شأن أولي المستوى الداني من الناس!
- من أجل أن تتخذوا الخوف من الله بمزيد من الجدّ لاحظوا هذا الحديث الشريف عن رسول الله(ص) حیث یقول: «یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِمَلَائِکَتِهِ یَا مَلَائِکَتِي انْظُرُوا إِلَى أَمَتِي فَاطِمَةَ سَیِّدَةِ إِمَائِي قَائِمَةً بَیْنَ یَدَیَّ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهَا مِنْ خِیفَتِي وَ قَدْ أَقْبَلَتْ بِقَلْبِهَا عَلَى عِبَادَتِي»[أمالي الصدوق/ص113]
- مع كل ما تحظى فاطمة الزهراء(س) به من مقام ومنزلة، سألت عليّا أن لا يفارق قبرها بعد دفنها بل يجلس عندها ويتلو القرآن.
لماذا كل من يخاف الله يعشقه؟
- فلنسأل الزهراء(س) أن تهب لنا هدية وهي «الخوف من الله»، أو الخوف من عذابه أو من إعراضه عنّا على الأقل. أتمنى أن تهب لنا هذه الهديّة لنذوق طعم الحياة وطعم محبة الله قليلا، لأننا نقرأ في الأدعية المأثورة: «يا من لا مفرّ إلا إليه». و جاء في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين(ع): « وَ فِرُّوا إِلَى اللَّهِ مِنَ اللَّه» [نهج البلاغة/الخطبة24]
- كلّ من يخاف الله يعشقه. أتدرون لماذا؟ لأن بعد خوف العبد من الله يضمّه الله إليه ويفور حنان الله ويهدّئ عبده ويطمئنه! كالأم التي تضمّ طفلها إذا فزع إليها.